حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الـمـخرج عدي رشيـد:

الفيلم بالنسبة لي هو ممارسة وجودية

حوار/أفراح شوقي

كانت الة العرض السينمائي، التي قدمها له خاله الفنان قائد النعماني هي العلامة التي خطت فيما بعد شغفه بالسينما، ومنها انطلقت توجهاته نحو القاء حزمة ضوء ساطعة لكل ما يثيره في الحياة، ولعل تفرده بكسر جمود توقف السينما العراقية بعد سنوات طويلة عبر فيلم الجوائز( غير صالح للعرض) حرضته على ان يواصل وسائله في التعبير عن مافي نفسه

بعد ان تحولت لديه الكاميرا السينمائية الى هاجس كبير، في لقائنا معه حاولنا استفزازه لأبعد الحدود حتى جعلناه يقول كل مالم ينو قوله، من هموم تعترض صناعة سينما عراقية واعدة، والإهمال المتعمد للجهات المعنية بالثقافة في العراق عن النهوض بها كما يجب، واسباب قلة المخرجين الذين عملوا في السينما وغيرها من تفاصيل سجلناها عبر هذا اللقاء. لو اردت التعريف بعدي رشيد، ماذا تقول؟ - صمت عدي ، وراح يدور ببصره يمينا وشمالا قبل ان يجيب بهدوئه المعتاد انا مواطن عراقي بسيط، تخصصت في فن صناعة الأفلام، وأحاول قدر استطاعتي ان أطور تخصصي في مجال الإخراج السينمائي، كي أحقق ذاتي، وأعوض ما ينقص الصناعة السينمائية في بلدي.وفي مرحلة دراستي الاكاديمية وجدت ان هناك نكسة في البناء الاكاديمي انذاك، خصوصاً مايتعلق بموضوع السينما، والفن العراقي بشكل عام، ولكني عززت علاقاتي بالمقهى الثقافي العراقي وتعلمت منه الكثير، وحاولت ان اعزز بنائي الشخصي بما هو ثقافي وفلسفي وروائي. (غير صالح للعرض) حقق جوائز عدة، هل كان تجربتك الاولى في عالم الإخراج؟ - اكيد لا، فقد سبقتها تجارب كثيرة في انتاج أفلام قصيرة مع فريق رائع من اصحابي اذكر منهم حسن بلاسم وهو مقيم الان في فنلندا وكذلك عمار سعد رؤوف وبارع العزاوي، وقد انجزنا افلاماً كثيرة، وفرت لنا مساحة جيدة للتدريب، حتى جاء فيلم (غير صالح للعرض) ومدته 74 دقيقة والذي حصد جوائز كثيرة. بالرغم من الأجواء الصعبة التي رافقت أنتاجه، بعد إحداث التغيير في عام 2003 لكنه حصد نجاحاً كبيراً، والسبب هو مقدار المصداقية العالية التي تمتع بها، فهو لم ينل أي نوع من انواع التفوق السينمائي لكن الاستعداد العالي للكادر كله، وحرصهم على تحدي كل المصاعب كان سبب النجاح الذي شاركنا فيه الكثير من النقاد. هل تعتقد ان زمن أنتاج الفيلم وظروفه كون البلد قد خرج لتوه من حرب وتهديدات وسقوط نظام حاكم بالكامل، اسهم في نجاحه؟ - بالتأكيد أسهم في انتشاره وتواجده، واشترك في تظاهرات سينمائية كبيرة اذ انه شارك ب 24 مهرجانأ عربيا وعالمياً وحصل على ثلاث جوائز هي جائزة أفضل فيلم في مهرجان سنغافورة الدولي 2005وافضل فيلم في مهرجان روتردام في هولندا وجائزة افضل سيناريو في مهرجان وهران للسينما في الجزائر. سنتان ونصف وقفت بين تجربتك الاخراجية الاولى وبين (كرنتينه) فيلمك الروائي الثاني، لماذا هذا التوقف بعد نجاح كبير؟ - نعم قضيت حوالي سنتين ونصف كنت ابصر فيها وانتقي، فالفيلم بالنسبة لي هو ممارسة وجودية، كما ان عملية صناعة فيلم ليست مجرد كتابة قصة وتنفيذها، اذ المراحل الصعبة التي عاشها العراق عام 2003 استوقفتنا جميعاً، وكان لابد من التامل لمجمل الامور، فقد تصورنا ان حياة جديدة ستقام وحملات البناء والاعمار ستطول كل مفاصل الحياة لكن فوجئنا بان الاخ يقتل اخيه، واللغة الدارجة هي لغة السلاح، وكنت بحاجة لان اتنفس هذا الموضوع وبعد ان تأكدت من اني سأنجح، بدأنا العمل بالإمكانيات ذاتها ولااخفيك شعرت ذات يوم اني استعجلت (كرنتينه) وكان لابد من التأني، لكن النجاح الذي ناله من قبل النقاد أفرحني جداً. ما معنى اسم الفيلم(كرنتينه) ولماذا هو؟ - كرنتينة: اسم مشتق من مصطلح لاتيني (Quarntain) ويعني مكان (حجر المجانين) وهو عنوان نفسي، كوني وجدت شحصياتي محجورة في كرنتينة. وهي خلف ابواب فعلية من نوع ثانٍ، الباب الاجتماعي باب العنف،الباب السياسي وهي اذا اجتمعت تشكل حجرا كبيرا وانا اعتقد اننا كعراقيين ما زلنا في حجر وغير أصحاء. والفيلم لايحتمل بنية رمزية فالدال يعادل المدلول، وهذا المكان استخدمه الأتراك خلال فترة الاحتلال التركي للعراق لحجر المجانين. انتج الفيلم عن طريق (دائرة السينما والمسرح) في بغداد بالتعاون مع شركة (انليل) العراقية التي يديرها (عمار رشيد)... هل وجدت إمكانية لدى دائرة السينما والمسرح لانتاج الفيلم بشكل يرضي طموحك بالتميز والإبداع؟ - كل شيء موجود في الدائرة، قاطعته بالقول : كل شي موجود اذن ماذا ينقص لتدور عندنا عجلة السينما؟ أجابني سريعاً: تنقصنا الإرادة فقط، فهي العقبة الوحيدة التي تقف في العقل السينمائي العراقي الان، والتعاون الذي حصل ما بيني وبين مدير عام دائرة السينما والمسرح،د. شفيق مهدي انه ضمن ان عديا قادر على إكمال الفيلم، اذ ان هناك مراحل مهمة فيه يجب ان تستكمل في اوربا، وبسبب علاقاتي الشخصية بعد (غير صالح للعرض) أصبحت الشخص الوحيد كمخرج سينمائي، القادر على ذلك من غيري، وبوضوح اكبر يمكن القول ان العقل السينمائي الموجود في دائرة السينما والمسرح مازال يعمل بعقلية النظام الشمولي القديم، وهم لم يفهموا حتى اللحظة ان 90% من مراحل انتاج أي فيلم روائي تتم عبر دعم نحصل عليه من الخارج، اذن المشكلة في أرادة السينما للنهوض بواقعها ،وقد جربنا واستطعنا خلال شهر واحد انجاز فيلم روائي طويل بموجودات دائرة السينما والمسرح، ولم نستلم او نستورد أي شي من خارجها، وعملنا بما عندنا من موجودات، وما نحتاجه هو توفر إرادة محددة اسمها تحالف سينمائي بين عدي وشفيق لينجز هذا الفيلم، وفي حال غياب أي طرف ستغيب تلك المعادلة تماماً. هل من المعقول ان يكون لدينا هذا العدد القليل من المخرجين؟ - نعم انا معك وهي مسالة تؤرقني و تثقل كاهل السينما العراقية، فنحن بلد تعداده ثلاثون مليونا، لايوجد فيه سوى مخرجين او ثلاثة ! اذا فرضنا انه في كل مليون عراقي يطلع مخرج واحد ، فهذا يعني ان من المفروض ان يكون لدينا الان 30 مخرجاً في الاقل!، لكن واقع الحال يقول اني اعمل منذ خمس او ست سنوات في الاخراج ومعي فقط محمد الدراجي والان انضم لنا استاذنا قاسم حول . اما اين هم خريجو الكليات الأكاديمية والمعاهد ، فأقول ان معظمهم يذهب للعمل في القنوات الفضائية وليس في السينما، اعتقد ان الجانب المادي له دخل كبير،وكذلك ضعف مستوى التدريب العملي، هل تصدقين ان مساعدي المخرج ملاك أنهى خمس سنوات في معهد الفنون ، لحقتها اربع سنوات في الأكاديمية، لكنه لم يتعرف على الكاميرا الا عندما عمل معي فقط ! وهذا مؤشر خطير وانا حقيقة غير قادر على الحكم، يؤرقني حقيقةً ان اكون وحدي اشعر كأني اعور في سوق العميان! والمشكلة الأكبر ان قسم الإخراج في أكاديمية الفنون الجميلة تأسس عندنا سنة 1968 لكنه الى اليوم لم يتخرج منه طالب واحد عمل واشتغل في فيلم سينمائي! لقد تأسس قبل 41 عاماً ولا يوجد في تأريخه طالب تخرج اشتغل فيلما سينمائيا روائيا، هذه إحصائية مرعبة، انه خنجر في القلب . مع العلم انه كان هناك طلاب ممتازون من زملاء وزميلات ايضاً لكنهم لم يتلقوا الدعم المطلوب، لذلك كان لدينا مشروع اخراج فيلم انا ومحمد مشروع حياة او موت ونجحنا في كسر هذا الحاجز. هذا يعني ان الإنتاج السينمائي يحتاج لتضافر جهود كبيرة وليس لجهود فردية؟ نعم بالتاكيد، هنا يأتي دور الدولة، التي هي قاصرة - مع الأسف - عن فهم اهمية دور السينما في المجتمع، وفي تعزيز حتى الأمن والنظام ، فلو فرضنا ان الدولة قامت بترميم دارين للعرض فقط في بغداد، لعاد إقبال الناس اليها كما كان، مازلت أجد ان الدولة قاصرة عن فهم أهمية الشريط السينمائي، فدار العرض السينمائي في جميع دول العالم لا تقل عن أهمية مستوصف، بدون مبالغة لانها من ضمن منظومة صحية ونفسية للبلد، وهنا لابد من ان يكون هناك دور للدولة وليس الحكومة وحدها وهذه مشكلتنا الكبرى، فكل الأفلام التي ننتجها الآن هي بجهود شخصية جداً، ومتى بدات مع السينما؟ هدية خالي المرحوم قائد النعماني، كانت بمثابة الخيط الاول الذي تعلق قلبي به وبدات عشقي لهذا الفن الكبير، فقد أهداني عارضة سينمائية، ومثلما كان فانوس بيرغمان السحري قلب حياته رأساً على عقب، واولعت بالسينما الروسية والايطالية والفرنسية، واعتمدت في تعليمي السينمائي على مشغلي الخاص، ودرست اصول السينما من مناشئها، صحيح اني لم انتم للوسط السينمائي لكني دخلت المقهى الادبي برموزه الكبيرة من نقاد وكتاب وشعراء وكان لهم الدور الرئيسي في تكويني الثقافي. وما جديدك يا عدي؟ انا معني بقضية الموت، وهناك محاولات عدة لافهمه، واحلل ما يحيطه من أفكار وصور وهذا هو موضوعة الفيلم الجديد الذي اعمل عليه، لا تنسي ان الموت هو الابن الشرعي للوضع الذي عاشه ويعيشه العراقيون.

