حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

المسلسل . . بوصفه «وثيقة»

الانتشار الذى حققته مسلسلات التليفزيون مؤخراً بعد تخصيص قنوات فضائية عديدة لعرضها، وتزايد إقبال السينمائيين والمطربين على المشاركه فيها، جعل البعض يعتبرها أداة مهمة للتوثيق، ليست المسلسلات التاريخية أو السير الذاتية فقط، بل للمسلسلات الاجتماعية التى تدور أحداثها فى العصر الحالى، والتى اعتبرها الأكاديميون والكتاب أداة جيدة للتوثيق وشاهدة على العصر الذى أنتجت خلاله، لأنها تناقش ظواهر اجتماعية حقيقية مثل هروب رجال الأعمال بالقروض للخارج، وتهريب الآثار، وغيرها من ظواهر المجتمع التى ناقشتها الدراما.

الدور الذى تلعبه الدراما التليفزيونية حاليا من توثيق وتأريخ للأحداث لعبته السينما على مدار عقود طويلة مضت، ولا تزال تلعبه، حتى فى فترة أفلام المقاولات كان يراها بعض السينمائيين أنها توثيق وانعكاس للفترة التى ظهرت خلالها،

والسؤال: هل تسحب الدراما التليفزيونية البساط من السينما وتصبح هى اللاعب الأساسى فى توثيق الأحداث، خاصة بعد تراجع الإنتاج السينمائى السنوى كماً وكيفاً، أم سيعمل كلاهما جنبا إلى جنب على توثيق أحداثنا الحالية وتأريخ فترات مهمة عاشتها مصر وسير ذاتية لأشخاص فنية وسياسية.

المؤلفون يعتبرونه أكثر دقة من السينما

اتفق كتاب المسلسلات على أننا نعيش عصر الدراما التليفزيونية، وأنها أصبحت الأداة الأهم لتوثيق الأحداث، سواء الحالية أو القديمة.

محمد السيد عيد قال: لأن التليفزيون موجود فى كل بيت، سبقت المسلسلات كل الوسائط الأخرى فيما يتعلق بالتوثيق، كما أنها الأكثر تأثيراً بفضل انتشارها الكبير، فالمسلسل الواحد من الممكن أن يشاهده مئات الملايين من البشر، وتعتبر أداة أكثر دقة فى التوثيق، لأنها تتناول تفاصيل دقيقة للواقع المعاش، وستكون فيما بعد مرجعاً مهماً للمؤرخين، ليعرفوا كيف كان يعيش أبناء هذا العصر، وماذا كانوا يلبسون، وما الطرز المعمارية لمبانيهم، والمفردات اللغوية التى استخدموها، وغيرها من تفاصيل حياتنا التى تظهر فى المسلسلات.

الكاتب يسرى الجندى يرى أن المسلسلات بدأت تشكل ذاكرة الأمة منذ فترة طويلة وازدادت أهمية هذا الدور بعد تزايد عدد المحطات الفضائية المتخصصة فى عرضها، وقال: السينما لم تلعب دورها التوثيقى إلا فى أضيق الحدود، وبرغم أهمية المسلسلات كوثائق، إلا أنها ليس لها أرشيف حقيقى وكامل لدى أى جهة والميزة التوثيقية فى المسلسلات أنها تعرض تفاصيل أدق كما تستطيع انتقاد العصر الحالى عن طريق مناقشة عصر مضى شهد أحداثاً تتشابه مع الأحداث الحالية، وفى هذه الحالة يكون المسلسل متخفياً فى قناع تاريخى ويسقط انتقاداته على العصر الحالى.

الكاتب محفوظ عبدالرحمن قال: الدراما بطبيعتها أداة للتوثيق أكثر من السينما، لأن ما يقدم فى الدراما التليفزيونية مطبوخ على الشمس وليس النار، لكن حال الدراما الآن لا يساعد على التوثيق فى الأعمال، فالمنتج مثلا لا يهمه أن يكون العمل موثق من عدمه فالمهم عنده هو العائد الذى سيحصل عليه والنجم الذى سيسوق به، فالتوثيق يخضع لضمير المؤلف،

كما أن روتين الدولة يقف عائقاً أمام الكتاب فى توثيق أعماله، وكمثال أكتب حاليا مسلسل عن أحمد عرابى، ومنذ عام كامل وأنا أحاول الحصول على وثائق محاكمة أحمد عرابى وذهبت أكثر من مرة إلى دار الوثائق ومحكمة جنوب القاهرة حتى أصور ١٥ ورقة من المحاكمة، لكننى فشلت لأن المسؤولين رفضوا رغم أننى من حقى الحصول عليها، وأعتقد أن تلك الجهات ستظل عقبة أمام الكتاب الذين يستسهل كثير منهم كتابة الأحداث من الذاكرة.

