شعار الموقع (Our Logo)

 

 

كان تاركوفسكي أشبه بمعجزة.. أحسست فيه بمن يشجعني ويحثّني، بمن يعبّر عما كنت أريد أن أقوله دائمـاً، ولكن من دون أن أعرف كيف أقوله.. تاركوفسكي، بالنسبة لي هو الأعظم.. لقد إبتدع لغـة جديـدة.............. ....... ....... ....... ....... ....... ....... .......  بيرغمـان

يتملكني حزن عميق وصادق في كل مرة أفكر فيها بأندريه. لقد أحببناه كثيراً، ونحن جميعاً ننحني أمامه....... ....... ....... إنطونيوني 

·         باخمـان: وددت سلفاً، أن أسمع إنطباعاتك عن العمل في الخارج..

تاركوفسكي: " الحنين " هو أول فيلم، وبداية أول تماس لي بطقوس العمل في الخارج. إن عملية تصوير فيلم هو أمر عسير في كل مكان بلاشك، لكنني أظن أن الصعوبات بوسعها أن تتغير.

أصعب مأزق هنا في الغرب، وعلى الدوام، هو شحة التكاليف المالية لإنتاج فيلم، وكذلك ضيق الوقت. الجانب المالي، على وجه الخصوص، يضع عراقيل كثيرة في طريق إنتاج العمل الإبداعي. وبسبب شحة التكاليف المالية وعدم كفايتها في تغطية العمل الفني، تبرز معضلة عدم كفاية الوقت.

كلما صورت كثيراً، كلما زادت الكلفة. المـال هنا في الغرب، يلعب دور المستبد. في بلادنا لم أفكر مطلقاً في شيء إسمه الكلفة !.

حين وجهت شركة التلفزيون الإيطالية دعوة لي لتصوير فيلم في إيطاليا، كانت متعاونة معي، ولكن، في كل الأحوال، كانت الميزانية المرصودة لإنتاج الفيلم تكاد تكون شحيحة. فضلاً عن ذلك، لم تكن لدي أية خبرة مسبقة للعمل خارج البلاد. كل ماكنت أملكه، هو موافقتي على العمل فقط.

كان المشروع يحمل صفة ثقافية وليس صفقة تجارية.العمل مع فريق التصوير الإيطالي، ترك لدي إنطباعاً طيباً، وخصوصاً العمل مع الفريق التقني.إنهم فنيون محترفون وأصحاب خبرة، وفي أغلب الظن، أن عملهم في فيلمنا منحهم إرتياحاً كبيراً. لاأريد هنا أن أقارن بين أساليب عملنا وأساليب العمل في الغرب.

إن تصوير فيلم، هو عملية عسيرة وشاقة في كل مكان، بغض النظر عن الظروف. هنا، في الغرب، إقتنعت أن ثمة تبعية إقتصادية مباشرة، وإذا ما سادت هذه التبعية، فإنها ستكون ذات نتائج خطيرة على مستقبل السينما وشكلها الفني.

·     باخمـان : إن فكرة النزاع العنيف بين الإنسان والعالم المحيط به، تشكل محتوى أفلامك الخمس، التي أخرجتها خلال مايقارب العشرين عاماً. فهل تتجلى هذه الفكرة أيضاً في فيلم الحنين ؟

تاركوفسكي : على العموم، وكما يبدو في النتيجة، فإن النزاع دائماً هو أقوى من الإنسان. الأبطال الرئيسيون يكاد يكونوا غالباً، هم الناس الضعفاء، أولئك الذين يتفجر الجبروت من ضعفهم.

النزاع بين الإنسان والمجتمع قائم على الدوام، النزاع بين مزايا هذا الإنسان ومحيطه. بمعنى، أن ثمة علاقات متناحرة تسود بينهما بإستمرار، تلك التي نسميها " النزاع"  .

