تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

لــقـــاء خـــاص مــع كـــريــســـتـــوفـــر لـــي فــي مــراكـــــش:

كـــل الأجـــيـــــال تــعـــرفــنــي وفــي عــمـــر الـ86 مــا يــهــمّــنــي هـــو الــمــســتــقــبـــل

المغرب ـــ "النهار"

اضطلع كريستوفر لي (87 عاماً) على مدار أعوام طويلة، بدور الشرير في افلام رعب راوحت مستوياتها بين السيئ والأقل سوءاً والمقبول والجيد. قامته ونظرته القاسية وحسيته سمحت له بتأدية الشخصيات الباردة، المقلقة والصلبة. "لعنة فرانكشتاين" عام 1947 ثم في العام التالي دوره الاسطوري في "رعب دراكولا"، أتاحا له بالذهاب نحو نجومية عالمية، يدين بها لمصاص الدماء الاشهر في التاريخ. لم تُجدِ محاولاته في السبعينات للخروج من دور التصق بجلده من خلال "الفرسان الثلاثة" وغيره من الأفلام الخفيفة. سحره وصوته العميق، أضفيا الذكاء والرقي على الكاراكتيرات التي تولى تجسيدها. ادّى ظهوره في اكثر من 225 فيلماً الى ذكره في كتاب "غينيس" باعتباره اكثر الممثلين نشاطاً وعملاً. هذا الذي عمل في المخابرات البريطانية لمدة خمس سنوات (مرحلة يتكتم عليها اشد درجات التكتم)، له أيضاً سجل مسرحي يضم اعمالاً لشكسبير وكاورد وغيرهما.

كان حضور كريستوفر لي صادماً في الكثير من الأعمال. وهذا ما جعله تلقائياً شرير الشاشة ومجنونها الاول. ولعل السادو مازوشية هي التي ربطت سائر الشخصيات المرعبة التي ادّاها في حياته. هو أول من جعل دراكولا رومنطيقياً بالفطرة، اذ يمكنك ان تشعر بالاسى حياله. وعليه، فقد كان دوره كبيراً في خلق صورة جديدة وشعبية للكونت الأشهر في العالم، ادّاها على طريقته الخاصة، حتى اصبحت مخلوقاً مغرياً وقاسياً وجنسياً يداعب الأعماق. يتفق النقاد على ان كريستوفر لي خبير في التقليد والحركات الجسمانية، كونه درس "الباليه"، وهو اذا كان صاحب جبروت، الا ان في وسعه ايضاً التعبير عن عاطفته ببلاغة من خلال حركات بدنية بسيطة. وكان اداؤه اللافت لشخصية دراكولا قاسياً وجنسياً وعنيفاً ومخيفاً في الحين نفسه.

ليس كريستوفر لي من قماشة أوليفييه، ميتشوم، غابان أو فوندا الأب، بيد أنه خلق دوراً لا يمكن استنساخه. أما العمل معه فكان "فانتاسماً" لسينمائيين كثر. وقد بيّنت أدواره انه قادر على تجسيد أي "شيء" يُسند اليه، مما يفسّر انه بقي وجهاً شعبياً ومحبوباً لنحو ثلاثة أجيال. هذا الحوار القصير مع كريستوفر لي الذي يتكلم بفرنسية راقية ويعرف نحواً من 9 لغات، أجرته معه "النهار" خلال الدورة الأخيرة من مهرجان مراكش السينمائي، وكانت المفاجأة الاولى أن يسألنا دراكولا عن أحوال لبنان، ثم عندما يسمع الجواب المنتظر يهز رأسه قائلاً: "الاوضاع متردية في كل مكان من هذا العالم". فمن يستطيع أمام هذا اليقين أن يناقش كونتاً يمص الدماء؟

 يقال انك مثلت في أكثر من 225 فيلماً!

ـــ اعتقد ان الرقم اكبر من ذلك بكثير. هذا ما يقال لي. لا اعرف. هناك من يقوم بأبحاث في كل مكان، ومنها في الولايات المتحدة. وقيل لي إنني الممثل الأكبر سناً لا يزال ناشطاً. ولي 4 أفلام ستصدر قريباً وسأشارك في تصوير ثلاثة أفلام أخرى أيضاً، أحتفظ باسمائها لنفسي.

