حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السينما التعبيرية في ألمانيا:

رحلة قصيرة في زوايا الحداثة

صالح كاظم من برلين

من الحقائق التي يجهلها العديد من كتاب تاريخ السينما الحديثة، هي كون السينما التعبيرية الألمانية التي برزت في بدايات القرن العشرين كانت، إضافة الى نشوئها في أحضان الحركة التعبيرية التشكيلية الألمانية، كذلك إحدى نتاجات الأزمة الإقتصادية التي جعلت الفلم الألماني يواجه العديد من المآزق التي تتعلق بالتمويل وتوفير المناخ المناسب لتحقيقه (أستديوهات التصوير، الكاميرات، الإضاءة..الخ)، لذا جاء إنتاج أكثر الأفلام الألمانية التعبيرية شهرة على المستوى العالمي في ذلك الوقت"الغولم وكيف جاء الى العالم" للمخرج باول فيغينر (1874-1948) بتكاليف منخفضة حصيلة حاصل وسط أجواء خسارة المانيا للحرب والأزمة الإقتصادية التي عصفت بالبلاد وولدت تضخما نقديا هائلا ترك آثاره على مختلف جوانب الحياة الأجتماعية والثقافية. ويؤرخ عدد كبير من الباحثين في مجال السينما الألمانية بدايات "السينما التعبيرية" مع إنتاج هذا الفلم، الذي مهد الطريق أمام مجموعة من كبار المخرجين الألمان والنمساويين لولوج هذا الطريق الذي توّجه عمل فرتز لانغ (1890-1976) "متروبوليس" الذي مازال يعتبر الى جانب "نشوء أمة" و"اللا تسامح" للأمريكي دافيد غرفت (1875-1948) خطوة كبيرة في التأسيس للسينما المعاصرة، سواء من ناحية البناء الدرامي (السيناريو)، أو من ناحية التقنية السينمائية (تداخل الأحداث التاريخية عن طريق التنقل بين الماضي والحاضر لدى غرفت، وإستخدام أساليب الخيال العلمي لدى لانغ الذي تجاوز بهذا الفلم حدود السينما التعبيرية). ومن الجدير بالذكر أن السينما التعبيرية الألمانية نشأت في أحضان جمهورية فايمار، وبلغت ذروة تطورها في منتصف العشرينات وبداية ثلاثينات القرن الماضي، وفقدت موقعها مع صعود النازيين الى السلطة في ألمانيا، وذلك رغم إنبهار عدد من القادة النازيين وعلى رأسهم غوبلز بأعمال فرتز لانغ. لقد أستطاعت السينما التعبيرية بأدوات بسيطة أن تقدم مجموعة من الأفلام التي أصبحت مرتعا إبداعيا للعديد من السينمائيين في المراحل اللاحقة وما زلنا نجد بصماتها في أعمال العديد من المخرجين المعاصرين من ضمنهم راينر فاسبندر وفيرنر هيرزوغ ودافيد لينتش وتيم بيرتن..الخ

في البداية كان التوجه التعبيري في السينما الألمانية متأثرا بالرسم ودراماتورجيا المسرح، حيث يلعب الممثل دورا مركزيا في الحدث السينمائي، غير أن العاملين في مجال السينما سرعان ما توصلوا الى قناعات جديدة تضع الصورة الناطقة في المركز، في الوقت الذي كانوا يجهلون فيه المونتاج الحيوي وسيولة الصور التي تكتفي بنفسها لإيضاح ما يجري على الشاشة. لذا بقي النص الذي يفصل بين مقاطع الفلم يشكل حاجزا امام الإستمرارية التي تأتي نتيجة لتتابع الصور. وربما يمكن القول بأن الفلم التعبيري ولد في أحضان الديكور المسرحي الذي كان يستخدم أثناء حياة المخرج المسرحي ماكس راينهارد (1873-1943) بشكل كبير في المسرح، معتمدا بشكل أساسي على تقاليد الرسم التعبيري، حيث كان راينهارد يستخدم في نتاجه المسرحي ديكورا، يتكون من سطوح منحدرة ومدببة، وزوايا مبهمة، يعبر رغم عدم تناسق أجزائه عن الحالة النفسية لأبطال العمل. ورغم عدم وجود برنامج يجمع ممثلي هذا التيار السينمائي، تميزت أفلامهم على الأغلب في العمل داخل الأستديو والإعتماد على المعمار والضوء والظل كأجزاء فاعلة تشكل محيط الحدث وتتفاعل مع أبطال الفلم لخلق أجواء إيحائية غير واقعية تشكل موصلا إيجابيا لمشاعر الخوف والرؤى ذات الطابع الميتافيزيقي. فالهدف هو ليس التأكيد على المرئي وإنما إبراز اللامرئي والخفي الذي يتربص في دواخل الشخصيات وخلف المظاهر.