وفي حالة غياب تلك العلاقات المتناحرة، فلاوجود لشيء إسمه النزاع.
إنني أشعر بمتعة هائلة في العمل مع أبطال كهؤلاء، ممن تكون علاقاتهم بالمجتمع وإرتباطاتهم به، هي الصفة المميزة لهذا النزاع. إنهم يعيشون في هذه الظروف العاصفة، المحيطة بواقعهم، وبناء على كل ذلك، يبرز لديهم الصراع مع محيطهم. بودّي دائماً أن أرصد، وبإستمرار، على أي نحو يحسم هؤلاء البشر نزاعاتهم. هل سيرضخون أم سيظلوا أوفياء لمبادئهم وقيمهم.

·         باخمـان : هل لك أن تحدثنا عن كيفية ظهور فكرة فيلم »الحنين«.

تاركوفسكي : لقد قمت برحلات وجولات الى إيطاليا، وفي عام 1980 عزمت أن أعمل فيلماً، سوية وصديقي الكاتب والشاعر والسيناريست تونيو غويرا. **

في هذا الفيلم، أردت أن أوظف مجمل إنطباعاتي عن تلك الرحلات لهذا الفيلم. البطل الرئيسي "غورتشاكوف " الذي لعب دوره أوليغ يانكوفسكي، هو مثقف روسي يسافر في مهمة الى إيطاليا، وتسمية الفيلم جاءت من كلمة " ناستالجيا " أي، الحنين. وهذه الكلمة لاتعني بالضبط، الشوق الى ذلك العالم الذي يقف بعيداً عنا، والذي لم نستطع أن نتوحد فيه، وإنما تعني أيضاً، ذلك الشوق الى الوطن الأم، الى منزل الطفولة النائي، الى إنتمائنا الروحي.

لقد أجرينا تطورات جوهرية على الحدث ولمرات عديدة في مرحلة كتابة السيناريو وفي مرحلة التصوير. أردت أن أعبّر في هذا الفيلم، عن إستحالة العيش في عالم منفصل. غورتشاكوف، أستاذ تأريخ ذو شهرة عالمية ومعرفة بتأريخ الآثار الإيطالية، تتاح له ولأول مرة، إمكانية مشاهدة الأبنية المعمارية والآثار الإيطالية، تلك التي أصبح خبيراً بها من خلال الصور الفوتوغرافية والرسوم فقط. إلا أنه، وبعد وقت قصير من وصوله الى إيطاليا، بدأ يدرك إستحالة أن يكون الإنسان وسيطاً أو مترجماً أو مختصاً بالإنتاج الفني، مالم يكن هو نفسه جزءاً من هذه الثقافة التي أبدعت وخلقت هذا الإنتاج الفني.

إن هدف رحلته الى إيطاليا، على وجه الخصوص، هو العثور على أثر لأحد الموسيقيين الروس القليلي الشهرة، والذي عاش في القرن الثامن عشر، وهو قن سابق تابع الى كونت روسي، كان قد بعثه الى إيطاليا ليتعلم هناك موسيقى البلاط.

لقد درس في الكونسيرفاتور " معهد عال للموسيقى " عند جان بلتيستي مارتيني، وأصبح موسيقاراً شهيراً، وعاش في إيطاليا حراً طليقاً.

إن أحد المشاهد الهامة في الفيلم، هو المشهد الذي يُطلع فيه غورتشاكوف مرشدته الشابة، والتي تنحدر من أصل سلافي، على الرسالة التي كتبها ذلك الموسيقار وبعث بها الى روسيا، وفيها يعبّر عن شوقه وحنينه الى الوطن.

قال الجميع في ما بعد، أن ذلك الموسيقار عاد الى روسيا، لكنه أصبح مدمناً على الشراب ومات منتحراً.

إن تأريخ إيطاليا وفتنتها فجّر عند غورتشاكوف إنطباعات مذهلة، وأصبح يعاني من عدم القدرة على أن يوحّد في نفسه بين إيطاليا ووطنه روسيا.

