حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حسيبة.. فيلم ينكر التراث الدمشقي

دمشق - علياء تركي الربيعو

يقف المجاهد صياح مع ابنته في الجبل ليقوما بتوديع أصحابهما بعد ما فقدوا جميعاً الأمل بتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، فهربوا خوفا من القبض عليهم، ينظر صياح بحسرة إلى ما آلت اليه الثورة بعدما تخلى أصحابه عن الجهاد، ويقرر العودة الى حارته القديمة حيث يلتجئ هو وابنته حسيبة إلى منزل قريبه الشيخ حمدان الجوقدار الذي يتزوج حسيبة لاحقا.

ومن هنا تبدأ أحداث الفيلم السوري «حسيبة»، والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم للروائي السوري خيري الذهبي، والذي تضج به صالات العرض في دمشق هذه الأيام لكون الجمهور سمع به منذ سنتين ولم يره الى الآن، لذا كان الجمهور متشوقا لحضور الفيلم الذي نسجت عنه بعض الاساطير ووصفته بإبداع السينما السورية.

تدور أحداث الفيلم الرئيسية حول بطلته وهي حسيبة والتي تقوم بدورها الفنانة (سلاف فواخرجي)، ليصف لنا ما يدور في خلدها من مشاعر حب وتمرد وقسوة، ليعود بنا الفيلم الى النصف الأول من القرن العشرين ويرصد تحولات عدد من الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة في تلك الفترة.

الا أن الفيلم يبتعد كثيرا عن مجريات الاحداث السياسية التي جرت في سورية رغم غنى تلك الفترة الزمنية بهذه الأحداث، والتي أثرت في تاريخ البلد، مفضلا أن يبرز لنا قصة اجتماعية بطلتها امرأة كـ «تحية» يقدمها مؤلف ومخرج العمل ريمون بطرس لنساء ذلك الزمن.

الفيلم تميز بسرعة تتالي الاحداث فيه فبعد أن تعود حسيبة مع والدها وتقيم في منزل أقربائها، سرعان ما تتزوج من مضيفها حمدان (سليم صبري)، لترزق حسيبة مباشرة في المشهد التالي بطفلة تسميها زينب إلا أنها تفشل في حصولها على طفل صبي، لنكتشف مع حسيبة أن السبب في ذلك وبحسب زوجها حمدان يعود إلى أن شيخ البحر الذي يسكن في البحرة الموجودة في دارهما غير راض عنها لكونها عاشت في الجبال مع والدها وعاشرت الرجال، لذا نجد حسيبة في البداية تحاول قدر الامكان أن ترضي شيخ البحر الا أنها تفشل في ذلك، ومن ثم تمنى حسيبة بفقدان والدها المجاهد صياح في فلسطين بعد ذهابه للجهاد هناك، وقد تبدأ حالة التمرد لدى حسيبة بعد وفاة زوجها في المشهد التالي لتعيش هي وابنتها زينب وحيدتين من دون رجل الى أن تكبر زينب ويحدث ما يغير مجرى حياتهما، وهو لجوء أحد الصحافيين الملاحقين من السلطة إليهما والاختباء في منزلهما، وهنا تبدأ قصة العشق الكبير من قبل حسيبة للصحافي الذي يصغرها بأعوام الا أنه وللأسف تقع الابنة أيضا في غرام الصحفي، فيؤثر الصحافي الزواج بالابنة لوقوعه في غرامها ايضا، وهنا تبدأ مرحلة صراع داخل حسيبة فترفض زواج ابنتها في البداية الا أنها ترضخ بسبب مرض ابنتها وإصرارها على الزواج من محبوبها الصحافي، لتبدأ حالة جديدة من حالات التمرد الداخلي لدى حسيبة فهي لا تستطيع أن تتخلص من مشاعر الحب اتجاه زوج ابنتها، فتستمر محبتها له، وتحاول فيما بعد أن تضغط عليه ليتخلى عن عمله الصحفي والعمل في دكان زوجها، ولكنه يفشل في ذلك ويذهب هو أيضا للجهاد في فلسطين، وهنا تبدأ حسيبة مسيرة البحث عن الذات، بدءا بعملها في حانوت زوجها ودخولها ميدان التجارة، وانتهاء بموتها.

