شعار الموقع (Our Logo)

 

 

الذين يحبون السينما يعرفون جيدا ما الذى يعنيه اسم محمد خان، مخرج كان بقدرته إتمام انقلاب فنى فى السينما المصرية -ومن ثم العربية- لولا أن نجح التيار المضاد فى استعادة الساحة السينمائية مرة أخرى فارضين على الرجل عزلة شبه تامة منذ أربع سنوات.

يملك خان تلك القدرة المذهلة على تحويل الشاشة إلى مكان يتسع لكل شئ: رجال ونساء يحلمون قبل أن تتحطم رغباتهم البسيطة التى يتصادف دوما أن الجميع يقفون ضدها، شخصيات لا تملك إلا أن تتعاطف معها لأنها ببساطة "أنت"، يحب خان أن يدون الناس، يعشق الشخصيات، يرسم تفاصيلها بهدوء حتى إن خرجت فى أفلامه لا نتمالك من البحث عن أصولها الواقعية، صدقه يصبح وقتها أكبر من المنطق النقدى الذى يدعو لمعاملة الأعمال الفنية من داخلها فقط.

أنجز محمد خان للآن 18فيلما تتميز جميعها بجرأة ملحوظة على مستويات عدة، الموضوعات مختلفة وغير مطروقة، والشكل مفاجئ ومبهر غير أنه فى نفس الوقت ذكى فرغم ميل خان وولعه الدائم بالتجريب إلا أنه حافظ دوما على الحد الأدنى يربطه بجمهوره، وهو فى هذا يختلف عن يوسف شاهين الذى قطع الصلة تماما بينه وبين المشاهد العادى لتتحول العلاقة إلى عداء بين الطرفين.

خان الباكستانى الأصل، والذى حاول البعض النيل منه متصورين أن تلك تهمة، قدم المجتمع المصرى بتناقضاته ومشاكله وطموحاته كما لم يقدمه أحد من قبله، ساعده على ذلك أنه يكتب أفكار أفلامه بنفسه وربما قصصها أيضا، ويشارك فى كتابة السيناريو، يقول أنه يحلم بشخصيات أفلامه، وربما لهذا لم يلجأ لرواية يستند عليها للآن، فى ظنى أنه روائى غير أن أدواته مختلفة بعض الشئ.

بدأ محمد خان مشواره عام 1979 بفيلم: ضربة شمس، ثم توالت أعماله بعد ذلك: "الرغبة"، "الثأر"، "موعد على العشاء"، "طائر على الطريق"، "نص أرنب"، "الحريف"، "خرج ولم يعد"، "مشوار عمر"، "عودة مواطن"، "زوجة رجل مهم"، "أحلام هند وكاميليا"، "سوبرماركت"، "فارس المدينة"، "مستر كاراتيه"، "الغرقانة"، "يوم حار جداً"، وكان آخر ما قدمه للسينما "أيام السادات" وذلك قبل أربع سنوات كاملة.

ذهبت إلى خان راغبا قبل أن أحاوره فى التعرف إلى- وبحسب ما يتفق الجميع- واحد من أهم المخرجين فى السينما المصرية، تخيلت أنى سأجده حزينا، يائسا –ربما- من ابتعاده عن العمل الذى لم يفعل غيره طوال حياته. غير أنه لم يكن كذلك أبدا: يفكر، يبحث عن الطرق التى يمكنه بها تقديم سينما جميلة مرة أخرى، ولجمهور يراه متطلعا لمشاهدة شئ مختلف عن المفروض عليه حاليا من قبل بعض التجار.  

·         أعرف أن اختيارك الأول كان الهندسة فكيف حلت السينما مكانها؟

- الهندسة المعمارية كانت اتجاهى الأول، علاقتى بالسينما كانت علاقة مشاهد لكنى كنت أشاهدها بشكل مكثف، حوالى 5أو 6 أفلام فى الأسبوع، ساعدنى على ذلك أنه كانت هناك دارى عرض أمام بيتنا القديم.

