كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

فؤاد المهندس

الأستاذ الذي خاصم السينما وصالح المسرح!

القاهرة ـ من كمال القاضي:

عن رحيل

مهندس الكوميديا

فؤاد المهندس

   
 
 
 
 

لم يتسن لفؤاد المهندس الفنان الذي رحل عن عمر يناهز الثانية والثمانين أن يلعب دور البطولة في السينما التي جاءت رقم 2 في اهتماماته الفنية بعد المسرح أن يلعب دور البطولة المطلقة إلا في عدد قليل جدا من الأفلام فقد تم تصنيفه كفنان مسرحي، وظلت السينما تحصره في الأدوار الثانوية لفترة طويلة، إلا أنه بعد اختبارات كثيرة ناجحة قبل المخرجون بتصعيده الي دور البطل الثاني أو بمعني أدق السنيد ورضي المهندس بهذا التقييم المتعسف ومضي يجتهد في حدود الدور المرسوم له داخل الأحداث معتمدا علي مهاراته الشخصية في لفت نظر الجمهور الي موهبته المقمــــــــوعة، وبالفعل نجح في ذلك الي حد بعيد وبات مــــنافسا خطيرا لأقرانه ممن وقفت منهــــم السينما نفس الموقف وطبقت عليهـــــم قـانون الدور الثاني مثل عبد المنعم ابراهيم وعبد السلام النابلسي واسماعيل يس في بداية حياته الفنية، وعليه جسد فـــؤاد المهندس ملك المسرح أدوارا اقل من امــــكانياته الحقيقية في أفلام كثيرة وضعتـه تحت الأضواء الخافتة من بينها فيلم بنت الجيران للمخرج محمود ذو الفقار كأول تجربة نزل فيها من علي خشبة المسرح ليدخل بلاتوهات السينما وإن كانت هذه التجـربة فتحت له الباب إلا أنها تسببت له في حصار دائم فالأفلام التي تلت فيلم بنت الجيران لم تنصفه كثيرا إلا في حدود النقلة النوعية البسيطة بتوسيع هامش الدور نسبيا وتحويله من مجرد ممثل ثالث أو رابع داخل الفيلم الي الارتقاء به للدور الثاني صديق البطل ونديمه وكاتم أسراره وهذه النوعية تكررت كثيرا وكان حظه منها وفيرا وبلغت حصيلة أفلامه بها حوالي 50 فيلما تقريبا أهمها الشموع السوداء مع نجاة وصالح سليم و معبودة الجماهير مع عبد الحليم حافظ وشادية و نهر الحب مع عمر الشريف وفاتن حمامة و صاحب الجلالة الذي لعب فيه البطولة فريد شوقي وسميرة أحمد ونماذج اخري شاطر فيها أحمد رمزي وسعاد حسني البطولة.

واستمر علي هذه الحال سنوات طويلة يقتنص الفرص الضيقة ويسعي للتجديد في ادائه حتي لا يصبح كارت محروقا الي أن سنحت له الفرصة وعمل مع المخرج فطين عبدالوهاب الذي رأي فيه نموذجا للكوميديان النادر خفيف الظل وشرع في استثماره علي النحو الذي استثمر فيه اسماعيل يس ليصبح الاثنان متنافسان في أدوار البطولة، كما كانا متنافسين في الأدوار الثانية، ولأن فطين كان مغرما بالتنوع فقد جعل لكل منهما مجالا مختلفا يتحرك فيه وفق رؤية كوميدية خاصة تتميز بالخفة والسلاسة وهداه فكره الي لعبة أفلام الأكشن الساخر أو ما يسمي بفانتازيا الحركة وعنــــدما اختـــمرت الفكرة في ذهنه أسند إليه بطــــولة فيلم اخطر رجل في العالم لترتفع أسهــــمه في السماء ويصير نجم شباك خاصة بــــعد نجاح شخصية شنبو في المصيدة التي اعتبرت عملا فارقا في عالم الكوميديا بحسابات هذا الزمن، لا سيما وأن شويكار كانت تقاسمه البطولة كعنصر نسائي مرغوب في ذلك الوقت لها سوابق في سينما الكوميديا والإغراء، إذ لم يكن هناك فصل بين النوعين لاعتبارات انتاجية تري أن الإغراء عامل مشترك في كل الألوان السينمائية وأن معايير نجاحه ترتبط باختلاف أمزجة الجمهور وميوله المتباينة بطبيعة الحال فالمشاهد الذي لا يرغب في الاكشن يمكنه الاستمتاع بالاغراء المهم ان تصب المحصلة النهائية للإيرادات في حجر المنتج التاجر المحكوم بقانون المكسب والخسارة.

والغريب ان هذا الاسلوب تم تطبيقه بالفعل مع اسماعيل يس وفؤاد المهندس ونجح في استقطاب قطاع كبير من جمهور طالبي المتعة لدرجة ان الافلام التي انتجت باسم اسماعيل يس صارت ظاهرة لم تتكرر حتي الآن مع أي نجم آخر، ونفس الظاهرة اصاب تأثيرها المهندس برغم أنه كان أقل حظا من اسماعيل يس ولكن العجيب ان تأثير الافلام الناجحة قد انعكس عليه في المسرح فبدأت الجماهير تتوافد علي مسرحياته للاستمتاع برؤيته المباشرة دون وسيط لعل نجاح مسرحياته السكرتير الفني وسيدتي الجميلة وأنا وهو وهي كان ترجمــة حقيقيـــة للنجاح السينمائي غير ان الجمهور ربط ربطا تلقائيا بينه وبين المسرح، وربما كان يري فيه صورة نجيب الريحاني النموذج الذي افتقده وشعر بعده بخواء علي الساحتين المسرحية والسينمائية.

وفي سياق المقارنة بين فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وعبد السلام النابلسي يلاحظ التساوي في القامات والمواهب واختلاف في درجة الانتشار والنجومية وهي الجزئية التي تحسم بالطبع لصالح المهندس لأنه استطاع تأسيس منهج كوميدي لنفسه عاش طويلا من حيث الزمن والتجربة والتنوع فبات حاضرا بقوة علي الشاشة في الافلام التليفزيونية التي صنعت لاستيعاب نجوم الصف الثاني من ذوي الخبرات والمواهب لأن أجورهم أقل من نجوم الشباك في السينما كما ان العائد المادي لم يكن هو العنصر الأساسي بالنسبة للتلفزيون فمعادلة التوزيع الخارجي تختلف من حيث المقاييس ونوعية الجمهور ومن ثم فالفنان الذي انحسرت عنه أضواء السينما يمكنه تعويض ذلك في التلفزيون، وبالنسبة لفؤاد المهندس بصفة خاصة فقد تذكرته السينما مرة اخري في بداية التسعينيات وعاد ليجدد نشاطه فيها بعد غياب دام أكثر من عشرين عاما منذ ان قدم فيلم خمسة باب مع تلميذه عادل إمام ونادية الجندي والمخرج حسام الدين مصطفي، ولكن للأسف لم تفلح التجربة فالفيلم قد رفع من دور العرض السينمائية لأسباب رقابية نتيجة جرأة الفكرة والمشاهد الجنسية التي حفل بها الفيلم لطبيعة القضية المطروحة التي اتصلت بأعمال الدعارة وإباحية البغاء في أربعينيات القرن العشرين فترة الفساد الملكي والسرايا التي كان يديرها المندوب السامي البريطاني ذلك الراعي الذي فتح الخمارات وبيوت بيع الهوي للترفيه عن جنود الاحتلال المنتمين لثقافة الانحلال.

نعود الي فؤاد المهندس ووقوفه أمام كاميرات السيــــــنما لاستئناف تألقه مع النجم الأسمر أحمد زكي في فيلم البـــــيه البواب بعد المســــــافة التي فصلته عن عادل إمام في فيلم خمسة باب بنحو عشرين عاما لتدور العجلة في اتجاه عكس الريح، ليعود من حيث بدأ سنيد البطل بعد تغير الظروف وصعود أجيال جديدة أحكمت قبضتها علي زمام السوق وأحتكرت نفسها أدوار البطولة.

