عبد الكريم قادري كمن يمسح بالضوء
يفتقر المشهد السينمائي الجزائري إلى أقلام نقدية
تواكب جديده وتضيء وجوهه وتقدّم تجاربه، وما يوجد من
هذه الأقلام يعاني هو الآخر من غياب المنابر الإعلامية
التي تحتضن كتاباته وتحتفي بها. ويأتي عبد
الكريم قادري في
طليعة الأقلام الجديدة التي أعطت للكتابة في الشأن
السينمائي نفسًا جديدًا في الجزائر.
فبعد كتابه "سينما
الشعر/ جدليّة اللغة والسيميولوجيا في السينما"
(المتوسط،
2016)، ها هو يصدر كتابه الثاني "سينما الرُؤى، دراسات
وقراءات في السينما العربية" (منشورات مهرجان الفيلم
العربي بوهران)، في مراوحة بين وجوه صنعت ماضيها
وأسئلة وهواجس وتجارب تطبع حاضرها.
نلمس على مدار الأقسام الخمسة التي ضمّها الكتاب نبرة
العشق التي يكتب بها قادري عن السينما، فكأنها شغله
الوحيد في الحياة، فلا ندري هل نحن بصدد قراءة دراسات
وبحوث عن السينما أم نصوص تنحاز إلى الشعر بموضوعات
سينمائية. من غير الإخلال بما يجب من معلومات وتحليلات
ورؤى.
يجيبنا القسم الأول عن جملة من الأسئلة منها: كيف
قاربت السينما العربية موضوعة العنف؟ ما هي ملامح
الإنسان العربي في سينما الآخر؟ هل هناك سينما عربية
مستقلة؟ ما هو الفيلم القصير وآلياته الفنية؟ كيف تحضر
المرأة في السينما الفلسطينية؟ والطفل في السينما
الجزائرية؟ وما هي المنطلقات الفلسفية والجمالية
للسينما التونسية؟ معتمدًا على نخبة من الأفلام ذات
الوعي بالفعل السينمائي. مفككًا مقولاتها ومشاهدها
وإشاراتها التي تشكل في النهاية خطابها العام.
ولأنّ الهدف العام للكتاب كان رصد الرؤى الجديدة
للسينما العربية، في الحقول المختلفة المتعلقة بها،
فقد حفلت الأقسام الثانية والثالثة والرابعة بقراءات
نقدية لأهم ما أنتج عربيًا من أفلام روائية طويلة
وقصيرة وأفلام وثائقية في السنوات الثلاث الأخيرة. في
مسح يعطي للمتلقي فكرة عن الفتوحات الفنية في هذه
الأقاليم الثلاثة، باعتبارها أكثر الأجناس السينمائية
التي تحظى بالاهتمام في المهرجانات والمحافل المتخصصة
في السينما.
وبالحرص نفسه مسح عبد الكريم قادري في القسم الخامس من
الكتاب الإنتاجات المكتوبة في مجال النقد السينمائي،
رغم قلّتها. وبيّن الانطباعي منها والأكاديمي، ومدى
قدرة كلٍّ منها على المواكبة والإضافة. ذلك أن الكتابة
عن فيلم سينمائي لا يعني تلخيص الفيلم بل قراءة حقله
الدلالي بما يساعد المتلقي، حتى ذلك الذي شاهده، على
إدراك مراميه.
وامتدادًا لهذا الهدف، ضمّ القسم السادس الذي حمل
عنوان "فيوضات السينما" حوارين أجراهما الكاتب مع
مخرجين سوريين، واحد له تجربة ثرية وباع طويل في
السينما العربية، يعيش حاليا داخل سوريا وهو محمد ملص،
والثاني مخرج سوري شاب يعيش خارجها وهو غطفان غنوم،
ومن خلال المقابلتين نعرف كيف يحلم كل واحد منهما، كيف
يفكر، كيف ينظر إلى السينما وما الذي تعنيه له، في ظلّ
الفرق في السن والتجربة والمسار وطرق النضال، في واقع
سوري ينشد الحرية والانعتاق.
يقول عبد الكريم قادري لـ"الترا صوت" إن ما يُنتج
حاليًا من أفلام في الدول العربية مجتمعة، لا يشكل سوى
جزء يسير، مقارنة بما تنتجه دولة غربية واحدة لها
تقاليد سينمائية. "إن آلية الإنتاج العربي على عمومها،
بطيئة، مترددة، متوجسة، ارتدادية، وغير منوعة، حصرت
نفسها بين ما هو تجاري وفج على كثرته، وما هو فني إلى
حد ما، على قلته، ومن المعروف أن القلة مهما كانت لا
تستطيع أن تخلق توجهًا، أو هوية في ظرف وجيز".
ويدعو قادري الذي استعمل هنا مصطلح "سينما الرؤى"
مناقضًا لمصطلح السينما التجارية، صنّاع السينما في
الدول العربية، خاصّة المخرجين، إلى أن يتمسكوا
بالحلم، ويسعوا لفك الارتباط السينمائي بالآخر،
ويحاولوا خلق أفلام عربية تمثلهم وتمثّل نظرتهم وفهمهم
للسينما، "كل من قلّد الآخرين وصل أخيرًا دائمًا". |