حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم 'الفرح' للمخرج سامح عبد العزيز :

كوميديا سوداء وكتابة سيناريستية متوازنة

محمد بلوش

من التلفزيون اتى المخرج الشاب سامح عبد العزيز الى السينما، فبعد سنوات من الاشتغال كمخرج بقناة 'دريم' المصرية، كانت البدايات الاولى سينمائيا لهذا المخرج الصاعد متمثلة في فيلم 'درس خصوصي'( 2005)، قبل توقيع ثلاثة افلام دفعة واحدة سنة 2007، وهي 'احلام الفتى الطائش'،' حسن طيارة' ثم 'أسد وأربع قطط'، تلتها افلام ' كباريه '( 2008) ثم 'حد سامع حاجة' (2009) و'الفرح' في نفس السنة..

بذلك، يبدو المخرج سامح عبد العزيز وكأنه يسير نحو غزارة على مستوى الاخراج، خاصة وأن نجاح فيلمه 'كباريه'

ثم تميز 'الفرح' ابداعيا، هي عوامل تبشر بأعمال قادمة قد تبصم الانتاج السينمائي المصري مستقبلا بشكل يعيد التصالح القوي ما بين المنتوج الفيلمي المحلي وجمهوره .

من زاوية مغايرة، لا يمكن المرور مر الكرام على اسلوب الكتابة السيناريستية للكاتب 'احمد عبد الله'، فهو مثقل بالاشتغال على تيمات كوميدية، من خلال افلام كثيرة نذكر منها 'عبود على الحدود'، 'الناظر صلاح الدين'، 'اللمبي'، وهي من بطولة الراحل علاء ولي الدين، ثم 'عسكر في الحرامية' و'فول الصين العظيم' اللذان قام ببطولتهما النجم محمد هنيدي، اضافة لفيلم 'كركر' من بطولة محمد سعد، و'غبي منه فيه' وهو من بطولة هاني رمزي، وكذا 'ميدو مشاكل' الذي قام ببطولته احمد حلمي .

والى جانب الكوميديا، نلمح الطابع البوليسي بجلاء في فيلم 'رجال من مصر'، والتاريخ في 'فارس ظهر الخيل'،اضافة الى اعمال اخرى لا يتسع المجال للتوقف امامها بالتفصيل، لكن تسمح بشكل عام بملاحظة الحركية الواضحة للسيناريست 'احمد عبد الله'.

تدور قصة فيلم 'الفرح' حول 'الاسطى زينهم' الذي يعيش رفقة زوجته وامه في احد الاحياء الشعبية التي يخيم عليها الفقر والحرمان من كل جانب، فيسعى من اجل الخروج من اوضاعه الاجتماعية والمادية الصعبة الى البحث عن تحقيق حلمه باقتناء 'ميكروباص'، مختلقا عرسا وهميا الغرض منه فقط جمع تبرعات المدعوين المالية، وخلال الفرح المزعوم تستعرض القصة احداثا جزئية مرتبطة بشخصيات متعددة، جلها يعاني الحرمان، كالمونولوجيست 'صلاح وردة' الذي تجاوز الزمن 'قفشاته' ونكته في الافراح، ليظل عشر سنوات بدون معانقة خشبة المسرح، و'شوقي' العاجز عن معاشرة زوجته، اضافة الى 'سميرة' التي تتنكر في زي الرجال لإعالة امها المريضة واخوتها، دون ان تستيقظ فيها مشاعر الانوثة، بحيث ان لحظة ذلك الاستيقاظ لن توازي إلا التحطم النهائي بعد قتلها لشاب اعتقدت انه يحبها في وقت نظر فيه إليها نظرة حكم مسبق على 'لحم رخيص'، دون نسيان الحلم بحياة زوجية هادئة بالنسبة لعبد الله وجميلة..

ان جل المشاهد في الفيلم صورت في الشارع والحارة الشعبية تحديدا، وهو اختيار اضفى على الفيلم نوعا من الاقناع البصري بالمتواليات السردية، بما في ذلك توظيف اغنية 'شارب سيجارة بني' لمحمود الحسيني.

