حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

دراما رمضان التلفزيونية لعام 2013

سير

وحلقات

يومية

في

رمضان

العمر واحد

كتب الخبرماهر زهدي

بنت بحري زينات صدقي

( 22 )

بعدما وصل أجر زينات صدقي إلى 400 جنيه في الفيلم الواحد شعرت سنية بسعادة حقيقية لما أصبحت فيه شقيقتها، خصوصاً أن ذلك يأتي بعد أيام طويلة من الشقاء والتعب، وأن الله عوضها خيراً عما عاشته سابقاً.

لفت انتباه سنية حجم المشتريات من الملابس والأحذية التي كانت زينات تشتريها، ليس لنفسها بل لوالدتها، فهي لم تشتر لنفسها باعتبارها فنانة هذا الكم:

= أنا عارفة طبعاً يا أختي انت بتحبي أمك أد إيه... بس إيه لزمتها الهدوم دي كلها... ولا الجزم الكتير أوي دي كلها.

* أنا لو أطول أجيبلها الدنيا كلها وأحطها تحت رجليها... وأسعدكم كلكم.

= أيوا يا أختى ربنا يخليك لنا ويزيدك كمان وكمان. بس ما تفهمنيش غلط يعني أمنا ربنا يديها الصحة والعافية لا بتقوم من مكانها ولا بتخرج ولا بتروح ولا تيجي.

* نفسي أسعدها بأي شكل حتى لو بالحاجات البسيطة التافهة دي.

كان إحساس زينات بالذنب تجاه والدتها عالياً جداً، وأنها السبب في إصابتها بهذه الحالة النفسية التي لم تعد معها قادرة على الوقوف على قدميها والمشي عليهما، غير أن زينات لم تفقد الأمل في أن يتم شفاؤها يوماً، وما كانت تسمع عن طبيب جديد في هذا التخصص إلا وتذهب إليه لتعرضها عليه، وهي الأسباب نفسها التي أحضرت لأجلها من يقوم على خدمتها في البيت. أما في ما يخصها هي، فقد حرصت على انتقاء من يقوم بطهي الطعام وتقديمه لها، من دون أن يخدم والدتها بمس أدواتها أو الاقتراب من طعامها.

في أثناء تصوير بعض المشاهد من فيلم «ممنوع الحب» للموسيقار محمد عبد الوهاب، في أحد فنادق وسط القاهرة، لفتت نظر زينات مجموعة من الصبية السودانيين يعملون في الفندق في خدمة الغرف وتوصيل الحقائب، ولفت نظرها كم النظافة الشخصية في الشكل والملابس التي يتمتع بها هؤلاء الصبية الذين لم يزد سن أحدهم على 13 عاماً، فقررت الاستعانة بواحد منهم ليقوم على خدمتها في المنزل. فعلاً ذهبت إلى مدير فندق «شبرد» في وسط القاهرة، واستعانت به ليختار لها واحداً من هؤلاء الصبية ليعيش معها في بيتها، ويتولى خدمتها.

أخبرت مدير فندق «شبرد» بأمر صبي سوداني شاهدته سابقاً عمره 13 عاماً، يدعى عثمان. ما إن أحضره وشاهدته زينات حتى صاحت:

* هو دا... تعالَ يا سمارة.

= اسمي عوثمان يا ستو هانم.

* تعرف تطبخ يا سمارة.

= اسمي عوثمان يا ستو هانم... وكمان أنا ما بنعرف نطبخ.

* أمال بتعرف تعمل إيه يا سمارة.

= رهمتك يا رب... ستو هانم... أنا اسمي عوثمان مش سمارة.

* وأنا عايزة أدلعك وأقولك يا سمارة... موافق.

= وهو عوثمان عملك إيه؟

* ما عمليش حاجة بس بحب اسم سمارة... إيه رأيك بقى تشتغل عندي في البيت يا سمارة.

= أشتغل... وأمري إلى الله.

منذ ذلك اليوم أصبح عثمان أو «سمارة» كما أصرت أن تناديه زينات المسؤول عن أكلها وشربها وتقديم الأكل لها، وغسل أدوات السفرة من «شوكة وسكين وملعقة» وتجهيزها لها ولا يدع أحداً يلمسها بيده.

