حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم صيفي في عز الشتاء 'ولد وبنت':

رومانسية البكاء والغضب والديسكو!

القاهرة من كمال القاضي

يبدو أن أعراض الكتابة السينمائية والإخراج تنتقل بالعدوى فتضع بعض الشخصيات صدفة في دائرة الإبداع أو بالأحرى 'الدجل' الإبداعي، وهي ظاهرة ليست جديدة بدأت في سنوات السبعينيات وكان يطلق على إفرازاتها أفلام المقاولات، لكن الآن صار المسمى الأدبي لها أفلام 'تجارية'، حيث كلمة مقاولات تزعج شركات الانتاج وتكون انطباعاً سلبياًَ عن المصنف الفني لدى الجمهور، وبرغم هذا التحايل في الإسم والتوصيف ظلت الظاهرة قائمة وماكينة الأفلام تنتج العشرات من النوعية ذاتها دون النظر إلى القيمة الفنية أو مراعاة الحد الأدنى من الجودة، ولنا في بعض الأفلام السابقة واللاحقة والآتية أمثلة صارخة لا يمكن الخلاف على أنها حولت السينما كصناعة وفن ومتعة وأداة تغيير الى مجرد لعبة يعبث بها الهواة من غير الموهوبين طلباً للشهرة والمال، وتلك غواية لم تسلم منها الصناعة السينمائية المصرية حتى بعد أن تجاوزت تاريخيا المئة عام، فالمتربصون كُثر والمدعون أكثر!

المقدمة السابقة وإن كانت طويلة لكنها تمهيدا يليق بالفيلم المعروض حاليا بدور السينما 'ولد وبنت' والمدموغ بخاتم 'العدل غروب' للإنتاج، وبالإضافة لذلك فإن المخرج هو كريم العدل احد أعضاء المنظومة السينمائية في الشركة الإنتاجية واسعة الشهرة ذائعة الصيت، وهو ما يحتم ان تكون المناقشة على مستوى المقارنة بين ما تم تقديمه من قبل وما يقدم ويطرح الآن، إذ لا يمكن إنكار حجم الإسهام السينمائي للشركة المذكورة في السنوات الماضية، بيد أن المفارقة تستوجب إبراز التفاوت الفج بين فيلم 'ولد وبنت' وما سبقه من أعمال أخرى، ولنبدأ من السيناريو الذي كتبته عُلا عز الدين حمودة بحسن نية مفرطة في اللعب على أوتار الرومانسية بتصور أنها تعيد من جديد مأساة 'روميو وجوليت' بطريقتها الخاصة في صياغة إنسانية تبتعد عن العنف والدم والقتل والرصاص والأشلاء وهي غاية محمودة لم تفلح الكاتبة في إنجازها لأنها دخلت بمعطيات 'الحدوتة' في سياقات عديدة ومختلفة حتى تداخلت الخيوط الدرامية وتشابكت وصارت معقدة فلم نتبين الخطأ من الصواب فيما كان مطروحاً وصرنا كالطُرش في الزفة ولم نعد ندري إذا كانت عُلا عز الدين تقصد إعادة إنتاج روميو وجوليت بالفعل أم أنها تصور المشاعر العاطفية المتأججة بين الولد والبنت في مرحلة المراهقة بفورانها وعنوانها وهيستيريتها أحيانا؟!

