حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

روميو وجولييت.. مصاصا دماء!

نجاح الفيلم يطرح سؤالا: هل انتهى عصر السوبر ستار؟

طارق الشناوي

تبدو الأجزاء الثانية في الأفلام مثل سباق قفز الحواجز دائما على اللاعب الماهر أن يصل إلى ذروة أعلى من السابقة وهذا هو ما تحقق وبالأرقام في الجزء الثاني من The Twilight Saga: New Moon.. (توايلايت ساجا: نيو موون) الفيلم يستند إلى رواية أدبية حققت الملايين في البيع وإلى جزء أول حلقت أيضا إيراداته إلى دائرة الأرقام الاستثنائية منذ الحفلات الأولى لعرضه، ويعد طبقا لكل الإحصائيات واحدا من أكثر الأفلام تحقيقا للإيرادات في 2008 ليأتي الجزء الثاني وهو محمل بقوة دفع الجزء الأول ويواصل الصعود الرقمي ليضع الفيلم في مكانة مميزة في سينما 2009!! المؤكد أن المتفرج الذي سيشاهد الجزء الثاني سوف يستمتع أكثر لو أنه شاهد الأول ورغم ذلك فإن صناع الفيلم لم يرتكنوا لذلك وتخلل السيناريو بعض معلومات درامية تحتوي أحداث الجزء الأول الذي انتهى بأن بطلة الفيلم «كريستين ستيوارت» التي تؤدي دور الفتاة ذات الـ 18 ربيعا تقع في حب مصاص دماء «روبرت باتينسون» وتريد أن تصبح جزءا من هذا العالم، حيث يقدمه لنا السيناريو عالما متعدد الأفكار والمشاعر وبه تنوع، فليس كل مصاصي الدماء أشرار، بعضهم يعلم أن لديه هذا الضعف تجاه البشر، يريدون امتصاص دماءهم ولكنهم يحاولون التغلب عليه.. هم لا يستطيعون مقاومة لون ولا رائحة الدماء لكنهم بداخلهم أيضا ـ أقصد بالطبع بعضهم – أحاسيس.. كانت هذه هي نقطة الانطلاق الدرامي لينطلق السؤال من الشاشة إلى الجمهور ويردده بداخله عن إمكانية اللقاء العاطفي لأن التلاقي بين الطرفين يبدو أقرب للمستحيل ولكن ما الذي من الممكن أن يفعله الحب سوى أن يدخل في سجال مع تلك الحالات المستحيلة. في كل قصص الحب التي خلدها التاريخ في قصيدة أو رواية أو مسرحية أو أسطورة تلعب الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الدينية أو حتى النفسية دورا محوريا في صناعة حائل بين الحبيبين. في قصة فيلم «Twilight» الذي تمت ترجمة اسمه عند عرض الفيلم تجاريا بمصر «الحسناء ومصاص الدماء» والمعنى المباشر «الفجر الكاذب»، إلا أن عمقها هو الانتقال لمرحلة زمنية مجهولة أو نعرف فقط عنها القليل، وهذا المعنى الأخير هو الأقرب للصحة لأنه مرتبط بالغموض الذي يشع في جنبات الفيلم وكأنه ضوء فجر كاذب أضواؤه سرعان ما تنمحي، فهي تعطي لنا بصيصا قليلا من ضوء المعلومات لأننا نتعامل مع نوع من الكائنات «مصاصي الدماء» الذين يشكلون عائلة صغيرة لها طقوسها اختارت الكاتبة مانعا طبيعيا يقف حائلا دون لقاء العاشقين لأنهما من عالمين مختلفين؛ عالم الأشباح وعالم البشر.. العاشق ينتمي إلى كائنات تعيش على التهام البشر حيث يشعرون برائحة لا يمكن مقاومتها تجاه دماء الجنس البشري وهم كما يقدمهم الفيلم أبديون لا يشيخون ولهذا يعيشون أكثر من حياة.. في الجزء الأول كنا قد رأينا بطلة الفيلم «كريستين ستيوارت» تأتي للعيش مع أبيها بعد زواج أمها.. الأب محقق شرطي وفي المدرسة الداخلية تتعرف على «روبرت باتنسون».. البداية منسوجة في السيناريو لتثير الشك داخل البطلة وهي تلاحظ تلك الإمكانيات الاستثنائية التي يملكها البطل عندما يستطيع إيقاف سيارة ضخمة بعد أن كانت في اتجاهها إلى قتل البطلة.. إنه ينجذب إليها كامرأة وأيضا كفريسة له ولا يستطيع أن يقاوم تلك الرغبة التي تستبد به.. البطلة تدرك تمتعه بقدرات غير بشرية وهو يريد أن يبتعد عنها لأنه يعيش تلك الحيرة بين دموية مشاعره وإحساسه تجاهها.. اللحظة الفارقة هي تلك التي تصل فيها حالة الحب بينهما للذروة وفي مكان بعيد يكشف لها سره، إنه يخشى الشمس لأنها تحيله إلى كائن فضي شفاف.. وبدلا من شعورها بالنفور تنجذب إلى لونه الجديد، حتى بعد أن يعترف لها بتلك الرغبات المجنونة تجاهها تصر على الاقتراب وتذهب إلى عائلته في عقر دارها ويصبح الخوف أن يكشف سرهم وتأتي النهاية عندما ينقذها الحبيب من الموت بعد أن يتم تسميم دمائها وكان من الممكن أن تتحول إلى مصاصة دماء ولكن حبيبيها يستطيع إيقاف تلك المخاطر أو ما كان يعتقد أنه كذلك في اللحظة المناسبة.. إلا أن الفيلم يترك الإجابة مفتوحة ومشرعة على كل الاحتمالات في نهاية الجزء الأول، فلا ندري هل تصدق أنها سوف تحتفظ ببشريتها أم تتحول مثله إلى مصاصة دماء.. هي ترغب وتلح لكن حبيبها يؤكد لها أنها من الممكن أن تعيش معه حياة طويلة وتحتفظ أيضا ببشريتها كل منهما يضحي في سبيل الآخر.. وكان هذا هو التساؤل الذي انتهى به الجزء الأول وهو التساؤل نفسه الذي يعلن عن نفسه في تفاصيل الجزء الثاني وحتى مشهد النهاية لتعيش معه تلك الأبدية التي يحياها حتى لو تحولت إلى مصاصة دماء!!.

