خاص بـ«سينماتك»

 

فيلم "سارقو الدراجة":

من القيمة المادية الفزيائية إلى القيمة الفنية

بقلم: أشرف عبدالمالك/ خاص بـ«سينماتك»

 
 
 
 

يعد فيلم "سارق الدراجة 1945" أو "سارقوا الدراجة" (The Bicyle Thieves)، من بين الأفلام التي ذاع صيتها بعد الحرب العالمية الثانية، إذ ينتمي هذا العمل للمدرسة الواقعية الإيطالية الجديدة، والتي تعتبر من أهم المدارس السينمائية التي اعتمدت نقل أحداث الواقع، رافضة الخيال الكاذب الذي اعتبرته عاجزا عن نقل معاناة المجتمع وانكساراته، وتشويه الحقيقة. حاولت هذه المدرسة --الواقعية الإيطالية- نقل الحياة الحقيقية لشخوص يعانون داخل المجتمع، فصورت أجواء الحروب والاستبداد، والاحتلال والفقر، والمجاعة...كما وقفت على أرضية مجموعة من الاتهامات المشتركة المتجسدة في أفلام عديدة أبرزها "سارقو الدراجة" والذي يعد الفيلم الأساس داخل هذه المدرسة. 

ولدت هذه الحركة السينمائية أثناء الحرب متأثرة في وقت واحد بالسينما الواقعية عند "رينوار RENOIR " و "كلير CLOIRE " وبالتقاليد الأدبية الإيطالية. وتكون التفكير التقليدي حول المجلتين "سينما" و "بيانكو إي نيرو"، مع مثقفين من الحزب الشيوعي أمثال "بربارو BARBARO" و "زفاتيني ZAVATTINI" الذي سيصبح بعدها كاتب سيناريو فيلم "سارقو الدراجة"، وعند التحرير أتاحت فوضى الأستديوهات للسينمائيين أن يصورا بالوسائل المتاحة، وأن يفلتوا من النظام العام.

وبهذا كانت الواقعية الجديدة نتيجة التحول العام تجاه الواقعية في السينما إبان تلك الفترة التي تطرح قضية جديدة لرؤية العالم وتمثيل الواقع الذي تعيشه الفئات المضطهدة والفقيرة في المجتمع التي مزقتها الحرب بإيطاليا، و تجسد أعمال المقاومة. ولا ننسى أن هذه المدرسة تمتاز بميزتين أساسيتين؛ أولها التصوير الخارجي للأماكن، بشكل يوحي لنا بأن الفيلم الذي نحن بصدد الحديث عنه عبارة عن فيلم تسجيلي (وثائقي) بعيدا عن الاستديوهات، ثانيا؛ اعتماد شخصيات رئيسة عادية، كشخصية البطل داخل فيلم "سارقو الدراجة" والذي يشتغل في مصنع عادي. وعليه يمكن القول، بأن هذه المدرسة تؤمن بأن الأبطال المناسبين لهذا النوع من الأفلام هم الأناس البسطاء، كما أنه لا يمكن أن يكون البطل هو الرابح دائما في نهاية المطاف.

يحكي فيلم "سارقو الدراجة" عن معاناة رجل سرقت منه دراجته التي اشتراها بعد معاناته، إذ كانت تمثل شرطا أساسيا لمزاولته للعمل الذي حصل عليه بصعوبة بالغة، وبعد أن رفضت الشرطة مساعدته قرر أن يبحث عن دراجته بنفسه وسط شوارع روما المكتظة مما أدى به الأمر إلى الاستسلام بسبب عدم إنصافه.

وتكمن بساطة الفيلم في بساطة الفكرة التي تجعل كل من يشاهده يخوض غمار البحث عن الدراجة (الهوائية) المسروقة، وهنا تجذر الإشارة إلى الدور الذي لعبته شوارع روما  المزدحمة بالدراجات، الأمر الذي ساهم في صعوبة عملية البحث، كما أن مصور الفيلم "كارلو مونتوري" كان صادقا في نقل واقع ما بعد الحرب العالمية الثانية، والدمار الذي تركته في نفسية المجتمع من خلال الواجهة العامة للمجتمع، -والتي أخذت حصة اللقطات الشاملة والعامة- الذي نجد فيه كل الناس يبحثون عن مواقعهم فيه.

هذا وانقسم الفيلم لمراحل هامة، كتلك التي مرت بها إيطاليا في تلك الفترة، ولعل أهم مرحلة هي مرحلة البحث عن الدراجة، والتي تمثل البحث عن الاستقرار بعد الخراب الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، والبحث عن الهوية التي أضحى يفتقدها المواطن الإيطالي، فالدراجة سرقتها وضعية مجتمع بأكمله يريد العيش بأبسط حالاته.

وقد وُفق "دي سيكا" في الانتقال من القيمة المادية الفيزيائية المجردة من الأحاسيس إلى القيمة الفنية للدراجة، وجعل منها محور الحدث الأساس داخل المتن، مع محاولته للتعريف بالمجتمع بمجتمع يتخبط في اليأس والبطالة، ويعاني من العقد النفسية وانحلال الأخلاق.

إن الفيلم الذي نتحدث عنه، يصنف من الإنتاجات القيمة والجوهرية في المدرسة الواقعية خاصة، والسينما العالمية بشكل عام، واعتبر نقلة فنية تحمل دلالات ثقافية واجتماعية.

وعلى سبيل الختم، عرف الفيلم  نهاية شهيرة مؤثرة، ومفتوحة وغير مريحة أبدا، ما الذي سيفعله الرجل وابنه في صباح اليوم التالي الذي لم نره، ومن خلال هذه المعطيات يمكننا  طرح سؤالين هامين ربما سيفتحان الباب لتأويلات عدة يمكننا التطرق إليها في باقي الكتابات؛ من سرق الدراجة؟ وهل سيسرق البطل بدوره دراجة لكي لا يفقد عمله؟

ناقد سينمائي مغربي

سينماتك في ـ  07 أغسطس 2022

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004