فى البداية لم تكن السينما تعنى لى إلا التمثيل. ذهبت إلى لندن للحصول على ""G.C.E وهى ما يعادل الثانوية العامة، وذلك لكى ادخل الجامعة وتفكيرى كان أن أتخصص فى الهندسة المعمارية مثلما قلت لك، غير أن الصدفة لعبت دورها فقد تعرفت على شخص يدرس السينما وتلك كانت مفاجأة فلم أكن أعرف أنه يمكن دراسة السينما،التحقت بهذا المعهد وكان وقتها مجرد مدرسة صغيرة جدا فى لندن مكونة من شقتين،تطور الآن وأصبح مدرسة كبيرة،وهذا المعهد تخرج منه كثير من المشاهير وقتها، بعضهم عمل بالإخراج فى لبنان.

·         وماذا كنت تدرس فيه؟

- كانت هناك محاضرات مختلفة، إنما استفادتى الحقيقية كانت الاحتكاك بالآلات والأدوات نفسها، هذا بخلاف وجودى بلندن فى تلك الفترة أى نهاية الخمسينات وبداية الستينات، كانت مدرسة بالنسبة لى، كانت فتره ثرية جدا لأن لندن فى ذلك الوقت كان تضم خليطا من كل الجديد الذى كان قد بدأ ينتشر فى أوروبا وأمريكا، كانت هناك سينما ومسرح وموسيقى، هناك تعرفت على انتونى وشاهدت فيلمه لافنتورا، من خلال ذلك المخرج تعلمت أن السينما ليست فقط حدوته لها بداية ونهاية محددة وإنما الأهم أنها أحاسيس وتفاصيل.

خلال تواجدى هناك أرسل لى المصور سعيد الشيمى وهو صديق عمرى خطابا يقول فيه أنه تم تأسيس الشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائى ويرأسها صلاح أبو سيف وأنها فى حاجه لدماء جديدة، فعدت وقابلت أبو سيف ولما سألنى عايز تعمل إيه؟ خجلت أن أقول له أنى أريد العمل كمخرج فقد كان الرجل قامة كبيرة، قلت له أنى اكتب السيناريو، فطلب قراءة شئ مما أكتبه، وعلى هذا الأساس مكثت 3 أشهر أكتب سيناريو "الفراغ" ثم عرضته عليه فعرضه بدوره على قسم القراءة والسيناريو وكان مكونا من رأفت المهيى ومصطفى محرم، أحمد عبد الوهاب، أحمد راشد وآخرين، هؤلاء أجازوا السيناريو وكتبوا عنه تقدير جيد وبناء على ذلك التحقت بالعمل فى هذا القسم.

·         وهل تم تنفيذ السيناريو؟

- لا، كان سينفذه خليل شوقى، الشركة اشترته بالفعل وكان المقابل ملاليم، كنت أتقاضى 20 جنيه فى الشهر كمرتب. بعد فتره شعرت أنى موظف فبدأت أنا وسعيد الشيمى نعمل أفلام 8 مللى، لكن بعد فتره أخرى استقلت للتفرغ للفن، سافرت على بيروت، عملت هناك عاما فى أفلام تافهة جدا.

اشتغلت مع جمال فارس وفاروق عجرمه، ويوسف معلوف وهو أكثر الأشخاص الذين ارتحت للعمل معهم، كنت أعمل مساعد تانى فى فيلم اسمه الرغبة، كان فيلما ساذجا، إنما معلوف هذا كان من محبى السينما، أخرج عدة أفلام لإسماعيل يس، كان يثق فى رأيى ويسألنى دائما عن المشاهد التى كان يقوم بتنفيذها، متجاهلا مساعده الأول، كانت حياته مثيرة، فمن حبه فى السينما هاجر لهوليود وعمل سائق لمخرج كبير وظهر كومبارس فى أحد أفلامه، غير أنه اضطر للعودة إلى لبنان بعد وفاة والده لرعاية أخوته.

رغم أنى أحببت واستمتعت بالعمل مع معلوف إلا أن إحساسى بأن هذا ليس هو الإنجاز الذى انشده جعلنى أعود لانجلترا دون أن أعرف ما الذى سأفعل.