ينتقل السيناريو في الجزء الثاني من خلال حاجز درامي أشد وعورة لكنه يتسلح دراميا وسينمائيا بمفردات جديدة تتوافق مع تلك الحالة الدموية المستحيلة وهي الرجل الذئب وهو من مجموعة أو قبيلة لديها أيضا خلل في الخلايا أدى إلى أن يصبحوا لديهم جينات أخرى تحيلهم في لحظة الصراع إلى ذئاب، هم فقط قادرون على مواجهة مصاصي الدماء.. صحيح لا يملكون القدرة للقضاء عليهم، هم فقط يستطيعون المواجهة. إنهم قبيلة «كويليوت» لديهم ملكاتهم الخاصة فهم قوة تتوازى وتتعارض أيضا مع مصاصي الدماء. لا ينكر السيناريو أن البطلة بدأت تشعر ببعض مشاعر إيجابية تجاه أحد أفراد هذه القبيلة أدى دوره «تيلور لوتنير».. وفي مشهد مؤثر بين مصاصي الدماء والرجل الذئب تستطيع أن تضع نفسها كحائل بينهما فهي لا ترضى بأن يقتل أو يؤذي أي منهما الآخر.. تختار أن تعاود اللقاء مرة أخرى مع مصاص الدماء «روبرت باتنسون» الذي رأينا كم يحبها فهو ظل حريصا على حمايتها برغم ابتعاده القسري عنها.. المشاهد قدمت بدرجة حرفية عالية احتفالات أهالي المدينة بالتخلص من مصاصي الدماء وكل منهم قد ارتدى رداء أحمر دلالة على محاربة واستهجان لهؤلاء، بينما نرى مصاصي الدماء مجتمعين في إحدى القلاع يتعاركون على مصير بطلة الفيلم «كريستين ستيوارت».. ولا يغلق الفيلم الباب أمام جزء ثالث حيث نرى البطلة في المشهد الأخير وهي تصر على أن تنتقل إلى عالم مصاصي الدماء عن طريق حبيبها وهو يقول لها إنه موافق على شرط أن يتزوجها.. ولا تكتمل الدائرة دراميا ليظل يلوح أمام المشاهدين بناء الفيلم الرومانسي رغم ما نراه من دماء. كانت هذه هي الحالة التي نجح فيها سيناريو «ميلسا روزنبرغ» وإخراج «كاثرين هاردويك» مع إضفاء دائما قدر مقنن من الرعب وترقب المجهول والأفعال الخارقة، في الوقت نفسه نجحت المخرجة في أن تمنح الفيلم من خلال مفردات الإضاءة والمونتاج والموسيقى وأداء الممثلين الأبطال الثلاثة الرئيسيين دائما حالة غريبة تتجاوز الواقع لتجعلنا نعيش معهم أيضا هذه المشاعر وننسى أننا بصدد مصاصي دماء ورجال ذئاب لكنهم يحبون ويعشقون وأيضا يمتلكون القدرة على التضحية.. ويظل السؤال: إذا كان من الممكن أن نجد كل هذا الحب في عالم مصاصي الدماء والذئاب فلماذا نفتقده في عالم البشر؟!.

لقد أثار النجاح الاستثنائي للفيلم في شباك التذاكر بجزأيه الأول والثاني سؤالا في هوليوود عن الاستعانة بالوجوه الجديدة وبميزانيات محدودة وتحقق الأفلام كل هذه الأرقام الضخمة، فهل ينتهي عصر السوبر ستار في هوليوود؟ بالطبع لا، ولكن نجاح هذا الفيلم ولا شك سوف يفتح الباب على مصراعيه أمام تجارب أخرى موازية لا يلتهم فيها كبار النجوم أرقاما تتجاوز 30 مليون دولار!!. t.elshinnawi@asharqalawsat.com

الشرق الأوسط في

18/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)