وهكذا دارت الأيام وأتت الرياح بما لا تشتهي السفن وتوارت الأضواء السينمائية ليظل استاذ فن التمثيل حاضرا في المسرح وغائبا في البلاتوه!

القدس العربي في

27.09.2006

 
 

من شويكار وفؤاد المهندس إلي عادل إمام ويسرا

القاهرة ـ من كمال القاضي:  

شكل الثنائي فؤاد المهندس وشويكار نموذجا ناجحا في سينما الستينيات قام علي مبدأ الضحك للضحك واتسم فيه الأداء بالفكاهة كمعادل للتراجيديا القاتمة المستخلصة من المونودراما الفجة الموغلة في المأساة والحزن، فهذا التيار ساد لفترة طويلة ولاقي قبولا لدي جمهور الطبقة الوسطي لكونه اعتني بمخاطبة الحس الانساني ولعب علي طبيعة تكوين الشخصية المصرية المفرطة في المشاعر والتعاطف الساذج أحيانا، فلما طالت حقبة هذا اللون الدرامي الذي تنامي تحت زعامة ملكة التراجيديا أمينة رزق ورائد المونودراما يوسف وهبي كان طبيعيا أن تتخلق ألوان فنية أخري تقلل من حدة البكاء والرثاء في أفلام اليتيمتان، جعلوني مجرما والمرأة المجهولة وبائعة الخبز ودعاء الكروان والبؤساء، وهذا ما جناه أبي ، إلي آخر السلسلة الطويلة من أفلام الحكم والمواعظ التي صبغت وجدان الجمهور ومارست عليه الابتزاز الشعوري. لذا تفتق ذهن بعض المنتجين عن فكرة بيع السعادة بدلا من الهموم والأحزان فاتفق ضمنيا علي تكوين جبهة قوية تهدف الي القيام بثورة لتغيير وجه السينما وتكوين دويتوهات تزدوج فيها البطولة بين عنصري الرجال والنساء، فكان من هؤلاء شويكار وفؤاد المهندس الورقتان الرابحتان في السينما الخفيفة آنذاك، وعلي الفور تم التحضير لمجموعة من الأفلام التي ذكرنا منها سابقا شنبو في المصيدة، ومستر إكس ، الراجل ده حيجنني ونظرا لحلة الظمأ التي كان يعاني منها الجمهور المفتقر الي الابتسامة نجحت هذه الأفلام نجاحا ساحقا مما شجع المنتجين علي تكرار التجربة مع نجوم آخرين مثل نعيمة عاكف وأحمد رمزي وشكوكو وشادية وكمال الشناوي واسماعيل يس وعبدالفتاح القصري وسعيد أبو بكر ومحمد فوزي وفاتن حمامة وشاعت الظاهرة وامتلأت جيوب المنتجين بإيرادات الشباك، وشيئا فشيئا تحولت الثنائيات الخفيفة الي جماعات وشلل أسفرت عن تكوين شركات لانتاج أفلام جادة مثل الأسطي حسن الذي انتجته شركة العهد الجديد التي أسسها فريد شوقي وهدي سلطان وقام من خلالها ببطولة فيلمي رصيف نمرة 5 و بورسعيد والفيلم الأول سابق الذكر، وعلي غرار هذا الثنائي الناجح تشكلت ثنائيات أخري كان منها فاتن حمامة وعماد حمدي وأنور وجدي وليلي مراد ورشدي أباظة وصباح، وقد توجه بعض النشاط بين الثنائيات بالزواج فقد تزوج أنور وجدي ليلي مراد لعدة سنوات تمخضت عن عدد من الأفلام مثل ليلي بنت الأغنياء، ليلي بنت الأكابر، عنبر إلي أن نشبت خلافات انتهت بانفصالهما بعدما ترسخت أقدامهما كنجوم لديهم القدرة علي المنافسة والاستئثار بالموسم السينمائي.

وتعددت الحالات المشابهة التي يحضرنا منها زواج عمر الشريف وفاتن حمامة بعد نجاح فيلم الحب الخالد ثم انفصالهما أيضا، وكذلك رشدي أباظة وسامية جمال اللذان استمر زواجهما قرابة خمسة عشر عاما، وامتدت الظاهرة الثنائية ذاتها الي العصر الحديث فجمعت بين محمود يس ونجلاء فتحي في معظم أفلام السبعينيات منها سنة أولي حب، وبدور كما شكل حسين فهمي وميرفت أمين ثنائيا ناجحا أيضا، مثلما لعبت سعاد حسني أمامه بطولتين في فيلمين مهمين خلي بالك من زوزو، أميرة حبي أنا واللذين كتب لهما الأغاني صلاح جاهين وأخرجهما حسن الإمام، حيث دارت أجواء الفيلمين حول موقف المجتمع المصري من طبقة العوالم والراقصات ودور التعليم في تغيير النظرة الرجعية الطبقية تجاه مهنة الرقص وسكان شارع محمد علي.

وعلي امتداد الخيط وفي مرحلة حديثة تحولت الثنائيات الفردية الي واقع وقدم نور الشريف مع بوسي ثلاثة أفلام بدأت بفيلم حبيبي دائما ثم فيلمي كروانة والعاشقان وإن كان الأخيران لم يحالفهما الحظ مثل الفيلم الأول، غير أن الوصل الفني انقطع بانفصال الحياة الزوجية، وعلي مستوي آخر من العلاقة قدم عادل إمام مع يسرا سلسلة من الأفلام المنسي، الإرهاب والكباب، الانسان يعيش مرة واحدة، كراكون في الشارع .

كما قدم مع لبلبة عصابة حمادة وتوتو، وعريس من جهة أمنية، ولأحمد زكي أكثر من تجربة مع آثار الحكيم في الفيلم التلفزيوني أنا لا أكذب ولكني أتجمل، الحب فوق هضبة الهرم .

وتشمل الاحصائيات السينمائية العديد والعديد من التجارب الفنية التي قامت علي الثنائيات الشهيرة بين مجموعة من الأبطال والبطلات التي تعمدنا رصد جزء منها للتدليل علي نجاح نماذجها الفريدة والتي تمثلت صورها الواضحة بين شويكار وفؤاد المهندس باعتبارهما تجربة مبكرة أثمرت أعمالا قد نختلف ونتفق علي قيمتها ولكننا لا نستطيع انكار تأثيرها الجماهيري، خاصة إذا راعينا بدائية السينما كصناعة وأفكار وخصوصية وثقافة المجتمع آنذاك، بالاضافة الي ان كل تجربة من التجارب التي أشرنا إليها سريعا تعتبر استكمالا لما قبلها منذ نعيمة عاكف واسماعيل يس وحتي يسرا وعادل إمام نزولا بالمؤشر الي محمد هنيدي ومني زكي، حيث الغرض من القياس هنا هو المقارنة بين الأزمنة والمراحل الفنية المختلفة لمعرفة ما آل إليه هذا اللون التمثيلي، هل انقرض ووضع في خزانة التحف والأنتيكات أم أنه ما زال متناميا وموجودا علي الساحة، وأي المراحل الفنية أفضل.

مرحلة شويكار وفؤاد المهندس باعتبارها النموذج، أم أن الإبداع لا يتقيد بالصور والأطروحات السابقة؟!

السؤال سيظل مطروحا إلي أن يأتي مهندس جديد وشويكار أخري.