مررت بتجارب فاشلة خرجت منها بشعور أنى لن أنجح فى تقديم سينما، فتزوجت من فتاة مصرية وعملت بمجال التجارة، إنما ظلت علاقتى بالسينما قائمة، انتحلت صفة صحفى لأتمكن من حضور الحفلات السينمائية مجانا، وكنت أراسل مجلة سينمائية فى مصر اسمها ألوان..نشرت لى عدة مقالات.

·         وكيف عدت لمصر؟

- جاءت إلى لندن المونتيرة نادية شكرى والتقينا عن طريق مجموعة من الأصدقاء، سألتنى: ماذا تفعل هنا؟، وشرحت أن الإنتاج فى مصر سهل، لا يتطلب نقودا كثيرة، وأنه من الممكن البدء بسلفة صغيرة من البنك، أقنعتنى بالفعل وأنا كنت أفكر وقتها فى فيلم " ضربة شمس" وعلى هذا بعت المحل وأتيت لمصر مقررا إنتاجه...

·         لولا تدخل نور الشريف وتصديه لإنتاجه...

- لم أكن اعرف نور وقتها، إنما زوجتى قالت لى انه ممثل كويس جدا فعرضت عليه الدور وأعجبه وعرض أيضا أن يتكفل بإنتاجه.

·     جئت برؤية مغايرة لما كان يتم تقديمه فى السينما المصرية، والمتفرج لم يكن مهيئا لمشاهده النوعية الجديدة تلك، فكيف استقبل الجمهور فيلمك الأول؟

- قبل بداية العمل بالفيلم وأثناء الاتفاق سألنى نور عن الأجر الذى أريده قلت له لا اعرف واقترحت 1500 جنيه فوافق، كان مبلغا ضئيلا، لكنى اشترطت لو الفيلم استمر 17 أسبوع سأتقاضى ألفا أخرى، وكتبنا ذلك فى العقد، وبالفعل استمر الفيلم 20 أسبوع فى السينما، وحقق نجاحا كبيرا، إنما هو نزل متأخرا سنة كاملة كنت خلالها قد أنجزت فيلم "الرغبة" وعرضا سويا، فتكون عند الناس انطباعا بأنى أصنع أفلاما كثيرة فى وقت قليل.

·         وما الذى كان يعرض وقتها؟

- كان هناك تنوع فى الأفلام، كان الجمهور قادرا على الاختيار، على عكس ما يحدث الآن، الأزمة الحقيقة حاليا تتلخص فى الاحتكار، لأن الموزع هو المنتج وهو صاحب دور العرض وهذا أمر غير مقبول ولا يحدث فى أى بلد فى الدنيا، هذه هى المرحلة السوداء فى السينما المصرية، ولما الواحد يقول هذا الكلام يعتقد البعض أن وراءه ضيقا من عدم وجود دور له، لكن هذا ليس صحيحا، المؤكد أن المشاهد يريد مشاهدة شئ مختلف وليس فقط 5 أو 6 أفلام متشابهين يتم عرضهم فى فتره الأعياد.

·     بعض النقاد يقولون أنك انحزت فى أفلامك للغة سينمائية على حساب الموضوع وأنك لم تهتم بالجمهور إلا بقدر ضئيل.. أنت قلت سابقا انك لا تهتم بالجمهور بدرجة كبيرة.. كيف ذلك والسينما فن جماهيرى فى الأساس؟

- لا أحد يستطيع القول أنه لا يهتم بالجمهور، لكن هناك فرق بين القول أنك لا تهتم بالجمهور والقول بأنك لست " ترزيا " يصنع ما يريده هذا الجمهور فقط، أنا أصنع فيلما أصدقه وأشعر به على أمل أن يكون بين الجمهور من يبادلنى نفس الشعور، من المستحيل إرضاء الجميع.

