كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

رحيل أحمد يوسف:

فقدان ثقافة سينمائية

محمد جابر

عن رحيل الناقد السينمائي

 أحمد يوسف

   
 
 
 
 

تقول الحكاية إن الناقد أحمد يوسف كتب مقالة في منتصف تسعينيات القرن الفائت، نشرتها الصحيفة المصرية "الأهرام"، يهجو فيها الأفلام الحديثة للممثل عادل إمام، واصفًا إياها بأنها أضعف من أعماله السابقة عليها. حين قرأ إمام المقالة اتصل برئيس التحرير للتعبير عن انزعاجه. طُلِبَ من يوسف أن يكون أخفّ حدّة في نقده للممثل، الذي يُعتَبَر من رموز السينما. حينها، اعتذر الناقد عن الكتابة في الصحيفة، رغم قيمتها التاريخية واتساع مساحات انتشارها في ذلك الوقت. فهو كان يعتبر أن العلاقات الشخصية والضغوط المهنية مُفسدة لمهنة الناقد، 

أحمد يوسف قيمته كامنةٌ أيضًا في كونه مترجمًا استثنائيًا لكتب سينمائية مختلفة، بشكل لا يضاهيه فيه اسمٌ عربيٌ آخر"

الذي يجب أن يكون على الحياد وغير خاضع لتأثيرات كهذه، وإلّا فإن كتاباته ستحمل شُبهة مُحاباة أو تواطؤ على الفن. هذا لم يقبله يوسف على نفسه أبدًا.

حكايةٌ تختصر الكثير في حياة أحمد يوسف وقيمه، هو الذي توفّي ظهر السبت 14 يوليو/ تموز 2018 عن 71 عامًا، بعد صراع مع المرض أقعده في منزله في الأعوام الأخيرة، من دون أن يُقلِّل من حجم إنتاجه السينمائي الغزير والقيّم، ولا من دأبه وشغفه بالسينما، الممتدّين على مدى 5 عقود أو أكثر بقليل، لم يتوقف خلالها عن ممارسة دوره الثقافي، الذي جعله أحد أهم رموز الثقافة السينمائية العربية، كناقدٍ ومترجم وباحث.

عام 1975، نال أحمد يوسف دبلوم الدراسات العليا من "المعهد العالي للنقد الفني" في القاهرة. منذ تلك اللحظة، عمل كناقد متابع لتاريخ السينما المصرية والعالمية، متّخذًا منهجًا نقديًا واضحًا غير منفصل عن قناعاته السياسية وميوله اليسارية، ومُعتبرًا الإيديولوجيا جزءًا من تعامله مع الفن ونقده، ومستوعبًا موقع العمل ووجهة نظره إزاء العالم، وتشريحه بشكل دقيق، إنْ يتفق معه أو يختلف، ومتجاوزًا شكل الكتابة الشائع في تلك الفترة، المتمثّل بسرد حكاية الفيلم والاكتفاء بالقول إنْ هو "جيد" أو "سيئ"، بحسب انطباعات الناقد الذي يتناوله. تجاوز يوسف هذا كلّه بخطوات عديدة، فإذا بمئات (أو ربما آلاف) القرّاء يُتابعون مقالاته المنشورة في صحف عديدة، كـ"الأهرام" و"اليسار" و"العربي الناصري"، أو في مجلات شهرية كـ"الدوحة"، على مدى 50 عامًا.

لكن قيمة أحمد يوسف غير محصورة في كونه ناقدًا أو باحثًا في تاريخ السينما المصرية، وكاتبًا لدراسات مهمّة عن رموزها وعن علاقة الأفلام نفسها بالناس. قيمته كامنةٌ أيضًا في كونه مترجمًا استثنائيًا لكتب سينمائية مختلفة، بشكل لا يضاهيه فيه اسمٌ عربيٌ آخر. يختار بدقّة ما يراه ممتلكًا لثقافة عالية، كي يُثري المكتبة العربية التي أغناها بنحو 20 عنواناً متنوّعة المضامين والاتجاهات: تأريخ هذا الفن الحديث نسبيًا، كـ"موسوعة تاريخ السينما" (موسوعة ضخمة في 3 مجلدات صادرة عن "أوكسفورد") و"موسوعة السينما شيرمر" لعدد من المؤلفين (جزآن اثنان)، و"تاريخ الموسيقى السينمائية" لجيمس فيرزبيسكي و"مئة عام من السينما الإسبانية" لمجموعة مؤلفين. 

كما ترجم كتبًا لها منحى نقدي أو مرتبط بالفلسفة والعلوم، كـ"الصورة الشريرة للعرب في السينما الأميركية" لجاك شاهين، و"الفيلموسوفي: نحو فلسفة للسينما" لدانيال فرامبتون، و"موسوعة الفلسفة والسينما" لمؤلفين عديدين. أما الفئة الأهم في ترجمات أحمد يوسف، فمتمثّلة في مساعدة صنّاع السينما الشباب لتحصيل معرفة كبيرة بهذه الصناعة عبر كتب مهمة جدًا في الجوانب الصناعية والتقنية كما في الرؤية الإخراجية، كـ"فن الإخراج السينمائي" للمخرج سيدني لوميت و"فكرة الإخراج السينمائي: كيف تكون مخرجاً عظيماً" لكين دانسايغر، الذي ترجم له كتاب "تقنيات مونتاج السينما والفيديو" أيضًأ، و"أساسيات الإخراج السينمائي: شاهد فيلمك قبل تصويره" لنيكولاس تي. بروفيرس. هناك أيضًا تقنيات التمثيل كما في "فن التمثيل السينمائي" لكاثي هوس.