 هل تعيد مشاهدة هذه الأفلام؟

ـــ لا. لا احب أن ارى نفسي على الشاشة. هذا يجعلني معقداً. يلفتك شيء في سلوكك فتمضي في معاتبة نفسك وتتمنى لو فعلت شيئاً آخر. أبدأ بالقول: يا ليتني وضعت السيكار في فمي من هذا الجانب بدلاً من أن اضعه في الجانب الآخر، والى ما هنالك من تفاصيل تكون باهتة أحياناً ومثيرة للسخرية. لكني لست وحدي من يشعر بهذا.

 علام كنت تستند لاختيار ادوارك؟

ـــ بدأت في نهاية عام 1946 وكان ذلك من خلال التلفزيون. لم أكن مطلعاً على أي شيء. كنت ممثلاً سيئاً. لم أتمرن. تعلمت وأنا أشاهد ممثلين آخرين كانوا يتقنون التمثيل. من حين الى آخر كانت الفرصة تسنح لي لمتابعة سينمائيين كبار أثناء عملهم. وعلى مدار عشر سنين، أي بين 1946 و1956، فعلت كل ما في وسعي من مسرح الى تلفزيون، وكانت لي أحياناً اطلالات بجملة أو جملتين. هكذا تعلمت. وعندما اقترحوا عليّ أداء أول دور رئيسي، كنت جاهزاً.

 أنت فنان شامل. ولك موهبة الغناء. لكنك تخليت عن الموسيقى مبكراً لصالح السينما.

ــــ لم يكن ممكناً. اقتُرح عليَّ الغناء عام 1951، عندما كنت في ستوكهولم. كان هناك تينور كبير هو الأهم في العالم آنذاك. بعدما سمعني أغنّي بصحبة بعض التلامذة، قال لي: "ماذا تفعل؟". قلت: "أحاول أن أكون ممثلاً". فردّ قائلاً: "لا، لا، لديك صوت. لديك الآلة. اذهب وقم بشيء من خلالها. عد غداً الى الاوبرا وحاول ان تغنّي على الخشبة". قلت: "لم أتمرن ولا اقرأ نوتات الموسيقى". قال: "لا يهم. اريد أن اسمع صوت الآلة". ذهبت الى الاوبرا برفقة أحد المغنين الاوبراليين. لا أتذكره جيداً لأنني كنت شديد التوتر، لكنني غنّيت وغنّيت وغنّيت... وبعد وشوشة دارت بين الذين استمعوا اليّ، قيل لي: "اذا استطعت ان تعيش في ستوكهولم وتجد فيها غرفة أو شقة واستطعت أن تدفع نفقات اقامتك، فيمكنك أن تنضم الينا. وقد تصبح ذات يوم واحداً من أهم المغنين في العالم". كان هذا بمثابة حلم. لكني لم أكن أملك المال. لم يكن في استطاعتي المكوث هناك. مذذاك أغني دائماً. صدرت لي بضع اسطوانات والبومات اوبرالية. ولي ألبوم جديد اسمه "اكتشافات" ويتضمن اشياء كثيرة، حتى "هافي ميتال". أغني دائماً!

 أعرف انك لا تحب التحدث عن دراكولا...

 ـــ عموماً، لم أعد أتحدث عن هذا الدور. كان هذا شيئاً مهماً، لكن في ذلك الحين (مشدداً على عبارة في ذلك الحين).

 هل منعك هذا الدور من أن تفرض نفسك كممثل من نوع "الصفحة البيضاء" التي يرسم عليها المخرجون اهواءهم؟