شعرت زينات بأنها تقترب يوماً بعد يوم من السينما، وأنها أصبحت قريبة إلى قلبها، لا تبذل فيها الجهد نفسه الذي تبذله في المسرح، وعلى رغم ذلك تحقق عائداً مادياً وأدبياً كبيراً، فمن الممكن أن تتقاضى في فيلم واحد يتم تصويره في ثلاثة أسابيع أو شهر ما يمكن أن تتقاضاه في موسم مسرحي كامل ثلاثة أو أربعة أشهر، فضلاً عن أن جمهور السينما بات أكبر كثيراً من جمهور المسرح، أضف إلى ذلك أنها يمكن أن تصور فيلمين أو ثلاثة في وقت واحد.

مطلوبة سينمائياً

في مستهل عام 1945، تعاقدت زينات مع المخرج جمال مدكور، على المشاركة معه في فيلمه «كازينو اللطافة»، قصة وسيناريو الفنان عبد العزيز أحمد، بطولة سامية جمال وعباس فارس، المطرب الشعبي محمد عبد المطلب، إسماعيل ياسين، بشارة ومحمود المليجي وزوجته الفنانة علوية جميل، ميمي شكيب، والمونولوجست ثريا حلمي.

دارت أحداث الفيلم حول الصديقتين عزيزة وشريفة، المتزوجتين من الصديقين عزيز ورفعت، يحدث أن تشك عزيزة فى سلوك زوجها وتدعم صديقتها هذا الشك وتدبران خطة لكشف الحقيقة، فترسل شريفة خطابًا غراميًا غير موقع إلى عزيز باشا وتضرب له موعدًا في «كازينو اللطافة». يتلقى الباشا الخطاب على أنه حدث مثير فيطلع أصدقاءه عليه، يتعرف عزيز إلى خط زوجته ويتهمها بالخيانة ويتأزم الموقف حين يحزم رفعت أمره على الانتقام من زوجته «شريفة» فيهرع الباشا إلى الكازينو ليحذر شريفة من غضب زوجها، إلا أنها تراه هناك فتتأكد من خيانته. يصل سوء الفهم إلى ذروته في مواجهة تضم الأربعة ويصرح فيها كل منهم بما يعلم. تتضح الأمور ويزول سوء التفاهم. يعاتب الباشا زوجته على شكها فيه ويعاتب رفعت زوجته على مشاركتها في المقلب، وفي نهاية الأحداث يعود الباشا وعزيزة، كذلك رفعت وشريفة إلى ما كانوا عليه من سعادة تاركين وراءهم ما حدث في «كازينو اللطافة».
ما إن انتهت زينات من تصوير «كازينو اللطافة» حتى وجدت نجيب الريحاني يرسل في طلبها للمشاركة معه في عمل مسرحي جديد، غير أنه هذه المرة لم يسند إليها الدور الرئيس كما فعل في مسرحية «حسن ومرقص وكوهين» بل أعادها إلى دور الخادمة، ولا يحق لها أن تعترض أو تراجعه، وأسند دور البطولة أمامه للفنانة ماري منيب لتجسد دور العانس التركية، العجوز المتصابية في مسرحية «إلا خمسة».

وجدت زينات نفسها في موقف حرج، ففي الوقت الذي أرسل لها الريحاني للعمل معه في المسرح، طلبها المخرج كمال سليم لتشارك معه في فيلم سينمائي جديد، وألح في الاستعجال عليها بشكل غير طبيعي:

= ما ينفعش الكلام دا يا زينات. يا موافقة يا إما مش موافقة. انت عارفة محبش المواقف الرمادية دي.

* لا رمادي ولا بني. أنا مستعدة أمضى العقد على بياض والله. دا شرف ليا يا أستاذ كمال أني أشتغل معاك.  

= خلاص يبقى تحضري التصوير معانا الاسبوع اللي جاي.

* أنا بس بستأذنك تأجل المشاهد بتاعتي اسبوع واحد بس. لأن الاستاذ نجيب هيفتح المسرحية الأسبوع اللي جاي... وأنا لا أقدر أقوله لا ولا أقدر أعتذر... وأنا محتاجة التركيز جدا في أول أسبوع بس. وبعدين انت معروف عنك انك بتشتغل على مهلك من غير استعجال. اشمعنى المرة دي يعني؟

= لأني لازم أخلص الفيلم دا بسرعة علشان ارتبطت مع أنور وجدي بفيلم «ليلى بنت الفقراء» هايلعب البطولة قدام ليلى مراد... وهينتج لها الفيلم على حسابه.

