حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السد العالى المظلوم.. تسجيلياً.. وروائياً

منى الغازي

تناولت السينما التسجيلية مراحل البناء ووثقتها فى إطار من التأكيد على العلاقة بين العمران والبناء ورفض القوى الاستعمارية له، كما أشادت تلك الأفلام بالعلاقات المصرية السورية، والتى وضحت فى أجلى صورها فى مشروع بناء السد العالي، كما عمدت تلك الأفلام أيضا للإشارة إلى قدرات العامل المصرى والشركات المصرية فى تنفيذها للمشروع، وقد قدم تلك الأفلام مجموعة من أهم مخرجى السينما التسجيلية على رأسهم سعد نديم وصلاح التهامى والمخرج الكبير عاطف سالم والمخرجة فريدة عرمان، غير أن المثير فى الأمر أن السينما التسجيلية تصنع فى مصر لتوضع فى الأرشيف ولا تعرض، والمبررات دائما جاهزة بأن الجمهور لا يقبل عليه، ولكن من أين لهم بتلك المقولة، فهل عرض الفيلم التسجيلى فى دور عرض وأعرضت عنه الجماهير؟! 

فالقاعدة هنا أن تواجد الفيلم التسجيلى فى أى مجتمع يتناسب طرديا مع مساحة الحرية والديمقراطية التى يتمتع بها هذا المجتمع، لذلك يصعب تحميل الجمهور أو حتى السينمائيين مسئولية عدم تواجد الفيلم التسجيلي. 

فإذا كان الفيلم التسجيلى ثقيل الدم على قلب من يمتنعون عن عرضه، نأتى للجانب الآخر حيث الفيلم الروائى الذى وجد فى مشروع السد العالى ضخامة أكبر من التعبير عنها، ونظرا لأهمية المشروع وضخامته فإنه ككل شيء مهم فى حياتنا يتم إهمال التعامل معه سينمائيا فلم يظهر ذلك العملاق تقريبا إلا فى أدوار "كومبارس" أو بحد أقصى ديكور للأحداث أو إكسسوار فى الخلفية، ولا يتذكر منها المشاهد سوى ثلاثة أفلام، ربما كان أهمها وأشهرها "الناس والنيل" الذى قد لا يتذكره كثير من محبى السينما. 

فيلم "الناس والنيل" من أشهر الأفلام التي، ليس ظهر بها السد العالى فقط، بل كان هو البطل، والحدث الرئيسي، حيث تبدأ أحداث الفيلم عندما يتم تحويل مجرى نهر النيل عام 1964، ليصور الفرحة على وجوه المصريين، ثم تبدأ شخصيات عديدة فى تذكر الماضي، من خلال قصة الطبيب (أمين) الذى يلتحق بالعمل فى السد من أجل خدمة العاملين فيه، بينما ترفض (نادية) زوجته، وهى فنانة تشكيلية فكرة الانتقال إلى أسوان فى صحبة زوجها، ولكن الأب المهندس ينتقل أيضا إلى أسوان فتضطر للسفر معه، يتعرف (براق) العامل النوبى على (نيكولاي) العامل الفنى الروسي، كما أن المهندس الروسى (أليكس) يعانى من مشاكل مع زوجته (زويا) التى لا تحتمل الحياة فى مصر، وفى النهاية ينتصر العمل والحب معا، وتقنع الزوجة بالمبادئ والرسالة السامية لكل هؤلاء الذين تركوا الحياة المتمدنة من أجل العمل على إسعاد أجيال تاليه. 

الفيلم قصة وسيناريو وحوار الراحل حسن فؤاد، بالمشاركة مع الروسى نيكولاى فيجورفيسكي، وإخراج العبقرى الراحل يوسف شاهين، وبطولة سعاد حسني، عزت العلايلي، محمود المليجي، فالنتينا، ديورى كاميرون، صلاح ذوالفقار، ايجور فلاديميروف، وفاليريا ايفاشكوف، ويعتبر الفيلم هو الأهم فى تاريخ السد العالى حيث تم وضعه كأحد الأعمدة الدرامية المحركة للأحداث، كما عمد شاهين إلى استخدام عمليات البناء كخلفية موازية للأحداث، وربط بين تطور العمل فى المشروع وأزماته وبين تطور العلاقات بين الشخصيات الرئيسية، ولكن أين هو نحن نتحدث عن فيلم لم يره أغلب الجماهير فيلم تأخر عرضه واعترض الروس المشاركون فى إنتاجه على نسخته الأولى التى أقرها المخرج، وأيدوا النسخة الثانية منه والتى رفضها شاهين باقى حياته، والتى تحول فيها نجوم مصر إلى كومبارس فى فيلم روسى عن إنجازاتهم فى بناء السد العالى بعد أن كان عن موقف مصر من أمريكا، وتحديها لها من خلال تعاون مصر والاتحاد السوفيتى فى بناء السد العالي. 