ـــ نعم، لكن انحصر هذا الشيء في تلك المرحلة فقط، أي في الخمسينات. اقترح عليّ ان العب في خمس أو ست حلقات. لم يكن الجزء الاول جيداً، لأن الكونت دراكولا في الكتاب هو رجل عجوز بشاربين ولا يلقي المعطف على كتفيه. لم أكن أحبذ هذا التحول الشكلي في شخصية دراكولا. ثم بعد 8 سنوات، اقترح عليَّ ان العب الدور ثانية، وعندما قرأت السيناريو وجدته على درجة عالية من السوء، لذلك رفضت. بعد ذلك تكررت محاولات اقناعي لثلاث أو اربع مرات. ذات مرة رفضت نهائياً. فكان المنتجون يتصلون بي ويتوسلون اليَّ ويقولون انهم مستعدون أن يركعوا أمامي. وعندما أعبّر عن رفضي، كانوا يقولون: "ليس ممكناً، هذا مستحيل، يجب عليك أن تلعب هذا الدور". عندها اكتشفت انهم باعوا الفيلم من الاميركيين مع اسمي في اعلى الملصق الافتراضي. وعندما اصررت على الرفض كان يأتيني الجواب على شكل ابتزاز: "هل تريد ان تكون مسؤولاً عن بطالة 90 شخصاً؟".

 لكن ما سرّ هذه الشخصية، وكيف...

ـــ (بغضب شديد) لا أريد ان يدور الحوار فقط حول هذه الشخصية لأنها باتت قديمة جداً بالنسبة الى تاريخي الشخصي. وهي تعود الى أكثر من نصف قرن. ما يهمّني اليوم هو الحاضر والمستقبل. أما الماضي، فهو (هنا تقاطعنا الملحقة الصحافية ذات الملامح الآسيوية بدخولها المفاجئ الى الغرفة لاستشارته في أمر ما]...

 أدوارك الأخيرة كانت على سبيل التكريم والتحية من قبل سينمائيين يكنون لك اعجاباً شديداً...

ـــ ما يهمني اليوم ان كل الأجيال تعرفني. وعندما اقول الجميع اعني الجميع. وربما يعود الفضل حديثاً الى "سيد الخواتم"، وايضاً وخصوصاً الى "حرب النجوم" الذي يستطيع رؤيته ولد في السادسة من العمر.

 تعاملت مع كثير من الاسماء الكبيرة، في مقدمها لورنس اوليفييه وأيضاً مع بيتر كوشينغ. كيف يكون التعامل مع جيل آخر بعد تعاملك مع امثال هؤلاء؟

ـــ نحن اليوم في زمن لا وجود فيه للعظماء. زمن العظماء انتهى. اوليفييه تعاملت واياه بالمصادفة. أما كوشينغ فكان ممثلاً كبيراً وعظيماً وصديقا أحبه كثيراً. ما يثير خوفي عند الحديث عن ممثلين آخرين أن جميع من اتحدث عنهم إما ماتوا وإما انسحبوا من الحياة التمثيلية وإما يقومون بأشياء أخرى. لم يعد هناك أحد أعرفه حقّ المعرفة. الوحيد الذي كنت اعرفه من الذين تعاملت واياهم في "سيد الخواتم" هو اندرو ساركيس الذي لعب دور غولوم. لم أمثل الى جانبه، لكن سبق أن كنت معه في فيلم واحد. لا أستطيع أن اقول هذا عن ممثلين آخرين. اعرفهم، لكن معرفة سطحية. هذا جيل آخر.

 في عمر الـ86، هل صرت أكثر تطلباً في خياراتك؟

ـــ لم أعد العب شخصيات لا تهمّني فعلاً. أختار ما يستهويني من ضمن الادوار القصيرة كي لا "احجز" مطولاً على مواقع التصوير. الأهم ان يقول هذا الدور شيئاً لي وللآخرين. الجمهور سيتذكر الدور اذا كان استطاع مخاطبته. وهذا الشيء تستطيع ان تتوصل اليه في يوم واحد.

 في تقديرك، كم من فيلموغرافيتك مرشح للبقاء الى الأجيال المقبلة؟      

ـــ لا أعرف. أنجزت افلاماً سيئة جداً شأني شأن الجميع في هذا المجال. لا احد يستطيع أن يقول ان افلامه كلها عظيمة. حتى أكبر الممثلين. جميعاً انجزنا أفلاماً سيئة. ربما قد يكون هناك دزينة من الأفلام الرائعة في سجلي، لا أكثر.

 ماذا تنتظر للانتقال الى الاخراج؟

ـــ لا. لا وقت لديَّ.