* أنور وجدي هاينتج سينما؟

= ماهو يا إما أنور دا واد تاجر شاطر أوي... يا إما أنه عاشق متيم أوي.

* ويمكن يكون الاتنين مع بعض.

اقتنع كمال سليم بكلام زينات وأجَّل مشاهدها في الفيلم لمدة أسبوع فقط إلى حين مرور الأسبوع الأول من مسرحية «إلا خمسة» التي يراهن عليها الريحاني.

في 4 مارس 1945، افتتح الريحاني المسرحية، التي قدمت فيها زينات دوراً هامشياً، وهو دور خادمة العجوز العانس التي تمثل محور الأحداث مع المحامي الشاب المفلس الذي يتقمص شخصية سائق ليدخل بيت هذه الأسرة التركية للبحث عن كنز مدفون به.

حققت المسرحية نجاحاً لم تحققه أعمال الريحاني سابقاً، وعاد الفضل في ذلك إلى أداء ماري منيب التي جسدت شخصية العجوز العانس، وأداء الريحاني لدور المحامي الذي يبحث عن الكنز.

قصة عذاب

أطمأنت زينات صدقي إلى نجاح مسرحية «إلا خمسة» واتجهت فوراً إلى موقع تصوير فيلم «قصة غرام»، تأليف كمال سليم وإخراجه، وبطولة أميرة أمير، إبراهيم حمودة وزكي رستم وزوزو حمدي الحكيم ومحمود المليجي وبشارة واكيم وصفية حلمي.

تدور أحداث الفيلم حول عصمت وزوجته وابنتهما هدى، الذين يحضرون احتفالاً بختان بعض أنجال الأصدقاء. يعيش جلال في كنف والد هدى ويرتبط الصغيران إلا أن القدر لا يمهلهما حتى يكبرا. يتوفى عصمت والد هدى ليتركهما تحت سيطرة رجل شرير ظالم هو شاهين الذي يستولى على ثروة هدى ويعيشان معه حياة قاسية، إلى أن يكبرا ويقررا الهرب. لكن شاهين يطاردهما مع أحد رجاله ويصاب جلال بطلق ناري لكنه يوصى هدى بالهرب. فعلاً، تتركه وتهرب ويقع جلال مجدداً في قبضة الشرير بينما تتلمس هدى خطواتها في ظلام الحياة التي لا تعرف فيها أحدًا إلى أن تقع في قبضة شرير آخر يراودها عن نفسها هو راشد، العدو اللدود لشاهين، يسقيها من كأس الذل والهوان وتقاسي التعذيب والمعاناة مجدداً، إلى أن يستطيع جلال أن ينتصر على شاهين في مجابهة لا تخلو من الدماء ويقرر أن يبحث عن هدى محبوبته إلى أن يجدها ليخلصها من راشد ثم يعودان إلى حبهما.

عندما انضمت زينات لتصوير «قصة غرام» كان قد أنهى ما يقرب من ثلث الفيلم تقريباً، ولم يمر أربعة أيام من عملها في الفيلم حتى سقط المخرج كمال سليم مريضاً ليتوقف التصوير.

الفيلم الذي تعجل تصويره كمال سليم توقف إلى ما يقرب من أسبوع، رقد خلاله في المستشفى، حتى إن الأطباء لم يعرفوا أسباباً محددة لمرضه. فجأة قرر استئناف التصوير، وكلف محمود المليجي بإبلاغ زملائه كلهم بالحضور إلى الأستوديو لبدء التصوير، وهو ما التزم به الجميع، ليدخل عليهم محمود المليجي ويشيع لهم خبراً لم يتوقعه أي منهم: كمال سليم مات.

نصيحة أستاذ

بعد الأفلام الثلاثة التي قدمتها زينات في الربع الأول من عام 1945، «جمال ودلال، كازينو اللطافة، وقصة غرام» وقَّعت عقدين لفيلمين جديدين، أولهما كوميدي غنائي مع المخرج أحمد بدرخان، بعنوان «شهر العسل» قصة وسيناريو وحوار بديع خيري، بطولة فريد الأطرش، مديحة يسري، أمينة نور الدين، السيد بدير، ثريا حلمي، وحسن فايق.

