ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 

Out of Africa

1985

خارج أفريقيا

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 30 مايو 1990

 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

تمثيل: ميريل ستريب + روبرت ريدفورد + كلوس ماريا + بليكسين فينيك + مايكل كيتشن + ماليك بوينس + جوزيف ثياكا

إخراج: سدني بولاك ـ سيناريو وحوار: كورت لويدتك ـ تصوير: ديفيد واتكين ـ موسيقى: جون باري، موزارت ـ مونتاج: فريدريك شتاينكامب، وليام شتاينكامب ـ إنتاج: سدني بولاك

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

Out of Africa

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

ثلاثون مليوناً من الدولارات، ميزانية ضخمة.. تلك التي وضعت للفيلم الأمريكي (خارج أفريقيا ـ 1985)، منها عشرة ملايين تقاسمها بطلي الفيلم «ميريل ستريب» و«روبرت ريدفورد» والمخرج «سيدني بولاك». وقد لاقى هذا الفيلم نجاحاً جماهيرياً وفنياً طيباً في أغلب عواطم العالم، كما أنه إكتسح جوائز الأوسكار لعام 1986. فقد رشح لنيل إحدى عشرة جائزة، حصل على سبع منها، وهي أوسكار أفضل فيلم، أفضل مخرج، أفضل سيناريو مأخوذ عن عمل أدبي، أفضل تصوير، أفضل موسيقى، أفضل صوت، أفضل ديكور وتصميم فني .

قصة الفيلم إستوحاها كاتب السيناريو «كيرت لودتك» من حياة ومؤلفات البارونة الدنماركية «كارين بليكسن» التي كانت تكتب تحت إسم مستعار، وقد صادف إنتاج هذا الفيلم ذكرى مرور مائة عام على ميلادها .

تبدأ الحكاية مع بداية هذا القرن، عندما سافرت الكاتبة الى كينيا، وأقامت بإحدى القرى القريبة من العاصمة نيروبي. وقد عملت في إحدى المزارع هناك، مما أتاح لها الإختلاط بالشعب الكيني، وجعلها على بصيرة بكل عاداته وتقاليده. عاشت هذه الكاتبة هناك تسعة عشر عاماً، منذ عام 1914، وإختارت أن تكتب تجربتها الخاصة بإحساس شاعري مليء بالحب والحنين الى أفريقيا. وللعلم فإن كينيا مازالت تحتفظ لهذه المرأة بذكرياتها الجميلة، فقد أطلقت إسمها «كارين» على المنطقة التي كانت تعيش فيها، ومازالت تحمل نفس الرسم، حيث جرى تصوير الفيلم .

تبدأ أحداث الفيلم برحيل كارين (ميريل ستريب) الى أفريقيا، لتتزوج من رجل يدعى برور (كلاوس ماريابراندو)، تعرفت عليه في الدنمارك ويقيم في كينيا.. هي بارونة من عائلة ثرية، وهو مغامر لايمكن الإعتماد عليه.. يتركها لوحدها لاهياً بمغامراته ورحلاته التي تستفرق شهوراً طويلة. لذا تنصرف هي بدورها، للعمل في مزرعتها للتغلب على وحدتها. تتعرف على دينس (روبرت ريدفورد)، وهو مغامر من نوع آخر.. صياد وطيار يسعى للإنطلاق والإستقلال، كلاهما يندمج عاطفياً مع الآخر. وبعد أن تسوء علاقتها بزوجها، تبدأ مباشرة بعلاقة جارفة مع دينس، ليعيشان حالة حب جميلة وشاعرية في أحضان الطبيعة الأفريقية. فقد كانا يجدان الوقت الكافي للتنقل بين الغابات والسهول، والتي كانت تسحرهما فيجدان فيها تلك الشاعرية التي تغمر روحيهما. وفي تلك الأجواء كانت كارين تروي حكايات من خيالها الخصب على مسمع دينس المبهور جداً بتلك الحكايات .

وبعد سنوات من الحياة المليئة بالحب والجمال الفطري، يختفي دينس إثر سقوط طائرته، لتعود كارين الى الدنمارك منكسرة القلب، بعد إحتراق مزرعتها وضياع ممتلكاتها أيضاً، ولتعيش وحيدة منصرفة الى كتابة القصص والروايات المستوحاة من حياتها في أفريقيا، التي تركتها مكرهة .

إن فيلم (خارج أفريقيا) يثير الكثير من النواحي الجمالية في الفن السينمائي، فهو يبدو كسرد لقصة عاطفية ومجموعة من الحكايات الموازية للحدث الرئيسي، إضافة الى كونه مذكرة في علم الإنسان والطبيعة، وتأمل للعلاقات البشرية .