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb)

النهار اللبنانية في

06/08/2009

 

"روتـــــــــردام   الـــعــــربـــي":

مــــهـــــــرجــــــــان   الــــرجـــــــل   الـــواحـــد؟

أمستردام ـــ من هوفيك حبشيان  

ما الذي يدور في كواليس مهرجان الفيلم العربي في روتردام منذ بضعة أشهر؟ بيان بلغة خشبية لافتة كان قد وصلنا أخيراً عبر البريد الالكتروني، ينطوي على قرار لمجلس إدارة مؤسسة المنتدى العربي في هولندا، خلال اجتماع  له، يستعيد به الإشراف المباشر على تنظيم المهرجان، وتفاصيل ادارية أخرى غير شائقة ومهمة بالنسبة الينا. لا شك في ان الخبر كان ليكون مصيره في "قمامة" الكومبيوتر لولا الاشارة في السطر الأخير من البيان، الى الاستغناء عن المدير الفني لهذا المهرجان، انتشال التميمي، العراقي الاصل، ومعه مجموعة من زملائه، مما يدل على أن هذه التظاهرة السينمائية التي ولدت في المدينة الهولندية تعبر أزمة فعلية قد تضع مصيرها على المحك. لكن هناك حيثيات أخرى بالغة الدلالات بحسب التميمي، الذي يريد في الوقت الحاضر استخلاص تجارب هذا المهرجان بعد 9 سنوات من العمل في كنفه. بحسب التميمي أيضاً، الذي أتحنا له في هذا العدد من "أدب فكر فن ــ سينما" نافذة على الكلام من دون أن نتبنى في الضرورة روايته، فإن المدير خالد شوكات، بدأ "حركته الانقلابية" في الحادي عشر من أيار الماضي عندما استقال رئيس جمعية "فيلم في الجوار"، وهي اللجنة المشرفة على المهرجان والمعتبرة كنوع من هيئة ادارية تملك كل الحقوق الاساسية في ادارة شؤونه.

مذاك تتعاقب الفصول المختلفة من "المؤامرة" التي يقودها شوكات، التونسي الاصل، على المهرجان والناس الذين ينظمونه ادارياً وفنياً طوال اشهر من التحضير تسبق تاريخ انعقاده في الشهر السادس من كل عام، وذلك بعدما أمسك بالجانبين المالي والاداري. يقول التميمي: "في نيسان الماضي، كان هناك اجتماع للهيئة الادارية، ويحضره عادةً الاعضاء وعددهم خمسة، بالاضافة الى شوكات وأنا، المدير الفني. وعلى مدى السنتين السابقتين، كنا نعقد اجتماعاً كل ستة أشهر تقريباً، وهذه الوتيرة كان يحرص عليها شوكات لأنه لم يكن يريد ان تكون للهيئة الادارية سلطة حقيقية خوفاً من ان تقوم بوظيفتها الاساسية في المراقبة والمناقشة والمحاسبة. وكان يحرص قدر الامكان على أن يهمش طابعها العملي. ولعل واحدا من الأخطاء التي اتحمل مسؤوليتها، تهميش الهيئة الادارية على هذا النحو. وفي هذا الاجتماع طُرح موضوع التقرير المالي لعام 2008. في الحقيقة، للجميع تساؤلات حول هذا التقرير. على الاقل ثلاثة من أصل خمسة اعضاء. نتيجة الشكوك في هذا التقرير، جرى رفض توقيعه في انتظار الحصول على حيثيات فُرض على شوكات تقديمها قبل الشهر الخامس، على أن يعقد اجتماع على اثره بغية مناقشة هذا التقرير. هذا الأمر جعل شوكات يصاب بالفزع. وبعد الاجتماع، ذهبنا الى العشاء كما يفرض التقليد المعمول به، وكان شوكات شارد الذهن اذ لم يكن يتوقع أن تتم مساءلته من قبل زملاء له".

