حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم 2012:

قوى الطبيعة الأمّ تنهي أمريكا وتكافئ القارة السوداء!

نصر جميل شعث

مشاهدة متأملة لفيلم نهاية العالم 2012، الذي بات حديث الناس، يترك انطباعاً فائضاً لصالح عمل سينمائي غربي ينجح، وسط جرعات الخيال الزائدة، في تبني النقد الذاتي ومعاقبة الولايات المتحدة الأمريكية بإحداث هزة خيالية مؤسسة على اعتقادات دينية شعبية ومعطيات علمية، تبرّر - أو تصادق على - ردّ فعل قوى الطبيعة الأمّ، كما هي في الفيلم، إزاء الفوضى التي تقودها أمريكا في العالم.

ولعلّ إحدى أهمّ رسائل هذا الفيلم هي الترجمة المضادة لمقولة ' نهاية التاريخ' التي صاغ بعدها الاحتكاري والأناني والإلغائي المفكّر الأمريكي، الياباني الأصل، فرانسيس فوكوياما. فبفرح مرعب ينهي فيلم 2012 مقولة ' نهاية التاريخ' التي أريد منا أن نصدّقها ونذعن لها بكل ترسيماتها وتجسيداتها الخطابية والإجرائية لدى قوة متغطرسة تريد إقناعنا أن التاريخ أُنهِي، أي تمّ، وأقفِل بوصول أمريكا إلى سدته، بوصفها واهبة الديمقراطية وثقافة التعددية وقيم الليبرالية إلى العالم الذي عانى من قمع الأنظمة الشمولية، ومرّ بويلات الاضطهاد الإنساني، والصراعات الأيديولوجية!

لكن دور الفيلم لا يقتصر على تعرية أمريكا وجلدها، بل هو يهدمها وينهيها بفعل عوامل طبيعية تحدث في باطن كوكبنا المرتبط بالشمس التي ستحدث فيها انفجارات مدمّرة ستغيّر ثوابت هذا الكوكب المعمور. إذاً، الكارثة قريبة وحقيقةً مثلما يراها ' شارلي فروست' هذا الرجل المتحرّك في هيئة مجنون أو مهمش وعارف، حتى أن ' مايرسي' الذي كان يدير برنامج المكوك الفضائي(أطلانتس)، قبل موته بشهرين، استمع بشراهة لـ ' شارلي' الذي راح يطلع كاتب قصص وناشراً آخر اسمه 'جاكسون كيرتس' بنبوءة أو طريقة نهاية العالم، مجسداً ذلك بفيلم رسوم متحركة ساخرة ومدعومة باستشهادات من العالم، ' شارل هيدج' الذي تحدث عن ' استبدال القشرة الأرضية'، وقد دعمه في ذلك، ' آينشتاين'. هذا المنحى العلمي، ستوازيه حكمة عجوز صينيّ لصبيّ، في مكان مرتفع. سيمثل العجوز حكمته بهدوء: فبينما يصبّ شراباً ما من إبريقه في فنجان الصبيّ يصمت العجوز متفرّسا وجه الصبي، ولكنه لن يستجيب لرد فعل المريد الذي حاول مستعجلاً تنبيه العجوز ليكفّ عن الاستمرار، لأن الفنجان طفح. عندها سيقول الحكيم: ' لترَ الحكمة يجب أن تفرغ فنجانك أولاً'! وحكمة الفراغ هذه إنما تصدر عن صفاء أخلاقي وفي مبحث الخير الوجوي المحض، لذا ستظل بعيدة وبريئة من أي تأويل سياسي يرى في الصين بديلاً كفؤاً لسدّ الفراغ الذي سيتركه انتهاء أمريكا.