على مستوى التيمة الكبرى التي تهيمن على القصة، فهي لا تتلخص الا في الجانب التربوي الأسري، بحيث ان الموت المفاجئ لأم 'الاسطى زينهم' اثناء لحظات الفرح، كان صدمة وعقدة في نفس الوقت، ما دامت الزوجة طالبت بوقف كل شيء من اجل الاهتمام بإجراءات الدفن والعزاء، في حين تشبث الآخرون بمقولة 'الحي أولى من الميت'، مقترحين على 'زينهم' اتمام الفرح من اجل تحصيل اموال تمكنه من اقتناء 'الميكروباص'، وبعد تردد وحيرة سيفقد زوجته التي طالبته بالطلاق، ويتمم الفرح، لكن في النهاية سيذهب كل تخطيطه سدى بفعل سرقة الاموال التي جمعها من المدعوين، وآنذاك فقط سيحس بالندم على تفضيله الماديات بدل القيام بالواجب تجاه والدته بعد وفاتها.

واذا كان الفيلم على مستوى الاحداث ينتهي عند لحظات الندم بالنسبة للبطل، فإن المخرج فضل ان تصاحب الجنيريك الختامي أحداث كان من الممكن ان تقع لو تم ايقاف الفرح بالفعل لحظة وفاة الام، فعبر مشاهد سريعة، نتعرف على كون التوقيف ذاك كان سيحول دون مقتل 'حسن الحشاش'، كما سيحول دون السخرية من 'صلاح وردة' امام ابنه الاكبر، وغيرها من التحولات الايجابية، وكأننا بالسيناريست يطرح 'عقدة واحدة' بمعالجتين مختلفتين.

كاستينغ الفيلم كان في مستوى جد موفق، فخالد الصاوي 'الاسطى زينهم' يبدو من الممثلين الكبار الذين جادت بهم السنوات الاخيرة ولمعوا في سماء الفن السينمائي المصري، وهو بالمناسبة قلم متميز في مجال الادب والشعر كذلك، اضافة الى المزج بين ممثلين شباب كماهو الشأن بالنسبة لدنيا سمير غانم، روجينا، ماجد الكدواني،جومانا مراد، ياسر جلال، ونخبة من نجوم الشاشة المصرية كحسن حسني، كريمة مختار، سوسن بدر، محمود الجندي، صلاح عبد الله، باسم سمرة، وهو نفس طاقم فيلم 'كباريه' تقريبا، اللهم غياب عناصر محدودة العدد.

ورغم ان قصة الفيلم اعتمدت الطريقة الكلاسيكية في السرد، وفق المقولات الارسطية الشهيرة، إلا أن حمولات الفيلم الاجتماعية، المغلفة من حين الى آخر بمسحات من الكوميديا الهادفة، والتي لا تخرج عن النسق العام للفيلم، مكنا المونتير من ضمان ايقاع غير رتيب، مع توظيف بلاغي للصورة، خاصة في المشاهد الخارجية التي صاحبت الجنيريك قبل بداية الاحداث، حيث يمكن مثلا ان نلاحظ تركيز الكاميرا على سيارة 'ميكروباس' سوداء، كانت تجوب الشوارع والازقة، في رمزية لما سيشكل الحلم الجوهري لبطل فيلم 'الفرح'.

وفي الوقت الذي انتقد فيه البعض فيلم 'الفرح' على مستوى بعض المقاطع الحوارية التي اعتبروها وظفت جملا بذيئة، وبعين محايدة، عاينا عملا لم ننتبه فيه الى مضمون ذلك الانتقاد، بل، كانت اللغة الموظفة متطابقة مع الوسط والمحيط العام للاحداث، دون اي نشاز او تزييف لما هو متعود عليه في الحياة اليومية .

ناقد من المغرب

القدس العربي في

12/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)