ومن الأفلام التي لم تفقد رونقها لحد يومنا هذا هي: "دكتور مابوزة المقامر" لفرتز لانغ، 1922 و "نوسفيراتو، سينفونية الرعب" 1922 لفريدرش فيلهلم مورناو (1888-1931)، و"كابينة الدكتور كاليغاري" 1919 و "راسكولنيكوف" 1923 لروبرت فينه (1873-1938). ولا شك هناك بأن هذه المدرسة قد أنتجت مجموعة كبيرة من الأفلام التي تستحق الذكر، غير أن الغرض من هذا المقال ليس هو الجرد الإحصائي، وإنما التعرض لخصوصيات هذه المدرسة السينمائية من خلال التطرق الى ثلاثة نماذج من أعمالها وهي: "الغولم وكيف جاء الى العالم" و نوسفيراتو، سنفونية الرعب" و "دكتور مابوزة المقامر".  

الغولم وكيف جاء الى العالم

لتحقيق هذه الأسطورة المبنية على الموروث اليهودي لسكان غيتو براغ قام فيغينر بتكليف المعماريين هانس بيلتسج وكورت رشتر بتصميم بنايات الفلم، مما اكد على طابعه التعبيري الإستثنائي سواء من جانب الديكور أو من جانب الكاميرا، والتلاعب بالظل والضوء، كما لوكانت الكاميرا ترسم بالضوء على الشاشة. وقد حقق هذا الفلم نجاحا كبيرا على المستوى العالمي، وأزدحم الجمهور على دور العرض التي عرض فيها في الولايات المتحدة الأمريكية وكان بذلك من أوائل الأفلام التي حققت الى جانب نجاحها الفني نجاحا ماديا كبيرا. الشخصية الرئيسية في الفلم هي الحاخام اليهودي لوف الذي تدور حوله العديد من الأساطير من ضمنها أسطورة "الغوليم" وهو كائن يتم صنعه من الطين لدرء الشر عن سكان الغيتو اليهودي. يلجأ الحاخام لوف الى إحياء هذا الكائن، بعد أن تخبره النجوم بأن هناك مخاطر تتربص بسكان الغيتو. وبالفعل يأمر القيصر بملاحقة اليهود وطردهم من المدينة ويبعث عن طريق الفارس فلوريان بلاغا حول ذلك الى كل من الحاخام والجالية اليهودية. إثر ذلك يبعث الحاخام بمذكرة الى القيصر، يتحدث فيها عن الخدمات التي قدمها له وللبلد، فيستدعيه القيصر الى قصره الذي يتعرض حال وصول الحاخام برفقة الغوليم الى زلزال يكاد أن يعصف به، فيأمر الحاخام الغوليم بأن يحمي القصر وسكانه من الزلزال، وبعد أن يرى القيصر ما فعله الغوليم، يأمر بإيقاف كافة الإجراءات ضد اليهود ويقوم بتكريم الحاخام. في هذه الأثناء تنشأ علاقة عاطفية بين الفارس فلوريان وإبنة الحاخام دون علم الأخير. عند عودة الحاخام الى بيته يخلع النجمة عن صدر الغوليم لكي يتوقف عن الحياة، غير أن مساعده الشاب الذي يشعر بالغيرة تجاه علاقة ابنة الحاخام مع فلوريان يعيد اليه الحياة فيندفع هذا الى إختطاف إبنة الحاخام وإشعال النار في الغيتو. في بداية الفلم نرى الحاخام في برجه الذي يبدو للمشاهد مثل سفينة تعوم وسط النجوم، وهو يراقب حركتها من خلال الناظور في جو ملئ بالترقب والخوف الذي يزداد حضورا من خلال الظلام الذي يحيط بهذا المشهد والمشاهد اللاحقة التي تدور في الغيتو. أما إحياء الغوليم فيتم في قبو مظلم تحيط به تشكيلات تبدو كما لو كانت من لوحة تعبيرية: خطوط شبه تجريدية، دوائر وبقع سوداء وبيضاء تكثف مشاعر الغرابة وتنقلنا الى أجواء كابوسية تكشف بعض جوانب المجهول، السنة النار الراقصة. خلف الكاميرا كان يقف المصور السينمائي المعروف كارل فرويند (1890-1969) الذي أشتهر لاحقا في هوليوود كمصور من خلال فلم "دراكولا" -1931- بطولة بيلا لوغوسي وكمخرج من خلال فلم "المومياء" -1932- بطولة بوريس كارلوف. وكان فرويند هو الذي أسس لما يسمى بـ "الكاميرا غير المقيدة"، خارجا على التقليد الذي كان سائدا في تلك الفترة في تحريك الكاميرا في إتجاهين فقط (الى الأعلى والى الأسفل وعلى العكس)، وذلك عن طريق تحريك الكاميرا بحرية في كل الإتجاهات وإستخدام الرافعات لتعليق الكاميرا عليها. أما المدينة التي تجري فيها أحداث الفلم فلم يتم تخطيطها على الكارتون، بل جرى تكليف المهندس هانس بولزج ببنائها في أستوديو الأوفا على شكل مدينة ذات زوايا ومنعطفات مظلمة، أصبحت لاحقا تجسيدا للمعمار السينمائي المرن الذي تميزت به المرحلة التعبيرية. يقول باول فاغنر عن هذه المدينة: "أن ما بناه صديقي المهندس بولزيج هو ليس براغ، بل قصيدة على شكل مدينة، حلم وتعبير معماري عن موضوع الغوليم. الأزقة والساحات لا يجب أن تذكرنا بما هو واقعي، بل أنها يجب أن تخلق الفضاء الذي يتنفس فيه الغوليم."