المدى العراقية في

28/10/2009

 

غران تورينو.. التغيير نافذة الأمل

علي عبد الامير محمد  

"ايستوود ممثل في المستوى،هو رائد فعلا.. غران تورينو يندرج في اطار التمثيل،للممثل سلطة المخرج يتجلى ذلك من خلال الاجواء السينمائية المنتقاة بدقة ومن اختيار الاضاءة والحالات النفسية المثيرة " المخرج الايطالي الكبير ايتوري سكولا.

لم يكن افتتاح عرضه الجماهيري في التاسع من كانون الثاني 2009 مجرد توقيت عادي حتمه واقع الحال بقدر ماهو استكمال لرسالة الفيلم التي ارادها كلينت ايستوود الانموذج الحقيقي للسينما الناضجة بعيدا عن فذلكات هوليوود السمجة (لن اخرج اي شيء مالم تكن قصته عظيمة) من حيث تزامنه مع موعد تنصيب الرئيس الامريكي الجديد، فالهوس الذي اجتاح امريكا والعالم اثناء فترة الانتخابات بشخص اوباما والاصطفاف الجماهيري غير المسبوق تحت شعاره الرئيسي اثناء الحملة الانتخابية " التغيير" دفع الكثيرين ليدلوا بدلوهم وهاهو ايستوود بفيلمه السادس والستين كممثل والتاسع والعشرين كمخرج يقدم وثيقة اجتماعية مهمة في الرؤية الموضوعية لعلاقة امريكا مع ذاتها وعلاقتها مع العالم (اظن ان الفيلم سيفاجىء البعض، اعني فكرته، لو كان مجرد فيلم عنيف لما توليت اخراجه لاني سبق وان شاركت في مثل هذا النوع واليوم لن اعمل الا على افلام هادفة لذلك لم ارده كفيلم هاري القذر). فغران تورينو حكاية عن اشكالية العلاقة بين الاعراق المختلفة التي دأبت على تغيير البنية الديمغرافية لاحياء المدن الامريكية بعد الهجرات العديدة التي شهدتها من شتى انحاء العالم مؤسسة لها مجتمع مغلق على ثقافاتها وتقاليدها ومشكلا للعديد من حالات التنافر والتضاد مع باقي المستوطنين او السكان المحليين، تنفتح اولى مشاهد الفيلم على قداس جنائزي مقام تأبينا لوفاة زوجة والت كوالسكي (كلينت ايستوود) نتلمس من خلالها صفات شخصيته متجهم،متنمر، يتهكم ويضيق ذرعا بسلوك من حوله فهو انعزالي يؤمن ويحرص كل الحرص على تمجيد انتمائه لامريكا حتى انه يضع العلم الامريكي معلقا على باب الدار، جندي سابق في الحرب الكورية مطلع خمسينيات القرن الماضي وموظف متقاعد قضى خدمته كلها في مصانع فورد للسيارات،جميع ذلك ساهم في تشكيل الخطوط العامة لسلوكه طيلة سني عمره الذي تجاوز منتصف عقده السابع، ولانه ما زال يعيش في اجواء وطباع وسلوك مجتمع الخمسينيات كالاعتماد على الذات والعمل بجد وبناء الشخصية الامريكية الملتزمة والفخورة بهويتها وتفوقها على الاخرين نجده يستهجن ملابس حفيدته الشابة اثناء مراسيم الجنازة ونراه في الحال نفسه يغلق الباب بوجه جاره الاسيوي حين جاء لطلب المساعدة محتجا عليه بشدة،(صورة جلية لصراع الاجيال)، كوالسكي الذي يفتقد روابط التواصل مع عائلته كذلك يبدو مع محيطه الاجتماعي وجيرانه من الهمونغ الاسيويين – شعب هرب من فيتنام بعد الحملة التي شنها الشيوعيون ضدهم لمساعدتهم امريكا اثناء الحرب -، متعته الاكبر في الاعتناء بمنزله المنظم وبورشته المرتبة التي تحتوي اي شيء وكل شيء وبحديقته التي لايتورع عن توبيخ اي شخص يتجرأ السير على نجيلها الاخضر، ولكن سعادته الاكبر لاتتجلى الا مع سيارة الغران تورينو الاثيرة على قلبه والتي ومنذ ان خرجت من مصانع فورد عام 1972 لم يركبها سوى مرات قليلة خاصة عندما كانت زوجته التي يحبها ويقدرها على قيد الحياة فهي بالنسبة له اشبه بتحفة ثمينة يتوجب الحفاظ عليها دائما بأفضل حال مهما تقادمت السنين (أنموذج لصورة الوطن في عقل المواطن)، وفي مشاهد لاتخلو من دلالات جلية للمشاهد يفصح لنا عن علاقته بالدين من خلال تعامله الخشن ورفضه مساعدة القس الشاب الذي كان ينفذ وصية زوجته في السعي لدفعه بالذهاب الى الكنيسة والاعتراف استجلاءً لخطاياه، وبشكل مباغت نكتشف ان له مجتمعا يتواصل معه وان لديه اصدقاء يقضي معهم جزءاً من يومه