وطالب محفوظ كتاب الدراما التليفزيونية بأن يوثقوا أعمالهم حتى تكون دقيقة تاريخياً وبلا أخطاء وألا يضعفوا أمام الروتين الحكومى.

..وأكاديميون ونقاد: «الثرثرة» ليست توثيقاً

يرى الأكاديميون والنقاد أن مصطلح «دراما تليفزيونية» يعد من المصطلحات الخاطئة الشائع استخدامها، وأن التعبير الأدق هو «مسلسلات تليفزيونية» لأن الدراما موجودة أيضا فى السينما والمسرح، كما يتفقون على أن أعمال التليفزيون لن تسحب البساط من السينما فيما يتعلق بالتوثيق، وأن هذه المقارنات لا تحدث فى العالم المتقدم، فالتليفزيون والسينما لا يتنافسان، ولا يسحب أى منهما من رصيد الآخر حتى إن زادت أهمية أحدهما على الآخر.

الدكتور عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ المعاصر قال: كل المسلسلات التاريخية والأفلام التاريخية أيضا لا يمكن اعتبارها، وثيقة لأن كاتب السيناريو يأخذ وقائع محدده تتوافق مع وجهة نظره، وهذه الطريقة الانتقائية لا تصلح للتوثيق التاريخى، لأن الوثيقة يجب أن تذكر المزايا والعيوب وتستعرض كل العصر وكل شخصية فيه بما لها وما عليها، وهذا لا يحدث لذا لا يمكننا اعتبار الأعمال التاريخية وثيقة،

والمشكلة أننا حين نواجه كتاب الأعمال التاريخية بهذا يهربون منا بجملة واحده هى أن العمل يعبر عن وجهة نظر صاحبه، وهذا حق يراد به باطل لأن وجهة النظر فى حد ذاتها يجب أن تكون موضوعية لا تمجد شخصا ولا تحقره،

وفى رأيى الأعمال الاجتماعية هى التى تعتبر وثيقة تاريخية شاهدة على العصر، لأنها تناقش أوضاع حقيقية ومشكلات رآها الكاتب بعينه، لكن مشكلتها الوحيدة أنها ليست صريحه أى لا تذكر رجال أعمال فاسدين بعينهم أو وقائع تهريب محددة، وهذا يفسد صلاحيتها كوثيقة.

الدكتور محمد كامل القليوبى، المخرج والمؤرخ السينمائى قال: المسلسل يعد وثيقة إذا تمت صناعته باتقان، ويكون خالياً من الثرثرة، والدور التوثيقى تلعبه كل الفنون سواء المسرح أو السينما أو المسلسل، لكن الأخير هو الأكثر انتشارا بلا شك.

الناقد سمير فريد قال: دراما الواقع لا يمكن اعتبارها وثيقة لأنها من خيال المؤلف، ولو تجرأ كاتب سيناريو وأخذ واقعة فساد محددة من مكتب النائب العام وحولها إلى مسلسل، سيكون فى هذه الحالة وثيقة من الطراز الأول.

ورفض فريد مقولة إن التليفزيون قد يسحب البساط من السينما فيما يتعلق بالتوثيق، وقال: هذه الأقاويل لا تتردد إلا فى دول العالم الثالث، وهى غير صحيحة بالمرة فلا توجد وسيلة تلغى الأخرى.

المصري اليوم في

23/01/2010

 

كلمنى شكرا.. السعادة فى متناول الجميع!

كتب هناء فتحى

خذلنى خالد يوسف هذه المرة ولم يأخذنى معه إلى حصة إنشاء أو محاضرة فى السياسة والاقتصاد، بل سحبنى إلى حالة سينما ساحرة أمسك فيها بأدواته وقلوبنا، ولوَّن الشاشة بالفجر والصبح والنغمات والبشر الذين يقبضون على الجمر والفرحة الغاربة.

فى فيلمه «كلمنى شكرا» لن ترى هراوات الأمن المركزى ولا المتظاهرين يصرخون ولا الفقراء يشتكون ولا هانى سلامة يبكى.

لكنهم الفقراء الذين يسكنون حيا مصريا، يحبون الحياة ويتحايلون على الحاجة بالنكتة وعلى القبح بجمال الصحبة والنساء.. الفقراء الذين يغزلون بأيامهم بهجة لياليهم ولا يعنيهم أن الأغنياء يعيشون فى بلادهم.. والفيلم لم يقدم شخوصا غنية ولا قصورا ولا شارعا أرستقراطيا، كل «الكوليشنز» محصورة فى شارع «حليمة» بمنطقة «صفط اللبن»، حيث البطل «إبراهيم توشكا» الذى يحلم أن يكون «نجم سينما» فينتهى به الحال «نجم الحتة» أو نجم الشارع حين ينتصر لكل فقراء الحى وينتصر بهم أيضا، فالجميع يتكاتفون فى أحزانهم وأفراحهم، لكن أهم وأعظم ما يجمعهم هو حب مصر حتى لو من خلال إذاعة مباراة للفريق القومى.

