في وهران بالجزائر.. أعلن عن ولادة مهرجان جديد
للسينما العربية.. حيث جاءت فعالياته ضمن الاحتفال
بالجزائر كعاصمة للثقافة العربية لعام 2007. وبغض
النظر عن ذكر أي سلبيات يمكن الحديث عنها.. فإن
ولادة أي مهرجان سينمائي.. تعد مكسباُ بلا شك لكل
السينمائيين.. ففي وهران اجتمع السينمائيين
العرب.. من نجوم ومخرجون ونقاد.. ليشكل ذلك ولادة
جديدة للسينما الجزائرية.. تلك السينما التي قدمت
الكثير في سبعينيات القرن الماضي.. علامات
سينمائية متعددة.. أبرزها حصول فيلم المخرج الكبير
محمد الأخضر حامينا على سعفة مهرجان كان الدولي
عام 1975 عن فيلمه الخالد (وقائع سنوات الجمر)..!!
من وهران تبدأ انطلاقة جديدة للسينما الجزائرية
لتقدم ما يقارب العشرين فيلماً في عام واحد.. في
مقابل فيلم أو فيلمين على الأكثر في السنوات
الماضية.. وهذا يشير بأن للسينما والثقافة بشكل
عام أنصار جدد بدؤوا العمل الجاد في صنع تاريخ آخر
لهذا البلد العربي الأصيل..!!
فقط.. لنتخيل بأن بلداً كبيراً مثل الجزائر
الثائر.. تقل عدد صالات العرض السينمائية فيه عن
عشرة.. بينما كانت أكثر من ستمائة صالة حتى نهاية
السبعينات.. علاوة على ذلك فقد فقدت معامل التحميض
والاستوديوهات فاعليتها، وافتقدت الإمكانيات
والموارد السينمائية، بسبب تخلي الحكومة عن دعم
الفن السينمائي بشكل كامل.. باعتباره فن غير
مربح.. مما اضطر العاملين بالصورة السينمائية من
تأجيل مشاريعهم.
فقد تعرضت السينما الجزائرية لصعوبات مالية كبيرة،
بسبب ندرة الموارد اللازمة لإنجاز المشاريع
السينمائية.. كما أن انقطاع أو تعثر هذه السينما
ووصولها للمتفرج بسبب قلة الإنتاج تزامنت مع إغلاق
العديد من صالات العرض، مما أدى إلى تضاعف المحنة
سريعاً.. وتوقف إنتاج الأفلام تماما.. فيما عدا
الأفلام المدعومة من قبل جهات إنتاجية فرنسية..!!
الحكومة الحالية يبدو واضحاً بأنها تشمل رعايتها
للأدب والفن بشكل عام من خلال تلك الجهود المبذولة
باهتمام وتوجيه خاص من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة،
ووزيرته للثقافة، ورصد كافة الإمكانيات لتكريس
مكانة كبيرة للدور الذي يمكن أن يلعبه الكتاب
والفيلم في تعزيز الشعور الوطني، حيث تبذل جهود
كبيرة في هذا الاتجاه.
نجحت وزيرة الثقافة خليدة تومي في تخصيص ميزانية
إضافية، وتأسيس معهد للتأهيل المهني السينمائي
والسمعي البصري. هذا إضافة إلى وقوف السينماتيك
الجزائري في الواجهة للعب دوره الحقيقي وتحويله
لمتحف سينما مجهز بجميع الوسائل التقنية،
والمشاركة في حفظ تراث السينما الجزائرية، والحفاظ
على نسخ الأفلام الأصلية من الضياع والنسيان.
الآن فقط.. ومن وهران بالخصوص، يمكننا القول بأن
هناك جيل جديد من السينمائيين يدعو ويشارك بجهود
حثيثة لإحياء تراث سينمائي زاخر.. والدعوة
لانطلاقة جديدة وطموحة..!!
في وهران كان اللقاء جميلاً بمن يحب السينما.. فقد
كان المهرجان الدولي للفيلم العربي بمثابة العرس
السينمائي الحقيقي. نجوم ومخرجين ونقاد.. والمتعة
الأكبر كانت مع الصورة السينمائية.. حيث أبرز
أفلام السينما العربية المنتجة خلال العامين
الماضيين.. 17 فيلماً طويلاً، و30 فيلماً قصيراً..