يتحدثون بلغة اعتادوا على استخدامها فيها الكثير من الشتائم ولكنها تنطلق مع ابتسامة كبيرة،يلقبون بعضهم بأصولهم حيث الايطالي والبولندي والايرلندي مؤكدين ان اصولهم القومية لم تشكل حاجزا امام انتمائهم لامريكا كمواطنين يعشقونها ويفتخرون بها، كوالسكي يجد نفسه مع تقادم السنين وحيدا في حي اصبح سكانه من الاسيويين الهمونغ والذين لايجيد بعضهم حتى الحديث بالانكليزية وامام هذا التدفق للاعراق الاخرى الى موطنه لاينفك متذمرا ومستاءً من سلوكهم كما في مشهد قطعهم رأس الدجاجة لاعدادها كوليمة في احدى مناسباتهم غير متورع استخدام اقذع الكلمات تجاههم، وحدها الفتاة سوو تجد المنفذ لدخول عزلته مستغلة محاولة اخيها تاوو سرقة الغران تورينو وحادث اعتداء عصابة ابن عمها الاسيويين على عائلتها حين اندفع لحمايتهم رغم ان سببه الرئيسي كان للمحافظة على عشب حديقته من الاذى، معتمدة على شخصيتها القوية في التعامل معه وان كان بنفس اسلوبه ولغته في الكلام، فيكتشف عوالم كانت خبيئة عنه حيث تتجلى صفاته الايجابية كلما ازداد ارتباطه بعائلة سوو، حتى انه يبدأ بتعليم تاوو كيف يصبح رجلا حقيقيا له هدف وطموح وامرأة تحبه ومهنة يجيدها، اشياء قضى جل حياته يفعلها، يدفعه وضعه الصحي المتردي لزيارة الطبيب وفي العيادة يجد نفسه محاطا بخليط من الافارقة والمكسيكيين والاسيويين، اجناس شتى (صورة لمجتمع امريكا الجديد)، وايضا يجد طبيبه قد تقاعد وحلت مكانه طبيبة من اصل اسيوي تخبره ان ماتبقى له ليس بالكثير بسبب استفحال مرضه، وحين تتعرض سوو للاعتداء والاغتصاب على يد عصابة ابن العم يجد كوالسكي اخيرا الفرصة لمصالحة ذاته التي طالما خاصمته حيث نكتشف ان سبب سلوكه العدائي هو معاناته من اثار الحرب الكورية وتأنيب الضمير على قتله أناساً في احيان كثيرة كانوا عزلاً (صورة للاثار النفسية المدمرة على الجندي الامريكي العائد من الحرب)، وهكذا يبدأ طقوس مهمته الاخيرة بالذهاب الى الكنيسة ليقدم اعترافه ولكن بأمور غير ذات اهمية كبيرة ثم الى صديقه الحلاق ليقص شعره وبعدها الى الخياط ليتخذ بدلة جديدة وقبل تنفيذه مهمة الانتقام من العصابة يعمد الى حبس تاوو في قبو منزله قائلا له بأن حياته اثمن من ضياعها في ثأر هو الوحيد الذي سينفذه (كان عليَّ ان اضعه في ذلك الموقف الخطير ليقوم بخطوة واحدة نحو التسامح تجاه الاخرين المختلفين عنه وتجاه الاعراق الاخرى)، وبمشاهد ختامية رائعة توضح الامكانية العالية لكاتب السيناريو نيك سكينك في معالجة الحكاية بعمق كبير حيث طريقة الانتقام المفاجئة وغير المتوقعة ننتهي بقداس جنائزي مثلما بدأنا ولكن الحضور هذه المرة سيكون مختلفا بتواجد الاجناس التي تشكل صورة المجتمع الامريكي الجديد. كعادته صنع ايستوود الفيلم بسرعة وكلفة قليلة مع استمرار ازدرائه التقاليد السينمائية في التصوير وادارة الاخراج تاركا الاحداث تسير بسلاسة ضمن تسلسلها الزمني ومفردا مساحة لتقنية الظل والضوء في استكمال عناصر الصورة السينمائية بالاعتماد على كفاءة مدير التصوير توم ستورن متخذا من ديترويت مكانا للتصوير ومستعينا بممثلين هواة معظمهم لم يكونوا يجيدوا الانكليزية لتصوير افراد مجتمع الهمونغ ففي اغلب الاحيان كان يشير اليهم بالحركة ثم يعطي امر التصوير سرا (صورت معظم المشاهد من دون ان يعرفوا بالامر لانه وببساطة لايكرر الاشخاص غير المحترفين المشاهد بل يصورونها بالصدفة وهو امر عظيم). غران تورينو اطلالة صريحة ونظرة واقعية لحلول ممكنة تصحيحا لعلاقة امريكا بذاتها وبباقي الاعراق من خلال عالم ايستوود السينمائي الذي يدفعك لان ترى نفسك بسوادها وبياضها من شدة وضوح رؤياه، (على امريكا الان التعلق بالامل اكثر من الركون للحقائق الصعبة).. وتلك هي المعضلة.

المدى العراقية في

28/10/2009

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)