حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

غرائب وطرائف في الفيلم المصري الهندي عزبة آدم

كتب محمود عبد الشكور

إذا استطعت أن تحتمل السرد المضطرب لأحداث فيلم عزبة آدم الذي كتبه محمد سليمان في أول أعماله، وأخرجه محمود كامل في عمله الثالث بعد ميكانو وادرينالين، وإذا تمكنت من ابتلاع ملاحظات بالجملة علي رسم الشخصيات وتصرفاتها وتحولاتها، وإذا صبرت علي المبالغات الميلودرامية علي الطريقة الهندية في الجزء الأخير من الفيلم، فإنك بالتأكيد ستقع في حيرة للبحث عن معني لكل ما شاهدته من أحداث متلاحقة ضاع فيها الإحساس بالزمن، واختزلتها حوارات تمتليء بالكلام الكبير الذي لا يعني شيئا، والمؤسف حقا أن العمل يحتشد فيه أسماء نجوم معروفين، ويتمتع بإنتاج جيد، ولكن المحصلة هزيلة وضعيفة.

كلما وصلت إلي معني بدَّدت الرؤية المشوشة والمضطربة بكل شيء، لو قلت مثلاً إن الحكاية عن الفقر الذي يؤدي إلي الفساد لما أمكن أن تفسر فساد ضابط الشرطة الذي ينتمي إلي مستوي اقتصادي واجتماعي آخر، ولو اعتبرت الفيلم عن الوطن الضائع بين الإرهابيين والفاسدين لوجدت من الظلم الفادح اختراع هذا المعني من تلك الأحداث الساذجة خاصة أن أفلاما أكثر عمقا تناولت هذه الفكرة بذكاء ونضج مشهود مثل فيلمي وحيد حامد المعروفين طيور الظلام ودم الغزال، ولو عاملت عزبة آدم - بكثير من التجاوز - كفيلم سياسي لأصبح في ذيل القائمة لأنه يفتقد أي إحساس أو إشارة خاصة بدلالات الزمن، وحتي لو تخيلت أن القصة تحمل أبعاداً اسطورية مثلا لأصبح ذلك نوعا من الظلم لكل الاساطير، كما أن الأحداث غارقة في التفاصيل الواقعية خاصة فيما يتعلق بتجارة المخدرات.

كل ما أستطيع قوله عما شاهدته من ركاكة درامية هو أن الفيلم يحكي عن مجتمع يعاني من الفقر والفساد، أما الشخصيات فتحمل الكثير من الغرائب والطرائف والعجائب، والشعار المرفوع طوال الوقت هو السيناريست عايز كده، ومن بين الحشد الكبير من الشخصيات التي تليق بمسلسل ثلاثين حلقة نستطيع انتزاع أربع شخصيات يفترض أنها أساسية: الصديقان حامد (فتحي عبدالوهاب) ومصطفي (أحمد عزمي)، ورفيقة طفولتهما وشبابهما مريم (دنيا سمير غانم)، ورجل الشرطة الفاسد سعد الجهيني (ماجد الكدواني ولكن السيناريو المتواضع يدخل في تفريعات غريبة، ويلف ويدور، وتغيب شخصيته طويلا ثم تظهر فجأة وقد تحولت علي طريقة الأفلام الكارتونية، ونسمع صوت مريم وهي تروي الحكاية كلها وتعلق علي بعض أحداثها، وتدخل في الطريق شخصيات ثم تموت، وقد تتوازي الأحداث أحيانا، وفي فترات قليلة تتقاطع فجأة، باختصار: أنت أمام حالة مشوشة من السرد عن شخصيات لاتفهم تصرفاتها.

تظن مع بداية الفيلم أنك ستشاهد شيئا عميقا، فالكاميرا تتجول بحرية في طرقات العزبة، ونسمع صوت مريم وهي تتحدث عن بداية تكّون المكان وزواج آدم من عروس البحر، وستكتشف أن هذه الثرثرة بلا معني، وستكتشف ما هو أخطر حيث لا يبدو المؤلف مستقرا علي بؤرة للصراع بين شخصياته، في البداية سيكون محور الصراع مطاردة الضابط سعد لـمصطفي وحامد اللذين يحترفان السرقة في العزبة، وبعد قليل سيكون حامد هو محور الصراع بتورطه في تهريب المخدرات وصولا إلي الرأس الكبير علي طريقة أفلام الخمسينيات والذي يحمل اسم القرش (أحمد راتب)، وفي الجزء الأخير من الفيلم ستصبح مريم محور الصراع بين حامد ومصطفي.

قد يكون تغير بؤرة الصراع لائقا بحلقات تليفزيونية طويلة، ولكن وجوده في فيلم سينمائي محدود الزمن يكشف عن ضعف الخبرة بالكتابة للسينما ولكن المشكلة الأوضح في تصرفات الشخصيات وتقلباتها غير المبررة، يفترض مثلا أن مصطفي - وهو طالب في الثانوية العامة - الأكثر استقامة ولكنه سيقبل المشاركة في السرقة، وسيطالب بنصيب أكبر من الغنيمة، وفجأة سيرفض المشاركة في سرقة ثانية ومع مرض والد مريم واحتياجه لعملية يوافق مرة أخري علي السرقة، ويفترض أن يكون الضابط هو الأكثر ذكاءً ولكنه سيختار دون مبرر أن يتعاون مع حامد، والأعجب أن مصطفي سيعترف بكل سهولة بجريمة قتل وسطو، وستتم تبرئة حامد بكل سذاجة.