وعندما أتأمل هذا النقد الموجه لأفلامى الآن أرى أنه غير صحيح لأن أعمالى – سواء بقصد أو من غير قصد- رصدت الواقع بدقة بمعنى أنه عندما نرى فيلم مثل "أحلام هند وكاميليا" أو "زوجه رجل مهم" أو "خرج ولم يعد"، أو حتى فيلم مثل "مشوار عمر" سنرى أنها رصدت ما يحدث فى المجتمع وقدمت نماذج منه.

·     يشعر من يشاهد أفلامك أنها تنقسم لمرحلتين مختلفتين، الأولى كنت مولعا فيها بأفلام الحركة ونرى مثالا عليها فى: ضربة شمس، الرغبة، الثأر، والثانية تحولت فيها إلى أفلام تعالج الواقع الإجتماعى، مثل: خرج ولم يعد، أحلام هند وكاميليا، سوبر ماركت.. هل ترى هذا التحليل صحيحا؟

- هذا ليس تحولا. دعنى أقول لك أنى لا أحب "ضربة شمس" كثيرا رغم أن هناك كثيرين يحبونه، لكنى أرى الآن أنه فيلم ساذج، أو انه كان بالإمكان أن يكون أعمق، لكنى وقتها كنت استعرض عضلاتى.

كنت أقول "شوفوا أنا ممكن أعمل إيه" إنما أيضا أكون كاذبا لو قلت لك أنى دخلت السينما وفى ذهنى رؤية لما سأقدمه، لم تكن عندى أيديولوجيات ما، ونجاحى إن كان موجودا يعود فى تقديرى لأنى أدخلت التجربة الحياتية فى عملى، كنت أريد أن اعمل أفلام عن بنى آدمين أكثر ما كنت أريد تقديم حواديت، ومعظم أفلامى تبدأ هكذا بفكرة عن شخصية.

الفترة الأولى وبعد "ضربة شمس" و"الرغبة" كانت تأتينى سيناريوهات لأفلام اكشن كنت أرفضها، تدريجيا وبعد "طائر على الطريق" بدأت أعرف ما الذى أحب عمله، الشخصيات هى أكثر ما يستهوينى، ومازلت للآن أشعر أن هناك شئ ما ناقص فى عملى، شخصية ما مثل تلك التى قدمها جاك نيكلسون فى فيلم "أروع اللحظات".

·     بما أنك ذكرت نيكلسون، دائما ما يراودنى الشعور بأن النجم المصرى مختلف تماما عن النجم الأمريكى أو الغربى عموما، فذلك يمكنه تطويع نفسه لصالح العمل، هذا ما لا يستطيعه النجم المصرى مثلا.. كيف تتعامل مع الممثلين؟

- كان هناك اتهام وجه لى بأنى لا أهتم بالممثل لكن هذا غير صحيح، أحاول دائما أن أجعل الممثل يعيش الحالة التى أريدها منه، الفكرة هى كيف تضحك على الممثل، أحيانا يحب النجم الشعور بأن ما قام به كان فكرته هو، وهذا لا يضايقنى، لا توجد مشكلة، المهم أنه وفى النهاية لابد أن تظهر على الشاشة الحالة التى أتمناها، غير هذا لم يكن عندى مشاكل إطلاقا فى التعامل مع النجوم.

·     فى كل أفلامك هناك بطل يحاول دائما مواجهة القبح والشر غير أنه غالبا ما يفشل هل تعتبر أن أعمالك هى قراءة اجتماعيه للواقع وأنها تعكس نظرتك له؟

- لا، أنا لا أرى الناس أبيض وأسود، أراهم فى المنطقة الرمادية، دائما لا بد أن تكون هناك تلك المنطقة فى كل شخص وهى ليست بالضرورة شر وإنما شئ طبيعى، قد يكون فى شخصيات أفلامى ما لا توافق عليه لكنى لا أستطيع تقديم فكره الملاك والشيطان. 

يتبع.....

إضغط هنا لقراءة الحلقة الثانية

موقع "إيلاف" في  18 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

لقاء "إيلاف" الأسبوعي

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري

محمد خان

أجرى الحوار: ياسر عبدالحافظ

إضغط هنا لقراءة الحلقة الثانية

إضغط هنا لقراءة الحلقة الثالثة