حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أثار جدلاً قبل عرضه وبعده

فيلم "بالألوان الطبيعية".. صورة مغايرة للكوميديا السائدة

القاهرة ـ رشا عبد الوهاب

يستكمل السينارست هاني فوزي وشقيقه المخرج أسامة فوزي في فيلمه الجديد "بالألوان الطبيعية" ما بدأه في "بحب السيما" من إعلاء لقيمة الفن واختراق للتابوات وانتقاد لذهنية التحريم وبشكل أدق السخرية منها.

تحدث هاني في فيلمه "بحب السيما" عن الأم التي لعبت دورها "ليلي علوي" والتي كانت ترسم صورا عارية لنساء يعانين من الحرمان الجنسي والكبت العاطفي، لتعبر عن حالتها الخاصة وكان ذلك في زمن الستينيات وكانت تخشى من أن يري أحد هذه اللوحات إلي أن رأها الزوج وقام بتمزيقها إلا أنها تقابل فنانا يشجعها على الرسم بجرأة. واخترق الفيلم تابو السياسة بانتقاد زمن جمال عبد الناصر وتابو آخر لأول مرة من خلال الدخول في مناطق محرمة.إلا أنه خفف في "بالألوان الطبيعية" من حدة الانتقادات من خلال البحث عن العلاقة بين الفن والدين.

يبدأ الفيلم بشخصية يوسف (التي يجسدها الممثل الشاب كريم قاسم) الذي تريد والدته (انتصار) أن يدخل كلية الطب لكنه مجموعه في الثانوية العامة يدخله كلية الفنون التطبيقية. ليبدأ الصدام الأول بين الدين والفن عندما يجد نفسه مطالبا برسم موديلات. يعيش في حالة من التخبط ويعاهد الله ألا يعاود الكرة لكن موهبته تدفعه علي الطريق ليواصل الرسم وتجمعه علاقة عاطفية بزميلته إلهام (يسرا اللوزي) التي تتحول شخصيتها كلية بعد ممارسة علاقة بينهما لترتدي الحجاب ومن بعده النقاب وترفض الاستمرار في علاقتها بيوسف لأن الفن حرام.

يوسف يمر بصراعات داخلية عديدة منها علاقته بأمه " التى تشبه كثيرا العلاقة بين الأم والابن في بحب السيما". فالأم متسلطة، لكنها هنا دائما ما تظهر كشبح لتسخر منه ومن اختياراته. ثم صراع العلاقة، بين الحرام والحلال، بين الموهبة وبيعها من أجل الحصول علي المال. ليصل في النهاية من خلال رؤية جديدة وصورة مغايرة للطريق إلي الجحيم في "الكوميديا الإلهية" لوانتي (مشروع تخرجه وأن التصور عنه ينبع من داخلنا، فلا يوجد مكان اسمه الجنة أو النار. ينتصر البطل في النهاية الا لقيمة الفن والحرية ولأشباحه أيضا.

ويظل يعيش- في مشهد النهاية- بين أشباحه الأم والموديل الرجل (سعيد صالح) الذي يرسمه طلبة الكلية عاري الصدر ويسأله يوسف: لماذا أنت هنا؟ يجيب بأنه كان طالبا موهوبا وفنانا لكنه رسب وسلك طريق إدمان المخدرات والكحول ولكن عشق للكلية جعله يظل يعمل موديلا لأكثر من 40 عاما وتوقع له- خلال ظهوره الشبحي في بعض المشاهد بأنه سيصبح مثله. شبح أخر هو رجل الدين العصري حيث تصطحب إلهام يوسف إليه بعد حجابها لتسأله عن دراستها وهل هي حرام وماذا تفعل لتجنب الإثم؟ فيقول أن لا يوجد تناقض بين الدين والفن، وأن العمارة الإسلامية خير دليل على ذلك، وأنه لا يجب أن يستمع الطلبة لدعاة التغريب، الذين يطالبون برسم موديلات عارية. أما الشبح الأخير، فهي بنت الليل(منى هلا) التي جاء بها صديق البطل علي (رمزي لينر).