بحسب التميمي، فمنذ اللحظة الاولى لـ"جلسة المحاسبة"، وضع شوكات في باله أن يتخلص من رئيس الهيئة الادارية، عمر رياض، والذي ساهم شوكات في تشغيله هذا المنصب، معتبراً انه لا يحق لهذا الرجل ان يطلب منه تقديم حسابات تتعلق بتفاصيل مالية. هذه المساءلة فاجأت التميمي، ليس لأنه يشك في أهلية عمر رياض، بل لأنه كان تعرف اليه صديقاً مقرباً من شوكات، ومن النوع الذي لا يحب أن يدخل في المشاكل لأنه اكاديمي ومنزو ولا دخل له بالعلاقات الاجتماعية. لكن بالنسبة الى شوكات كان هذا الرجل "لا يكش ولا يهش"، وهذا كان عاملاً مطمئناً له. لذا كان مفاجئاً لشوكات أن يطلب منه رياض حسابات دقيقة. ويقول التميمي ان شوكات اتصل برياض هاتفياً وأحرجه ودفعه الى أن يستقيل، بعدما جرت معركة كلامية بينهما. ويتابع: "في الاشهر الأخيرة، كان خالد يذهب الى تونس كثيراً، وفي الادارة كانت تأتينا كشوف حسابات من المصارف ورسائل من الجهات الداعمة وكنا نفتحها، علماً انه كان أوصى الطاقم المساعد له بعدم فتح أوراق المصرف. أنا، ببساطة، قمت بدوري الطبيعي في الاطلاع على أوراق المصرف، لأن هذه مؤسسة عامة وليست شخصية، وعلى الجميع ان يحاطوا علماً بالتفاصيل كافة".

في سياق عدم ارتياحه الى الجانب المتعلق بالادارة المالية للمهرجان، يروي التميمي الاعذار التي كان يقدمها شوكات الى صالات العرض أو جهات مختلفة للتخلف عن الدفع. لكن أكثر ما يبعث على الغرابة هو تأخر بعض الفائزين في تسلم جوائزهم، وأحياناً عدم تسلمها على الاطلاق. مثلاً: حتى اللحظة الحالية، لم تقدم، بحسب التميمي، الجائزة الاولى لمحمد شويخ التي نالها قبل 3 سنوات، وقدرها 1500 أورو. اذ بعد مماطلات طويلة، وأخذ وردّ بينه وبين جهات عدة، تبيّن أخيراً ان زوجة شويخ تسلمت رسالة من شوكات يقول فيها انه مرّ زمن على المبلغ ولم يعد ممكناً دفعه. هناك أيضاً وائل ديب الذي حصل على جائزة بقيمة 250 أورو وتسلمها بعد سنتين. أما شيرين دعيبس فحتى اللحظة لم تتسلم الجائزة المالية التي نالتها قبل سنتين وقدرها 250 أورو أيضاً. المصير نفسه كان في انتظار كريم فانوس. الشيء الأغرب في مسألة عدم حصول الفائزين على جوائزهم في مهرجان يفترض ان يملك حداً ادنى من الصدقية، هو عدم تلقف الصحافة المتخصصة هذه المسألة طوال تاريخ وجود المهرجان لفضح هذه التجاوزات المضحكة. ويعزو التميمي هذا الأمر الى كون المبالغ تافهة ولا تتناسب مع موازنة مهرجان تصل احياناً الى 300 ألف أورو. "لكن هذا لا يمنع من أنني كنت أُحرَج امام هؤلاء الناس كوني الشخص الذي أحادثهم واتسلم منهم رسائل بريدية. وعندما اطالب شوكات بقيمة الجوائز، كان رده دائماً اننا لا نملك المال. وعندما ابحث في الأوراق ارى انه لدينا ما يكفي من الأموال ولكنها تذهب في اتجاهات مشكوك فيها".

يعتقد التميمي، الذي يصرّ على كلمة "طرد"، في الحديث عن ابعاده القسري عن المهرجان، ان ما يفعله شوكات ليس الاّ وسيلة للقضاء على نفسه. فما الذي يدفع اذاً بشخص في منصب مماثل الى "التدمير الذاتي"؟ هذا الشيء يجد التميمي تبريراً له بالقول إن لشوكات ثقة عمياء بأن المهرجان يعني الكثير لمديره الفني المطرود: "كان يؤمن انه لا يمكن أن اخاطر واتسبب بأي زوبعة للمهرجان وافقده. وهو يعرف أيضاً ان اوضاعي المادية صعبة ولذلك لا يمكنني ان اغامر في الدخل الذي يأتيني، وكان يعتبرني طيباً وهمي الوحيد السينما، ودائماً يردد ان انتشال هو صديقي العزيز ولا يهتم بالماديات، كوني منشغلا بسمعة المهرجان والأفلام وتفاصيل أخرى. للأسف، المتشاطرون لا يعرفون ان حبل الكذب قصير، وأن كل تعدٍّ لا بد ان يكون مصيره الفضيحة امام الرأي العام".