القدس العربي في

25.09.2006

 
 

فؤاد المهندس وكوميديا الاختلاف

لا تحتاج السينما المصرية إلى رحيل كبارها، كي تتأكّد إصابتها بأزمات عدّة، في الوعي والثقافة والمخيّلة الإبداعية والنتاج السويّ. لا يرتبط انحدار هذه السينما، بشقّها الكوميدي على الأقلّ، بغياب مؤسّسيها فقط، الذين عجزوا عن توريث اللاحقين بهم شيئاً من لغتهم الناطقة باسم الضحك الحقيقي أو الكوميديا الجادّة، ليس لأن الكبار لم يعرفوا كيفية توريث الجدد تلك اللغة الأعمق في صناعة الضحكة الجميلة والكوميديا الحقيقية، بل لأن الجدد أنفسهم ظنّوا أن قدراتهم الذاتية، وحدها، قادرة على دفعهم إلى احتلال أمكنة هي، في الواقع، ليست لهم. وليس لأن الكبار بدوا أنانيين، فحجبوا التجربة وقطعوا الطريق على اللاحقين بهم، بل لأن الجدد هم الأنانيون في مسلكهم الفني، وإن عبّروا مراراً عن احترامهم الجيل أو الأجيال السابقة عليهم، فأدّوا لهم واجب المحبة والثقة.

هناك خلل في التواصل بين الأجيال العربية. هناك نوع من قطيعة كبيرة. لا يعني هذا أن كل ما فعله الكبار جيّد ومهم، وأنه يُفترض بالجدد الاستعانة بإنجازات <السلف الصالح> والاستفادة منها من دون مساءلة أو نقاش. لكن الواقع الآنيّ مرير، ولهذا، يشعر المرء برغبة في إجراء مقارنة كهذه، في لحظة وداعه الفنانين الكبار. والواقع الآنيّ مرير، لأن الغالبية الساحقة من النتاج الفني الحالي منقوصة ومرتبكة وعاجزة عن ابتكار لغة عصرية ومتجدّدة لترجمة إبداع ما يُتوقّع أن تفرزه المخيّلة الفنية. وهذه أقسى الأزمات التي تعانيها السينما المصرية والعربية أيضاً: غياب المخيّلة والابتكار. تزداد قسوة هذه الأزمة، برحيل كبار لعبوا دوراً فاعلاً في ضخّ الجديد والمبتكر في شرايين المخيّلة ونبضها وروحها.

ذلك أن أزمة السينما المصرية نابعة من بؤس الكتابة الفنية والتمثيل السطحي والمواضيع الساذجة، التي باتت كلّها سمة أفلام يصعب على النقد الموضوعي أن يجد لها وصفاً واضحاً، أو أن يُدرجها في أي خانة من خانات الإبداع الفني. كأن غياب هؤلاء يزيد من فداحة الواقع المتأزّم للسينما المصرية، الكوميدية والدراماتيكية على حدّ سواء. أو كأن رحيل هؤلاء ناتجٌ، في أحد جوانبه، من هذا المأزق الكبير الذي وجدوا أنفسهم فيه: إنهم كبار في الأداء والإخراج والإنتاج. إنهم جزء أساسي من صانعي التاريخ العريق للنتاج السينمائي. إنهم أسياد حقيقيون، إذ امتلكوا الموهبة الجدّية، وأدركوا أن اشتغالهم الفني سيؤدّي، حتماً، إلى وسم الذاكرة الجماعية بسمات العطاء <النظيف>، وهو التعبير الذي يستهوي عدد من النقّاد والصحافيين والفنانين عندما يتحدّثون عن نتاج لم يعد له حضور فاعل في المشهد الفني المصري والعربي. إنهم، باختصار، آخر فرسان الإبداع السينمائي الجميل، في زمن الهزائم والفوضى. أم إن مبالغة ما تنضح من كلمات أردتها تعبيراً عن وفاء لجيل يبدو أنه بلغ مرحلة الاندثار الأخير، ويبدو، مع رحيله، أن المقبل من الأيام تنذر باستمرار هذه الفوضى في إنتاج صنيع فني هشّ، على الرغم من أن ضوءاً شحيحاً يفتح ثغرة متواضعة في جدار الظلمة والانهيار؟

لا بأس في شيء من <المبالغة>، إن كانت تعبيراً عن مأزق حقيقي في مواجهة الفراغ شبه المطلق في الحياة الثقافية والسياسية والفكرية العربية. لا بأس في <شطحة> كهذه، تبتعد عن قراءة واقعية للتحوّل الحاصل في الثقافة العربية، والمتمثّل بعدد قليل جداً من الوعود الإبداعية. ذلك أن رحيل كبار يصيب المرء بشيء من الوجع، في هذه الصحراء العربية الممتدة إلى اللانهاية.

رحيل كبار وأزمة الكوميديا المصرية

لم تمض أيام كثيرة على رحيل أحد أعمدة الفن الكوميدي المصري والعربي عبد المنعم مدبولي، مبتكر ال<مدبوليزم>، حتى رحل كبير آخر من أولئك الذين سطّروا فصلاً متكاملاً من الإبداع الكوميدي، في المسرح والسينما معاً. ففي السادس عشر من أيلول الجاري، أي بعد عشرة أيام فقط على مرور اثنين وثمانين عاماً على ولادته، غاب فؤاد المهندس في إحدى اللحظات الحرجة التي تعانيها الحركة الإبداعية العربية. وفي ظلّ التدهوّر الخطر الذي تعانيه الثقافة السينمائية في مصر والعالم العربي، بدا غياب فؤاد المهندس انتكاسة إضافية لمعنى أن يكون الفنان كوميدياً، وأن يكون الممثل مثقفاً، وأن يكون المبدع منتبهاً إلى أهمية الفعل الإبداعي في الوعيين الفردي والجماعي.

بمعنى آخر، فإن أزمة السينما المصرية، الكوميدية بالدرجة الأولى، ازدادت حدّة بغياب عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس، لأنها عانت الأمرّين جرّاء طغيان الكوميديا المسطّحة والغبية والمفرّغة من أصول الضحك وقواعده المرتكزة، في الوقت نفسه، على الشكل والحركة والنطق والنكات وأسلوب الكلام و<القفشات> واختيار المواضيع وكيفية معالجتها بنَفَس كوميدي سليم وسوّي. ولأنها عجزت عن تأسيس جيل كوميدي شاب، على الرغم من تنامي ظاهرة الممثلين الشباب الذين ظنّوا، لوهلة، أنهم مستمرّون في احتلال الشاشة الكبيرة ب<بهلوانياتهم> المملّة إلى وقت طويل. إن غياب مدبولي والمهندس أكّد الفرق الشاسع بين الجيل القديم، الذي توزّع نشاط أبنائه على السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون والغناء، والجيل الجديد، الذي ظهر في مطلع التسعينيات الفائتة، من دون أن يتوصّل إلى خلق نمط ثقافي وفني يُكمل التجربة السابقة، ويسعى إلى تطويرها وفقاً للمرحلة الآنيّة، ويذهب بها إلى لحظة ابتكار سمة ما تميّز العمل الكوميدي الخاصّ بهم عن ذاك الذي صنعه السابقون لهم، من دون أن يقطعوا معهم. واستمرّ هؤلاء الكوميديون الجدد في توليد أعمال مسطّحة، على الرغم من التراجع الملحوظ في شعبية نتاجهم، خصوصاً في الأعوام القليلة الفائتة. هذا الفرق بين الجيلين واضحٌ تماماً: هناك كَمّ هائلٌ من الأعمال الفنية التي قدّمها عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس وأبناء جيلهما (وربما بعض أبناء الجيل اللاحق بهما تماماً)، لا تزال حاضرة في المشهد الإبداعي العربي، في حين أن كثرة الأعمال التي أنجزها كوميديو المرحلة الآنيّة سقطت في النسيان، أو هي على وشك السقوط فيه.