دارت أحداث «شهر العسل» حول «هناء» الفتاة الجميلة التي تضطر إلى قبول شاب ثقيل الظل يتقدم لخطبتها، في الوقت الذي تقوم الفتاة جمالات بمحاولة الإيقاع بالشاب فريد، عندما تطلب منه عبر الهاتف أن يعلمها الموسيقى، ويحدث التباس عندما يذهب فريد إلى منزلها؛ إذ يلتبس الأمر على خطيبي الفتاتين هناء وجمالات، فكل من الشابين يظن أن الأخرى خطيبته، وعندما يحضر فريد ويلتقي بهناء يظنها جمالات، يؤكد عليها الموعد لتأتي إلى منزله، يترتب على ذلك أن تذهب الفتاتان إلى الموعد نفسه، ويحدث كثير من المواقف والمفارقات الكوميدية، وفي نهاية الأمر يتزوج فريد من هناء.

جاء الفيلم الأخير لها في عام 1945 في شهر أكتوبر، بعنوان «أحلاهم» مع الفنان استيفان روستي، والذي كتبه بمشاركة مع زكي صالح، وأخرجه، ليحمل لزينات مفاجأة سارة لم تتوقعها، عندما وجدت نفسها وجهاً لوجه مع أستاذها زكي طليمات، الذي شاركها في بطولة الفيلم:

* يااه... انت فاكرني يا أستاذ.

= طبعاً... انت من الناس اللي لازم يسيبوا أثر في اللي يقابلهم في حياته.

* دا شرف كبير يا أستاذ.

= أنا مش بجاملك... وكمان انت مش بس إنسانة كويسة. انت ممثلة هايلة يا زينات.

* دي شهادة كبيرة الأستاذ لتلميذة من تلاميذه... ولو دا حقيقي أكيد انت صاحب الفضل الأول لأني أتعلمت على أيدك. صحيح م لحقناش نكمل وقفلوا المعهد... بس برضه تلامذتك.

= ايوا... بس الحمد لله قدرنا نفتح المعهد تاني. وأول دفعة أتخرجت السنة اللي فاتت... طبعاً انت دلوقت فنانة كبيرة مش محتاجة دراسة.

* يموت المعلم ولا يتعلم يا أستاذ... بس خلاص بعد ما شاب ودوه الكتاب... أدينا بنتعلم منك برضه في شغلنا.

= طيب بالمناسبة دي أنا كنت عايز أقولك نصيحة تحطيها حلقة في ودنك... لو كنت تقبلي النصيحة.

* يا خبر يا أستاذ... دا انا اللي كنت هاطلب منك النصيحة.

= شوفي.. انت ممثلة هايلة جدا.. وعندك حضور قدام الكاميرا زي حضورك على خشبة المسرح بالظبط.. لكن أنا ملاحظ انك بتقبلي كل فيلم بيتعرض عليك.. علشان كدا عايزك تاخدي بالك كويس.. وتنقي الأفلام اللي بتشاركي فيها علشان ماتبقيش مجرد نمط واحد ثابت.

شارك زكي طليمات في بطولة الفيلم مع ببا عز الدين، ميمي شكيب، زينات صدقي، ليلى فوزي، سامية جمال، وحسن فايق.

دارت أحداث فيلم «أحلاهم» حول فتاة فقيرة، والدها رجل بخيل، غير أنها تحلم بصعود السلم الاجتماعي، تتعرف إلى صاحبة ملهى وتعمل به راقصة، يحاول الأب البخيل ابتزاز أموالها، وتتعرف «أحلاهم» إلى شاب في الملهي الليلي، وتنمو بينهما قصة حب. لكن الشاب لا يوافق على الزواج منها، تعود الفتاة إلى الحي الشعبي، ويلحق بها الشاب بعد أن يعرف معدنها الأصيل.

أصبحت زينات تذهب إلى المسرح باعتبارها «ضيفة» لا تستقر طويلاً فيه، فما إن تبدأ في عمل مسرحي، سواء مع فرقة الريحاني أو فرقة «رمسيس» حتى تناديها السينما مجدداً، ولم تستطع أن ترفض طلبها في أي وقت، ساعدها على ذلك تركيز كل من نجيب الريحاني ويوسف وهبي أيضاً في السينما.