كانت الإنطباعات الأولى التي منحتها إياه إيطاليا تحمل طابعاً معرفياً، لكنه سرعان ما أدرك بأن عودته الى الوطن ستضع نهاية لهذه المعرفة، وإن ما سيتبقى منها هو قشرتها الخارجية فقط.

هذا الإحساس فجّر لديه شعوراً بالحزن، خاصة حين أدرك أنه ليس بإستطاعته نسيان تلك الإنطباعات، وإستحالة إستنتاج شيء جديد من المعارف التي حصل عليها في إيطاليا. لقد أصبحت هذه الحالة تزيد وتضاعف من وجعه الروحي.

الحنين، يتضمن في وعي غورتشاكوف، عدم قدرة أصدقائه وأقربائه، أن يشاطرونه إنطباعاته، وهذا ماجعل بقاؤه في إيطاليا معذباً، لكن ذلك في نفس الوقت، أيقظ فيه ضرورة البحث عن صلة قربى بالروح، تلك الروح التي سوف تشاطره معاناته.
فيلم " الحنين " هو نوع من الجدل حول طبيعة الحنين، أو عن طبيعة المعاناة التي تسمى »ناستالجيا« والتي تتضمن معنى أوسع من مفهوم " الإكتئاب ."

إن هذا الإنسان الروسي غورتشاكوف بمقدوره أن ينفصل ويفترق، بعناد كبير، عن أصدقائه أو معارفه الجدد، ولكن شوقه الى إيطاليا صار جزءاً مكوناً لذلك الإحساس الذي لديه، الذي هو الحنين.

·         باخمان : كيف تجسدت في الفيلم، روح القربى تلك، التي كان يبحث عنها غورتشاكوف؟

تاركوفسكي : لقد حاول غورتشاكوف أن يكشف عن إنطباعاته في أول لقاء له مع أحد الإيطاليين، وهو معلم الرياضيات دومينيكو »لعب الدور الممثل السويدي أورلاند يزيغسن« والذي يعتبره أهالي المدينة الصغيرة الواقعة في توسكانيا، أنه رجلاً مجنوناً.

دومينيكو هذا كان قد إحتجز عائلته في منزل منعزل لقرابة سبع سنوات، مهدداً أياهم بحلول نهاية العالم. هذا المجنون الصغير، الحالم الغامض، أصبح كما لو أنه شريكاً لغورتشاكوف.

دومينيكو كان واعياً لأحاسيسه وشكوكه، وكان يعي أقصى حالات القلق الروحي لغورتشاكوف، بل كان مدركاً لكيفية تضخم ذلك القلق !.

كان دومينيكو يبحث بإستمرار عن مغزى للحياة، ذلك المغزى الذي يكمن في مفهوم الحرية والجنون. من جانب آخر، كان هو يمتلك إحساساً طفولياً، وعاطفية غير مألوفة، وتلك صفات لاتوجد لدى غورتشاكوف. إن جرحه الطري الأخير كان ينزف بسبب من أزمته الحياتية العميقة. وهكذا، وكمجنون إيطالي صغير، تجده يحدّق ببساطة في الأشياء، مقتنعاً أن وعيه الباطن ووجدانه المتنور سيعثران، عبر مجمل الوضع العام، على علاج لعلل المجتمع.

السيناريست تونيون جويير كان قد قرأ عن هذه الشخصية في إحدى الصحف، وكنا قد وضعنا في ما بعد وفي وقت متأخر أنا وهو هذه الشخصية في السيناريو، بعد أن أضفنا عليها شيئاً من السحر الطفولي. إن صدقه الطفولي في معاشرة العالم المحيط به، يذكرنا بصدق ويقين الطفولة.

