حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مسيرة ناقد قديس ودراسة باحثة واعية

بقلم : د. حسن عطية

عندما نتساءل في الشارع، وعبر وسائل الاعلام المختلفة، وبعقولنا المجهدة عما حدث لنا، فصرنا قتلة وسفاحين، نطلق الرصاص علي أنفسنا، ونرفض ان تساعد اليد اليمني اليد اليسري، وندمر نفوسنا بخرافات متخلفة. لا نعني ابدا اننا حقيقة لانعرف اسباب ما وصلنا اليه من حال يرثي لها، ومن تدني في الوعي الجمعي يكاد يجرنا الي الجحيم، ولكننا نعرف الأسباب ومصادرها والفكر الذي سهل لتيارات التخلف ان تغزونا من داخلنا، والأيدي التي فتحت القمقم واخرجت لنا عفريته الذي انجب آلاف العفاريت، اصبح من الصعب صرفهم او البحث عن قماقمن لحبسهم فيها والقائها في قاع بحر الظلمات أو بحيرة مدينة النحاس الخرافية.

وانما نحن نطرح التساؤل، الذي نعرف الاجابة عليه، من باب التعجب علي عجزنا عن مواجهة هذا التردي الذي نعيشه، تاركين امر القبض علي القتلة لأجهزة الأمن، مكتفين بالبكاء واللظم علي شاشاتنا اللامعة وصفحات حرائدنا المزدانة بالاعلانات، دون ان تكاتف كل مؤسسات الدولة التعليمية والثقافية والاعلامية، ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة، لوضع استراتيجية لتنوير المجتمع، واعادة التسامح لقلبه، وخلق فرص عمل للعاطلين الملتقطين من جحافل الشر لسلب عقولهم و،تجنيدهم لتدمير المجتمع.

سألني احد الأصدقاء مساء السبت الماضي، ونحن نشارك مؤسسة ساويريس للتنمية الاجتماعية توزيع جوائزها السنوية علي افضل انجاز ابداعي في مجالات الرواية (جائزتان لكبار وشباب الكتاب) والقصة القصيرة (جائزتان لكبار وصغار الكتاب) والسيناريو السينمائي (جائزتان لكبار وشباب الكتاب) والنص المسرحي والتي اعطيت مناصفة ايضا بين شباب وكبار الكتاب، عما يستفيده رجل أعمال من صرف ما يقرب من مليون جيه علي هذه الجوائز السنوية في مجال غير رأسمالي؟. تذكرت قبل ان اجيبه المقولة القاتلة بان العقل اثمن رأسمال، فهو محرك كل شيء، وهو الدافع للتقدم او التأخر، ولذا فان دعم رجال الأعمال للثقافة والفنون ليس حرثا في البحر، ولا القاء بالمال خارج مجتمع عمله، بل هو في مصيم مجاله الاستثماري، المنطلق في الاساس مما تسميه الدراسات الحديثة (رأس المال الثقافي).

محلك سر

ويتكون رأس المال الثقافي هذا من مجموعة القيم المستثمرة في المجتمع، فغرس وتنمية قيمة الثواب وتشجيع الابداع والابتكار وبث روح المبادرة مقابل العقاب لمن يتخلف او يكتفي بالحركة في المكان (محلك سر) وانجاز الحد الأدني من عمله (علي قد فلوسهم)، انما يقسم المجتمع الي مجتمع راغب في الابداع والابتكار، واخر نافر منه، والمجتمع الراغب في الابداع والابتكار مجتمع حيوي، يستثمر عقله وجهده البدني لتنمية ذاته، فلا يهرب شبابه للموت علي سواحل ايطاليا، او النوم في كهوف التخلف، او القتل انتقاما من مجتمع ظالم، فيصبح مجتمعا مستقرا امنا يجذب الاستثمارات من كل جهات العالم، ويفجر طاقات افراده لانتاج يغطي احتياجاته ويغزو به العالم، بدلا من غزونا بمنتجات صينية واسرائيلية.

وهذا ما وعاه قديما الاقتصادي الكبير »طلعت حرب«، الذي قال عنه المستشرق والمفكر الفرنسي المعروف »جاك بيرك«: أن ميزة طلعت حرب الاولي هي ادراكه للقوة الكامنة والامكانات الهائلة التي لم تستغل بعد عند مواطنيه، ولهذا نجح في شحذ هذه الامكانات وفجر هذه القوة الكامنة في الانسان المصري في مجالات اقتصادية وصناعية كان الاجانب يحتكرونها بادعاء ان ثقافة المصري كامنة فقط في قدرته علي الزراعة والنوم علي حافة النيل، اما الصناعة والتجارة والبنوك فهي بحاجة لعقلية غربية، لهذا اسس طلعت حرب بنك مصر وشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري. وشركة مصر للطيران، غيرها من الشركات الهامة في تاريخ البلاد.