عندما عاد شوكات من السفر، وجد التميمي قد فتح حسابات المصرف ووضعها أمامه. فدخلا في معركة راحت تتصاعد في الشارع. شوكات ذكّر التميمي، الذي لا يعتبر نفسه مديراً فنياً فحسب انما أحد مؤسسي المهرجان، انه لا يملك عقداً وانه مستعد لغلق المهرجان اذا تطلب الأمر ذلك. وبحسب المدير الفني الذي أقيل، فإن هذه نيته منذ زمن طويل، وذلك للتغطية على كل التجاوزات السابقة. حتى إن تغيير اسم التظاهرة من مهرجان الفيلم العربي الى "فيلم في الجوار" كان ناجماً عن رغبته الدفينة في طمس الماضي. "كانت المعركة طويلة اعتبر خلالها انه ليس هناك شيء اسمه مهرجان عام. قال إن هذا المهرجان هو ملكه". مع ذلك يعترف التميمي بأن شوكات لم يكن يتدخل في الخيارات الفنية للمهرجان، علماً انه في بعض المرات كان يحاول فرض فيلم أو فيلمين: "أحياناً كنت أتنازل، لأنني اعرف أن المهرجان ليس ملك أبي، بل على المدير أن يكون له فيه دور رئيسي ايضاً. كنت اعرف ما هو حقّ لكل فرد. فالمهرجان لم يصنعه انتشال التميمي، بل صنعه خالد شوكات وانتشال وقبلهما محمد أبو الليل وزملاء آخرون، وتالياً كلما طالت فترة عمل زميل في هذا المهرجان زادت حقوقه المعنوية".

الى الآن، لم توجّه حجة متماسكة لتبرير الاستغناء عن خدمات انتشال التميمي، وهو قرار يعتبره صاحب الشأن ردّ فعل اكثر من كونه فعلا: "أنا متأكد انه لو طلبتُ منه أن ابقى في البيت سنة ونصف السنة من دون أن اعمل أي شيء مقابل سكوتي على كل هذه التجاوزات المالية والادارية، فهو مستعد أن يدفع لي راتبي ويشكرني (...). لكن عندما ضيّقت عليه الخناق ووصل الأمر الى هذه المرتبة، بات الاستغناء عني هدفا اساسيا بالنسبة اليه، علماً انني حتى الآن لم أتسلم رسالة استغناء عن خدماتي بل قرأت عن الموضوع في الصحافة. حتى الآن لا شيء رسمياً يوضح السبب الرسمي للاستغناء عني، ولا تواصل بيني وبينه منذ أكثر من شهر تقريباً".

أما عن الخطوات التالية التي سيتخذها الاطراف المختلفون الذين صُرفوا تعسفياً لنيل حقوقهم، فما يطمئن التميمي في هذا الصدد أنه يعيش في بلد ديموقراطي اسمه هولندا. وهذا البلد يعول عليه لأن له اصوله وآلياته التي "ستحكم على الاقل على هذا الشخص كونه ليس أهلاً للقيادة، اذ أمسك المهرجان بيد ديكتاتورية، وهذا لا ينسجم البتة مع ادعاءاته بأنه مدير معهد الديموقراطية في لاهاي، والذي، للمناسبة، يديره وحده". إنني شبه مؤكد، يقول المدير الفني المقال، أن مصير وجوده في قيادة هذا المهرجان سينتهي خلال الاشهر الستة المقبلة كحد اقصى، ومهما طال هذا الموضوع وأخذ مجالاته القانونية والقضائية فسينتهي لصالح هاجس السينما.