ضمن مسابقتي الأفلام الطويلة والقصيرة.. إضافة إلى
مجموعة أخرى من الأفلام العربية المنتخبة عرضت
خارج المسابقة، وتظاهرة مصاحبة للفيلم الأسباني
باسم (سينما الضيف)..!!
أما الأفلام المشاركة، فكانت من الجزائر أربع
أفلام: (عائشات) لسعيد
ولد خليفة، (دوار النسا) لمحمد شويخ، (عشرة مليون
سنتيم) لبشير إدريس، وفيلم (موريتوري) لعكاشة
تويتة. تليها لبنان بثلاثة أفلام هي: (فلافل)
لميشيل كمون، (أطلال) لغسان سلهب، و(يوم آخر)
لجوانا حاجي وخليل جريج. ثم مصر بفيلمين: (لعبة
الحب) لمحمد علي، و(قص ولزق) لهالة خليل. ومن
المغرب: فيلم (يا له من عالم مدهش) لفوزي بن
سعيدي، و(أبواب الجنة) لعماد وسويل النوري. من
تونس: (بابا عزيز) لناصر خمير، و(آخر فيلم) لنوري
بوزيد. كما شاركت سوريا والعراق والبحرين
والسعودية بفيلم واحد: (تحت السقف) للسوري نضال
الدبس، و(غير صالح للعرض) للعراقي عدي رشيد،
و(حكاية بحرينية) للبحريني بسام الذوادي، و(ظلالا
الصمت) للسعودي عبدالله المحيسن.
بالطبع.. لم تكن الجوائز هي الهدف من وراء
المشاركة في هذا المهرجان الوليد.. ولكن لجنة
التحكيم التي يترأسها الفنان حسين فهمي، أعطت
جائزة الأهقار الذهبي لأفضل فيلم للتونسي (آخر
فيلم) للمخرج نوري أبوزيد.. والأهقار الذهبي لأفضل
مخرج للتونسي ناصر خمير عن فيلمه (بابا عزيز)..
والأهقار الذهبي لأفضل سيناريو حصل عليها الفيلم
العراقي (غير صالح للعرض) لعدي رشيد.. والأهقار
الذهبي لأفضل ممثل ذهبت للمصري شريف منير عن دوره
في فيلم (قص ولزق).. والأهقار الذهبي لأفضل ممثلة
ذهبت للسورية سلافة معمار عن دورها في (تحت
السقف)..!!
هذا بالنسبة لمسابقة الفيلم الطويل.. أما في
مسابقة الفيلم القصير والتي ترأسها الفنان المغربي
رشيد الوالي، فقد أعطت الفيلم الجزائري (حورية)
للمخرج محمد يرقي جائزة الأهقار الذهبي..!!
ولم يفوت المقيمين على الدورة الأولى للمهرجان
الدولي للفيلم العربي في وهران، هذه الفرصة، وذلك
بتكريمهم لثلاثة من أبرز أعلام السينما العربية،
الأول كان صاحب السعفة الذهبية العربية الوحيدة في
مهرجان كان الدولي، وهو الجزائري محمد لخضر حامين،
بفيلمه الخالد (وقائع سنوات الجمر).. كما كرم
الفنان المصري الراحل أحمد زكي، والسنغالي المخرج
الراحل مؤخراً عثمان سمبين.. وجاء هذا التكريم
بعرض مجموعة من أفلامهم.
حافلات سينمائية..!!
ضمن فعاليات المهرجان الدولي للفيلم العربي في
وهران.. كان هناك ثلاث حافلات تعني بعرض مجموعة من
الأفلام الجزائرية القديمة منها والحديثة، أطلق
على كل واحدة منها اسم أحد المكرمين (محمد لخضر
حامينا، أحمد زكي، عصمان سمبان).. والتي انطلقت
باتجاه ثلاث ساحات مختلفة، وعرضت من ضمن عروضها في
سينما الهواء الطلق، أفلام (ريح الأوراس) لحامينا،
و(رشيدة) ليامينة شويخ، و(مشاهو) لبلقاسم حجاج.
وهي محاولة لإنعاش الحياة السينمائية.. وذلك بجعل
وهران شاشة عملاقة.. لدعوة الجمهور وتحفيزه
لمشاهدة الأفلام والاحتفاء بالسينما وبصالات
السينما..!!
عائشات..!!