أيضا كان من أوائل الأعمال تناولا للسد العالى ـ ربما بدرجة أقل من الناس والنيل ـ فيلم "الحقيقة العارية" الذى يتناول قصة (آمال) المرشدة السياحية التى ترفض الزواج بعد أن طلقت أمها من أبيها والمتاعب التى تواجهها أختها مع زوجها، تكلف آمال بالسفر لأسوان مع وفد سياحى وهناك تلتقى بالمهندس أحمد المكلف بمرافقة السياح، فيقع فى حبها، تقاوم هذا الحب ويبدأ صراع عنيف بين قلبها وبين رأيها بعدم الزواج، تعود آمال إلى القاهرة حيث يلحق بها أحمد ويجد منها صدا كعادتها فيتركها، تسافر آمال إلى أمريكا فى مهمة عمل خاصة بالشركة وترسل برقية إلى أحمد تعترف له بحبها له وتعود ويتفقان على الزواج بطولة ماجدة و إيهاب نافع، وعبدالمنعم إبراهيم، من إخراج عاطف سالم. 

غير أن المخرج الكبير عاطف سالم، صاحب واحد من أهم الأفلام التسجيلية عن (السد العالي) تعامل فى الفيلم الروائى مع السد كمجرد ديكور لطيف فى خلفية الأحداث حتى إن استبداله بأى مكان بديل لن يغير فى السيناريو أو الحوار سطرا واحد. 

على جانب أكثر استخفافا يأتى إقحام السد العالى فى فيلم "أجازة غرام" حيث فؤاد المهندس، مهندس بالسد العالى يأتى فى إجازة إلى القاهرة يرغب فى قضائها مع زوجته شويكار، المشغولة فى عملها كطبيبة مما يدفعه إلى مشاكسة جارته نجوى فؤاد، التى يغيب زوجها. 

موضوع بسيط أقرب إلى التفاهة وينتمى إلى عالم السينما التجارية والسد العالى موجود بلا سبب أو مبرر!! 

فى النهاية فإن السد العالى صرح كبير على أرض مصر، أهملته السينما عن عمد، كما أهملت كل صرح كبير يمر بطريقها. 

العربي المصرية في

26/01/2010

 

«بصرة» أحمد رشوان.. حرية المبدع فى مقابل حرية المتلقي

صفاء الليثي 

عرض ضمن نشاط جمعية نقاد السينما المصريين فيلم المخرج أحمد رشوان "بصرة" سبق أن شارك الفيلم فى مهرجان القاهرة 2008 وحصل على عدة جوائز أهمها جائزة أفضل سيناريو مناصفة فى مسابقة الأفلام العربية. لم يعرض "بصرة" تجاريا حتى الآن وبالتالى لن يدخل فى إطار مسابقات أفضل فيلم مصرى التى تنص على ضرورة أن يكون الفيلم قد عرض عرضا عاما للجمهور، وهى مسابقات جمعية الفيلم والمركز الكاثوليكى وجمعية النقاد. من حق المخرج أن يتساءل لم لا تطبق قواعد المهرجان القومى التى تتشارك فيها الأفلام المنتجة فى عام سواء عرضت تجاريا أم لا. وقاعدة العرض التجارى فى رأيى تضع الجمهور العريض شاهدا على اختيارات لجان تحكيم المؤسسات المختلفة وتمنح الجوائز شرعية حين يتم التعليق عليها بالتأييد أو الرفض لتصبح محل جدل ونقاش على قاعدة معرفة ما نتناقش حوله. عدم توزيع "بصرة" حتى الآن يطرح تساؤلات حول معايير سياسات التوزيع فى مصر، لا أفهم تردد شركات التوزيع فى عرض أفلام مختلفة لا شك لها جمهورها الخاص. حظى الفيلم بردود أفعال طيبة ولاقى جدلا فى الندوة التى أعقبت عرضه وأدارها الناقد محمد الروبى الذى أقر بأن مشاهدة الفيلم لمرة ثانية جعلته يكتشف تفاصيل جديدة مرت فى المشاهدة الأولى له. تكررت ملاحظته مع عدد كبير من الحضور أن الفيلم اختلف تلقيه فى المشاهدة الثانية وأثنوا على مستوى الصورة المعروضة بمركز الثقافة السينمائية ووضوح الصوت. نوقشت فكرة تناول أحداث العراق وسقوط نظام بغداد كخط متواز مع سرد حياة البطل باسم سمرة المصور الفنان وتفاصيل إخفاقاته وتوتر علاقاته التى تبدأ بطلاقه من زوجته رغم الحب، وتستمر مع مصورة يقابلها بالصدفة فى أكثر من مكان، وتنتهى بصديقة تتجاوز علاقته بها التوتر الشائع بين الرجل والمرأة وثالثهما (الشيطان) الذى يمكن تجاوزه كما يؤكد لنا رشوان مع هند (فاطمة عادل) التى تبيت ليلتها مع طارق (باسم سمرة) دون أن يحدث بينهما أى تقارب جسدى بل يتصرفان وكأن مسألة الجنس غير مطروحة أصلا. وهذه النهاية تحديدا تنسف كل اعتراضات عدد من المشاهدين الذين يتوقفون عند بعض الممارسات الحرة فى العلاقات يرفضونها من منطلق انحيازهم الشخصى وطبقا لقناعاتهم متناسين أن العمل الفنى له منطقه الخاص المستمد من طبيعة الشخصيات ومن مكوناتها التى تسمح أو لا تسمح بتصرفات يراها البعض (لا تتناسب مع مجتمعنا الشرقي) ويراها البعض الآخر متوافقة مع شخصيات الفيلم ومعبرة عن شريحة من المجتمع تتعامل بهذا القدر من الحرية، حين يعرض لنا المخرج المؤلف أحمد رشوان شخصيات من شاربى الماء (الخمور) والبعض (الهوائي) من متعاطى المخدرات والبعض الثالث المكتفين بالشاى والقهوة والعصائر فإنه لا يحكم على أى منهم، بل يقدمهم جميعا بتفهم، يجبرنا كمتلقين على التعامل معهم بنفس المساحة من الفهم. 