الفيلم بدأ في إثارة الجدل بمجرد بدء عرض التايلر الخاص به على شاشات التليفزيون. والسبب أنه يسيء لعميد كلية الفنون التطيبقية وطلبتها، وكانت النتيجة مطالبة بوقف عرضه وإنشاء مدونة ضد الفيلم على الفيس بوك. "بالألوان الطبيعية" يظهر عميد الكلية ( حسن كامي) على أنه فاسد وشاذ جنسيا ومهرب آثار، والأساتذة (تامر حبيب وفريال يوسف)على أنهم مجانين واستغلاليون وانتهازيون ولا يُسعفون صوت الطلبة. فيما عدا أستاذ واحد (يقوم بدوره محمود اللوزي) هو الذي قاد يوسف إلى العودة إلى طريق الفن مجددا لينتصر لموهبته.

المعيدة ليلي (فريال يوسف) نموذج للمرأة التي تبيع جسدها من أجل مصلحتها، حتى إنها تحاول إغواء يوسف طوال الفيلم إلي أن يقع في شباكها من أجل أن ينهي لها مشروع الماجستير. طلبة مغيبون وأساتذة انتهازيون.

يستعرض الفيلم خمس سنوات في حياة أبطاله الطلبة من بدء الدراسة حتى التخرج، يظهر انقسامهم بين متشددين بذقون طويلة ومنقبات ومتأرجحين، غير مدركين للهدف من حياتهم وطلبة لا يفهمون شيئا غير تسريحات شعر غربية( ركز عليها المخرج في مشهد كامل)، وهي مجموعة من الصور النمطية.

علي (صديق يوسف) لا يدري ماذا يريد، يسير في الحياة هكذا، يحاول إغواء هدى (فرح يوسف) على اعتبار أنها ألمانية فلا يوجد مشكلة، وبالفعل يفلح ويقيم علاقة معها إلي أن يأتي مشهد المواجهة بينهما، ليحكي لها عن ملله منها، فتخبره بحقيقة حملها وأنها سوف تحتفظ بالجنين وعندما تنجب تأخذ طفلها وتسافر إلى ألمانيا.

المونولوجات في الفيلم طويلة. ومرة اخرى نجد تشابهاً بين الفيلم و"بحب السيما" من حيث المونولوجات، وسؤاله عن الحلال والحرام، وجهنم والجنة. لكن في هذا الفيلم يجيب هاني فوزي عن أسئلته في بحب السيما، فالحل لمشاكلنا الوجودية ومخاوفنا ينبع من ذواتنا، كما أنه لا تناقض بين الدين والفن. وأنه لا يمكن أن نرى الجمال وكل هذا القبح والفساد وهذه الضبابية (الغشاوة) محيطة بنا من كل جانب.

الممثلون كانوا علي قمة الأداء فقد نجح البطل كريم قاسم في ثالثة تجاربه السينمائية (بعد أوقات فراغ والماجيك) في أن يقدم موهبة واعدة في هذا الفيلم وكذلك يسرا اللوزي قدمت شخصية إلهام بكل تناقضاتها، فكانت مفاجأة في هذا الفيلم الذي يعد الأهم بعد دورها في " إسكندرية نيويورك" للمخرج العالمي يوسف شاهين. كما نجحت انتصار في تقديم دور الأم المتسلطة بخفة دمها المعهودة. مفاجآت تمثيلية أخري قدمها أسامة فوزي في هذا الفيلم وهي فريال يوسف ورمزي لينر وفرح يوسف ومحمود اللوزي ومنى هلا، بالإضافة إلى سعيد صالح وكذلك شخصية الطالب الانتهازي الذي يحارب ليصبح معيدا في الكلية كما أنه يكره يوسف الذي ينافسه على المنصب (إبراهيم صالح).

صورة وصوت رائعان قدمهما لنا المصور طارق التلمساني والموسيقي تامر كروان.

المستقبل اللبنانية في

30/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)