الأشياء والمعاني والخواطر كلها كانت محتملة في الفيلم الرومانسي - الكوميدي - الأكشن - الطويل العريض، فنحن أمام وجهان جديدان هما أحمد داود 'سامح'، مريم حسن 'شهد' وبينهما آية حميدة 'ليلى'، الأطراف الثلاثة يمثلون دائرة الصراع الرومانتيكي المشتعل، قصة حب عنيفة بين سامح وشهد تتوافر لها كل سُبل النجاح والفلاح ولا تصادفها أية معوقات، ومع ذلك لا يخلو مشهد بين الحبيبين المراهقين من شجار ونقار وغضب وزعل وسفر حتى ظننا أن ثمة مشكلة حدثت وراء الكاميرا اثرت على الحالة النفسية للأبطال أو أن موت المؤلف الكبير حامد رضا أو 'حامد بهلوان'، والد شهد قد أدى إلى فقدان البطلة وبقية فريق العمل توازنهم فحدث الارتباك وأدى بالصديقة آية حميدة 'ليلى' إلى الإنقلاب على صديقتها ومحاولة اقتناص حبيبها منها ومطاردته الى حيث ذهب في الفندق الكبير بالمنطقة الساحلية - السياحية للهروب من الحب القاتل وسهر الليالي إلى دوامة العمل الذي ترقى فيه بسرعة الصاروخ من مجرد 'شيف' الى مدير يأمر وينهي ويحصل كل يوم على صلاحيات جديدة، تطور مذهل في الشكل من الخارج و بينما المضمون الفعلي لم يتحرك قيد أنملة، البطل يتعذب والبطلة تشقى بحبها والصديقة الحائرة تمني نفسها بالصيد الثمين الذي هو 'سامح'، والأب، الأديب الكبير توفاه الله فجأة والأم والزوجة سوسن بدر تزوجت من شخص آخر في زمن قياسي كأنها كانت تنتظر موت زوجها بفارغ الصبر والفجوة بينها وبين ابنتها الوحيدة تتسع إلى ما لا نهاية، وعلى الجانب الآخر يظهر شخصان غريبان، أحدهما يطمع في شهد ويحاول اغتصابها وهو الذي يمثل الرأسمالية المتوحشة، إذا أردنا أن نضفي على الشخصية بعض الأهمية ونوجد لها تفسيرا، أما الشخصية الأخرى فهي للمثقف الثوري المنحاز في خطابه للفقراء والذي أرادت السيناريست ان تصنع به بعدا سياسيا وإنسانياً لم يكن بالطبع متجانسا مع الأجواء العامة لفيلم تختلط فيه ألوان الطيف ويخضع في تصنيفه لنوعية السينما السياحية التي تنتظر قدوم الجمهور العربي من بلدان الخليج لتنعش شباك التذاكر، عند هذا الحد يمكن القول بأن دور المؤلف قد انتهى، حيث ارتسمت كل الشخصيات على النحو المرجو وبدأت مرحلة تولي المخرج كريم العدل مهمة توظيف الشخصيات وتحريكها في الاتجاه الصحيح أو المفترض أنه الصحيح، إلا أن ما رأيناه عكس صورة مغايرة فقد اعتنى المخرج بإظهار القصر المنيف الذي تسكنه البطلة في إشارة للفارق الطبقي بينها وبين حبيبها، حتى بعد أن تركت الحبيب المكلوم وتزوجت من المثقف الممثل للطبقة المتوسطة المستنيرة بات القصر هو البطل يتوسط الكادر في كل لقطة، بينما يسير الصراع فيه كما هو على خلفية الشتات والفرقة والهزيمة لكل من الطرفين، البطل والبطلة، ناهيك عن غبن الصديقة التي خرجت من الدنيا صفر اليدين، فلم تظفر 'بسامح' حبيب صديقتها ولم تحتفظ بصداقة شهد كما كانت قائمة بينهما!

الكل يتوجع ويتألم ويفرغ شحنات الغضب في الديسكو وعلى البلاج، طريقة مختلفة وجديدة لتفادي الأزمات وخروج الإنفعالات، هكذا تكون سينما المصايف في عز الشتاء القارس.

القدس العربي في

08/03/2010

 

ذاكرة السينما اللبنانية في مهبّ المستثمرين

باسم الحكيم 

العصر الذهبي برسم البيع! «ستديو بعلبك» الذي كان أول صرح يقدّم أفلاماً بالألوان قبل مصر، سيصير من الماضي بعدما اتُّخذ قرار بهدمه مقابل... موقف للسيارات. إليكم مأساة شعب بلا ذاكرة

سيهدمون قريباً «ستديو بعلبك»! لا تنزعجوا، فالعاصمة ستسفيد قريباً من مرأب واسع في منطقة حرش تابت (شرق بيروت) بدل الصرح الثقافي التراثي، بعدما اكتظت شوارع بيروت بالسيارات. ولاحقاً، سيرتفع مبنى مشيّد على الطراز الحديث، بدل الاستديو الذي كان مركزاً لاستقطاب الفنانين اللبنانيّين والعرب. الأجهزة القديمة للاستديو، الذي كان شاهداً على عصر بيروت الذهبي منذ الخمسينيات، بيعت بالمزاد العلني. وما بقي من محتوياته من أشرطة وبعض أدوات التسجيل، يباع الآن بـ«الكيلو»، لمن يرغب في اقتناء شيء من ذاكرة الوطن!

هكذا، صارت «ذاكرة وطن» برسم البيع، ولا أحد يحرّك ساكناً. ولعل الممثلة ليليان نمري هي وحدها التي فكّرت في فتح غروب على «فايسبوك» حمل عنوان «الاستنكار الشعبي لهدم ستديو بعلبك»، وضمّنته موضوعات عن تاريخ الاستديو منذ تأسيسه في الخمسينيات (راجع الكادر). تقول نمري: «كنت صغيرة أزور الاستديو مع والدتي عليا نمري، التي كانت تضع صوتها على الأفلام اللبنانيّة التي كانت تصوّر يومها. عندي حنين إلى هذا المكان، الذي لم تعرف دولتنا كيفيّة الإفادة منه، وها هي تحوّله إلى مرأب للسيّارات». وتتوقف عند مجموعتها على «فايسبوك»: «لست وحدي في «الغروب». معي مخرجون وشباب متأثرون بالأمر». وتسارع إلى القول: «استنكارنا لما يحصل نابع من خوفنا على بقيّة الصروح الثقافية والمواقع التي صنعت السينما والدراما في هذا البلد، وكل ما هو مرتبط بالذاكرة».

