حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رغم نقاط ضعفه السينمائية واستحالة حدوثه فى الحياة الواقعية

«ولاد العم» حول كريم عبدالعزيز من بطل سينمائى إلى بطل قومي

طارق سعد الدين

يتصور الناقد دائما أن أحد أهم أدواره وهو يحلل فيلماً سينمائياً أو يعلق عليه هو أن يبرز مواطن القوة والجمال الفنى فيه وأماكن ضعفها مع تعليل أسباب القوة والضعف والجمال والقبح بما لديه من علم ووعى وثقة وذوق. وغرض الناقد من ذلك هو أن ييسر على المشاهد العادى سبل الاستمتاع الواعى بالفيلم بعد فك شفراته الفنية وفهم القدرات والامكانات الفنية لصناعة ودرجة نجاحهم أو فشلهم فى استخدام لغة السينما وأدواتها فى التعبير فى ظل محددات الإنتاج وسقف الحرية الذى تتيحه للمبدعين السينمائيين لمناقشة الآراء وسقف الحرية الذى تتيحه للمبدعين السينمائيين لمناقشة الآراء والأفكار والقضايا الاجتماعية والسياسية والدينية التى قد تختلف أو تتصادم مع موروثات المجتمع وأفكاره وقيمه والأهم مع المؤسسات الرسمية وسلطات الحكم. 

> تنظير أم تبسيط 

ومشاهد الفيلم السينمائى فى عرض تجارى ووسط الجمهور العادى خاصة إذا كان جمهورا كبيرا تؤثر بلا شك فى رؤية الناقد للعمل الفنى لأسباب كثيرة لعل أبسطها هو أن هذه التجربة تضع أمام عينيه خريطة حيوية للفيلم رسمها مؤشر ترمومتر دقيق وحساس من انفعالات الجمهور المختلفة من صمت تام وضحك وتصفيق أو حتى تعليقات استهجان على المشاهد والمواقف وجمل الحوار. 

> ردود أفعال الجمهور فى أحيان كثيرة أسبابها أسهل وأبسط من تنظيرات النقاد وألفاظهم المقعرة أو تعبيراتهم الفخمة الضخمة التى قد تعقد و تعجز وتلغز فى بعض الأحيان أكثر مما تشرح وتفسر وتبسط. 

فالنجاح والإعجاب الجماهيرى قد يكونان بسبب «لذاذة» موضوع الفيلم وسهولة متابعته بدون هرش للمخ أو وجع للدماغ أو بسبب خطف دم أبطاله على قلوب جمهورهم أو يكون سبب النجاح هو خلطة تجارب مضمونة ومجربة لمنتج شاطر يعرف ما يبسط الجمهور الذى يستهدفه ويستخرج «القرشينات» من جيوبهم. 

> الوتر الحساس 

شاهدت فليم «ولاد العم» مع الجمهور الكبير فى سينما ميامى التى مازالت تتبع أسلوب الصالة الموحدة الكبيرة ولم تقسم بعد إلى عدة قاعات صغيرة فتحس معها أنك تشاهد الفيلم فى عرض خاص. 

وفى القاعة الكبيرة اكتشفت سببا آخر شديد الأهمية لاحتفاء الجمهور بأى فيلم هو أن يلمس وترا حساسا فى نفوسهم ويضع يده على جرح نازف فى قلوبهم فيعبر عما يحسونه ولا يجدون صداه حولهم فى وسائل الإعلام الرسمية من صحافة وفضائيات. 

كانت الجماهير تضج بالتصفيق الحاد مع كل موقف ينتصر فيه ضابط المخابرات المصرى على أى إسرائيلى سواء فى الصراع البدنى أو بالحيلة والذكاء، كانت الجماهير تصرخ بعد كل جملة حوار تدل على أن الصراع بيننا وبينهم حى ومشتعل ومازالت الجولات فيه قادمة وكثيرة. 

فجماهير فيلم «ولاد العم» لا ترى فى اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية نهاية للصراع المصرى الإسرئيلى فمصر لا يمكن أن تكون فى سلام طالما الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين مستمرة وهدم بيوتهم وبناء حائط العزل العنصرى قائم حتى لو شارك فى بنائه عرب وفلسطينيون. 