و«كلمنى شكرا» هو نص رسالة خطية على الموبايل، والموبايل فى هذا الفيلم هو بطل حقيقى من خلال دوره فى سير الأحداث أو من خلال صاحب شركة المحمول فى الفيلم، وصاحب الشركة هنا لم يتم تجهيله أو أن يحمل أى اسم، لكنه كان وبشكل واضح وصريح ومباشر المهندس «نجيب ساويرس».

ودخول نجيب ساويرس فى الفيلم لم يكن إقحاما، بل تم توظيف اسمه - المتواتر على لسان البطل - بشكل فنى، فالبطل يحصل على خطوط شركة الاتصالات التى يمتلكها ساويرس ويبيعها لأهل الحى ولا يدفع ثمنها للشركة ويعلق صورته مع نجيب ساويرس على جدار «الكشك»، قائلا: «نجيب ساويرس صديقى» لكل من يقابله حتى لأفراد شرطة المصنفات!

لكن أن يتم عرض فيلم «كلمنى شكرا» فى سينما داخل سنتر تجارى يمتلكه، ويكون هو الحاضر الغائب والفاعل فى الفيلم، فالفيلم قد حقق نظرية مسرحية مهمة نادى بها يوسف إدريس طويلا ولم يحققها إلا فى مسرحية «الفرافير»، وهى نظرية «التمسرح»، أى إلغاء الحاجز الرابع ودخول الجمهور فى العرض لتحدث حالة التمسرح بين الممثلين والمشاهدين، أعتقد أن الفيلم قد لامس هذه الفكرة بانسيابية ودون إقحام.

والفيلم لم يعتمد على أسماء شهيرة جاذبة للشباك، لكنه أعاد صياغة توظيف عمرو عبدالجليل فى دور عمره - بالتأكيد للعمر بقية - فهو ممثل لا تفلت منه هنة ولا نظرة ولا حركة يضحكك بشدة لأنه يسخر من واقعه المرير بالنكتة، ويضحكك بشدة حتى فى لحظات الوجع الحقيقى، فكلهم فقراء وبسطاء ومهمشون لكنهم سعداء.

وأنت فى هذا الفيلم لن تجد حالة عداء بين مصرى ومصرى ولا بين خارج عن «النص» وبين الشرطة، فالبوليس فى هذا الفيلم أكثر إنسانية وتفهما للسلوك الخارج عن الغلابة.

لأن الفيلم دار توقيته بين الفجر والصبح فى أغلب مشاهده فقد ساعدت ألوان النهار فى تأكيد أجواء البهجة المنفلتة فى حياة الأبطال جميعهم، وكانت قليلة هى مشاهدة الظلام فلم يرد خالد يوسف أن يفرض أى لحظة كآبة على أبطاله أو ديكورات العمل.

والفيلم قدم أبطالا وممثلين قادرين ومقتدرين فى السيطرة على الحوار وعلى انفعالاتهم إلا من بعض الإيحاءات الخارجة التى قد يرى البعض لها فى هذا الفيلم تحديدا سببا أو وجاهة، فالفقراء العاجزون عن الفعل لا يملكون إلا الحلم أو الثرثرة، والثرثرة هنا كانت على شكل إيفيهات أطلقها بجدارة عمرو عبدالجليل، ومعه صبرى فواز فى دور الملتحى النصاب،

 وكذلك الممثل الذى لعب دور زوج أخت عمرو عبدالجليل ومحاولاته الفاشلة والمضحكة فى الانتحار. حتى ملابس غادة عبدالرازق العارية ورقصاتها الكثيرة فى الفيلم بدت وكأنها محاولات لإمساك الجمال داخل قبح المكان، حيث البيوت المتهالكة والجيوب الخاوية، فغادة أدت مشهدا واحدا رائعا ومؤثرا غفر لها كل هذا العرى وهو المشهد الذى واجهت فيه طليقها حين خرج من السجن، فارتعشت أوداجها بين الجموع لحظة رؤيته خوفا من بطشه وانتقامه.

السينما فى النهاية ليست درسا فى التاريخ ولا شعارات سياسية ولا مشاهد تسجيلية ولا أقراصا لعلاج الورم، لكنها حالة حب من طرف واحد وهو المتفرج أو من طرفين لو أجاد صناع الفيلم صنيعتهم فيصبح الحب من طرفين بين الشاشة الفضية والجالس على كرسيه فى ظلام وإجلال الفيلم، وهذا الفيلم قد خلق حالة الحب الثانية وبجدارة دون فزلكة أو مزايدة أو شعارات.

وخالد يوسف لم يغير جلده كما اعتقد البعض، وكذلك لم يغير قناعاته ولا أفكاره، لكن غير فى طريقة الصياغة من السينما الدعائية للفن الممزوج بالمتعة والبهجة والألم.؟

مجلة روز اليوسف في

23/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)