ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 
الموظفون في الإرض

1985

The Staff in the ground

 
 
 
نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 26 يناير 1994
 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

فريد شوقي + صلاح السعدني + سمية الألفي + ليلى علوي + سمير صبرى +شويكار

إخراج: أحمد يحيى ـ تصوير: عصام فريد ـ قصة وحوار: بهجت قمر ـ سيناريو: مصطفى محرم ـ  مناظر: ماهر عبد النور ـ موسيقى: جمال سلامة ـ مونتاج: عنايات السايس ـ إنتاج: أفلام فريد شوقي

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

الموظفون في الأرض

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

فيلم (الموظفون في الأرض - 1984)، للمخرج أحمد يحيي وبطولة فريد شوقي وليلى علوي وصلاح السعدني وسمية الألفي وسناء شافع وشويكار وسمير صبري. وهو الفيلم الذي حصل على الجائزة الأولى في مهرجان القاهرة السينمائي عام 1984، وقد أثارت هذه الجائزة جدلاً كبيراً بين النقاد والمهتمين، خصوصاً إذا عرفنا أن فيلمي (الحب فوق هضبة الهرم) لعاطف الطيب، و(الصعاليك) لداود عبدالسيد، قد حصلا في نفس المهرجان على الجائزتين الثانية والثالثة. حيث يرى النقاد بأن فيلم (الموظفون في الأرض) هو أضعف الأفلام الثلاثة. فالفيلم وإن كان يتناول موضوعاً حساساً وجريئاً يخص فئة الموظفين، فإن فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) يتناول أزمة جيل كامل يعاني ويتألم.. من هنا كان هو الأحق بالجائزة.

وفيلم (الموظفون في الأرض) يتناول معاناة الموظفين ورواتبهم المحدودة ومتطلبات الحياة اللامتناهية، وذلك من خلال متاعب موظف بدرجة مدير عام بإحدى المصالح الحكومية، وله وضعه الوظيفي، لكنه يعاني في نفس الوقت من أزمة مالية بسبب زواج ابنتيه، وهي فكرة تطرق إليها من قبل فيلم (أم العروسة) للمخرج عاطف سالم. لكن الجديد في الفيلم هو أن يلجأ الموظف إلى التسول بدلاً من الاختلاس، فيقبض عليه في النهاية فيضطر إلى الكشف عن شخصيته الحقيقية، ويترافع في المحكمة مدافعاً عن نفسه وعن الموظفين الذين يعيشون نفس أزمته.

فكرة الفيلم كان من الممكن أن تعالج من خلال أسلوب فانتازي، أو من خلال الكوميديا السوداء، وأن تكون موضوعاً دسماً لكوميديا من نوع خاص.. ولكن عوضاً عن اللجوء إلى الأسلوب الضاحك/ الباكي.. والشديد التأثير والصعوبة معاً، آثر بهجت قمر (كاتب القصة والحوار) أن يختار طريق الميلودراما، وأن يلعب على الأوتار المشدودة ليستثير الدموع والآهات عند المتفرج.

وإذا كان الفيلم قد طرح مشكلة واقعية تجسد أمراً ملموساً في حياة المجتمع، فإن التوليفة التي قدمت بها هذه المشكلة قد أضفت على الفيلم الكثير من المبالغة في الدراما، مما أفقد المشكلة بعضاً من جديتها.. بعد أن اتجه بها السيناريو (الذي كتبه مصطفى محرم) نحو شكل فيه هدف إرضاء ميول المتفرج السطحية الشيء الكثير.

ولعل العيب الرئيسي، الذي أفقد الفيلم توازنه، هو مقومات رسم شخصية البطل الدرامية، التي أداها فريد شوقي، فالصعود والهبوط والتذبذب في رسم هذه الشخصية جعل الممثل يتوه بأدائه.. فهو المدير العام المسئول الجاد والرزين، وهو المتمسك المتدين، وهو صاحب المحاضرة الأخلاقية في آخر الفيلم.. مروراً بكونه رب أسرة سوي يرعى أولاده ويطبخ لهم ويحمل همم دراستهم وزواجهم.. ثم هو الخفيف الظل والعصبي وطيب القلب في آن واحد.. ثم أخيراً هو الشحات والمتسول في الشوارع.

كل هذه التطورات في تكوين شخصية البطل طغت على الفكرة الجيدة في الفيلم.. هذا إضافة إلى مدى إمكانية اقتناعنا بفكرة أن يتحول مدير عام مرشح أن يصبح وكيلاً للوزارة، إلى شحات ومتسول، لمجرد أنه وجد نفسه مطالباً بتجهيز ابنتيه للزواج.. وهو غير قادر على ذلك مادياً لتمسكه بمثاليات اكتسبها عن والده قبل خمسين عاماً.

ثم أن هناك موقفاً في الفيلم أثار دهشتي، وهو هذا الموقف الذي بدا يتكرر في الكثير من الأفلام المصرية، التي تطرح مواضيع اجتماعية وتعالج قضايا هامة، موقف الرجل المثقف وتخاذله وجبنه وأنانيته وهروبه من تحمل المسئولية.

ففي فيلم (انتبهوا أيها السادة) مثلاً، يفوز الزبال على أستاذ الجامعة.. وفي (الحب فوق هضبة الهرم) يفوز الأسطى السمكري بقلب الفتاة الجميلة، فيتزوجها ويسعدها، بينما يفشل الفتى المثقف في أن يجد حجرة صغيرة لعروسه، يعيش معها فيها. وفي (الموظفون في الأرض) يذهب الفيلم إلى أبعد من ذلك في رسم شخصية المثقف، فهو في هذه المرة (الرجل الشرير) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.. في مواجهة (الرجل الطيب) الذي يمثله السمكري، ابن البلد بكل شهامته ونخوته ونبل أصله.

إن المرء ليتساءل حقاً - والمرارة تملأ حلقه - لمصلحة من هذا الهجوم المركز على المثقفين والهزء بهم وبسلبيتهم في مجتمع تطحنه الأمية، ويسيطر الجهل على أكثر من نصف سكانه؟!

المسألة ليست دفاعاً عن المثقف.. فمسئوليته كبيرة، في هذه الحال التي وصلنا إليها، ولكن تحميله المسئولية ومحاسبته عليها شيء، والهزء به وجعله مادة للتندر وإسقاط قيمته الأخلاقية والاجتماعية والمعنوية شيء آخر، فالمادة التي يقدم بها (الموظفون في الأرض) هؤلاء المثقفون تدفع المرء إلى شيء من رد الفعل ضد الفيلم نفسه ككل، بالرغم من أنه من الأفلام القليلة التي تناولت وضعية الموظفين والدائرة المغلقة التي يعشون فيها.

صحيح أن فيلم (الموظفون في الأرض) يطرح قضية اجتماعية هامة، وأنه جاء مختلفاً نوعاً ما عن موجة الأفلام السائدة في مطلع الثمانينات، إلا أنه يظل في صناعته فيلماً عادياً، لم يبرز طموحات مخرجه أحمد يحيي وإمكانياته السينمائية التي عرفناها عنه في أفلامه الأخرى.

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004