حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلمان مثيران للجدل فى ختام لافت لبانوراما السينما الأوروبية

«أجورا» يزيف التاريخ و«نبي» يحذر من الخطر القادم

صفاء الليثي

اختتمت عروض بانوراما الفيلم الأوروبى فى دورته الثانية بفيلمين كبيرين، "نبي" و"أجورا" الذى كان آخر العروض، وهو يصور الإسكندرية فى القرن الرابع الميلادى وما يدور فى ساحة الأجورا من الجدل والصراع بين بقايا الوثنيين وبين المسيحيين كقوة صاعدة تواجه اليهود والوثنيين والعلم والعلماء ممثلا فى هيباتيا، الفيلسوفة المصرية، التى يذكر التاريخ أنه تم سحلها فى شوارع الإسكندرية، ويبين الفيلم كيف قتلها عبدها المحب ليحميها من الرجم. وسط كثير من المغالطات التاريخية يقدم المخرج الإسبانى أليخاندرو أمينابار فكرة الهوس الدينى مدينا المسيحيين ورجال الكنيسة وكيف يدفعون الغوغاء للانتقام من السادة والوثنيين ومن اليهود الذين يتم حرقهم فى مشهد قاسِ كهولوكست قديم لا نعرف عنه تاريخيا أى شيء. سيوزع الفيلم عن طريق شركة أمريكية، فهل خضع المخرج الإسبانى لشروط الموزع ليحذف من فيلمه ما قام به اليهود ضد المسيحيين، ويبقى فقط على ما قام به المسيحيون ضد اليهود؟ ليتم العزف على نغمة اضطهاد اليهود وكونهم ضحايا فى جميع الأزمان. الابهار التقنى واستخدامات الجرافيك لم تفلح فى التعمية على أخطاء فادحة للديكورات وضعت أعمدة معابد الأقصر -هابو والكرنك- بتفاصيلهما الباقية ومعها مسلات عديدة على شاطئ الإسكندرية فى خليط من عمارة فرعونية وتماثيل إغريقية وملابس رومانية، ما تميز وبشكل فائق أداء الممثلة التى قامت بدور هيباتيا وعدد من الممثلين الصغار قدموا أدوار تلامذتها ومنهم من سيصبح حاكما للإسكندرية الذى فشل فى حمايتها من تحريض رجال الكنيسة ومن الغوغاء. لو بقى فيلم " أجورا" دون مشاهدته لبقى فقط ما يصلنا من أخبار كان وغيره من المهرجانات الكبرى جعلتنا بانوراما الفيلم الأوروبى نقف على حقيقة هذه الأفلام بما لها وما عليها.  

سيثير فينا اسم فيلم "بروفيت النبي" استعدادا لتلقى فيلم عن الرسول، ولكن اسم نبى فى الفيلم صفة أطلقت على البطل "ماليك الجبنة " حين حذر من الغزال القادم قبل أن تصدمه السيارة التى كانت تقله وفيها رجل العصابة العربى إبراهيم الأبيض الذى كان يوشك على طعنه، وحين يصطدم الغزال بزجاج السيارة بالفعل يقول له (كيف عرفت، هل أنت نبي!) لتصبح هذه كنيته وسط مجموعة العرب المحكومين بالسجن الفرنسى الذى يضم أيضا مجموعة من الكورسيكيين يسيطرون على السجن ويديرونه بزعامة " سيزار لوتشيني". 

سيمضى الفيلم" نبى بدون تعريف" لمدة 90 ق على الأقل دون أن نعرف سببا للاسم حتى يأتى مشهد الغزلان،و صف ماليك بأنه نبي. أتصورها كلعبة من المخرج أراد لفيلمه أن يشاهده ليس الغربيون فقط ولكن المسلمين أيضا، وبالقفز للنهاية سنجد الفيلم ينتهى بانتهاء سيطرة الكورسيكى على السجن وانتقال الإدارة إلى ماليك الجبنة الذى (جعلوه مجرما) فى السجن وتبدو الحكومة الفرنسية غائبة تماما تاركة الساحة لصراعات قوى بين مافيا تقليدية ومجرمين جدد من العرب المسلمين. 

يحكى فيلم "نبى " عن ماليك الجبنة (الممثل الجزائرى طاهر رحيم) الذى حكم عليه بالسجن 6 سنوات لضربه رجل بوليس فرنسياً، يقع تحت سيطرة مجموعة من الكورسيكيين الذين يديرون السجن فعليا. يكسب ثقتهم بعد أن نجح فى تنفيذ مهمة قتل "رعيب" العربى فى مشهد شديد العنف، ويصبح خادمهم بعد ذلك ويتعلم ليكون تجارته الخاصة من الحشيش، ويكون مجموعته الخاصة من العرب والمسلمين بالطبع. بعد أن كان منبوذا منهم لخدمته للكورسيكى ومجموعته. الفيلم للمخرج الفرنسى "جاك أوديار" يصنف كفيلم من أفلام الجريمة حصل على الجائزة الكبرى فى مهرجان كان الأخير مايو 2009. أكد المخرج فى تصريح له بمهرجان كان أنه عمل من ابتداع الخيال وليس تصويرا للواقع، أراد به أن يقدم صورة عن أناس _ وهم العرب _ لا يعرفهم الغرب بشكل حقيقي. وعلى الرغم مما يرد على لسان أبطال الفيلم من أهل الغرب _من جزيرة كورسيكا من المافيا _ من شتائم للعرب،إذ يتكرر (عربى قذر، كيف تسمح له بالبقاء معنا اجعله يقدم لنا القهوة ثم يرحل) إلا أن الفيلم ككل لا أقرؤه كفيلم معاد للعرب ولا للمسلمين بل يحذر من خطرهم القادم. رشح الفيلم لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، مصنف كفيلم أكشن وجريمة وأقرؤه كرؤية مستقبلية لواقع الحال فى عالم تسيطر عليه الجريمة، ويتحكم فيه عنصريون من كورسيكا، الذين حسب نهاية الفيلم سينتهى تسيدهم، ليسود هؤلاء العرب (الذين سيفردون سجاجيدهم الصغيرة ويحتلون الساحة) وهى جملة وردت على لسان سيزار لوتشينى واصفا العرب للشاب ماليك الجبنة 19 سنة الذى بدا حائرا بين أصوله العربية وتربيته الفرنسية. وستتأكد هويته وانتماؤه العربيان داخل السجن. 