دومينيكو، كانت تشغله فكرة إنجاز طقس ما، وهو أن يحمل بيده شمعة مضيئة ويسير في حوض ماء ساخن، في حمـّام روماني قديم وضخم يقع في قلب ريف توسكانيا. لقد حاول غورتشاكوف القيام بذلك في وقت متأخر جداً بدلاً عنه، أما دومينيكو فقد كان يعتقد بأن المعضلة بحاجة الى فعل أكبر، الى وجوب تقديم ضحية أكبر. وهكذا سافر الى روما، وتسلق تمثال مارك أفريل وألقى خطبته المؤثرة وسط جمع من المجانين، عن محنة البشر وعدم قدرتهم على التوحد، ومن بعد صب الزيت على جسده وأحرق نفسه. وقد أنجز ذلك الطقس بإيمان هادىء في الخلاص.

·         باخمان : هل ثمة ميزات محددة لدى أبطالك الرئيسيين، تجعلك تقارن بينهم؟

تاركوفسكي : دعنا نقول هكذا، إن أكثر ميزة أعشقها في الناس، هي الثبات الذي يمتزج بالجنون والعناد، في محاولات للوصول الى صفاء أكبر، هذا العناد الذي ينبغي أن يوصف بالأمل.

·         باخمان : ألا تجد أن العلاقة التي تربط بين بطلين، هي حصيلة لأحاسيسك الذاتية ؟

تاركوفسكي: غورتشاكوف ينظر الى دومينيكو المجنون على أنه شخصية متماسكة ومنطقية. دومينيكو كان يؤمن في كل ما يفعل، في حين كان ينقص غورتشاكوف ذلك الإيمان، لهذا تجده مشدوداً الى دومينيكو. وهكذا، وبفضل تطور علاقتهما، أصبح دومينيكو شريكه الذهني.

إن أشد الناس قوة في الحياة، هم أولئك الذين نجحوا في أن يحفظوا الصدق الطفولي والثبات الوجداني، في أرواحهم حتى النهاية.

·      باخمان: من الواضح أن لديك أسساً ما إعتمدت عليها في تصوير فيلم كهذا، حيث يبرز وبجلاء، مغزى الإنعتاق من التوتر الداخلي ؟

تاركوفسكي : الجوهري عندي، هو أن أظهر للناس وبإستمرار عظمة وقدسية المعاشرة.

حين يقبع الإنسان في ركنه، فإنه يحيا فقط لذاته، وما الهدوء الذي يغزو كيانه إلا محظ خداع. فقط، حين يرتبط إثنان في تماس ما، عندئذ تبرز مشكلة ما الى السطح : كيف يمكن تعميق هذا الإرتباط؟

إن فيلمي يعالج أولاً، وقبل كل شيء، طبيعة النزاع بين شكلين من الحضارة، أسلوبين مختلفين للحياة، نمطين مختلفين للتفكير. كما يتحدث هذا الفيلم ثانياً، عن تلك العقبات التي تبرز في العلاقات بين البشر، ومثال على ذلك، العلاقة التي تنشىء بين غورتشاكوف ومرشدته الشابة، وهي تكاد تكون قصة حب غير مكتملة، بسبب أن قيام علاقة حب بينهما هو أمر مستحيل. لقد أردت أن أظهر تلك الإستحالة في قيام علاقة أو صعوبتها مع »الآخر« بسبب أنك لاتعرف عنه سوى القليل !. من السهل إقامة علاقة بين إثنين، لكن الصعوبة تكمن في جدلية فهم أحدهما للآخر.

إذا كانت هذه الفكرة قد عولجت تحت تأثير وجهة نظر كهذه، فهذا يعني أن الفيلم أظهر إستحالة توريد وتصدير الثقافة أيضاً !.

نحن في بلادنا نبالغ حين نعتقد إننا نعرف " دانتي " أو " بيترارك "، فهذا شيء خاطىء.

والإيطليون يرتكبون الخطأ نفسه، حين يظنون أنهم يعرفون " بوشكين ". فإذا إفترضنا إن مسألة " المعرفة " هذه، هي مسألة غير جوهرية، فهذا يعني أنه لاتوجد إطلاقاً، إمكانية لنقل ثقافة شعب الى ثقافة شعب آخر.