على الرغم من هذا كلّه، فإن فؤاد المهندس، الذي منح عادل إمام <فرصة الظهور الأول> قبل أن يمثّل أدواراً صغيرة إلى جانبه، والذي <تنبّأ> له بأنه <سيصبح زعيم الكوميديا في مصر>، أبدى قراءة منطقية لمسار الحياة. فهو اعتبر أن السينما للشباب، وأن على الفنان الذي يتقدّم عمره أن يتعامل مع المتغيّرات الحاصلة: <إمام أحد تلامذتي. مع هذا، لم يكن لديّ أي مانع للتمثيل إلى جانبه ولو في دور صغير. مع أحمد زكي، شاركت بدور صغير في <البيه البواب>، لأن الدور أعجبني، وموضوع الفيلم أيضاً في زمن انقلبت فيه الأوضاع، وأصبح الجهلاء والمتسلّقون هم أصحاب السيادة>. ألا يُشكّل هذا التعليق صورة حيّة عن الواقع الآنيّ لمجموعة كبيرة من مدّعي الكوميديا والضحك؟ ألا يعكس قوله هذا جانباً أساسياً من يوميات السينما العربية كلّها، في لحظة الانفلات الثقافي الكبير، والانحطاط المتنوّع في السياسة والفن والإبداع والإعلام؟ ألم تنقلب المعادلة، بأن أصبح <صاحب السيادة> الأصيل مجرّد لاعب كومبارس على خشبة الحياة، لأن الجهلاء والمتسلّقين احتلّوا أمكنة ليست لهم، وفرضوا أنفسهم بقوّة مزدوجة على الساحة: قوة الفراغ المدوّي الذي أحدثته عزلة الكبار وصنعه رحيلهم وأمراضهم، وقوة ثقافة الاستهلاك التي سيطرت على مقدّرات النتاج الإبداعي العربي؟

معلّمون وأساتذة

أمضى فؤاد المهندس مسيرة حياتية وفنية طويلة مع عبد المنعم المدبولي (نحو ربع قرن)، إلى درجة أن هناك مرحلتين في هذه <الصُحبة> التي جمعتهما: <كنت بصحبته شيئاً مختلفاً تماماً عمّا كنت عليه قبل لقائنا. إنه الناظر والأستاذ بالنسبة إليّ وإلى الكثيرين من أبناء جيلنا والجيل اللاحق بنا>. كم من فنان عربي حالي من أولئك البهلوانيين السذّج، قادر على الاعتراف، بصدق وشفافية وحميمية، بأن هناك من علّمه أو درّبه أو كان له أستاذاً ومعلّماً؟ لا أعمّم، بل أتساءل عن معنى العلاقات القائمة بين الأجيال، وعن التواصل المطلوب بين الجميع.

غير أن عبد المنعم مدبولي لم يكن الأستاذ الوحيد لفؤاد المهندس، إذ سبقه في هذا المجال نجيب الريحاني. وهذه قصّة تروى. أما مدبولي، فقد لعب دوراً غير مباشر في تنظيم <لقاء> المهندس بالفنانة شويكار: <كنا نلتقي في حفلات ومناسبات فنية ونتبادل الكلام بشكل عادي. لكن، كان هناك شيء في داخلي يدفعني إلى الحديث معها. كذلك الأمر بالنسبة إليها. كنت أعتقد أنها معجبة بي، فهي حرصت على حضور عروضي المسرحية الأولى، وعلى مشاركتها في فرقة <ساعة لقلبك>. لم أكن أتخيّل أنها من الممكن أن تكون ممثلة كوميدية على الإطلاق، فعندما رشّحها مدبولي للعمل أمامي، أبديت له دهشتي الشديدة، مع أني كنت أرغب في رؤيتها والعمل معها. لقد تسبّب ترشيح مدبولي لها بهذا الشكل في قلب حياتي وحياتها رأساً على عقب>. اقترنا معاً، وعملا في أكثر من مسرحية وفيلم سينمائي. وبدا واضحاً أن النتاج الفني المشترك بينهما أحدث تأثيراً بالغاً في ستينيات القرن المنصرم، إذ كانت أعمالهما المسرحية <الأكثر نجاحاً في تلك الفترة>، مما دفع عدداً من المنتجين السينمائيين إلى <استثمار> هذا النجاح في أفلام حقّقت، بدورها، نجاحاً جماهيرياً تفاوت مداه بين عمل سينمائي وآخر. فبعد <أخطر رجل في العالم> (1967) لنيازي مصطفى (الذي مثّله إلى جانب ميرفيت أمين)، بدأ الثنائي المهندس وشويكار العمل في أفلام عدّة، ك<شنبو في المصيدة> (1968) لحسام الدين مصطفى و<أرض النفاق> (1968) لفطين عبد الوهاب الذي عملا معه أيضاً في <اعترافات زوج> (1964) و<أنا وهو وهي> (1964). هناك أيضاً أفلام عدّة بإدارة المخرج حسن الصيفي، ك<هارب من الزواج> (1964) و<غرام في أغسطس> (1966) و<المليونير المزيّف> (1968)، في حين أنهما مثّلا في <العتبة جزاز> (1969) لنيازي مصطفى و<مطاردة غرامية> (1968) لنجدي حافظ. لكن محمود قاسم رأى، في كتابه <أبطال الضحك في تاريخ السينما المصرية (الجزء الأول)>، أن تجربة نقل بعض الشخصيات المسرحية والإذاعية إلى السينما لم تؤدّ إلى النجاح المطلوب، مستشهداً بتجربة فيلم <عريس مراتي> (1959) لعباس كامل، الذي جمع عدداً من فناني الكوميديا البارزين في تلك الفترة، كإسماعيل ياسين وزينات صدقي وعبد السلام النابلسي: <بدت اسكتشات زوجة محمود (شخصيتا محمود وزوجته شكّلا أساساً فاعلاً في برنامج <ساعة لقلبك>) وكأنها محشورة من أجل الإضحاك داخل أحداث الفيلم (التي تدور) حول الزوجة التي تسبّب المتاعب لزوجها، حتى وهو مريض>. في أي حال، فإن انفصال المهندس وشويكار عن بعضهما بعضاً، بعد نحو عشرين عاماً من الزواج والعمل الثنائي، أدّى إلى خسارة الفن الكوميدي أحد أبرز مقوّماته الشعبية والجمالية، إلى درجة أن الفنانة هند رستم قالت، ذات مرّة، إن هذا الانفصال أفضى إلى فقدان المسرح الكوميدي <ثلث قوته>.

المثل الأعلى

لا يُمكن تفسير السبب الذي دفع فؤاد المهندس المراهق والشاب إلى التعلّق بنجيب الريحاني. هناك شيء خفي جعله يرى في الأعمال المسرحية والسينمائية للريحاني، التي كان يُشاهدها باستمرار ويتابع جديدها، طريقاً وحيدة لصنع مستقبله، على الرغم من أنه، كالغالبية الساحقة من أبناء جيله في تلك المرحلة (كما في مراحل كثيرة لاحقة)، وجد نفسه في بيئة لا تحبّذ الفن، ولا تحرّض أبناءها على العمل فيه (مع أن والده زكي المهندس عالِمٌ لغويٌ ومثقفٌ رفيع المستوى، في حين أن شقيقته صفية <نجحت> في العمل الإعلامي والإذاعي). لم يشأ المهندس أن يسير على الخطى نفسها التي سار عليها والده. أراد الفن، ولعبت أفلام نجيب الريحاني <دوراً حاسماً> في هذا الاتجاه. شقيقته صفية وزوجها <بابا شبارو> (محمد محمود شعبان) كانا الصلة التي جمعت فؤاد الشاب بالكبير والقدير نجيب الريحاني: ففي إحدى حفلاتهما التي دُعي إليها الريحاني، انقضّ المهندس عليه ولم يفارقه لحظة، إلى درجة أن الريحاني ضاق ذرعاً به، وطالبه بصوت عالٍ أن يبتعد عنه. فما كان على صفية إلاّ أن اعتذرت منه قائلة له إن فؤاد مولع به، وإنه حوّل منزل العائلة إلى <مسرح لأعمالك>. إنها اللحظة المنتظرة، التي فتحت أمام فؤاد المهندس الدرب الذي أراد: اشتغل مع <مثاله الأعلى> لعامين كاملين، تدرّب فيهما على مفردات العمل الفني وتقنياته وجمالياته. لكن، في النهاية، كان لا بُدّ من الافتراق عنه، من دون أن ينسى أبداً تلك الجملة التي قالها الريحاني له في أحد الأيام: <أنا أثق تماماً بقدراتك وموهبتك، ومقتنع بأنك ستكون خليفتي. لكن، يجب أن تكون لك شخصيتك المستقلّة وأداؤك المختلف. كن رجلاً، ولا تتبعني>.