كتب السيناريو توماس بيدجين مع المخرج جاك أوديار الذى قدم فيلمه السابق فى سجن ما، وبهر بالواقع داخله، مما دفعه لعمل فيلم عن خطر العرب المسلمين القادم- كما يتصوره - فى إطار السجن كمكان، ونجح بإضاءة يغلب عليها درجات اللون الأزرق، والتحرك بالكاميرا فى الزنازين الضيقة، والتنوع مع الساحة أثناء فترات التجول، فى عناصر تناولتها كثير من الأفلام التى تدور وقائعها فى السجن، ولكنه هنا يكسر التوقعات خاصة ما نتصوره عن الانتقام الذى تدفعه الأحداث، وكان نجاحه الأكبر فى تقديمه للشخصيات والتأكيد عليها بكتابة اسمها بحروف كبيرة على الشاشة بعد أن يثبت الكادر قليلا على وجه الشخصية. وبعيدا عن الدراما الأمريكية لا يندفع البطل ماليك الجبنة بدافع الانتقام بل بدافع البقاء والانتماء لهويته العربية المسلمة، رغم ضعف روابطه بها فهو بلا عائلة وتربى فى إصلاحية أحداث، لا يزوره أحد، وينتهى الفيلم باكتسابه لعائلة رياض زميله السابق فى السجن والذى عانى من السرطان تاركا زوجة عربية شابة ورضيعا يأتيان لاصطحاب ماليك بعد الإفراج النهائى عنه وكان تعرف عليهما فى الإفراج المؤقت اليومى والذى نظمه له الكورسيكى لينفذ له عمليات بالخارج. وكان آخرها تصفية شركائه الذين خرجوا وتركوه بالسجن. يقوم بالعملية ماليك ورياض فى مشهد دموى لا معقول يترك فيه ماليك عنصرين يصفيان بعضهما، ويبيت ليلته مع رياض مخالفا شروط الإجازة فيعاقب بسجن انفرادى ليقضى أربعين ليلة وأربعين يوما يداهمه فيها خيال غريب الذى قتله رغما عنه، ويصبح شبحه وملهمه، وقرينه الذى يظهر له فى الزنزانة. تبدو صورة المسلم العربى مشوشة فى ذهن المخرج، فهو لوطى يطلب من مالك أن يلعق عضوه فى مقابل ما يعطيه من مخدرات، وفى رؤية أخرى يوجهه لضرورة التعلم، ذاكرا له أن "اقرأ» هى الآية الأولى التى نزلت على رسول الله محمد، ويبدو المخرج مفتونا بالحرف العربى ويكتب كلمة "اقرأ" بخط يدوى جميل باللون الأبيض فوق الصورة، وفيلم " نبى " ككل عمل عميق لا تخلو فيه الشخصيات من نقاط مضيئة، فرياض محب لزوجته وطفله، يصبح موته مبررا ليكسب ماليك عائلة ويتحرك بعد خروجه من السجن ليشارك هذه الغابة التى يتقاسمها مافيا صقلية-جزيرة كورسيكا- وعرب مسلمون رغم الحلال والصلاة فى الجامع والسجن. كل الشخصيات وحوش بشرية متأصلة مع الكورسيكي، ومن صنع المجتمع مع ماليك الذى دفعه النفى والإهانة والاحتقارلمحاولة البقاء والعيش بالمشاركة فى تجارة العصر، تجارة المخدرات. 

تنوعت أفلام الدورة الثانية لبانوراما الفيلم الأوروبى عاكسة القضايا التى تهم الأوروبيين، وعلى رأسها الشأن الإسلامى وقضايا الصراع الديني، اثنا عشر فيلما بعضها ينتمى لأفلام التسلية الممتعة كفيلم "كوكو قبل شانيل" أو دراما اجتماعية معاصرة "الأحضان المكسورة" و"4 دقائق"، وبين أفلام القضايا الكبرى مثل "الزمن الباقي" لإيليا سليمان و"أجورا" و"نبي" وكلها أفلام تستحق عرضا تجاريا موسعا فى دور عرض على مستوى الجمهورية وليس فقط فى دار عرض نائية لا يرتادها غير الصفوة. رغم بعد دار عرض البانوراما نسينا مشقة الوصول مع تمكننا من مشاهدة أفلام عرضت بمهرجانات كبرى قبل عدة شهور فقط. ونرجو أن نتمكن من مشاهدة الدورة الثالثة فى أكثر من دار عرض لتتضاعف المتعة لعدد أكبر من المشاهدين. 

العربي المصرية في

29/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)