نوسفيراتو، سنفونية الرعب

على عكس ما ذكرناه سابقا حول تركز عمل مخرجي الأفلام التعبيرية على الأستديو، جرى تصوير هذا الفلم  -في الأغلب- على الطبيعة، أي خارج الأستديو، وذلك في الأماكن التي تتناسب مع ما ورد في السيناريو الذي أستند على رواية الكاتب الإيرلندي برام ستوكر (1847-1912)، وتعمد كاتبه تغيير أسماء الشخصيات والأماكن لتجنب ما قد يحدث من إشكالات تتعلق بحقوق النشر (غير أن هذا لم يمنع زوجة برام ستوكر من اللجوء للقضاء لفرض حقوقها، مما أدى الى إتلاف العديد من نسخ هذا الفلم الذي صور بكاميرا وحيدة، لذلك تم تصويره على نيجاتيف واحد، أصبح مفقودا كذلك).

جرى تصوير الفلم في أماكن مختلفة منها مدينة فيسمار الساحلية التي تحمل في الفلم تسمية "فيسبورغ" –سنرى لاحقا أن فيرنر هيرزوغ سيستخدم إسم فيسمار-،حيث يحل مصاص الدماء بعد مغادرته سلسلة جبال الكاربات بإتجاه وسط أوربا، وفي لوبيك وروستوك وجزيرة سلت، إضافة الى اللقطات التي تم تحقيقها في قلعة "آروابورغ" الواقعة في جبال الكاربات في رومانيا. وقد زاد إستخدام الأماكن الواقعية من تأثير الفلم على المشاهدين وذلك تطابقا مع تصور منتجي الفلم والمخرج بأن "الرعب يولد في أحضان المألوف، وليس في ما هو إستثنائي."

بناء على هذا فقد جاءت أغلب مشاهد الفلم خارجية، يغلب عليها أحيانا الطابع التوثيقي، وربما شئ من "النزعة الطبيعية" التي كانت مرفوضة أصلا من قبل التعبيريين الذين كان مورناو في كل الأحوال أنتهك إحدى مبادئهم الأساسية من خلال خروجه الى الشارع. ويتجلى الطابع التعبيري في الفلم في المشاهد المصورة وفق نهج "low key" في التصوير، حيث يهيمن الظلام على الجزء الأكبر من الصورة، وتبدو الأشياء التي تقع في الظل مثل ظلال تثير الخوف، وذلك إضافة الى توظيف النيجاتيف، حتى شكل مصاص الدماء المعكوف الأنف وحدبته التي يحاول المخرج أن يربطها ببقية مكونات المشهد (البنايات، الأزقة المظلمة والمتداخلة، الأقواس، والمواقع الشبيهة بالجنازات..) تبدو عنصرا مثيرا في الفلم، وتزداد حدة هذه المشاهد، حين نرى ظل مصاص الدماء، يسبقه مثل إنذار بِشّرٍ لاحق. لقد أصبح هذا الفلم الذي تناثرت نسخه في مختلف أنحاء العالم بعد إتلاف نسخه الألمانية، واحدا من أهم الأفلام الصامتة عالميا، وإرثا ثقافيا لمجمل الحركة التعبيرية الألمانية لما يحتويه من طاقة إبداعية قوية، تنتقل عدواها للمشاهدين. ومازال لهذا الفلم تأثير كبير على ما يسمى بـ "افلام الرعب" حتى الآن. وهو لذلك ينطبق عليه ما قاله غنتر أي غرم: "انه بلا شك من أقوى افلام مصاصي الدماء القديمة تأثيرا ومازال لحد يومنا هذا يسحر السينمائيين المعاصرين." 