بعثات فنية

ولوعي »طلعت حرب« بان تنوير العقول وازدهار الثقافة الرفيعة هو السبيل الوحيد لتنمية الاقتصاد في بلد زراعي متخلف، وايمانه بالتالي بان الثفافة والفنون هما استثمار في حد ذاتهما، يجب رعايتهما وتنميتهما من اجل مجتمع افضل، قام بتأسيس ستوديو مصر (شركة مصر للتمثيل والسينما)، وارسل البعثات الي اوروبا لتلعرف علي احدث اتجاهات وتقنيات الفنون السينمائية، كان من اعضائها »احمد بدرخان« و»نيازي مصطفي« و»موريس كساب« و»ولي الدين سامح« و»محمد عبدالعظيم« و»مصطفي والي« و»موريس كساب« و»ولي الدين سامح« و»محمد عبادلعظيم« و»مصطفي والي« والذين عادوا من بعثاتهم ليصنعوا اهم افلام السينما المصرية، وابرز افلام ام كلثوم (دنانير وفاطمة ونشيد الأمل) وفريد الأطرش واسمهان (انتصار الشباب)، وكان »طلعت حرب« يقول دائما »إننا نعمل بقوة اعتقادية وهي ان السينما صرح عصري للتعليم لا غني لمصر عن استخدامه في ارشاد سواد الناس«.

هذا الوعي العميق والصحيح بقيمة السينما كوسيلة تنويرية، تدفعنا للنظر فيما ال اليه حال السينما اليوم باعتبارها عند البعض وسيلة تسلية والتسرية وتعطيل ملكات العقل، وهو الامر الذي انسحب علي الدراما التليفزيونية وبدا يتسلل الي عقلها المستنير، والذي مازلنا نري انه افضل العقول المتعاملة دراميا مع واقع المجتمع، ترصد مشاكله، وتناقش قضاياه، وتكشف مسالبه، غير ان مساويء السينما بدأت تنتقل للدراما التليفزيونية فتتكدس الحلقات بالمواقف ولاعبارات الملة، التي لاتقف عند حد تطويل المسلسل، بل تعمل علي تعطيل ملكات عقل المشاهد، الذي هو في امس الحاجة لمن ينشطه بالمواقف المتلاحقة والاحداث المتوالية، والحوار الراقي الذي يرتفع بذوق المشاهد.

جوائز الدراما

لقد فاز العام الماضي في مسابقة ساويرس الثقافية سيناريو (واحد/صفر) لمريم نعوم والذي اخرجته كاملة أبوذكري، وسيناريو فيلم (هليوبوليس) لاحمد عبدالله والذي اخرجه بنفسه، وهما اهم فيلمين ظهرا هذا العام وحققنا نجاحات جماهيرية ونقدية في الداخل وحصلا علي العديد من الجوائز في المهرجانات الدولية، مما يعني ان المسابقات الجادة يمكن ان تلقي الضوء علي الاعمال المتميزة والتي من الصعب علي اصحابها وهم في مقتبل العمر المرور بها علي منتجين اخر ما يبحثون عنه في السيناريوهات الفكر العميق والمغامرة السردية الجديدة، والحال كذلك في مسابقة النص المسرحي، والتي استحدثت هذا العام، وتقدم لها ٨٣١ نصا، فاز فيها نص (اخناتون) للكاتب المخضروم »منصور مكاوي« الذي رحل عن دنيانا قبل ٨٤ ساعة من اعلان النتيجة، ونص (الدنيا حلوة) للكاتب الشاب »احمد العطار«، واللذين نأمل ان تقوم المؤسسة المانحة للجوائز بدعم انتاجهما مع البيت الفني للمسرح او مع قاعة سيد درويش المتجددة لاهمية ما يطرحانه من رؤي وصيغ فنية جديدة.

كما نأمل ان تفتح المؤسسة صدرها وتنشيء جائزة في مجال كتابة السيناريو للدراما التليفزيونية، الي جانب سيناريو الفيلم الروائي فقد اضحت الدراما التليفزيونية اليوم من اخطر ادوات تنوير العقل، وبث قيم التسامح والمواطنة، وذلك حتي لا ننتظر سنوات لنكسب كتابا مثل ايمن سلامة ومسلسله الاول العام الماضي (ليالي) او »عبدالرحيم كمال« ومسلسله الاول (الرحايا).

أخبار النجوم المصرية في

14/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)