استطراداً، لا بد أن نسأل: أليس من المؤسف أن يرتبط مصير مهرجان بشخص؟ وما هو الدرس الذي يجب استخلاصه من الفصول الفضائحية المختلفة لهذا المهرجان الذي لم تكن تنقصه الشوائب التنظيمية والفنية، شأنه شأن كل المهرجانات العربية؟ والحلّ ربما يتمثل في أن تكون هذه المهرجانات ذات طابع مؤسساتي ومحكومة بطريقة ديموقراطية، بعيداً من منطق "مهرجان الرجل الواحد" على وزن "انظمة الحزب الواحد". هذه التجاذبات التي يشهدها منبر مفترض ان يهتم بالثقافة والفن وتطوير العقليات والذائقة، أليس غريباً أن تحصل في هولندا؟ يختم التميمي قائلاً: "في الحقيقة يتعامل الداعمون الهولنديون مع كل هذه المؤسسات تعاملاً غير جدي، ويعتبرون ان على العرب أن يتدبروا أمورهم في ما بينهم. لكن عموماً، عندما تطالب بحقوقك ففرص النجاح تكون كبيرة جداً. ويعرف شوكات قبل غيره حجم تجاوزاته ويعرف ما هي تبعات هذه القضية. الانسان الذي يحرص على أن تكون كل المسائل محصورة في ذاته، فرصه في الخطأ والتجاوز تكون كبيرة. واتصور انه حتى لو تعاون مع بعض الأشخاص موقتاً، فالجسم الاساسي من السينمائيين العرب والمؤسسات الاجتماعية هنا متضامنون مع الاشخاص الذين باتوا خارج المهرجان".

النهار اللبنانية في

06/08/2009

 

خارج الكادر

البندقية 66: موعودون بالكثير!

بعد ظاهرة التصحر الفظيعة التي كانت سائدة في مهرجان البندقية العام الماضي، نتيجة عدم حضور الأميركيين وكثرة الأفلام الصعبة والقوية وغير الملائمة لأهداف وسائل الاعلام الكبرى وعدسات الـ"بابارازي"، يجيء برنامج الدورة المقبلة، الـ 66، من مهرجان البندقية (2 -12 أيلول) ليؤكد أن على الجزيرة السينمائية الأشهر في العالم أن تمتلئ وتعود اليها الحياة، وبأقصى سرعة ممكنة، وخصوصاً ان منافس هذا المهرجان وبديله الذي فُرض فرضاً، أي مهرجان روما، لم يخرج بخلاصات مقنعة، على مدار الدورتين السابقتين. لكن من يعرف مدير مهرجان البندقية ماركو موللر، يعرف أن الرجل لا ينحاز الى السهولة عادة، ولا يرضخ، وانه لا بد من أن يكون هناك دائماً سبب ما وراء اختياره هذا الفيلم وابعاده ذاك الآخر، ما عدا طبعاً المصالح الكثيرة التي يمكن أن تدخل على الخط.

جملة اقتناعات تأخذك دائماً الى البندقية. لكن سرعان ما تتركها هناك على الليدو لتسلّم أمرك الى اقتناعات أخرى عند عودتك منها. انه لقاء غريب مع سينيفيلية ايطالية نهمة تذكّر بماض مجيد لبلد اعطى على الاقل 10 من عباقرة الفن السابع. القاسم المشترك بين الذهاب الى البندقية والعودة منها هو فكرة الاختلاف التي يقوم عليها المهرجان منذ تأسيسه، مروراً بالفترات المتفاوتة بين صعود وانحطاط، وصولاً الى الحقبة الراهنة التي لم تشمّر بعد عن ساعديها. لكن، اليوم، وبعيداً من كل هذه الفلسفة المهرجانية واعادة توزيع الحصص والتكهنات التي تسبق تاريخ انعقاد كل مهرجان من الثلاثة المهيمنة على المشهد السينمائي العالمي، أصبح من شبه المؤكد ان ما يحمله برنامج هذه السنة الينا يتسم بتنوع قل نظيره. بالاضافة الى النوعية، هناك أيضاً الكمّ وهو شيء لا يستهان به في زمن الأزمة الاقتصادية التي باتت بعض المهرجانات بمنأى عنها، والظاهر ان مهرجان البندقية من هذه المؤسسات التي صارت الأزمة خلفها.