الجمهور توحد مع بطل الفيلم الذى ناب عنهم فى الثأر من أعدائهم، وفى تلقى التعذيب منه. لذلك نسى الجمهور الكثير من نقاط ضعف الفيلم وخيالية قصته وعدم قابليتها للتصديق بعد استحالة حدوثها فى الواقع، فكيف يمكن لضابط مخابرات إسرائيلى عاش متخفيا فى مصر لسنوات أن يخرج منها هاربا بعد أن يخطف زوجته المصرية المسلمة التى عاشت معه وأنجبت منه أطفالا، دون أن تعرف سره، بل ويحاول فى إسرائيل تغيير قناعاتها الوطنية وانتماءها لبلدها بقوة الضغط عليها بحرمانها من أولادها، والزوجة نفسها تتوه فى شوارع إسرائيل فلا تستطيع الوصول إلى السفارة المصرية أو إلى الحدود. 

ويبرز السؤال: هل كان هو محتاجا إلى كل هذا العناء للخروج من مصر وهناك بالفعل عشرات الآلاف من المصريين الذين يعيشون ويعملون فى إسرائيل بل إن بعضهم تزوجوا من بناتها واستوطنوها. 
هل من المعقول أن يكون سبب اختطاف الزوجة كما يصرح ضابط الموساد الإسرائيلى هو استخدامها كنوع من الطُعم لاصطياد ضابط المخابرات المصرى الذى يقبض عليه داخل مكتبه فى الموساد الذى نجح الضابط المصرى فى دخوله بمنتهى السهولة وكأنه محطة «باب الحديد» وليس مبنى أحد أجهزة المخابرات هذا غير سابق دخوله لشقة الضابط الإسرائيلى وفتخ خزانته السرية فى غرفة نومه، ثم بعد ذلك عندما ينجح ضابط المخابرات المصرى فى الهروب من قبضة الإسرائيليين بعد تمثيلية إشرافه على الموت وبمساعدة رجال مخابرات مصريين آخرين يعيشون متخفين فى تل أبيب وينجح فى استعادة الزوجة المصرية المخطوفة وأبنائها نصف إسرائيليين بعد معركة طاحنة تستخدم فيها الصواريخ والرشاشات وفنون الاشتباك البدنى تمتد من قلب تل أبيب وحتى الحدود الدولية المصرية الإسرائيلية. 

> بين الواقع والخيال 

لا صناع الفيلم ولا الجمهور الذى يصفق لهم طويلاً يتذكرون أن العبور بين كلا الجانبين المصرى والإسرائيلى لا يحتاج إلى أكثر من البطاقة الشخصية بموجب اتفاقية السلام الموقعة منذ عام 1979 أى منذ من ثلاثين عاما، وينسى صناع الفيلم وجمهوره أن رجال المخابرات فى الناحيتين جالسون على مكاتبهم كل فى سفارة بلده ولا يحتاج إلى كل هذا العناء وأن الحدود بين البلدين هادئة يعبرها يوميا ألوف الأفراد منهم على الأقل للسياحة فى سيناء والاستمتاع بشواطئها وشمسها ولا يعكر صفو هذا الهدوء إلا تهريب بعض هؤلاء السياح للمخدرات والسلاح أو بعض طلقات الأسلحة الأوتوماتيكية لعساكرهم وقذائف دباباتهم التى تصيب بعض أفراد حرس حدودنا الغلابة الذين لا يستطيعون الرد ولا يملكون وسائله. إن جمهور الفيلم وصناعه هنا يؤكدون مبدأ مهما لنجاح الدراما عموما والسينما خاصة الذين يكون بتقديمها للخيال بشكل قابل للتصديق وليس فى تقديمها للواقع الذى يستحيل قبوله.. فصناع الفيلم وجمهوره لا يقبلون واقع الانتقال السهل للأفراد بين مصر وإسرائيل والعكس ويفضلون عليه الاعتقاد بصعوبته إلى درجة الاستحالة. فأى ضابط مخابرات إسرائيلى يفكر فى دخول مصر لا يمكن ذلك إلا إذا كان متخفيا ليس فقط لأنه غير مقبول شعبيا، ولكن لأنه بالتأكيد داخلها لممارسة أنشطة معادية وشريرة، أما أى مصرى يدخل إسرائيل فهو بالضرورة يقوم بمغامرة وسط الأعداء لتحقيق هدف وطني. 

وهنا يريد أن ينسى صناع الفيلم وجمهوره التنسيق الأمنى على الحدود المصرية الإسرائيلية والمصرية الفلسطينية. 