يذكر أن ' جاكسون' - الذي قرأ العالم الجيولوجي ' أدريان هلمزلي' بعض قصصه أيام كان طالباً في الجامعة - أفاد كثيراً من مدير برنامج ' أطلانتس' الراحل ' مايرسي'. ولكن توقيع جاكسون إهداء مجموعة القصص تلك بـ ( وداعاً أطلانتس) والذي ظلّ عالقاً في ذهن العالم الجيولوجي؛ إنما كان يقصد به جاكسون اسم زوجته التي انفصل عنها. ثم ها هو الآن ينتهي من مشاهدة فيلم الرسوم ويستمع لـ ' شارلي' الذي راح يتكلّم بصوت تصاعدي عارم خلال رشفات الجعة: ' ستنهار سوق الأوراق المالية، ثم الاقتصاد، ثم الدولار، ثم ستشتعل النيران في الشوارع، ثمّ تزداد الحروب والإبادة الجماعية'. وكم سيسخر هذا المجنون ذو الشعر الطويل واللحية، من الجيش الأميركيّ الذي بدا بعض أفراده يحرسون بحيرة غير آمنة جففها الارتفاع المفاجىء لدرجة حرارة الأرض!

وفي الطرف الأقصى من شرق المعمورة، هناك أخبار تتحدّث بها بعثة الوثائق عن اكتشاف انتحار جماعي في معبد ' مايا' في مدينة ' تاكال'. لقد سبقوا بانتحارهم نهاية العالم التي ستجيء حسب تقويم حضارة شعب الـ ' مايا' في 21 أيلول ( سبتمبر) 2012، ويطلق عليه شعب المايا اسم ' هوبير' أو ' أي تشين'.

وأما عن دور حكام الخليج العربي في الفيلم، فهم دائماً مطالبون بدفع الأموال، حيث يظهر أحد الأمراء، جالساً بإذعان، في اجتماع منفرد وسرّي داخل أحد فنادق لندن، يقرأ ملفاً قدّمه له مسؤول غربي يطالب الأمير بدفع بليون دولار.. وسرعان ما يصحح المسؤول لسمو الأمير بليون يورو، وذلك للمساهمة في إنقاذ البشرية من كارثة مؤكدة!

وبالعودة الأخيرة إلى ' شارلي' المجنون، سنجده يغادر غرفته أو الاستيديو الخاصّ، الكائن في متنزه ' يلوستون'، حيث يبث إلى الناس تقارير إخبارية ينذرهم باقتراب نهاية العالم؛ لكنه سيغادر المكان، حاملاً إذاعته الخاصة على ظهره، لاستقبال الحقيقة هناك في أعلى نقطة تسمى حافة العالم. هناك سيقترب من فوهة بركان ' بيغ هورن'، وسيتابع تململ صخور الجبل، وفرار الطيور، ومن ثم يبثّ صرخاته فرحا بالدخان وباللهب: ' هذه علامات.. إنه جميل... آخر أيام الولايات المتحدة الأمريكية، آخر ساعات الجنس البشري، شكلُنا في المجرّة سيكون عبارة عن نفخة دخان'!