من بين أبرز أفلام المهرجان الدولي للفيلم
العربي.. كان الفيلم الجزائري (عائشات) للمخرج
سعيد ولد خليفة.. الذي يتناول قضية المرأة
الجزائرية والعربية بشكل عام.. في مواجهتها لمجتمع
تقليدي متخلف.. ويقدم صرخة احتجاج ضد مجتمع لا
يعترف بحقوقها كإنسان مستقل. نجح المخرج في تقديم
العنف الواقع على المرأة، ممثلاً ذلك في بطلة
فيلمه سلمى (ريم تاكوشت)، التي قررت مواجهة وضعها
المعيشي البائس، والرحيل إلى الجنوب للعمل في مركز
لاستخراج البترول.. لتصطدم بواقع أكثر عنف
وعنجهية، حيث تعرضها وزميلاتها للاغتصاب الجماعي،
وشعورهن بمرارة الانكسار الروحي والجسدي. مع تخاذل
الجهات الرسمية مع الجناة..!!
أفلام للنخبة..!!
في حديث جانبي مع المخرج السوري نضال الدبس.. كان
الحديث عن السينما والجمهور.. هذه المعضلة التي
كثر الحديث حولها منذ ما يقارب الخمسون عاماً..
وقد أوضح السوري نضال الدبس وجهة نظر خاصة في
تعامله مع الجمهور.. باعتبار أن السينما.. بل
الإبداع بشكل عام، لابد أن يبتعد عن المباشرة في
الطرح.. والاهتمام بالجانب الجمالي الفني.. موضحاً
بأن من يسعى لرضا الجمهور العريض سيجد نفسه في
مؤخرة الصف.. أي متأخراً عن ركب السينما والتواصل
مع الإبداع العالمي. فهو كفنان يكفيه أن هناك من
يتابع فنه بغض النظر عن حجم هذا الجمهور..!!
أبواب الجنة..!!
الفيلم المغربي (أبواب الجنة) كان واحداً من
الأفلام المهمة التي عرضت في المهرجان.. يتناول
فيه المخرجان عماد وسويل النوري، عالم عصابات
المافيا، ويعالج قضيته بشكل سينمائي محترف في
ثلاثة أجزاء (قصص).. تدور بالدار البيضاء، وتتابع
مصائر ثلاثة أشخاص.. الأولى تقدم لنا شاب ينحرف
للإجرام بقصد المكسب لعلاج أمه المكفوفة..
والثانية تتابع حياة أستاذة بمعهد الفنون الجميلة
والتي تعيش وحيدة منذ ترملها، وتتغير حياتها
بتبنيها ابن أخت زوجها المقتول.. أما القصة
الثالثة فتتحدث عن سجين يقضي خمس عشرة سنة في
السجن، ويحاول طي صفحة من ماضيه..!!
ينجح الإخراج في تقديم أسلوب سردي جميل وحركة
كاميرا مدروسة بعناية، في تقديم ثلاثة أساليب
مختلفة لكل قصة. والفيلم بشكل عام يقدم دراسة
موضوعية لواقع المدينة في شكل سينمائي سلس وجميل..
يساعده في ذلك قوة السيناريو المحبوك والمتألق..
وحرفنة المونتاج السلس، بمصاحبة الموسيقى
الأخاذة..!!
ماذا بعد الجوائز..؟!
بعد توزيع الجوائز، ينفض الحشد، ويتأهب الجميع
للرحيل عن وهران، وكل أمنيتهم الرجوع إليها في
الدورة القادمة.. ولكن ماذا يمكن أن يقال عن
فعاليات هذه الدورة التأسيسية..!! بالطبع، يحتاج
هذا المهرجان الوليد لأكثر من دورة للحكم عليه،
المهم الإستفادة من الأخطاء وتجارب الآخرين..
والتعامل مع ظروف صعبة واجهت فعالياته التأسيسية
هذه.. وتجاوزها مستقبلاً.. هذا المهرجان ترأسه
بجدارة الإعلامي حمراوي حبيب شوقي، الوزير السابق
ومدير التلفزيون الجزائري حالياً.. وكان بالفعل
نجم المهرجان الأول.. ومتألق في كل فعالية وفي كل
زاوية تراه مشاركاً وفاعلاً.. شكراً لأنك تحب
السينما كما نحبها..!! |