> شابلن وهيتشكوك 

أما عن السادة النقاد الجهابذة فقد قدحوا زناد فكرهم وخرجوا جميعا وفيما يشبه الإجماع بأن فيلم «ولاد العم» مجرد فيلم أكشن تجارى يتخذ من قضية الصراع العربى الإسرائيلى مسحة سطحية غير متعمقة لا تغنى ولا تسمن من جوع، ونسى هؤلاء الجهابذة أو لم يعرفوا أن أهم الأفكار والمفاهيم وأخطرها سواء السلبية أو الايجابية يتم غرسها فى ضمائر وعقول الشعوب ولأجيال كثيرة متعاقبة من خلال أفلام التسلية والمتعة وليس من خلال أعمال متجهمة أو كئيبة مليئة بالخطب العصماء أو الميلودرامات المفجعة هل يتذكر أحد فيلم «الديكتاتور» لشارلى شابلن تم إنتاجه بتشجيع من الرئيس الأمريكى روزفلت ليستخدم كوسيلة دعاية ضد هتلر ونظامه النازى وللسخرية منهما وكسر هيبتهما أمام كل شعوب الدنيا أثناء الحرب العالمية الثانية، هل يمكن أن ننسى استخدام السينما كسلاح فى الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتى ومعسكره الشرقى وأمريكا والمعسكر الغربى حيث خرج المخرج هيتشكوك من ستار ستالين الحديدى فى فيلمه «الستار الممزق» بطولة بول نيومان وجولى أندروز هل يمكن أن ننسى سخرية الأمريكان والبريطانيين من سذاجة وغباوة أعدائهم السوفييت ورجال مخابراتهم فى «kgb» مع التأكيد على تفوق وذكاء وشجاعة رجال مخابراتهم وجنودهم لطبع كل الصورتين الذهنيتين لهم ولأعدائهم عند كل شعوب المعمورة باستخدام أفلام الكوميديا والحركة والمغامرات التى كان أشهرها سلسلة أفلام «العميل 007» أو جيمس بوند بأبطالهما المختلفين بداية من شون كونرى وروجومور ثم يتهمون دالتون حتى تحولت مع الممثل بيرس بروسنان ومن بعده آخر بوند الممثل دانيل كتربح إلى السخربة من أعداء أمريكا الجدد من الصينيين والكوريين الجنوبيين وحتى الإرهابيين الصرب. 

> نجاح جماعي 

لقد نجح عمرو سمير عاطف فى أولى تجاربه فى الكتابة للسينما بعدما سبق ونجح فى تقديم أول شخصية كرتونية مصرية يرتبط بها الأطفال فى العالم العربى كله وهى شخصية بكار التى توقفت للأسف بعد موت مخرجتها منى أبوالنصر، كما سبق ونجح فى تأصيل فن الست كوم الذى تحول بعد أعماله الناجحة إلى هوجة كبرى يختلط فيها الغث والسمين ولكن الذى لا شك فيه أن عمرو سينمائى واعد ومختلف عن أغلب الكتاب الموجودين على الساحة حاليا. 

أما كريم عبدالعزيز فقد نجح كبطل لفيلم جاد وبعيد عن الكوميديا التى صنعت له أرضية جماهيرية أما الأداء القوى الممتع الناضع لشريف منير فهو ليس غريبا عليه أما ما يحسد عليه فهو شجاعته فى تجسيد دور بطل قومى إسرائيلى شديد الكراهية والحقد على مصر. 

شريف عرفة أثبت فى مشاهد الصراع البدنى والصراع المسلح فى شوارع تل أبيب أنه أكثر شبابا حتى من أجيال مخرجى الأكشن الشباب فى استيعاب واستخدام التقنيات الجديدة التى نجح بسببها جيل أحمد جلال ورامى إمام وسندرا نشأت فى تحويل بعض أبناء الأجيال الذين سبقتهم من مخرجى الأكشن إلى موضة قديمة شديدة التخلف. 

منى زكى كانت فى مستواها المعتاد وإن ظلمها الدور الذى كان أضعف أدوار الفيلم من حيث الكتابة. 

فيلم «ولاد العم» غير مسبوق فى نوعيته وفى موضوعه ويناقش الصراع العربى الإسرائيلى بطريقة مختلفة عن كل تراثنا السينمائى فى التعامل مع القضية الذى لم يخرج قبل ذلك وعلى مدى أكثر من خمسين عاما عن الميلودرامات الساذجة أو الخطابية الزاعقة أو البطولة الفارغة لنجمة إغراء متصابية أو ممثل مترهل يعيش دور الدنجوان. 

أما الجمهور فكان أكثر وعيا وفهما من كل من يدعون الفهم لمعرفة ويتهمونه بالسطحية والسذاجة لأنه يعرف أعداءه الحقيقيين مهما حاول الإعلام الرسمى تصويرهم على غير حقيقتهم. 

العربي المصرية في

29/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)