ومن بين رسائل الفيلم، ثمة رسالة مفصلة، على نحو معين، تفتح الأحداث على معنى الشعور بالذنب تجاه البشرية المضطهدة ممثلة بالعنصر الأسود. وتتعدد صور التكفير عن هذا الذنب باختيار عالِم الجيولوجيا ' هلمزلي' وأيضاً باختيار آخر رؤساء أمريكا في الفيلم؛ وكلاهما من أصول سوداء، يتسمان بنزعة إنسانية وحسّ أمني بكّاء امتلأت به رغبة الخوف على الكائن البشري تارة عبر خطاب عِلمي ورئاسيّ تأخر في إعلان حزنه الحقيقي، أي اللاسياسي، أمام الناس. وتارة عبر خطاب أبوي حميم وفاقد الأمل، تمثّل في مكالمة الوداع الأخيرة بين العالم الجيولوجي ووالده المبحر في سفينة ستغرق بفعل انكسار صخري عنيف تحت ماء المحيط. يخبر ' هلمزلي' والده بحزن عميق، عن حقيقة الانتقام الجيولوجي القادم، عمّا ستفعله قوى الطبيعة الأم بالبشرية، ويخبره بشكل إيجابي عن الرئيس، فيرد الوالد قائلاً: ' جاء الوقت لينظّف أحدهم الفوضى التي صنعوها'. فهل كان يقصد بهذا العبارة باراك أوباما؟ لا أعتقد، ( إلا إذا كان والد هلمزلي يأخذ بالنوايا، أسوة بالأكاديمية السويدية التي كافأت، في نهاية 2009، نوايا أوباما السلمية) لأنّ دور الرئيس الأمريكيّ، في 2012، بدا متقدماً في إنسانيته وأعمق في صلاته من أجل سلام البشرية؛ من دور هذا الرئيس الواقعي، اليوم! الرئيس الأميركي في الفيلم فضّل البقاء بين الناس، وترك ابنته تغادر على طائرة الرئاسة ثم اتصل بها وتحدّث إليها بكلمات أبوة ذات عمق بشري فسيح، وأنها ما كانت لتتركه لو علمت بقرار بقائه بين الناس، واستقباله خطاب الله أو الطبيعة العنيف دون أدنى ادعاء بامتلاك السلاح لصنع الاستقرار أو لجم رغبة الطبيعة الأم بالانتقام. كذلك تطوع الرئيس، في أحد مشاهد الكارثة، للبحث عن أب طفلة تائهة. فضلاً عن الكثير من اللقاءات الرسمية والمكالمات الهاتفية التي بدا فيها المعنى الإنساني يتغلب على بعض التلكؤات لدى بعض شخصيات البطانة السياسية والعالمية أمام حقيقة انهيار حاضر ومستقبل القرابة البشرية.

وسط هذا التصعيد المرعب للأحداث يمكن تسجيل بعض لقطات المرح الساخر كضرب قمة برج 'ايفل' بفعل صطدام جناح طائرة روسية ضخمة، فارّة من أمريكا - مارّة بأوروبا- إلى الصين وبداخلها معرض 2012 للسيارات للمليونير الروسي البشع ' يوري'، المقيم في أمريكا والذي فور استشعاره الخطر سيركّز عليه الفيلم في لقطة دقيقة تسجّله كأوّل الفرّارين من أمريكا، ولعلّ هذا التركيز هو الترجمة الصميمة لمقولة أنّ رأس المال جبان، فما بالنا إذا كان رأس المال أجنبياً وروسياً! لكن سيكون الهلاك مصير الطائرة بعد نجاة من فيها، ومن ثم هلاك المليونير الروسي البشع سقوطاً في الهاوية وهو يحاول صعود سفينة عملاقة حملت جزءاً من البشرية المتجمعة في أقصى الشرق، حيث تمكن 'سيزر' وهو كلب صغير ولطيف مملوك لسيدة المليونير الضخم البشع من دخول السفينة بالمشي الحذر على عمود أو قضيب أفقي وصولاً إلى حضن السيدة التي سبقته إلى السفينة التي أبحرت وكادت أن تغرق، ولكنها نجت، رغم قوة الطوفان، وباصلاح بشري لبعض الخلل فيها، من اصطدام مؤكد بجبال الهملايا التي لم تعد سقف العالم.

وهكذا، شيئا فشيئاً، تصفو أحداث الفيلم من الرعب، إلى أن تفاجئنا ذروة نهايته بالتحدث عن نجاة العنصر البشري من الهلاك، وعن هدوء في الكرة الأرضية، أظهر حيدة القارة السوداء، ونجاتها بارتفاعها سبعة آلاف متر، بفعل الانزياحات والزلازل والبراكين والتسونيمات التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية وشملت قارات العالم إلا إفريقيا، فلم تصلها نار قط، وكذلك الماء لم يغمرها؛ مما جعل قباطنة السفن، التي حملت خليطاً من الشعوب، يتخذون من ' رأس الرجاء الصالح' طريقاً إلى الوطن الآمن الجديد، ليبدأ تاريخ بشري جديد وعادل.

القدس العربي في

07/02/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)