إن هذا الفيلم لايبحث في العلاقة الإنسانية بين الحضارتين الأوروبية والأفريقية، وإن كان هناك بعض الإشارات بالتعاطف والتجاوب والحنان بين البطلة وبين من حولها من الأفارقة . فالفيلم لم يصنع أساساً لتجسيد هذه الفكرة، ولم يصنع للحديث عن أفيقيا كوطن ومواطنين وقضايا إجتماعية وسياسية، وهذا مايفسر ـ بالطبع ـ إهتمام الفيلم بسرده لعلاقات وجدانية وعاطفية خاصة جداً .

الملفت للإنتباه في فيلم (خارج أفريقيا) ـ وهو الأمر الذي جذب إنتباه المخرج أيضاً ـ هو ذلك الحماس من بارونة شابة فاتنة ضحت بكل شيء وتنازلت عن أموال عائلتها مقابل لقب ومزرعة في كينيا، وهامت في الأرض السمراء وراء حب لم تكن على ثقة بأنها ستفوز به .

ولا يفوتنا أن نشير هنا، الى أن المخرج الأمريكي سيدني بولاك قد دخل أفريقيا محملاً بإنفعالات الشاعر والفنان الذي تبهره لحضات شروق الشمس على الأرض الأفريقية، وثراء هذه الأرض السمراء وخصوبتها وتفجرها بالسحر والجمال. لذلك نراه قد إهتم كثيراً بالخلفية في مؤخرة الصورة، وأعطانا كادرات جميلة وجذابة للطبيعة الأفريقية الشاعرية أحياناً أثناء الغروب، والشمس تصبغ الأفق بإحمرار دامي.. أو ليلاً عندما تمتليء الغابات بأصوات الحيوانات والطيور، مضفية طابعاً خاصاً وأثيراً .

ثم هناك فريق العمل الفني، والذي تعامل بجرأة مع الخامات الفنية والطبيعية المتاحة، حيث التركيز على إستخراج الواقع الحقيقي من كل عناصر الفيلم، والتركيز على ماتركته الكاتبة من واقعية وحلقت عنه في فضاء رومانسيتها. إضافة الى أن كاتب السيناريو قد ملأ الفراغات الدرامية في القصة بإضافات معقولة ومحبوكة، مما جعلنا نشعر بأن الزمن في الفيلم قد أعيد توزيعه من جديد.. وإن الأحداث قد أعطيت أحجاماً خاصة ومناسبة لجو الفيلم العام. وهو بذلك قد حرر السيناريو من التوالي الزمني اليومي المبتذل، وبالتالي أمد المخرج وممثليه بعناصر جديدة جعلت السيناريو يبدو متكاملاً ومشاهده متقنة .

يأتي الآن دور الحديث عن هذا الإنتاج الضخم.. حيث التساؤل الذي يمكن أن يطرح من قبل المتفرج ..أين أنفقت الثلاثين مليون دولار؟ والفيلم ـ بالطبع ـ بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة يجيب عن هكذا تساؤل.

لقد كان فريق الفنيين، مع المخرج، حريصين كل الحرص على إحياء تلك الفترة التاريخية، وإعادة الحياة في كينيا كما كانت عليه في عام 1914، ولهذا السبب بحثوا في المتاحف وبين الصور الفوتوغرافية القديمة عن تلك الفترة بالذات، إبتداء من شكل السكن الذي أقامت فيه الكاتبة، الى نوع الستائر وقماش الملابس، الى طراز المقاعد والموائد ولمبات الغاز، كما بحثوا عن نفس نوع السيارات المستخدمة في تلك الفترة.. هذا إضافة الى القطار البخاري الذي ظهر في المشاهد الأولى من الفيلم.. ثم يأتي الأصعب من كل هذا، وهو توفير طائرة صالحة للإستعمال تناسب تلك الفترة. كما إنهم إستحضروا الأسود المدربة من كاليفورنيا لتمثيل بعض المشاهد، حيث كان من الصعب تطويع الأسود البرية. وبذلك فقد قُدر عدد العاملين وراء كاميرات الفيلم بحوالي عشرة آلاف شخص، كانت مهمتهم تحقيق الصورة الحقيقية والمناسبة لأفريقيا في بداية هذا القرن. وفي إعتقادنا بأن كل هذا الجهد، قد يفسر السبب الذي من أجله قدمت لجنة الأوسكار أغلب جوائزها للفريق الفني، من صوت وديكور وتصوير وموسيقى .

وربما لايهمنا، في الفيلم، قصة تلك المرأة وذكرياتها، إلا أن الفيلم يعد تحفة فنية وعملاً سينمائياً على مستوى راقٍ من الجودة الفنية.. صور لنا الجانب الجذاب من أفريقيا الطبيعة.. أفريقيا السحر والجمال والرومانسية، وكأن المخرج ـ بذلك ـ يقدم بطاقة حب الى أفريقيا .

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004