هذا ما حصل. إذ انطلق فؤاد المهندس سريعاً في رحلته الفنية الطويلة، التي جعلته واحداً من كبار صانعي اللغة الكوميدية الجميلة والممتعة في المسرح والسينما على حدّ سواء.

من هنا، يُمكن القول إن رحيل فؤاد المهندس بدا ضربة جديدة تلقّتها السينما الكوميدية المصرية، خصوصاً أن كلاماً كثيراً قيل في الآونة الأخيرة عن تراجع الاحتضان الشعبي لها، وبداية ما لسقوطها، وفقدانها القدرة على إقناع المشاهدين بها. وعلى الرغم من أن الراحل وجد عالمه الفني الحقيقي في المسرح، (إذ ظلّ يؤكّد أن المسرح بيته الأول، وأنه الأساس: <لهذا لم أتنازل عن مكانتي فيه أبداً>)، إلاّ أن تقنياته الخاصّة بتقديم الشخصية الكوميدية ساهمت في تشييد عمارة سينمائية تميّزت بتفرّدها في التأثير على المُشاهد من خلال تضافر عدد من المقوّمات، لعلّ أبرزها موهبة الإضحاك الذي، وإن لم يهدف إلاّ إلى الإضحاك، منح الصورة السينمائية إحدى علاماتها الفارقة في جعل الضحك ركيزة حيّة للعمل البصري. فقد اعتمد فؤاد المهندس في أدائه التمثيلي على الحركة في المقام الأول، بالإضافة إلى العبارة والأداء المسرحي (وإن تمكّن المهندس، غالباً، من تطويع هذه التقنية في الأداء أمام الكاميرا، بحيث تحرّرت من متطلّبات الفضاء المسرحي ولغته المباشرة في مخاطبة المشاهدين وانعدام الحواجز بين الخشبة والجمهور). كما أنه <تميّز بمرونته الجسدية، وصوته القوي، وقدرته على تلوين الحروف التي ينطق بها>، كما كتب محمود قاسم (في كتابه المذكور أعلاه). في حوار صحافي نشرته <مجلة الجزيرة> (التي تصدر أسبوعياً عن الصحيفة السعودية <الجزيرة>) في عددها الصادر في الثاني والعشرين من حزيران ,2004 قال المهندس: <كان قدري أنني ظهرت في وقت كان فيه عمالقة الكوميديا يعتمدون على <إفيه> شكلي أو ملمح خارجي ينتزعون به ضحكات الجمهور. أدركت أنا من البداية أنني لا أملك فم إسماعيل ياسين ولا ضحكة حسن فايق ولا <حَوَل> عبد الفتاح القصري. وبسبب هذه الظروف، احتجت لنحو عشرة أعوام قبل أن أتقدّم الصفوف، فانطلقت من تركيبة ثقافية وعقلية مغايرة من خلال النشأة الأولى لي، وقرّرت أن أكون لوناً مختلفاً، تقبّله الجمهور بمرور الوقت. كان هذا من حسن حظي في التحليل الأخير>.

أما النشأة الأولى لفؤاد المهندس فتأسّست في أكثر من مرحلة واحدة. هناك أولاً والده، الذي اكتسب منه حسن النطق اللغوي لمخارج حروف اللغة العربية. وعلى الرغم من التوجيه العائلي الذي أوصله إلى كلية التجارة، إلاّ أن المهندس وجد في الفن طريقه الحقيقية في الحياة، معلناً تأثّره الكبير بأفلام نجيب الريحاني، مع أن البعض اعتبر أن <المثل الأعلى> لفؤاد المهندس في شبابه كان الممثل شرفنطح، الذي برز في الإضحاك من خلال شكله أيضاً.

الرحيل

أهي الصدفة التي تحاول أن تُعلن شيئاً فتتحايل على القدر، أم أنه القدر الذي يستبق الحدث الجلل، فيمارس سطوته الخفيّة على الناس؟ ذلك أن محطّات تلفزيونية فضائية عربية عدّة دأبت، في الأسابيع القليلة الفائتة، على بثّ أفلام لفؤاد المهندس، متّخذة من بلوغه الثانية والثمانين من عمره في السادس من أيلول الجاري مناسبة للاحتفاء به. من <معبودة الجماهير> (1967) لحلمي رفلة إلى <فيفا زلاطا> (1976) لحسن حافظ، مروراً بحوار مع هالة سرحان، بدا فؤاد المهندس وكأنه يُعلن للجميع، من وراء ابتسامته الملتبسة وتعبه الجسدي الحادّ ونظّارته الطبية التي أخفت بعض ملامحه وسخريته، أن اللحظة آتية، وأن الرحيل لا بُدّ منه، وأن الحكايات كلّها، الجميلة والسيئة، الحزينة والمفرحة، يجب أن تنتهي عند هذا الحدّ الفاصل بين حياة وموت، أو بين معلوم ومجهول في الأيام. وإذا <استنفرت> هذه المحطّات جزءاً من برامجها اليومية من أجل فؤاد المهندس، فإنها لم تتردّد، في خلال الأعوام الفائتة، عن بثّ وإعادة بثّ بعض مسرحياته القديمة، الطالعة على عيون المشاهدين من جمالية التصوير التلفزيوني بالأسود والأبيض، كي تُعلن، مرّة تلو أخرى، أن هناك زمناً جميلاً انقضى، وأن هناك زمناً ملتبساً نقيم فيه الآن، وأن هناك زمناً غامضاً مقبلٌ إلينا من مجاهل الغد.

السفير اللبنانية في

29.09.2006

 
 

وغاب فؤاد المهندس

كان امتدادا لأساتذة الكوميديا الجزايرللي وأمين عطا الله وحسن فايق

القاهرة ـ من عبدالفضيل طه:

لحق الفنان الكبير فؤاد المهندس برفيق دربه عبدالمنعم مدبولي الذي سبقه إلي دار البقاء بشهور قليلة، وبرحيل المهندس تكون صفحة ناصعة من صفحات الكوميديا المصرية قد انطوت الي الأبد فقد كان رحمه الله امتدادا لأساتذة هذا الفن الذي قدم البسمة المحترمة والكوميديا الهادفة للشعب المصري.

كان من أهم أساتذة هذه المدرسة مع بدايات القرن الماضي، فوزي الجزايرللي ونجيب الريحاني واستيفان روستي وحسن فايق وأمين عطا الله وكانت بدايات تقديم فن الكوميديا علي أسس علمية عندما كون عزيز عيد فرقة سند 1915 لتقدم هذا الفن وعمد لأمين صدقي بترجمة مسرحيات فيدو مؤلف فن المسرح الكوميدي الفودفيل وضم للفرقة عددا من نجوم الكوميديا في بداياتهم، نجيب الريحاني وحسن فايق واستيفان روستي ومعهم أمين عطا الله المؤلف والبطلة كانت روزاليوسف وكانت أولي المسرحيات المترجمة التي مثلتها الفرقة هي خللي بلك من أميلي علي مسرح برنتانيا ـ وكان هذا المسرح مكان موقع سينما كايرو بالاس حاليا ـ وقدم عزيز عيد في فرقته هذه أول ممثلة مصرية تظهر علي المسرح لتغني وهي منيرة المهدية وكان قبلها كل الممثلات من الشام.

