كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

خاص بـ«سينماتك»

 
 
 
 

السينما اليابانية:

معركة رويال وألعاب الجوع.. توارد خواطر ام سرقة افكار!

مهند النابلسي * / خاص بـ"سينماتك"

 
 

 

 التقييم: ****

تحفة سينمائية من الفوضى والغرابة (وربما الطرافة) والعنف، ميلودراما مثيرة للقلق، دموي وصادق ومشوق وأصلي وبلا رتوش تجارية تزويقية مملة ومبهرة ومكررة (كألعاب الجوع الأمريكي بنسخه الثلاث)...هذا هو ملخص انطباعاتي الأولية حول الفيلم الياباني" معركة رويال" (2000)...يدخلنا المخرج الياباني المخضرم "كينجي فوكاساكو" ضمن توليفات ديناميكية ذكية، ويتحفنا بمشاهد مصممة بأناقة وحرفية (تماما كأفلام التحريك اليابانية المشهورة)،وبالرغم من انه سبق فيلم "العاب الجوع" الشهير بحوالي عقد من الزمان، الا انه تميز بعمق وذكاء واسلوب معالجة واقعي، بعيدا عن النجومية والابهار والمؤثرات التي تميزبها الفيلم الأمريكي،  وتتلخص دلالته اللافتة بكونه يتناول المستقبل من منظور عملي واقعي، حيث يعكس واقعا يابانيا شغوفا بالتكنولوجيا، كما يغوص بقضايا التماسك الاجتماعي التي تؤرق المجتمع الياباني الحديث، ويركز على الثغرات "القيمية" بين الأجيال، وخاصة جيل المراهقين الشباب ، ناهيك عن طرحه "الأسود-المزعج" لتوقعات المستقبل القريب!

يتحدث هذا الشريط عن عالم مستقبلي غريب، تحكمه حالات "متوقعة" لانهيار الاقتصاد وتزايد معدلات البطالة وانتشار شتى صنوف الجرائم، وتجنبا للمزيد من الاحتقان الشبابي الجامح، تقوم الحكومة اليابانية حينئذ بتشريع قانون (مثير للجدل) يسمح بالقتل، حيث يتم تجميع طلبة الصف التاسع تحديدا، ويرسلون لجزيرة منعزلة، ويحشرون كالسجناء ويزودون بأسلحة قاتلة، كما يجبرون على قتل بعضهم البعض دون رحمة حتى لا يبقى سوى شخص واحد فقط!  هناك عيوب واضحة بالأداء التمثيلي  هنا وهناك، لكن الممثل الشهير "تاكيشي كيتانو " أبهرنا كعادته بأداء "بارد وثلجي وغريب"، وجذبنا كقائد ومعلم للمجموعة يبقى وحيدا على قيد الحياة.

ليس من السهل (سينمائيا او حياتيا) وضع 42 تلميذا ثانويا مراهقا في جزيرة صغيرة معزولة مع خرائط ومؤن طعام وانواع متعددة من الأسلحة، وخاصة عندما يكون المطلوب منهم  التقاتل بضراوة لثلاثة أيام متواصلة حتى لا يبقى سوى شخص واحد أخير على قيد الحياة! ولضمان التقيد بقوانين القتال فقد تم تزويد كل واحد منهم بطوق الكتروني مبرمج لينفجر تلقائيا بحال خرق قوانين القتال الصارمة...انه عمل مستقبلي--خيالي  يصور اليابان وقد فقدت ما يميزها حاليا من النظام الاجتماعي المتماسك الحضاري  الى القوانين المدرسية الصارمة، يتميز بواقعية تصويره لردود افعال البشر في ظل الظروف الضاغطة والقاهرة، فنرى البعض يرفض الدخول بلعبة "اقتل او تقتل"، ساعيا لانشاء ائتلاف معارض للقتل والعنف، كما نرى بعض علاقات الحب التي تنشأ بين الفتية والفتيات، تحديا للآخرين المستمتعين باللعبة الدموية الجامحة...ترانا نندهش ونستعرب منبهرين من الطرح المرعب، ثم نتساءل: أي طرف سينتصر؟! ونستحضر ربما الحالة الرهنة التي يمربها ربيعنا العربي "البائس- الظلامي"، التي لا تحمل الا عناوين القتل وسفك الدماء والتدمير، والتي تضعنا امام نفس التساؤل: أي طرف سينتصر بهذه الحروب الداخلية العبثية ولمصلحة من تنفجر الأجسام وتقطع الرؤوس وتتطاير الدماء؟!

أما الغريب حقا بفيلم العاب الجوع الأمريكي (2012) فهو "عدم احتواءه" على الجوع، وقلة احساسه بمفهوم "اللعب"، الذي يقدم هنا كرياضة اجبارية متوحشة، كما بدا أن لا أحد يصدق ما يحدث طوال فترة العرض الا البطلة نفسها (جنيفر لورنس)، بالرغم من أن المخرج المثابر "جاري روس" قد قدم كل المكونات الفيلمية المؤثرة والمبتكرة، الاان السيناريو يترك المشاهدين بحالة فريدة من الحيرة والخوف وكأنه يأخذهم لغابة متوحشة، كما بدت قصته بالنسبة لي وكانها "مسروقة" من الفيلم الياباني "معركة رويال"، الا انه استرسل أكثر بالفانتازيا الحركية ومشاهد الابادة الجماعية، لكن كل هذه الهنات لا تجعلنا ننكر روعة الاخراج وبراعة مشاهد الأكشن الحابسة للانفاس ولا زخم المؤثرات الخاصة المدمجة مع اللقطات، كما تعجبنا هنا ايضا رسالة الفيلم الناقدة للأبعاد السياسية-الاجتماعية، والتي تسلط الأضواء على فكرة استغلال المراهقين الصغار بساحات القتال العبثية، والتي تحذر من مستقبل حالك (وربما واقع راهن ومستقبل قريب بدت بوادره تطل علينا ببلاد العرب والمسلمين)، يقوم فيه الحكام الطغاة (او ادعياء الخلافة) ببث الفاشية والرعب، ودفع الناس للاقتتال بهمجية ضارية!   

لا شك بأن "معركة رويال" يعد عملا غرائبيا طليعيا حافل بالعنف واللامعقول، وهو ربما يستحضرأجواء رواية "سيد الذباب" لوليام غولدينع، لقد شعر المشاهد (مرهف الحس) وسيشعر دوما بقشعريرة رهيبة، وخاصة امام مشاهد الدماء وتقطيع الأوصال، الا أن مشاهدته حاليا لا تثير ربما الكثير من الانفعال، نظرا لكثرة اطلاعنا على الممارسات الوحشية الدموية الراهنة في بلاد العرب والمسلمين...كما انه لا يخفى أن المخرج الذكي فد أخفى ضمن هذا العنف الصارخ تصويرا دراميا عميقا ومؤثرا للمشاعر الانسانية، لا سيما بسن المراهقة (المحوري بحياة الانسان)، كما أنه  ضمن الشريط بعدا فلسفيا أزليا لتناوله الفذ لمواضيع "البحث عن الذات والسعي للكمال وهواجس الأنانية والفردية والرغبة الطاغية بالتفوق على الآخرين"!

*كاتب وباحث وناقد سينمائي

Mmman98@hotmail.com

 

سينماتك في 22 سبتمبر 2016

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)