حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رقابة المصنفات الفنية تطبق الشريعة الإسلامية

كفار قريش داخل 'الكادر' السينمائي والأنبياء على هامش السيرة!

القاهرة ـ من كمال القاضي

اختفت ظاهرة الأفلام التاريخية الدينية منذ سنوات إبان توقف المؤسسة العامة للسينما عن نشاطها الإنتاجي ومن ثم لم يجرؤ منتجو القطاع الخاص على خوض تجارب مماثلة للأفلام التي تناولت هجرة الرسول 'ص' من مكة الى المدينة أو تلك التي طرحت قضايا الجهاد في سبيل نشر الدعوة الإسلامية مثل فيلم' فجر الإسلام'، 'بلال مؤذن الرسول'، 'الشيماء' وغيرها، حيث تحتاج هذه النوعية الى انتاج ضخم لما يلزم من معدات تصوير ومجاميع غفيرة من الكومبارس ونخبة مختارة من النجوم ذوي الخبرة العالية، غير أنها أيضا لم تعد تحظ في الوقت الحالي بالإقبال الجماهيري الذي يضمن لها عائدا ماديا يحمي الشركة المنتجة من الخسارة، إضافة الى شيء هام ورئيسي هو الدعاية، ذلك أنها واحدة من المقومات الأساسية للنجاح التجاري فإن لم تتوافر لا تقوم للفيلم قائمة وحسبما يقول المضطلعون بالصناعة أن فيلم 'الشيماء' مثلا بلغت تكلفة الدعاية له ما يعادل ربع القيمة الإنتاجية تقريبا ولم يتحقق له النجاح المطلوب عند عرضه بدور السينما لأول مرة وبقي عزاء المنتج في أنه كان فيلما تاريخيا مهماً شارك فيه مجموعة من الأبطال، أحمد مظهر وسميرة أحمد وتوفيق الدقن ولفيف من كبار نجوم السينما المصرية، واكتفى الفيلم وأصحابه بالمزايا الأدبية، الى أن راج سوقه بالقنوات الفضائية وعوض الخسارة التي مُني بها في جولته الأولى، ولكنه ظل فيلماً للمناسبات الدينية فقط، وهذا عيب آخر يضاف الى معوقات حركة السينما التي تنتمي الى هذا اللون من التوثيق الفني، في محاولة للهروب من هذا المأزق لجأ بعض المخرجين المتخصصين في صناعة الفيلم التاريخي ومن بينهم الراحل حسام الدين مصطفى إلى الاتجاه للدراما التاريخية التليفزيونية وتمكنوا بالفعل من انتاج مسلسلات مثل 'الفرسان' و'الظاهر بيبرس 'و'الطارق' وغيرها ولكن سرعان ما تجددت المشكلة، حيث عزف الجمهور بفعل التشبع الكوميدي عن مشاهدة المسلسلات المعنية معتبرا إياها أعمالا أرشيفية لا جديد ولا إبداع فيها فهي تجارب مكررة لا تفضي أحداثها الى نتائج مختلفة عن السابق ولا تتلامس مع ما يعيشه المشاهدون من أزمات يومية يرونها الأجدى والأجدر بالمناقشة والطرح، وعليه صارت الدراما التاريخية بكل أشكالها ونوعياتها موضة قديمة وتعطلت عجلة انتاجها فلم يعد أحدا متحمساً لكتابتها، ونكاد نجزم بأنه منذ أن قدم المخرج الراحل مصطفى العقاد فيلمه الشهير 'الرسالة' لم يظهر اي عمل سينمائي آخر ينافسه في القوة أو المضمون فيكفي أنه كان أول من تجاسر على تجسيد شخصية سيدنا حمزة عم الرسول 'صلى الله عليه وسلم' متحديا وجهة النظر الأصولية، فقد خاض معركة طويلة الأمد مع الأزهر الشريف للإفراج عن الفيلم حين كان هناك قرارا بمنع عرضه وتوزيعه، ومن دواعي الغرابة والدهشة ان العالم الإسلامي كله يحتفل سنويا بعيد رأس السنة الهجرية كمناسبة دينية مقدسة، وفي نفس الوقت لم تعتزم أياً من الجهات الإنتاجية الرسمية بالدول الإسلامية النفطية وغير النفطية انتاج فيلم يخلد الهجرة ويجدد الإحساس بعظمتها التاريخية ويربط بينها وبين ما يستجد من أحداث وقضايا إسلامية لها ذات الصلة الجهادية والدعوية، حيث في ذلك الطرح حيوية وإحياء وحداثة تجافي القول بأن ليس جديدا او مختلفا يمكن تناوله في هجرة الرسول الكريم من مكة إلى المدينة وما يعتري السيد من تفاصيل تنطوي على دروس مستفادة من الرحلة الجبرية الشاقة التي خرج فيها نبي الله ورسوله بليل تاركا بيته وأهله وعشيرته، فالأحداث التاريخية المهمة تظل دائما قابلة للتحليل والتأويل والنقاش، ففي تجربة المخرج والممثل الأمريكي الكبير ميل جيبسون مثالا حياً يحتذى به في هذا المقام فهو الذي أعاد سيرة السيد المسيح عليه السلام لطاولة الحوار وأوضح بالصوت والصورة ما جناه عليه السهود وما ألحقوه به من عذابات لا يتحملها بشر، وقد اثار الفيلم المهم 'آلام المسيح' جدلا واسعاً وفتح الباب للمساجلة والحوار الفكري البناء، كما فتح ايضا شهية المنتج هاني جرجس فوزي لعمل فيلم مصري عن المسيح بصورته وهيئته ليظهر كاملا بجلاله ووقاره على الشاشة بمباركة من المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية بما يعكس قيمة تنويرية كبرى.