مع هذا التاريخ الطويل من المقالات والدراسات والكتب والإنتاج الغزير الذي لم يتوقف حتى آخر يوم في حياته، فإن الثقافة السينمائية العربية فَقَدت، برحيل أحمد يوسف، أحد أهم مصادرها وروافدها.

العربي الجديد اللندنية في

16.07.2018

 
 

ترجم 19 كتابا وموسوعة.. ونسخة إلكترونية على «العنكبوتية»

رحيل أحمد يوسف.. «جرس إنذار» لمستقبل الثقافة السينمائية

كتب- حسام حافظ:

لم يعد تعبير «الثقافة السينمائية» من علامات الرفاهية عند الحديث عن السينما، خاصة بعد التطور المذهل للفكر والفن على الشاشة إلى جانب التراكم الزمنى الطويل وكم المعلومات التاريخية الذى يتضاعف كل يوم سواء على المستوى المحلى للسينما المصرية أو المستوى العالمى للسينما الأجنبية.

وهذا الأسبوع جاء الرحيل المفاجىء للناقد الكبير أحمد يوسف بمثابة جرس انذار لكل مهتم بمستقبل السينما فى هذا البلد، لقد سقط أحد الأعمدة الشامخة للثقافة السينمائية فى مصر، فالناقد الكبير عرفناه يكتب عن الافلام مثل غيره من النقاد، ولكنه فى السنوات العشر الأخيرة من حياته، قدم للثقافة السينمائية أعظم خدمة عندما نذر وقته وجهده لترجمة مجموعة من أهم الكتب السينمائية وهى صناعة ثقافة ثقيلة، تخدم مئات الدارسين للسينما فى مصر والعالم العربى وعشرات النقاد المهتمين والآلاف من عشاق السينما بشكل عام.

حياة أحمد يوسف فى حد ذاتها تلخص سيرة مثقف أحب السينما واعتبرها وسيلة لفهم العالم والاجابة عن اسئلة السياسة المجتمع والتاريخ والوجود الانسانى فى احيانا، فقد تخرج أحمد يوسف فى كلية الصيدلة وعمل بوزارة الصحة حتى وصل إلى منصب وكيل الوزارة لقطاع الأدوية، ولكن علاقته بالسينما لم تنقطع يوماً منذ تخرجه عندما التحق بالمعهد العالى للنقد الفنى وحصل على دبلوم الدراسات العليا عام 1975، وكتب النقد فى العديد من الصحف والمجلات، وقدم باللغة العربية مجموعة من الكتب المتميزة والتى ليس لها مثيل.. مثل كتابه «صلاح أبو سيف والنقاد» الذى جمع فيه كل ما كتب عن افلام صلاح أبو سيف فى الصحافة المصرية خلال 45 عاماً، كذلك كتابة «نجوم وشهب فى السينما المصرية» الذى يستحق الترجمة للغة الانجليزية ليمنح العالم رؤية نقدية لأهم الأسماء فى تاريخ السينما فى مصر بالاضافة إلى المعلومات القيمة التى يرصع بها كل مقال عن نجوم السينما المصرية.

كذلك قدم أحمد يوسف مجموعة من الكتب  القيمة عن حياة وأعمال أسماء كبيرة مثل: «محمد خان ذاكرة سينمائية تتحدى النسيان» و«عطيات الابنودى ووصف مصر» و«نادية لطفى والنجومية بلا أقنعة» و«فريد شوقى الفنان والانسان»، وآخر كتبه بعنوان «سياسة عادل امام.. رسائل إلى الوالى».

أما الكتب التى قام بترجمتها خلال السنوات الأخيرة فقد وصلت إلى 19 كتابا وموسوعة منها موسوعة أوكسفورد لتاريخ السينما فى 3 أجزاء وموسوعة «شيرمر» 4 أجزاء و«بصورة الشريرة للعرب فى السينما الأمريكية فى جزءين، وموسوعة روتليدج للسينما والفلسفة «1025 صفحة»، ويستحق المركز القومى للترجمة التحية والاحترام لأنه قام بنشر كل هذه الترجمات خلال عشر سنوات فقط بالاضافة إلى اتاحة نسخة اليكترونية من كل اصدارات المركز على النت لكافة القراء.. وهى خدمة نبيلة تؤكد أهمية الثقافة كأهم خدمة تقدمها الدولة للشعب، ويجب أن تبقى للأبد اذا كنا جادين فى محاربة الجهل والتطرف.. ولابد من اتاحة الفرصة لأجيال جديدة قادرة على خدمة الثقافة السينمائية.

كان أحمد يوسف واحد من النجوم الساطعة فى سماء الثقافة السينمائية ويستحق الانضمام لطابور طويل من الكبار بداية من فريد المزاوى ومرورا بأحمد الحضرى وسمير فريد ومدكور ثابت وكامل القليوبى وحسين بيومى وأحمد كامل مرسى ويعقوب وهبى وصبحى شفيق وغيرهم وصولا للاحياء أمد الله فى أعمارهم جميعا.

الجمهورية المصرية في

18.07.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)