اعتمد مخرج الفيلم ريمون بطرس من حيث التصوير على ديكورات جديدة صممت خصيصا للفيلم، الا أنه ابتعد بها عن كل طبيعة غنية تمتاز بها دمشق قديما، فما رأينا ياسمينا أو شوارع قديمة واضحة غير لقطات صغيرة للدكاكين، ولم نر أثاثا دمشقيا قديما ولكننا رأينا في الفيلم أثاثا عصريا بعض الشيء، بالاضافة الى أن المشاهد لم تحو أي تسلسل متواصل فيها، فسرعان ما كان يتم قطع أي مشهد من دون أن يتم توضيح المشهد السابق، فكنا ننتقل الى فكرة ومشهد وزمن جديد دون تسلسل منطقي، ما يدل على جهل القائمين على العمل بالصورة وكيفية المونتاج الذي تعرض لقص شديد ما ساهم في ترك فراغات عديدة في التصوير، وكأن كل مشهد صوّر على أكثر من كاميرا وتم تلصيق المشاهد فيما بعد، الأمر الذي ساهم في عدم فهم التسلسل الزمني للفيلم.

كما أثار الفيلم الاستغراب من حيث تغيير الفكرة التي عرفناها سابقا عن نساء دمشق، ومدى الحشمة التي كن يلتزمن بها سابقا، حتى أمام أزواجهن، وهذا ما نعرفه وأكدته لنا معظم المسلسلات الدمشقية القديمة، أما في فيلمنا هذا فترى للمرة الأولى بطلات الفيلم ترتدي ثيابا عارية بعض الشيء، كارتداء الممثلة سلاف فواخرجي ثيابا غير محتمشة أمام والدها، وكذلك احيانا في خروجها مع زوجها في نزهات، وهو ما يسمى باللغة الدمشقية (السيران) أي مشوار الى الاماكن التي يكون فيها الكثير من الشجر، إذ تظهر وكتفاها عاريتان مع العلم أن نساء تلك الفترة كانت تغطي وجهها فكيف نجدها عارية في الخارج؟

أما المثال الآخر فهو خالدية (جيانا عيد) أخت حمدان والتي كان من المفروض أن تكون هي الشخصية المتمردة في القصة فهي تزوجت أكثر من ثلاث مرات، فما لفت الانتباه اليها أيضا أنها كانت تدخن وتشرب الأركيلة، وهذا أمر كان محرما في المجتمعات الدمشقية القديمة.

وهذا يقودنا الى تساؤل: أيهما أصح المرأة التي تقدم في المسلسلات الدمشقية القديمة أما نساء بطرس؟ أم أن العلمانية والحداثة يجب أن تظهر حتى ولو كنا نتحدث عن عصر بعيد كل البعد عن هذه المصطلحات؟ وأي منطق استخدمه بطرس في استغبائه لنا هنا؟

افتعال الممثلين كان واضحا في الفيلم من خلال مشاهد عديدة قاموا بها، منها صراخ فواخرجي المتكرر في الفيلم أثناء موت والدها، وأثناء صراخها على ابنتها، وعلى الرغم من أن سلاف فواخرجي يشهد لها بحسن الأداء إلا أنه يبدو أن المعادلة انتقلبت معها كما جميع الأمور الأخرى.

البعض الآخر تساءل إذا ما كان بطرس قد أعطى النص حقه والتزم به أما لا، إلا أن الجواب يبقى أوضح عند قراءة رواية خيري الذهبي حسيبة، والتي حصلت على انتقادات واسعة لدى إصدارها، لكونها لم تحمل جديدا ولا تمتاز بأحداث كثيرة، لذا قد يكون المخرج أنصف الرواية قليلا لدى تصويره إياها وإعطائها زخما إعلاميا كبيرا.

بالإضافة الى أنه كانت هناك أمور كثيرة لم نستطع فهمها في النص، فعلى سبيل المثال اللعنة التي نزلت على عائلة حسيبة، والتي تتمثل بموت الرجال أو ضياعهم لتبقى المرأة وحيدة مع ابنتها، وأمور عديدة أخرى تجعلنا لا نستطيع الا أن نتساءل ما الذي قدمه الفيلم لنا؟ فإذا كان القصد تقديم رؤى جديدة للزمن الدمشقي القديم لم تستطع المسلسلات الأخرى من أمثال ليالي الصالحية وباب الحارة تقديمه لنا، يكون الجواب إذا إن المخرج فشل في ذلك، فما قام به هو رؤية هدامة لما اعتدناه، ولا تتحمل أي نوع من أنواع الرؤى الجديدة البناءة لضعف العناصر السابقة فيها، ولضعف الإخراج والنص والتمثيل أيضا.

تموت حسيبة في المشهد الأخير بعد سماعها نبأ ضياع حفيدها، إذ تتجه الى البحرة وتبدأ بالتمرد على شيخ البحرة ولعنه لانتقامه منها، لذا يقوم شيخ البحر بقتلها داخل البحرة لمحاربتها إياه، ثم تنتهي قصة حسيبة وينتهي معها أي أمل بإنتاج سينما سورية مبدعة.

أوان الكويتية في

05/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)