دكتور مابوزة المقامر

قبل أن يقدم على مغامرته الكبرى في إخراج واحد من الأفلام التي أسست للحداثة في السينما المعاصرة "ميتروبوليس" قام فرتز لانغ بإخراج عدة أفلام ساهمت في تطوير السينما التعبيرية الألمانية منها الى جانب "دكتور مابوزة المقامر" بجزئيه الأول والثاني "الموت التعبان" و"سيغفريد" و"انتقام كرمهيلدة" المبنية على الإرث الملحمي الألماني. وكان فلم "دكتور مابوزة" اكثرها تجسيدا للمدرسة التعبيرية، سواء من ناحية الموضوع أم من ناحية إستخدام التقنية السينمائية بكل خصوصيتها. فدكتور مابوزة، الطبيب النفسي الذي يوظف البشر المحيطين به لتحقيق أهدافه الشريرة هو نموذج غالبا ما نواجهه في السينما التعبيرية الألمانية منذ كاليغاري. غير أن فرتز لانغ كان الأسبق في الإعتماد في بناء شخصيته على العنصر النخبوي في فكر نيتشة الذي برز بشكل خاص في "هكذا تكلم زرادشت"، وهو العنصر الذي بنت عليه النازية الألمانية جزءا من إيديولوجيتها. ربما كان هذا هو السبب الذي دفع بعض النقاد لأن يرى في هذا العمل إشارة لهيمنة النازية على السلطة في ألمانيا، غير أن لانغ أنكر هذا، مؤكدا أن الإشارات الواردة في هذا العمل المتعلقة بـ "هتلر"، إن وجدت، فأنها لم تكن مقصودة، ليعود فيؤكد أنه في الجزء الثالث من الفلم "وصية الدكتور مابوزة" الذي أخرجه في الثلاثينات (قبل فترة قصيرة من إستيلاء هتلر على السلطة) أراد عن وعي أن يشير الى المخاطر التي قد تجلبها الإيديولوجية النازية الشمولية على المجتمع، وهذا هو مادفع غوبلز لاحقا الى منع عرض هذا الفلم في دور العرض الألمانية، وشمل هذا المنع أيضا "دكتور مابوزة المقامر". ويشترك الفلم مع الأفلام الأخرى لهذه المرحلة في إستخدامه لعناصر اللاوعي، والحلم والتشكيلات الغريبة للظل والضوء للتأكيد على الجو الكابوسي المحيط بأحداثه.

في دراسته الموسعة حول الفلم الألماني في العشرينات "من كاليغاري الى هتلر" حاول سيغفريد كراكاور (1889-1966) أن يثبت وجود علاقة بين ما تعكسه الأفلام الألمانية لفترة ما بعد الحرب الأولى من "وعي جمعي ميتافيزيقي" وبين إستيلاء هتلر على السلطة في ألمانيا في العام 1933. قد ينطبق هذا الرأي على عدد غير قليل من الأفلام الألمانية التي أنتجت خلال هذه الفترة، غير انه –كما أرى- لا ينطبق على "السينما التعبيرية"، حيث أن الجانب الميتافيزيقي الذي يبرز فيها مشروط بالسعي لإيجاد أساليب تعبير جديدة تتناسب مع متطلبات المرحلة التي نشأت فيها.  