قد تبدو أحداث العراق بعيدة نسبيا الآن، ولكنها فى "بصرة" خلفية تؤرخ لزمن الأحداث جرت أثناء كتابة الفيلم، ويمكن استبدالها بأى حدث آخر يعبر عن هزيمة عامة، ترتبط بهزائم خاصة للشخصيات فى عدم تحققها الكامل وفى إخفاقات تواصلها مع الآخر. تطرح مسألة الجنس من وجهتى نظر الرجل والمرأة، وينجح رشوان فى إظهار فارق جوهرى بين نظرة الرجل ـ مهما كانت ثقافته ـ وبين نظرة المرأة التى تمتلك حريتها ولكنها لا ترى ضرورة لأن تنفلت لتبدو متفاخرة بحريتها. إيقاع الفيلم شديد الانضباط، أرجعه المخرج للمونتيرة نادية حسن فى عملها الطويل الأول بعد أن شاركته أعمال قصيرة سابقة. كما أكد على توافقه مع المصور فيكتور كريدي، ومع فريق عمله فى الديكور والصوت والملابس يعملون جميعا معه فى "بصرة" عملهم الطويل الأول. مما يؤكد أن العمل بروح الفريق دائما ما يكون اللبنة الأولى لنجاح أى عمل. عدم انتظار طرق الإنتاج التقليدية والبدء بفكرة التصوير بالديجيتال قرار صائب سبقه إليه عدد لا بأس بهم ممن يريدون أن يقدموا أعمالهم بلا تنازلات كبيرة للسوق، سبق "بصرة" أفلام "حبة سكر" لحاتم فريد، "كليفتي" لمحمد خان، و"ليلة فى القمر" لخيرى بشارة، و"المدينة" ليسرى نصرالله، و"عين شمس" لإبراهيم بطوط. 

بدأ رشوان فيلمه وكان عنوانه "مائة فى المائة حي" كعمل مستقل، ثم قدم له المخرج والمنتج السورى هيثم حقى الدعم ومكنه من تحويله لشريط سينما 35 مللى ليصبح معدا للعرض فى صالات العرض، وكانت الصورة رائعة حصل عنها المصور فيكتور كريدى على جائزة أفضل تصوير من مهرجان فالنسيا بإسبانيا وسط أفلام صورت منذ البداية بخام السينما، وبقيت ملامح الاستقلال فى موضوع الفيلم وفكرته، فى العمل بحرية دون أى ضغوط من المنتج السورى هيثم حقي، وفى الاعتماد على ممثلين نراهم للمرة الأولى باستثناء باسم سمرة، وكلها وجوه أضفت على الفيلم مذاقه الخاص الذى توافق مع رسم شخصياته غير النمطية ومنهم إياد نصار فى دور مخرج الإعلانات الذى يعمل كثيرا ويكسب أكثر ولكنه محبط ووحيد ينتهى بما يشبه الانتحار بجرعة زائدة. 

يتواصل المتلقى بشكل وجدانى مع فيلم يتعامل مع مشاعر الشخصيات باحثا خلف حزنهم البادى عن أمل ينشأ من تمسكهم بإرادتهم وحريتهم فى اختيار أشكال حياتهم. ومع مبدعين يتمسكون باستقلالهم الفكرى فى اختيار أساليب العمل الذين يحلمون بتقديمه. أفلام بها مساحات متعددة تسمح للمتلقى بممارسة حريته فى قراءة الفيلم دون أن تكون هناك علامات إرشادية ولا جمل خطابية توجهه قسرا فى اتجاه محدد. 

العربي المصرية في

26/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)