وتوالي بعد ذلك ظهور ممثلين خصصوا في الأدوار الكوميدية مثل أحمد الحداد القديم وهو غير أحمد الحداد الذي عرفناه في ساعة لقلبك بلقب الرغاية وبشارة واكيم وعبدالفتاح القصري واسماعيل يس ومحمود شكوكو وعبدالمنعم ابراهيم وإلياس مؤدب وفتله وسيد سليمان وأمين الهنيدي ومحمد إدريس ومحمد كامل وعشرات غيرهم كما ظهر من الممثلات اللاتي تخصصن في الكوميديا عشرات قد تكون أشهرهن ماري منيب وإحسان الجزايرللي أم أحمد وزينات صدقي ونبيلة السيد وثريا حلمي ووداد حمدي وجمالات زايد وميمي وزوزو شكيب وكان لكل واحد وواحدة ممن ذكرنا وممن لم نذكر شخصية منفردة في الأداء وقد ساعد ظهور السينما المصرية في تقديم هؤلاء الفنانين في صورة طيبة وأكد التليفزيون بعد ذلك وجودهم خاصة الذين لحقوا بإرساله وكان كثير منهم قد انتقل الي رحاب الله قبل دخول التليفزيون مصر سنة 1960.
امتاز فوزي الجزايرللي بأداء أدوار ابن البلد والزوج الذي كان مغلوبا علي أمره أمام زوجته وكان يعتمد في أداء أدواره علي المبالغة في استعمال لهجة أبناء البلد موغلا في الحديث بطريقة توحي أنه لا يعرف شيئا في الوجود إلا الكلام المذوق الذي لا يستند علي منطق وقد ظهرت هذه الخاصية عنده في معظم أفلامه مثل بحبح في بغداد وبحبح و الباشمقاول والدكتور فرحات وغيرها وقد اشتهر في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي باسم بحبح، الذي كان من أحب الشخصيات السينمائية الي قلب المشاهد المصري وكان من المفارقات ان الجزايرللي يقاسم ابنته احسان دور البطولة وكنت تظهر معه في دور بنت البلد ذات المواصفات الجمالية المطلوبة في ذلك الزمن وهي أن تكون ممتلئة الجسم خفيفة الروح ذات لسان طويل، وأخرج فؤاد الجزايرللي نجل فوزي وشقيق إحسان معظم هذه الأفلام، وقد ماتت احسان في شرخ شبابها وأذكر يومها أن فؤاد الجزايرللي كتب مقالا يرثيها وكان عنوانه أبكتني التي طالما أضحكتني . وامتاز فؤاد المهندس بأداء الأدوار التي تتطلب الحركة الدائبة وكان يعتمد في الاضحاك علي حركات الجسد والصوت الجهوري الذي قد يكون صارخا في بعض الأحيان كما كان له طريقة خاصة في استخدام يديه بإشارات معينة وهو يتحدث وكثيرا ما كان يعتمد علي ارتداء ملابس رثة هي أقرب الي ملابس البلايتشو، كما عرفه الناس في السيرك أو في الحارة وكان يتعمد ان يأتي بحركات مضحكة تساعد هذه الملابس علي عمق الاحساس بالكوميديا.

وطريقة فؤاد المهندس هذه تختلف الي حد بسيط مع أداء رفيق دربه عبدالمنعم مدبولي الذي كان يعتمد في الاضحاك علي تكرار الجملة متصنعا عدم الفهم أو يقوم بتوظيف حركات جسمه ونظراته في تعميق ما يريد أن يوصله للجماهير من شحنات كوميدية تؤدي الي اضحاك المشاهد.

ولا شك في أن كلا من المهندس ومدبولي يمتازان بأداء متشابه الي حد كبير فكلاهما شرب من الآخر، فقد تزاملا منذ زمن بعيد في برامج الاطفال الذي كان يقدمه الإذاعي الرائد محمد محمود شعبان بابا شارو ، يخرجها للأطفال، ثم انضم مدبولي الي البرنامج ممثلا ومؤلفا فكانت الصداقة التي دامت بينهما حتي الرحيل وكثيرا ما اشتركا معا في تقديم مسرحيات وأفلام وكثيرا ما أخرج عبدالمنعم مدبولي مسرحيات كان بطلها فؤاد المهندس لهذا أقول أن هناك تشابها في الأداء وان كان لكل واحد منهم شخصيته المتميزة خاصة الي المسرح.

القصري

كان هناك ممثلون سبقوا المهندس ومدبولي في عالم الكوميديا ـ كما قلنا ـ وكان من أشهر هؤلاء عبد الفتاح القصري، والقصري ممثل بارع امتاز في أدائه بإجادة أدوار ابن البلد الفهلوي والذي يفهم في كل شيء حتي وأن كان لا يعرف عن هذا الشيء أي شيء وامتاز ايضا بمشيته التي فيها كثير من الحركة التي تؤدي الي الضحك وحتي عندما كان يخرج من جلباب ابن البلد ويقوم بأي دور تجده لا يستطيع التخلص من هذه الروح الفكاهية التي اشتهر بها ابن البلد في الثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.

بشارة واكيم

عندما بدأ المهندس حياة الهواية في الفن كان من الذين تربعوا علي عرش الكوميديا بشارة واكيم وامتاز بشارة بخفة الروح العالية وكان يجيد الفرنسية إجادة تامة لهذا اكتسب روح الأداء الممكن لقراءاته في المسرحيات الفرنسية وترجمتها واقتباس الكثير من المسرحيات التي قدمها في بدايات حياته مع نجيب الريحاني، أجاد بشارة تمثيل دور الرجل الشامي بلهجته المحببة حتي ظن الكثيرون أنه من أبناء الشام رغم انه مصري من أبناء محافظة سوهاج واسمه بشارة يواقيم.

وقدم بشارة العديد من الأدوار المسرحية والسينمائية الكوميدية وأجاد دور البخيل والانتهازي وقدمها بروح خفيفة جعلت المتفرج يتعاطف معه ويقهقه وهو يشاهده وتوفي بشارة سنة 1949 أي قبل أن يبزغ نجم الراحل فؤاد المهندس وإن كان فؤاد قد شاهد بشارة مسرحيا وسينمائيا لكنه لم يتأثر بأدائه.

محمد عبدالقدوس

ومن الممثلين الفكاهيين محمد عبدالقدوس والد الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس وزوج الممثلة روزاليوسف وكان محمد عبدالقدوس يقوم بأدوار الرجل المحترم لكنه كان يقدمها بطريقة تثير الضحك.

علي الكسار

كان علي الكسار من أشهر ممثلي الكوميديا في بدايات القرن الماضي وكان المنافس القوي لنجيب الريحاني وكان مسرحاهما متجاورين وكانت المنافسة شديدة بينهما لدرجة ان اسماء الروايات التي كانا يمثلانها ترد كل واحدة منها علي الثانية.

وكان مسرح علي الكسار في فترات كثيرة أكثر رواجا من مسرح الريحاني لأن الكسار كان يقدم في مسرحه ابناء الشعب العاديين بينما كان الريحاني يقدم كثيرا من الروايات المقتبسة من المسرح الفرنسي أو يقدم المغلوب علي امره الباحث عن لقمة العيش والذي يقابله دائما سوء الحظ في حين اطلق علي الكسار علي نفسه لقب بربري مصر الوحيد لأنه كان يقلد في كلامه اللكنة النوبية وهو ليس بنوبي لكنه من القاهريين ابناء السيدة زينب ووالدته من طنطا وكان علي الكسار يعتمد في تمثيله علي تقديم الانسان الساذج الذي يقع دائما في مطبات بسبب هذه السذاجة وعندما توفي الكسار في أواسط الخمسينات كان نجم الراحل فؤاد المهندس قد بدأ في الصعود.

اسماعيل يس

لعل واحدا من نجوم الكوميديا لم ينل من الشهرة ما ناله اسماعيل يس الذي لا يزال حتي الان نجما عند المشاهد، واسماعيل يس بدأ مشواره مع التمثيل وإلقاء المنولوجات مع أواخر الثلاثينيات في القرن الماضي، وقد اشتهر في أدائه في استغلال فهمه المتسع خير استغلال حتي اطلق عليه البعض اسم اسماعيل بغه كما كان يعتمد علي حركات جسده والحركة الداخلية النفسية في اظهار الرعب عند أي موقف حتي وأن كان بسيطا، وعند سطوع نجم فؤاد المهندس كان نجم اسماعيل يس قد أخذ في الأفول وأغلق مسرحه وعاد لإلقاء المونولوجات بعد كل النجاح الذي حظي به في المسرح وفي السينما التي قدم فيها أفلاما كثيرة ناجحة.