ويحتم التزامن الإحتفالي بين العيدين، الهجري والميلادي الحديث عن ضرورة رفع الحظر ولو بشكل نسبي عن الشخصيات الدينية المقدسة لتتناولها السينما تناولا راقيا بعيدا عن التجاوز والتشويه، وليكون ذلك شرطا رقابيا أساسيا لو كان هناك بُد من دور رقابي على المصنفات الفنية يضمن سلامة المنتج على حد قول المؤيدين للحراسة الرقابية، علما بأن التجارب الإيرانية التي خرقت كل القوانين وتخطت حواجز المحظور لم يكن بها ما يسيء للأنبياء اذين تناولت السينما سيرهم الذاتية ورسالتهم السماوية بكل أمانة، حيث الضمير الأخلاقي والوازع الإيماني والرغبة في تجسيد الحقيقة بنماذجها البشرية كانوا عناصر التكوين الرئيسية في الأعمال الفنية الكبرى والخطوط الحمراء بما تدل عليه من خطورة، ومن ثم لم يشب الأفلام المنتجة عن سيدنا يوسف وإبراهيم ونوح ويونس وعيسى وموسى أية شوائب يمكن القول بأنها مست المقدس الديني ونقلت عنه شيئاً غير الحقيقة، وربما تكون المؤسسات الفنية المصرية قد سبقت إيران في هذه الخطوة فهي التي طرحت قبل غيرها السير الذاتية للرسل والأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة درامياً، بيد أن الفارق كان عدم التجلي والظهور عبر شخصيات الممثلين على الشاشة أو عبر الاذاعة بشكل مباشر، أي أن الشخصية المقدسة لا تتكلم ولا تتحرك بنفسها، وإنما ظل دورها منقولا من خلال الراوي كما في مسلسل 'محمد رسول الله 'ومسلسل 'على هامش السيرة' وجميع الأفلام السينمائية التي تعرضت لهذا الشأن.

لم يكن أبداً النبي أو الصحابي يتحدث مباشرة أو يظهر على الجمهور بصورته المتخيلة مجسدة في الممثل الذي يقوم بدوره، لكن يتم تفعيله درامياً من خلال وسيط أو راو كما ذكرنا، وهذا وجه الاختلاف بين ما طرحه الإبداع المصري في هذا المضمار متخذا الحيطة والحذر للحيلولة دون الوقوع في خطأ ديني أو رقابي وبين ما تجرأت عليه المؤسسات الفنية الإيرانية التي ضربت بالمحظورات عرض الحائط وأنتجت أفلامها لتكون صاحبة السبق وأول الدول الإسلامية التي تتعامل بحرية مع فنونها وإبداعها على خلفية النظرية الميكافيلية، الغاية تبرر الوسيلة.

القدس العربي في

30/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)