إيلاف في

20/01/2010

 

الفيلم الوثائقي "مولود فرعون" قريبا في دور العرض

كامل الشيرازي من الجزائر 

انتهى المخرج السينمائي الجزائري "علي موزاوي" من فيلمه الوثائقي الجديد "مولود فرعون" (52 دقيقة) الذي يتناول سيرة الأديب الجزائري الرحل مولود فرعون (1913 - 1962)، وأوضح موزاوي وهو كاتب السيناريو أيضا أنّ عمله حول "مولود فرعون" سيكون متوفرا قريبا في دور العرض مباشرة بعد العرض العالمي الأول المقرر بباريس قبل نهاية الشهر الجاري. ويهدف الفيلم الذي طال انتظاره إلى فهم شخصية فرعون وأعماله الروائية الشهيرة وأبرزها "ابن الفقير" التي بدأ كتابتها مع اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939)، اليوميات (1946)، الأرض والدم (1953)، الأيام في منطقة القبائل (1954)، الدروب الوعرة ((1957، قصائد الشاعر سي محند (1960)، وكذلك "عيد الميلاد" (1972) التي نُشرت بعد عشر سنوات من رحيله. ويقول موزاوي في مقابلة خاصة بـ"إيلاف"، إنّه ينتظر الكثير من هذا الفيلم الوثائقي الذي يستعرض مسار مولود فرعون المُغتال منذ 48 عاما من لدن نشطاء منظمة الجيش السري الفرنسية المتطرفة في 15 مارس/آذار 1962، علما أنّ المخرج أنفق ما لا يقل عن السنتين في إعداد العمل، وتجميع كل ما دوّن حول فرعون.

وبشأن طبيعة النسق الذي سيحمله الفيلم، أشار موزاوي إلى اعتماده مزاوجة بين حميمية السرد وجمالية المضمون بغرض الغوص في ذاتوية فرعون وما تحفل به شخصيته من تفاصيل كثيرة ظلت مجهولة.

ويضيف المخرج الجزائري المخضرم أنّه تمكّن من خلال مقاربته لأبعاد ثلاثة: "فرعون الطفل،ـ فرعون المربي وفرعون المثقف"، من تحديد جوانب رجل معقد جعلته الأحداث المؤلمة يهتم ويحس بكل الجروح، ويلاحظ المخرج أنّ فرعون ظلّ في الذاكرة الجمعية ذاك الرجل/الرمز الذي حمل كل الأصداء المؤلمة وكل الصرخات وكل المأساة الجزائرية بكل تعقيدها. وأخرج علي موزاوي في السابق فيلمه الطويل "ميمزران" (المرأة ذات الظفائر) الذي تحصل على جائزة مهرجان الفيلم الأمازيغي بالجزائر ومهرجان السينما لأغادير سنة 2009.

وسبق لنقاد جزائريون، أن أجمعوا على تصنيف رواية "نجل الفقير" لمولود فرعون، كأهم رواية وطنية في الجزائر، وقال الدكتور أمين الزاوي، أنّ العمل الذي أبدعه فرعون العام 1960، وحظي بالنشر بعد نصف قرن، يعتبر باكورة روائية استثنائية جرى توشيتها بأسلوب بسيط يعكس العمق الإنساني الكبير لفرعون الذي ترجمت أعماله إلى العربية والألمانية والإنجليزية والروسية.

وتناول فرعون في روايته "نجل الفقير" سياق الشد والجذب بين الجزائر وفرنسا، أين ظهر الأديب الجزائري الرحل كمثقف متذمر من ممارسات المحتل الفرنسي القديم وقيام الادارة الكولونيالية بإدارة ظهرها للسكان الأصليين، ما زاد من حتمية تجسيد مطلب الاستقلال.

وتدور أحداث رواية "نجل الفقير" عقب نهاية "معركة الجزائر" الشهيرة شتاء 1957، وبطلها مدير مدرسة جزائري غادر الريف ليستقر في الجزائر العاصمة حيث عُيّن هناك مديرا لمدرسة بحي شعبي، ويتعرف لاحقا على مُدرّسة فرنسية تدعى فرانسواز، لتتشعب الرواية في سياقات غير منتهية عن الهوية المقموعة والأنا المستقل والاستيلاب الاستعماري.

ويذهب الناقد الجزائري "محمد الأخضر معقال" إلى أنّ رواية "نجل الفقير" انطوت على حساسية خاصة، تبعا لكون العمل تعرّض البعد المرتبط بالهوية على أساس هويات متعددة وليس بناءا على هوية واحدة، وهو ما أثار الكثير من اللّغط في أوساط عرّابي ثورة التحرير الجزائرية

إيلاف في

20/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)