في الوقت الذي بدأ فيه نجيب الريحاني تصوير أول فيلم من إنتاجه مع بداية عام 1946 بعنوان «أحمر شفايف» أمام سامية جمال، تعاقدت زينات صدقي على فيلمين جديدين هما «الدنيا بخير» تأليف وإخراج محمد عبد الجواد، الذي استكمل فيلم «قصة غرام» بعد رحيل كمال سليم، وأدى بطولته المطرب إبراهيم حمودة، إلى جانب أميرة أمير ومحمود شكوكو وعبد الفتاح القصري وفؤاد شفيق وفردوس محمد. ثم قدمت فيلم «عروسة للإيجار» قصة وسيناريو بديع خيري وحواره، وإخراج فريد الجندي. شاركت فيه أمام أنور وجدي وليلى حلمي وفؤاد شفيق وحسن فايق وبشارة واكيم.

بعدما قدمت زينات فيلمين خلال عام 1946 توقفت عن قبول أعمال سينمائية جديدة، تذكرت ما قاله لها زكي طليمات، فرفضت أكثر من ثلاثة أفلام عرضت عليها ذلك العام إلى جانب الفيلمين اللذين قدمتهما، وقررت إعادة ترتيب أوراقها، والتدقيق في ما يعرض عليها من أعمال.

(البقية في الحلقة المقبلة)

رحيل كمال سليم

في الثاني من أبريل 1945، رحل المخرج كمال سليم فجأة وهو في ريعان الشباب، فلم يزد عمره على 32 عاماً، رحل بعد حياة فنية قصيرة، قدم خلالها 11 فيلماً، وكتب قصة وسيناريو وحوار 13 فيلماًَ، ليكون فيلم «قصة غرام» هو آخر علاقة له بالسينما، ولم يكتمل، وقام بعدها صديقه المخرج محمد عبد الجواد باستكمال إخراج الفيلم، ويوضع اسم كمال سليم ثم محمد عبد الجواد، في حين أخرج أنور وجدي فيلم «ليلى بنت الفقراء» بنفسه والذي كان مقدراً أن يخرجه سليم أيضاً.

تأثرت زينات برحيل سليم بشكل كبير، فكما كانت تكره المرض كانت تكره الموت جداً، فهي لا تحب أن تذهب إلى مستشفى، إلا مضطرة، وما كانت تذهب إلى سرادقات العزاء، إلا اضطراراً أيضاً. جاء رحيل كمال سليم المفاجئ كأنه جرس إنذار نبهها لشيء لم تضعه في حسبانها، فوالدها مدفون في مقابر العائلة في الإسكندرية، لكنها تعيش الآن في القاهرة، فاتخذت قراراً كان مفاجئاً لكل من حولها وأولهم والدتها:

= يا ساتر يارب.. ليه كدا يا بنتي.. إيه اللي خلاكي تفكري في كدا

* أبداً. عادي يعني.

= أيوا اللي زيك وفى سنك تقول أشترى شقة أشترى فيلا... مش أشترى تربة. وبعدين ما أحنا لنا مدافن في الإسكندرية... نشترى تربة هنا في مصر ليه

* يعني يا أمي لما أموت هاتستنوا لما تسافروا بيا كل الطريق دا لحد إسكندرية.

= أعوذ بالله. ليه كدا يا بنتي... الشر بره وبعيد. هم بيقولوا يا صغار ولا يا كبار.

* صحيح انا ما بحبش سيرة الموت... بس كل شيء بيد الله. ولما يكون لنا مدفن هنا في مصر أحسن. عموماً أنا اتفقت مع اللي هيشتيريهالي خلاص. وبعدين محدش عارف مين اللي هيندفن فيها... أهي تكون لكل عابر سبيل.

فعلاً اشترت زينات مدفناً خاصاً بها وبأسرتها، غير أنها لم تكتب عليه اسم العائلة، بل حرصت أن تكتب عليه «مدفن لكل عابر سبيل»، وأكدت لحارس المدفن أنها تقصد حقيقة العبارة التي كتبتها على المدفن، وأوضحت له أنها ليس لديها أي مانع من أن يتم دفن أي إنسان ليس لديه مدافن خاصة به وبعائلته، وأن تجعل مدفنها فعلاً لأي عابر سبيل.

الجريدة الكويتية في

31/07/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2013)