وكان لنجاحه الكبير هذا الاثر في أن قدمت السينما العديد من الأفلام التي تحمل اسمه مثل اسماعيل يس في الجيش وغيرها وهذه الأفلام لاتزال تجد الرواج والاقبال علي مشاهدتها.

هؤلاء قليل من كثير قدموا فن الكوميديا في مصر وكان فؤاد المهندس واحدا منهم بل واحدا من أعظمهم.

البداية

ولد فؤاد المهندس في حي العباسية في يوم 7 ايلول/ سبتمبر سنة 1924 لوالد هو زكي المهندس الذي كان واحدا من أقدر أساتذة اللغة العربية في المدارس الثانوية ثم انتقل استاذا بكلية دار العلوم وكان من خيرة اساتذتها حتي وصل الي منصب عميد الكلية وما أدراك ما عميد دار العلوم ان هذا المنصب لم يكن يظفر به إلا عالم لا يشق له غبار في عالم اللغة العربية وقد كان زكي المهندس هذا الرجل اختير عضوا في مجمع اللغة العربية مجمع الخالدين .

أما والدته فقد كانت ربة بيت من سيدات المجتمع في ذلك الوقت وقد تفرغت لتربية فؤاد وشقيقته درية وصفية وشقيقه سامي.

وقد أحسن الوالدان تربية الأبناء فكانت صفية المهندس من رائدات الإذاعة ووصلت الي منصب رئيس الاذاعة وقدمت العديد من البرامج الناجحة وهي لاتزال تقدم واحدا منها حتي اليوم وهو الي ربات البيوت اما شقيقه سامي فقد نجح في دراسته وفي أن يكون رياضيا مرموقا فهو كان واحدا من نجوم كرة القدم بنادي الزمالك في أواخر الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي.

البيئة

ان كانت أسرة فؤاد المهندس كان لها تأثيرها في تربيته وتوجيهه فقد كان للبيئة المحيطة به الأثر في أن يكون فنانا فالعباسية في ذلك الزمن كانت من الاحياء الراقية التي سكنها كثير من الفنانين والأدباء نذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر عاصم باشا المحامي والد الموسيقار الكبير مدحت عاصم وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والموسيقار عبدالحميد توفيق زكي وأديب نوبل نجيب محفوظ والأديب احسان عبدالقدوس والمخرج المتميز محمود ذو الفقار وشقيقه عز الدين وصلاح ذو الفقار والصحافي الأديب مصطفي بيومي والذي كان يقيم سهرات فنية تحية للفنانة الكبيرة حياة محمد وكان فؤاد المهندس علي معرفة بهذه البيئة بحكم صداقة والده لكبار القوم في العباسية، وخاصة اسماعيل بك شاكر أحد اكبر أغنياء مصر وكيل نادي الزمالك والذي كانت فيلته مسرحا لتقديم الكثير من ليالي الفن التي يحييها كبار المطربين والمطربات والتي كان يحضرها أبناء الطبقة الراقية في العباسية.

ولعل فؤاد كان من روادها خاصة في بداية الخمسينات عندما كانت هذه الليالي يحييها ابن حي العباسية محمد الموجي ومعه المطرب الناشيء انذاك عبدالحليم حافظ والقاريء الشيخ محمد عمران ولحق بهما المطرب والملحن الناشيء في ذلك الوقت بليغ حمدي ومحرم فؤاد.

عرب المحمدي

وبجوار هذه السهرات شبه الارستقراطية عرف فؤاد المهندس الطريق الي سوق عرب المحمدي بحي العباسية وكان هذا السوق سوقا فنيا يقام كل يوم خميس من الصباح الباكر حتي حلول المغرب.

وكان سوقا يقدم فيه شتي أنواع الفنون الشعبية من غناء شعبي الي رقص الغوازي وغناء الأهازيج ذات الطابع الخاص الذي اشتهر به الغجر في مصر وكانوا في تلك السنوات أواسط الأربعينيات لا تزال لهم دولتهم القوية في عالم الفن، كما كان هناك من يقدم فن الأراجوز والسفيرة عزيزة وعازف البيانولا وغيرها من فنون جذبت أنظار واهتمام كل أبناء حي العباسية والأحياء المجاورة وكان المطربون الشعبيون يأتون كل خميس الي عرب المحمدي من كل أنحاء مصر خاصة الغجر الذين كانوا يسكنون طنطا والمنوفية وكثير من هؤلاء استعان بهم زكريا الحجاوي عندما كان يجوب انحاء مصر بحثا عن كنوزها الفنية الشعبية.

عرف فؤاد المهندس الطريق الي هذه الفنون كما قلنا فكانت زادا له في حياته الفنية التي احترفها بعد ذلك ومن كانت له معرفة بما كان يقدم في عرب المحمدي يجد كثيرا من ملامح شخصيات هذا الحي الفني يستمدها فؤاد المهندس في بعض أدواره خاصة في مسرحية سيدتي الجميلة في طريقة حديثه وتلوين صوته.

صفية المهندس

هناك تأثير آخر في حياة فؤاد المهندس وهو شخصية شقيقته الكبري صفية المهندس فقد كان لصفية نشاطها الفني وهي طالبة في كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية إذ كانت ضمن فريق التمثيل بالكلية عندما اختارها عميد الكلية لبطولة اكثر من مسرحية كانت تقدم في نهاية العام الدراسي بالكلية ومن هذه المسرحية هملت وسيدات وندسور لشكسبير.

هذه البيئة المتنوعة في فنونها واهتماماتها ولد فيها فؤاد المهندس، والد عالم في اللغة العربية شقيقته تهتم بالأداب خاصة الغربية وتقدم بعض التجارب المسرحية حي يموج بأنواع الفنون الأرستقراطية والشعبية فكان لابد من أن يكون النجم فؤاد المهندس الذي عرفناه بعد ذلك.

القدس العربي في

06.10.2006

 
 

وغاب فؤاد المهندس (2-2)

بابا شارو قدمه كممثل لأول مرة في برامج الأطفال وبرنامج ساعة لقلبك سبب تألقه

القاهرة ـ من عبدالفضيل طه:  

ولد فؤاد المهندس في حي العباسية يحيط به كل هذا الجو الفني فلابد من أن يكون عاشقا للمسرح والسينما ويعرف نجومها وكان فؤاد المهندس هو الشاب الذي عشق الريحاني عن طريق سماع مسرحياته التي كانت تذاع في الراديو في ذلك الزمن البعيد.

وذات يوم وبعد ان أتم دراسته الابتدائية اصطحبه زميل دراسته مصطفي ابن الزيدي باشا أحد كبار رجال الجيش في ذلك الوقت ورئيس اتحاد الملاكمة وأحد كبار الشخصيات التي تسكن حي العباسية اصطحب مصطفي المهندس الي مسرح الريحاني وخرج فؤاد من المسرح وهو يحلم بأن يكون يوما ممثلا كبيرا مثل الريحاني وعندما حصل علي التوجيهية الثانوية العامة الآن أراد أن يلتحق بمعهد التمثيل القديم لكن والدته رفضت لأنها كانت من سيدات ذلك الزمن صارمة حازمة وتحول فؤاد عن حلمه والتحق بكلية التجارة، لكنه لم ينس هوايته الأولي فكان ان التحق بفرقة التمثيل بالكلية ونبغ في تقديم أدواره حتي اصبح رئيسا للفرقة.