وسط هذه الفوضي ستعثر في شخصيات أخري مثل خليل (سليمان عيد) صديق مصطفي وحامد الذي ستصرعه رصاصات الشرطة، والريس رجب (محمود ياسين) شيخ الصيادين ووالد مصطفي، والقوادة روحية (هالة فاخر)، والمعلم طلبة (سعيد طرابيك)، وأحد مدرسي مصطفي الذي لعبه فايق عزب، والشاويش حسن (ضياء الميرغني)..وغيرهم، وفي مراحل تالية ستجد تحولات أعجب عندما يصبح مصطفي عضوا في جماعة إرهابية يقودها الشيخ الضرير عبدالوهاب (محمد متولي)، ثم ينفصل عنهم بكل سهولة ليتحول إلي صاحب مشروع لتوظيف الأموال بعد زواجه منروحية التي أصبحت محجبة وتحمل اسم رحمة، وحامد ينسي العاهرة مريم لسنوات ثم يقرر فجأة الزواج منها وينجب منها طفلا ثم يقتله انتقاما لأنها تلتقي مع مصطفي، وفجأة يدمن الكوكايين فيصرخ طوال الجزء الأخير من الفيلم، ويختلف مع الضابط الفاسد، فوضي درامية شاملة تستخف بعقل الجمهور ويعتقد صانعوها أن حوارات الكلام الكبير يمكن أن تملأ فراغها.

هل تريد أمثلة لهذا الكلام؟ خذ عندك: حامد يقول إن الفقراء ولاد كلب، وفيما بعد، وخلال موقف لا علاقة له بالحوار سيصحح له مصطفي المعلومة بالقول إن ولاد الكلب بين الأغنياء والفقراء، وخذ عندك أيضا: مريم تلقي خطبة طويلة عن سبب انحرافها وتحصره في الجوع والفقر، وحديثها يجعل العلاقة حتمية بين الفقر وبيع الجسد، ولكن عندما يعود مصطفي إلي العزبة بعد سنوات السجن يجدها وقد اعتزلت الدعارة لتبيع الجرجير رغم أنها مازالت فقيرة، ما الذي تغير لا أحد يعرف، عليك أن تتفرج وأنت ساكت، بل ويفترض صناع الفيلم الساذج أن نتعاطف مع ميول مريم بتفضيل مصطفي علي حامد مع أنهما كانا واكلين نايمين سارقين سوا، وعندما انفصلا أصبح حامد تاجر مخدرات قد الدنيا، وأصبح مصطفي إرهابيا معتزلا، وصاحب مشروع لتوظيف النصب لجمع الأموال!.

من الواضح أن محمد سليمان من المعجبين بالمسلسلات وبالأفلام الهندية، كما ستجد في عزبة آدم مشاهد باهتة من أصداء أفلام مهمة، لقاء مصطفي وحامد مثلا وتحالفهما رغم اختلاف الهدف يذكرك بلقاء المحامي الفاسد عادل إمام بالمحامي المتطرف رياض الخولي في طيور الظلام، والمنافسة الهزيلة بين مصطفي وحامد علي قلب مريم تذكرك بالحصار الذي تعانيه مني زكي في دم الغزال مع الفارق الشاسع في البناء الاحترافي للأحداث وبراعة رسم الشخصيات، في عزبة آدم ظلال من أفكار ومواقف وشخصيات ولكن دون اشباع درامي ودون أي قدرة علي التأثير أو حتي دعوة للتأمل والمراجعة.

يقول مصطفي إنه مثل السمك لو خرج من عزبة آدم سيموت، ولكن الغريب أنه سيموت هو وحامد في العزبة غير مأسوف عليهما، والأغرب أن مريم مازالت تحلم بمصطفي، أما نحن فقد تخلصنا منهما ومن ثرثرتهما الفارغة طوال الوقت، ضاع مجهود كبير حقا في تقديم رؤية مشوشة وفي سرد أحداث ملفقة، وضاع فتحي عبدالوهاب وسط صرخاته التي كانت تثير الضحك، وبدا أحمد عزمي تائهاً واتحدي لو كان يعرف كيف ولماذا تحول مصطفي ليصل إلي مرحلة الشعر الأبيض المزيف، ربما كانت دنيا سمير غانم ومعها ماجد الكدواني الأفضل رغم أنك لن تعرف أبدًا لماذا انحرفت مريم ولماذا تابت، ولن تفهم كيف يأتي ضابط إلي عزبة بنية الانحراف بهذه الصورة الساذجة، النجم الكبير محمود ياسين ضاعت الشخصية التي قدمها فلم تعرف لماذا ظهرت بهذه الصورة الباهتة تماما مثل شخصية القوادة روحية بأداء هالة فاخر، المخرج محمود كامل استخدم الكادر المائل بإسراف ساذج وأطلق علينا موسيقي خالد حماد التصويرية في كل مشهد مثل المسلسلات، ورغم تميز ديكورات كمال مجدي وتصوير هشام سري إلا أن الأخير أسرف في تقديم لقطات سكويت علي خلفية البحر، وكان عجيبا أن يملأ النور وجه الشيخ عبدالوهاب في السجن مع أننا سنعرف في النهاية أنه إرهابي مرتزق!.

روز اليوسف اليومية في

10/12/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)