حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم (بدون رقابة) والانغماس في الرذيلة

محمد جبار الربيعي

ترددت كثيرا قبل ان اكتب عن هذا الفيلم... قلت لنفسي هل يستحق الكتابة ؟ وهل يستحق ان يتجشم القارئ عناء قراءة ما كُتب عنه ؟ ففي الافلام التي كتبت عنها كان يشدني اليها امر ما كالاخراج... القصة .. الفكرة... المعالجة...جمال الصورة...... السيناريو... اداء الممثلين.... لكن هذه المرة لم يستوقفني شيء من كل تلك الاشياء... فلماذا اجدني اكتب عنه ؟ ما حفزني للكتابة هو خطورة الفيلم نفسه علي الشباب وتشويش افكارهم وزعزعة ثوابتهم... وهو مايتضارب مع الهدف الذي تتوخاه السينما ومع رسالة هذا الفن النبيل التي هي باختصار الارتقاء بالفكر وتثقيف المجتمع والسمو بقيمه ومستواه الاخلاقي... هذا ما تعلمناه من صاحبة الجلالة.... لكننا هنا نري العكس, فبدلا من ان يحاول الفيلم طرح مشكلة ضياع الشباب وانغماسهم في الملذات المحرمة والمخدرات والعلاقات الشاذة بطرحها كظاهرة خطيرة يجب مواجهتها بكل حزم... ومحاولة ايجاد حلول مناسبة تنتشلهم من واقعهم لانقاذ مايمكن انقاذه , نراه في الاعم الاغلب من وقت الفيلم يشجع علي كل تلك الضواهر والتخفيف من وقع تلك التصرفات المستهترة علي الاخرين وجعلها مقبولة بالتدريج فأبطال الفيلم يمارسونها بكل استسهال والطامة الكبري انهم طلبة في كلية القانون !!!! فاذا كان طلبة الجامعة...والقانون تحديدا يفعلون ذلك فماذا تفعل الفئات غير المتعلمة.

رقابة تكيل بمكيالين

عندما تسمع كلمة رقابة بألتاكيد سيتبادر الي ذهنك نوعان من الافلام طالما شاكسا الرقابة وتبارت هي معهما اولهما السياسة والثانية تلك التي تطرح موضوعة الجنس بمحاولة اثارة الغرائز لابطرحها بشكل موضوعي هادف ..... الاولي دائما ماتكون افلامها مهمة وتحمل افكاراً ترتقي بالانسان وبتطلعاته وطموحاته وتهتم بتوعيته علي مايدور حوله من احداث وملابسات وهذه الافلام غالبا ما يحاول مقص الرقيب تشويهها بحيث لاتصل الفكرة كاملة او بمحاولة فرض توصيات تؤثر علي العمل (والا فلا يري الفيلم النور) فالرقابة هنا صارمة ولديها خطوط حمراء لايمكن تجاوزها وعلي الاعم الاغلب يناور كُتّاب هذا النوع ويستخدم الرموز والتورية لتمرير الفكرة..... اما النوع الثاني فهي للاسف موضوع فيلم (بدون رقابة) الذي من الواضح ان الرقابة كانت مرنة معه جدا الي درجة خطيرة.....

ضياع مع مرتبة الشرف (الشحيح)

مع اللقطات الاولي للفيلم نعرف موضوعه وخطوطه العريضة فيظهر في الصورة شباب مخدرون في حانة (التصوير بالاسود الابيض) وفي احضانهم فتيات بملابس فاضحة وبعد مجموعة لقطات تستعرض المكان يدخل اللون علي الصورة لتظهر رقصة لفتي وفتاة تعرض كاملة ثم في نهاية الرقصة يبدأ تايتل الفيلم..... هنا عرفنا الموضوع والشريحة التي ركز عليها الفيلم وبالازمة الاخلاقية التي يعانيها..... نتوقع الان معلومات جديدة تضاف مع بداية الفيلم... لكن الفيلم يستمر في ترسيخ الفكرة الاولي بأظهار علاقات محرمة وشباب مُخدّر وشذوذ تعترف به احدي تلك المجموعة وهي شيرين (علا غانم)بكل ثقة بالنفس وتتكلم مع صديقها عمّا تفعله مع صديقتها بكل وقاحة وباسلوب (الامر المسلم به) والطبيعي جدا بل وتتفاخر بانها صريحة وواضحة ويحترمها اصدقاؤها علي تلك الصراحة !!!! (من دون ان يرينا الفيلم استهجاناً لتلك الافعال او رفضاً صريحاً يدس في النص) ثم يتحفنا المخرج ومنتج الفيلم (هاني جرجس فوزي) برقصات واغان لايفوته التركيز فيها علي اجسام الفتيات المثيرة بملابسهن الخليعة.....