اذاً، هناك اكثر من سبب للاعتقاد ان الدورة المقبلة ستكون شقية وشائكة وشائقة. ما يدعونا الى هذا التفاؤل يتأتى من شيء بات تقليداً مكرساً في كل المهرجانات الكبيرة: مشاركة زبدة السينمائيين. ماركو موللر وأعضاء فريقه الذين بذلوا جهداً كبيراً لاختيار الأفضل حتى الدقائق القليلة التي سبقت تاريخ انعقاد المؤتمر الصحافي لكشف النقاب عن مضمون الدورة، لم يبخلوا على تظاهرتهم السينمائية العريقة ببعض من هؤلاء الاسماء الكبيرة التي تجعل أهل السينما والمتابعين يسافرون في سبيلها من أرض سينمائية الى أخرى. فهناك في المسابقة الرسمية مثلاً، التي تضم وحدها 23 فيلماً، التركي الاصل فاتح أكين والفرنسي باتريس شيرو والايطالية فرنشيسكا كومنتشيني والبلجيكي جاكو فون دورماييل والالماني فيرنر هيرتزوغ والاميركيون مايكل مور وجورج روميرو وتود سولوندز. وعلى رغم ان لا سكورسيزي ولا ماليك ولا ايستوود جاهزون للدورة، فمهرجان البندقية هذه السنة لا يتشارك مع مهرجان دوفيل في أيٍّ من الأفلام المعروضة.

هناك ايضاً عناوين بارزة واكتشافات وأفلام أولى بعيداً من نجومية مخرجيها والاسماء المعروفة. المثال الأبرز فيلم "طريق"، افلمة رواية كورمان ماكارثي من توقيع الاوسترالي جون هيلكوت مع فيغو مورتنسن. يعرض هذا الى جانب فيلم مثير للفضول هو الاول لمصمم الازياء طوم فورد واسمه "رجل عازب". المفاجأة (!) وجود فيلم اسرائيلي اسمه "ليبانون" لصامويل مواز يحكي عن اجتياح بيروت عام 1982، من وجهة نظر جندي اسرائيلي عاش الحرب. أفلا يذكّركم هذا الفيلم بشيء؟ أياً يكن، فالحضور العربي لن يقتصر هذه السنة في البندقية على شخصيات سيئة السمعة مزروعة في أفلام الآخرين، انما من خلال السينما المصرية بذاتها، بحيث استطاع "المسافر"، باكورة احمد ماهر (مع عمر الشريف) ان يقنع المنظمين، وتالياً أن يجد موطئ قدم له بين أسماء ستتسابق على جوائز أسود فضية وذهبية سيمنحها الى الفائز رئيس لجنة التحكيم آنغ لي، الحائز اسدين ذهبيين في فترتين غير متباعدتين، وذلك في ختام 11 يوماً من المشاهدة والرصد والمتابعة لأحوال العالم على الشاشة.

عربي آخر سيكون في البندقية: يسري نصرالله، الذي سيقدم "احكي يا شهرزاد" خارج المسابقة، لكن في الاختيار الرسمي، كما هي الحال مع كاملة ابو زكرى وجديدها "واحد صفر" المشارك في قسم "آفاق". وبالاضافة الى "فيلمين مفاجأتين" سينضمان الى اللائحة ما ان ينطلق المهرجان، سيكون هناك ايضاً الشريط الروائي الطويل الثاني للمخرج السري لانكي فيموختي جاياسوندارا، "بين عالمين"، علماً انه كان قد ربح "الكاميرا الذهبية" في كانّ قبل سنوات عن باكورته. الجميع يرتقب أيضاً ما سيقوله مايكل مور عن أميركا وانهياراتها المالية وخصوصاً انه ينتزع هذه المرة في "رأسمالية: قصة حب"، ملف الأزمة الاقتصادية، على أمل الا يحمّل بوش كامل المسؤولية عنها. على أحرّ من الجمر، نحن في انتظار جديد الاميركي الغريب الاطوار تود سولوندز كما جيوسيبي تورناتوري وفيلمه "باغيريا" الذي سيعرض افتتاحاً. في اختصار: نحن موعودون بالكثير!

هـ. ح.

النهار اللبنانية في

06/08/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)