حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ضوء

كتاب عن فن الإخراج

عدنان مدانات

في العصر الحالي، الذي صار من اليسير فيه على الراغب امتلاك أدوات إنتاج الأفلام الرقمية، ثمة الكثير من طرق تعليم الإخراج خلال دورات وورش عمل تستغرق فترات زمنية قصيرة، أياماً أو أسابيع، في أحسن الأحوال، دورات يصبح بعدها المرء قادرا على إنتاج فيلم، لكن، إن لم يمتلك المرء موهبة وثقافة فلن يكون فيلمه إلا مجرد منتج حرفي يفتقر إلى الإبداع .

ثمة مقولة تتضمن مفارقة تتعلق بتدريس الإخراج السينمائي فحواها انه ليس المهم تعليم الإخراج بل المهم هو تعلمه . يمكن فهم هذه المفارقة على النحو التالي: المقصود بالتعليم هو تعريف الإنسان المعني بحرفة الإخراج وأدواته وجعله قادرا على أن يتعامل معها ويستخدمها لصناعة فيلم، أما التعلم فيقصد به الجهد الذاتي الثقافي والمعرفي من قبل المتعلم الذي يجعله لا يكتفي بما جرى تعليمه أو تلقينه من معارف حول أدوات الإخراج، بل يزيد على ذلك أن يتوصل إلى التعامل مع الإخراج كوسيلة تعبير فنية إبداعية وليس كمجرد حرفة، أي أن يتعامل مع فن الإخراج وليس الإخراج .

مناسبة هذا الحديث كتاب جديد صدر بالعربية بعنوان “فن الإخراج وكتابة السيناريو”، وهو كتاب لا يضاف إلى عدد لا بأس به من الكتب المؤلفة والمترجمة التي تهدف إلى تعليم القارئ أصول الإخراج وكتابة السيناريو وحسب، بل يشكل في الحقيقة إضافة جوهرية جديدة من نوعها على هذا النوع من الكتب، ربما باستثناء كتابين صدرت ترجمتهما قبل نحو ربع قرن ولا زالت لهما قيمتهما وهما “فهم السينما” للباحث الإيطالي لوي ديجانيني و”أحاديث حول الإخراج السينمائي” للمخرج السينمائي والأستاذ في معهد السينما الشهير في موسكو “فغيك” ميخائيل روم .

ما يميز هذا الكتاب أنه ينأى بنفسه عن الاكتفاء بتقديم أبرز أبجديات الحرفة والتي صارت معرفتها متاحة والتعريف بالوسائل التقنية المستخدمة في صنع الأفلام، ويغوص إضافة إلى ذلك، وهذا هو الأهم، في شرح وتحليل وسائل التعبير السينمائية في تطورها عبر تاريخ السينما ومن خلال المناهج والأساليب والتجارب المتنوعة التي عرفها تطور السينما على يد كبار المخرجين المبدعين في أرجاء العالم المختلفة، كما يسهب في التعريف بأهم النظريات السينمائية التي اسهمت في إرساء معالم الفن السينمائي وبعض هذه النظريات كان يتعارض مع البعض الآخر، وكل ذلك يتحقق من خلال الأمثلة التفصيلية التي لا تكتفي بالتعبير بالكلمات بل تزيد عليه ما يتوفر من صور ورسومات توضيحية، ويترافق مع كم كبير من المعلومات المفيدة والشيقة التي رافقت تطور السينما من خلال اجتهادات المخرجين على اختلاف أساليبهم ومناهجهم .

معرفة واستيعاب تاريخ تطور وسائل التعبير السينمائية أمر يساهم في التكوين الثقافي لمن يرغب في أن يكون مخرجاً مثقفاً سينمائياً ومبدعاً، وهذه حال يسعى إليها ويسهم فيها هذا الكتاب الجديد المصاغ بأسلوب واضح ولغة سهلة التعبير، والذي لا يلعب دور المعلم بل المحفز على التعلم، وهذا ما يؤكد عليه المؤلف، وأوافقه عليه، حين يكتب: “كلي أمل بأن تكون فصول هذا الكتاب ذات فائدة في مساعدة المخرج والسيناريست على فهم بعض العناصر المركبة، وإنني لا أزعم بأنني سأعلم المخرج والسيناريست الطريقة التي يجب عمل الفيلم بها، أو أعلم المشاهد كيف يستجيب للفيلم، ولكن آمل أن أقترح بعضاً من الأسباب التي تجعلهم يستجيبون لهذه الطريقة أو تلك” .

الكتاب الجديد، كما ذكر في الغلاف، من إعداد وتأليف المخرج العراقي سعد صالح، وهو يذكر في كلمته المنشورة على الغلاف الأخير انه عمل على الكتاب ما بين عامي 2005 و،2008 وهذه المدة الزمنية الطويلة تعني أنه اشتغل عليه بتأن، وهذا أمر يمكن ملاحظته بسهولة عند قراءة الكتاب . يوضح المخرج سعد صالح في المقدمة الطريقة التي أنتج فيها هذا الكتاب: “كنت - ولا زلت - أحاول التعرف إلى المزيد والمزيد من فن الفيلم السينمائي، كتابته، تصويره، أفضل طرق إخراجه، أشاهد الأفلام واكتب عنها، وألتقي أصحاب الرأي وأسجل ما يقولون، وعندما أمر بتجربة فنية على مستوى الممارسة العملية وأخاف عليها من النسيان أقيدها على الورق قبل أن تضيع، وهذه بعض محاولاتي في هذا المجال، اجمعها هنا لأدعو القارئ معي إلى التعرف إلى جماليات هذا الفن وبعض قضاياه الأساسية” . لهذا جاء عنوان الكتاب ليركز على “فن” الإخراج وليس الإخراج وحسب .

الخليج الإماراتية في

06/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)