أسّست ليليان نمري مجموعة على «فايسبوك» وإلياس الرحباني يدعو إلى تحرّك عاجل

أما الملحن إلياس الرحباني، الذي لم يتمكن من ضبط أعصابه حين علم بالخبر، فيواسي نفسه بوعد وزير الثقافة سليم وردة، الذي طلب إيقاف عمليات الهدم قبل يومين. ويشرح: «هذا الاستديو هو أحد آثار لبنان. حين بدأوا ببنائه، كنت أمضي ساعات مع العمال كأني مهندس معماري». ويرى أنّ «نسبة كبيرة من تراثنا في الشرق تحمل توقيع «ستديو بعلبك»، بدءاً من فيروز وصباح ووديع الصافي وعاصي ومنصور، مروراً بزكي ناصيف وتوفيق الباشا وفيلمون وهبي، وليس انتهاءً بعبد الوهاب وعبد الحليم. لقد كان مثل هوليوود». ويرى الرحباني أنّ هدمه لا يختلف عن هدم قلعة بعلبك، سائلاً: «لماذا تهدم الدولة كل شي يربط اللبنانيّ بأرضه»، داعياً إلى تجمع أمام الاستديو، لعله يجدي نفعاً بعد.

ويسترجع السينمائي شوقي متّى ذكرياته في الاستديو «هو أول استديو يقدم أفلاماً بالألوان قبل مصر، وكانت بعض شركات الإنتاج الأميركيّة تطبع أفلامها فيه». وينتقد متّى إهمال الجهات المعنيّة، موضحاً: «لو كان لدينا نقابات ووزارتا ثقافة وإعلام ومجلس وطني للإعلام، لما حصل ما حصل. يبدو لي الأمر كأننا نبيع مجلس النواب أو قلعة بعلبك، هذا صرح ثقافي». ويسأل: «أين يريدون أن نطبع أفلامنا، هل نسافر إلى تركيا مثلاً؟». ويستنكر متّى بيع محتويات الاستديو «كيف باعت الدولة؟ وهل تملك الحق في ذلك؟ ما يحويه الاستديو صار من التراث. يجب أن يظل كذكرى في الاستديو، ثم يجهّز بمعدات جديدة». ويدعو متّى وزير الثقافة والنقابات الفنية إلى التحرّك «وإلّا فنحن نسمسر هذا البلد».

نقيب ممثلي المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون جان قسيس يتفق مع شوقي متى على ضرورة النهوض بالاستديو. ويذكّر بما حصل في حالة «التياترو الكبير» (وسط بيروت) الذي ابتلعته مشاريع الاستثمار. «طالبنا ولم يردّ علينا أحد في وزارة الثقافة. صار الوسط الفني مصاباً بإحباط مزمن، لأن استثمار الأرض أهم من أي مشروع ثقافي، مع أن المتحف يدر مدخولاً كبيراً على البلد». ويعلّق الإعلامي والمسرحي عبيدو باشا بأنّه «مؤسف أن نتخلّى عن كيان له موقعه في تاريخ لبنان الحضاري والثقافي، وقد مثّل البنية الأساسية لقيام السينما اللبنانيّة».

أما مديرة جمعية «متروبوليس» هانية مروة، فتقول: «قصدت المكان منذ أسبوع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعدما علمت بأمر الهدم. وكان الأرشيف في مكانه، وكان في المبنى من يبيع المحتويات والمعدات التي لا تُستخدم اليوم، وتصلح لأن توضع في متحف. الأسطوانات والريلات ضربها العفن، ولا أدري إذا جرى التصرف بجزء من الأرشيف قبل دخول «جمعية أمم للبحث والتوثيق» على الخط، وهي المكلّفة الحفاظ عليه، بعدما صار في عهدتها. نحن أخذنا ما أخذناه كي لا يرمى في النفايات». تسلمت مروة جهازين قديمين ستعرضهما في «متروبوليس»، لكنّها تسأل: «كيف تتخذ الدولة قراراً كهذا قافزةً على صلاحيات وزارة الثقافة؟». وتستنكر «استغناء الدولة عن أرشيف هو ملك البلد والأجيال القادمة»، وتوجّه اللوم الأول إلى وزير الثقافة، رغم أنّه طلب وقف الهدم أخيراً، لكن إذا استطعنا الحفاظ على المبنى، فقط لقيمته التاريخيّة. 

حلم مجهض

تأسّس «ستديو بعلبك» في أواسط الخمسينيات، على أيدي رجلي الأعمال الفلسطينيين بديع بولس ويوسف بيدوس، واهتم بالموسيقى والأغنيات والأفلام السينمائية. وقبل أن يحمل اسمه الحالي، أنشئ الاستديو تحت تسمية «الشركة اللبنانيّة للتسجيلات الفنيّة». ومن مؤسسيه توفيق الباشا ونزار ميقاتي وزكي ناصيف (الصورة) وكامل قسطندي وصبري الشريف. كان الاستديو مقصداً للفنانين من مختلف الأقطار العربيّة. ونهض بالسينما اللبنانيّة، قبل انهيار «بنك انترا»، ثم أتت الحرب وقضت عليه، ولم تتحمل الدولة أعباءه ما أدى إلى إقفاله. لكن عام 1992، أعيد افتتاح الاستديو، ليحتضن بشكل أساسي المشاريع الطلابيّة... إلى أن جاء 2010، ليقضي على حلم النهوض به.

الأخبار اللبنانية في

08/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)