طوال هذه الفترة لم ينقطع فؤاد المهندس عن مشاهدة مسرح الريحاني ووصل الاعجاب به لدرجة انه كان ينتظره كل يوم أمام باب المسرح ليمتع ناظريه برؤية الرجل الذي اعتبره استاذه الأول في التمثيل واستطاع المهندس اقناع الريحاني ان يخرج لفرقة كلية التجارة التمثيلية مسرحية حكاية كل يوم وكان من المفروض بالطبع ان يقوم فؤاد المهندس بدور البطولة في المسرحية لكن القدر كان له رأي آخر فتوفيت والدته في نفس اليوم وضاعت عليه فرصة العمر كما كان يردد دائما وفازت كلية التجارة يومها بكأس يوسف وهبي الذي كانت تتنافس عليها كليات الجامعة المختلفة لكنه لم يكن هو البطل وان كان له فضل الاستعانة بأستاذ الكوميديا نجيب الريحاني كمخرج للعمل.

كانت هذه المسرحية بداية صداقة قوية بينه وبين استاذه فكان فؤاد دائما مع الريحاني يشاهد مسرحياته ويسمع نصائحه ويتعلم منه وكان في ذلك الوقت قد حصل علي بكالوريوس التجارة وعين في رعاية لشباب بالجامعة وبحكم وظيفته هذه قام بإخراج العديد من المسرحيات لمختلف كليات الجامعة والتحق في نفس الوقت بالمعهد العالي للتمثيل وحصل علي شهادته عام 1949.

في الإذاعة

في قمة فوران حبه للتمثيل كانت شقيقته صفية المهندس قد اقترنت بالاذاعي الكبير محمد محمود شعبان بابا شارو الذي كان يقدم بعض التمثيليات الإذاعية في برنامجه للأطفال هذا حديثكم يا أطفال يقدمه لكم بابا شارو وانتهز فؤاد المهندس هذه الفرصة وطلب الاشتراك في هذا البرنامج بالتمثيل وبالفعل كان له ما أراد وقدم العديد من الأدوار في هذا البرنامج وكان أشهرها برنامج أبو فصاده.

وفي هذا البرنامج تعرف علي صديق عمره عبدالمنعم مدبولي الذي كان يكتب بعض الاسكتشات لبرامج الاطفال هذه.

ساعة لقلبك

في عام 1953، كانت الخطوة الأكبر في حياة فؤاد المهندس فقد كان أحمد طاهر الاذاعي القدير قد عاد من إذاعة ال بي بي سي وفي ذهنه أكثر من فكرة لتقديم برامج منوعات كان منها برنامج فكاهي هو ساعة لقلبك قدم أحمد طاهر البرنامج فترة قصيرة ثم أسند الي فهمي عمر مهمة تقدم هذا البرنامج الذي كان من أهم المدارس التي قدمت فن الكوميديا في فترة الخمسينيات.

كان لفؤاد المهندس دور أساسي في هذا البرنامج بفضل صلته القوية بالإذاعة ومن يعملون بها فضلا عن موهبته المتفوقة أصلا، فكان أن قدم مع خيرية أحمد واحدا من أهم برامج ساعة لقلبك وهو محموووود .

وفي هذا البرنامج لمعت اسماء فنية كان لها بعد ذلك باع طويل في عالم الفن الكوميدي شاركوا المهندس الشهرة ومنهم أمين الهنيدي ومحمد أحمد المصري أبو لمعة ومحمد يوسف الفتوة ورشاد ومنصور العبيط وأبوه، والدكتور شديد وفؤاد راتب الخواجة بيجو وغيرهم.

وفي هذا البرنامج صقل المهندس موهبته وزادت جماهيريته فقد كان برنامجا شعبيا محبوبا وكان مسرح الهوسابير الذي يسجل فيه البرنامج يمتليء عن آخره بالجمهور الذي لا يكف عن الضحك ومن هنا كانت انطلاقة فؤاد المهندس في عالم الكوميديا والاستاذية.

كانت ساعة لقلبك هي البداية الحقيقية لفؤاد المهندس لأنه برنامج ناجح ومسموع كما أشرنا وكان شعبيا منذ بدايته المتواضعة عندما قدم لأول مرة شخصيتي سلطان الجزار وحسين الفار في حوارات ابن البلد وما اشتهر به أبناء الأحياء الشعبية آنذاك من نوع من الفكاهة أسموه القافية مثل: يقول الأول يسموك في البيت يرد الثاني اشمعني فتكون الاجابة نوعا من السخرية ثم ازدحم البرنامج بعد ذلك بالنجوم ليكون من أنجح البرامج الاذاعية وظل فؤاد المهندس ينتقل من نجاح الي نجاح في هذا البرنامج حتي سنة 1960، وفي قمة نجاحه هذا لم ينس فؤاد بدايته الإذاعية فظل يقدم مع زوج شقيقته الاذاعي محمد محمود شعبن تمثيليات الاطفال حتي عام 1955 عندما وجد ان صوته وامكاناته الانفعالية لا تتفق وعقلية الاطفال الذين كان بابا شارو يخاطبهم.

في المسرح

كانت هواية فناننا الراحل الأولي كما قلنا وعرفنا في السطور الماضية هي المسرح ولهذا كان نجاحه فيه ملحوظا مع بداياته وجاءته فرصة العمر عندما كون التليفزيون المصري فرقة مسرحية في محاولة لاعادة عصر ومجد المسرح الذي كان قد خبا أشرف علي تكوين هذه الفرق الفنان المثقف السيد بدير وكان فؤاد واحدا من نجوم الفرقة وبدأت رحلة النجاح بمسرحية السكرتير الفني التي اخرجها رفيق دربه عبدالمنعم مدبولي ثم كانت مسرحيات سيدتي الجميلة و أنا وهو وهي و حواء الساعة 12 و ياما كان في نفسي و ليه ليه و سك علي بناتك و هالة حبيبتي و روحية اتخطفت و علشان خاطر عيونك وغيرها كثير، وكثير جدا.

السينما

رغم ان حب المهندس الكبير كان للمسرح إلا انه حقق في السينما نجاحا كبيرا وقدم عشرات الأفلام الناجحة وكانت البداية السينمائية غاية في التواضع، دور صغير في فيلم بنت الجيران اخراج ذو الفقار.

وكان ذلك سنة 1954 وفؤاد في بدايته والسبب في اختياره يرجع الي انه كان جارا للأخوة محمود وعز الدين ذو الفقار وكانا اصدقاء طفولة من هنا لعب هذا الدور في فيلم بنت الجيران بطولة شادية وعمر الحريري وزهرة العلا وسقط الفيلم سقوطا كبيرا لكن هذا السقوط لم يمنع فؤاد من أن يواصل المشوار ويكون مشوارا ناجحا نجاحا كبيرا بعد ذلك فلمع في الدور الثاني في العديد من الافلام نذكر منها الأرض الطيبة و عيون سهرانة و الشموع السوداء و نهر الحب و الغريب .

البطل

في عام 1963 كانت الساحة قد خلت من الأفلام التي يقوم ببطولتها فنانو الكوميديان كان اسماعيل يس قد بعد عن الساحة شيئا فشيئا وشكوكو اتجه الي فن الأراجوز وغيرهما لم يكن فيهم من يتحمل مسؤولية بطولة فيلم كوميدي خاصة بعد موت الرواد الكبار في هذا الميدان تلفت المخرجون حولهم يبحثون عن فنان كوميدي يملأ الفراغ فوجدوا ضالتهم في فؤاد المهندس فكان ان اصبح بطلا لعشرات الأفلام الكوميدية، اختاره نيازي مصطفي بطلا لفيلم الساحرة الصغيرة ثم العريس يصل غدا وأسند إليه فطين عبدالوهاب ملك الافلام الكوميدية بطولة فيلم صاحبة الجلالة ثم عائلة زيزي وعشرات الأفلام غيرها.

الحياة الزوجية

تزوج فناننا الراحل مرتين الأولي من السيدة عفت سرور وأنجب منها ابنين هما أحمد ومحمد والثانية كانت من الفنانة شويكار التي انفصل عنها عام 1983 وعاش بقية حياته أعزب حتي وافته المنية.

القدس العربي في

07.10.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)