نتعرف في الفيلم علي ثمانية نماذج رئيسية من الشباب خمس منهم منغمسون في الرذيلة والسادس ينكشف في النهاية ويظهر انه كان يمثل دور المصلح وهو في الحقيقة لايختلف عن اخلاقهم وفتاة اخري توشك ان تسقط لكنها وبعد ان حمي الوطيس.... (او يكاد) تتركة مسرعة كأنها تذكرت أنها تركت القدر علي النار!!! لم يتبق سوي شابة واحدة وهي الوحيدة التي بقيت علي استقامتها وحتي هذه ظهرت في غاية السطحية فكان جُلَّ همها هو الزواج من احد زملائها الحشاشين (لانها تحبه) دون ان تعي لخطورة ذلك الزواج من هكذا نموذج .... حقيقة مفزعة ان تمثل هذه النماذج الشباب المثقف للمجتمع المصري وطلاب جامعاته!!! فواحدة فقط مستقيمة (اخلاقيا علي الاقل) تقابل سبعة من المنحرفين او (الموشكين عليه) هؤلاء كلهم يمثلون عينة ونماذج من المفترض ان تكون واقعية... اليست حقيقة مفزعة ؟؟؟؟ ويستمر الفيلم علي هذا المنوال (الي درجة الاسفاف) حتي آخر 10 دقائق من الفيلم عندما يتحول بشكل حاد (من الواضح انه مقحم) لوضع خاتمة للفيلم وكان من المفروض انها تمثل الازمة والحل.... ومن المضحك ان المشكلة طرحت في95 دقيقة اما الازمة والحل فطرحت في 10 دقائق فقط.....((من هنا نعرف الهدف الرئيسي من الفيلم الذي لايخرج عن دائرة اغواء الشباب وتشجيعهم بل وحثهم علي المجون والاستهتار بعرض اجساد شبه خليعة وتفاصيل مخجلة لكي يجني الفيلم اموالاً طمع بها المخرج ومنتج الفيلم لان هكذا افلام تلقي رواجاً في دور السينما وربحها مضمون(او هكذا فكّر) فلا يعدو كونه فيلم اثارة محض للغرائز وهو يعيد الي ذاكرتنا افلام السبعينات التي اطلق عليها تسمية (الافلام التجارية) لعزل الغث عن السمين وتلك الافلام لفظتها حتي عقول معظم المنتجين الطارئين علي السينما فهؤلاء عرفوا ان مايطمحون اليه من ربح يأتي من احترام فكر المُشاهد فهو ذكي وفطِن ومثقف.... قُلت المنتجين الطارئين فمارأي القارئ اذا كان المنتج هو ذاته المخرج ؟؟؟ فعلينا اذن الحذر من (المخرجين) الطارئين علي الفن السابع !!!)) ..... اما الذي يحصل في تلك الدقائق العشرة الاخيرة فهو انهم يقررون حرق كليتهم بسبب اخفاقهم في الاجابة في الامتحانات وينفذون الفكرة لتقبض عليهم السلطات وتزجهم في السجن... ثم لتظهر مذيعة تبحث في اسباب سقوط هؤلاء الشباب لتحل (المعظلة) قبل نهاية الفيلم بثوان وهو ان هؤلاء الشباب لم يكن عليهم رقابة من عوائلهم.... وحتي ايصال هذه الفكرة (السطحية) بالحدث اخفق فيها الفيلم فلجأ الي قولها صراحة علي لسان المذيعة لان همه لم يكن ايصال تلك الرسالة بصدق فالاغراء والاثارة في الفيلم كان الغاية وليس الوسيلة ......والامر لايعدو كونه كلمة حق خجولة (قيلت في 10 دقائق) يراد بها باطل قيل في95 دقيقة......... كلمة حاكها اربعة كتاب دفعة واحدة هم (امين جمال ,خالد ابو بكر,اكرم البرديسي ,عبد الله حسن )... اربعة عقول تمخضت فولدت فأرا تحمل اضراسه طاعوناً مميتاً..... وحتي الاسم استخدم تورية مبطنة مقصودة بخبث فمن جهة يوحي العنوان انه فيلم خالٍ من مقص الرقابة (وهذا ما اراده) خصوصا ان الاعلانات عن الفيلم وبوستراته توحي بذلك , يبصر المخرج في النهاية (بما لم يبصروا به) من ان سبب انحراف الشباب هو انعدام الرقابة عليهم!!!

.... العجيب ان الفيلم حملت بدايته اهداء الي ارواح ثلاثة زملاء لفريق العمل والمخرج ولا اعرف ماذا قدم الفيلم لأرواح اصدقائهم (الطاهرة) من قيم نبيلة فهو لم يقدم غير اجساد خليعة وشذوذ (علا غانم) وصديقاتها.

ألف ياء في

31/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)