إن عذابات غورتشاكوف تبدأ فقط، حين يصبح لديه يقين تام بإستحالة قيام علاقات حقيقية بين الناس. لذا نجده يقوم في البحث عن شريكه الذهني دومينيكو، الذي يعاني من حالة فصام داخلي، والذي يضحي بحياته من أجل البحث عن الخلاص. الجميع ينظر الى دومينيكو على أنه مجنون، وربما هذا هو الواقع. إلا إن أسباب جنونه، أحاسيسه وردود أفعاله، كلها مألوفة وطبيعية تماماً بالنسبة لغورتشاكوف.

لقد بدت لنا شخصية دومينيكو، خصوصاً في أوقات التصوير، قوية ومحسوسة جداً. وقد جسّد قلق غورتشاكوف بوضوح تام، وجسد أيضاً، إستحالة قيام علاقات حقيقية بين الناس. لقد إستطاع دومينيكو، وعلى درجة محددة، أن يعبر عن " الخوف " الذي نشعر به جميعاً، والذي نحن مكرهون على أن نحياه. الخوف الذي نقع تحت هيمنته، ونحن بإنتظار زمن مقبل آخر.

الجميع قلقون حول المستقبل، وفيلمنا يتحدث عن هذا القلق وعن " لامبالاتنا ". إنه دعوة الى السعي لتطوير مسلكنا الإعتيادي. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل قلقنا هذا، فإننا لم نصنع شيئاً، وما أنجزناه هو قليل جداً، ويلزمنا أن نتابع العمل أكثر.
إن أفلام مخرج مثل سبيلبيرغ *** مثلاً تجلب جمهوراً واسعاً وتدر أموالاً خيالية، لكن سبيلبيرغ نفسه ليس فناناً، وأفلامه ليست أعمالاً إبداعية. لو قدّر لي أن أعمل أفلاماً كهذه، عن أشياء لاأؤمن بها، فإنني سأموت من الرعب حتماً.

الفن أشبه بجبل، تعلوه قمة، وفي أسفله يمتد سهل فسيح. الذي يقف في أعلى القمة لايمكن أن يفهمه الجميع. أنا لاتشغلني كثيراً مسألة الجمهور. لكن، هل يعني هذا أني أستخف بإدراكه؟

أنا لاأفترض أن الجمهور هو جمع من الأغبياء، ثم أنني واثق بأنه لاوجود لمنتج سينمائي واحد في العالم لديه الإستعداد أن يوظف خمسة عشر كوبيكاً لأفلامي، فيما إذا أوعدته بتصوير روائع فنية. إنني، وبكل بساطة، أوظف في كل فيلم، كل طاقاتي وإلتزاماتي.

وأظن أنني وبطريقتي الخاصة، إستطعت أن أجتذب إنتباه الجمهور، من دون أن أغيّر من مبادئي. أنا لست ذلك النموذج الذهني الذي يتبخر في الهواء، ولست من سكنة كوكب آخر.

على العكس من ذلك، إنني أحس بإرتباط حميم يشدني الى الأرض والى الناس. بإختصار، إنني لاأريد أن أبدو أكثر أو أقل من ذلك المثقف الذي في.

إنني أقف على رصيف واحد حيث يقف المتفرج، لكن، لديّ وظيفة أخرى. والمهمات التي لدي، مختلفة عن تلك التي لدى المتفرج. والشيء المهم لديّ، هو ليس أن أصبح مفهوماً من قبل الجميع.

إذا كان الفيلم هو أحد الأشكال الفنية، وأنا واثق أننا متفقون على ذلك، فهذا يستلزم منا أن لا ننسى، أن الإنتاج الفني لايمكن إعتباره سلعة إستهلاكية، بل على العكس، إنه ذلك الحد الأقصى من الإبداع، الذي يتم فيه التعبير عن الغايات المثلى المتباينة لعصرنا.

الإنتاج الفني، هو الذي يقوم بتشكيل الغايات المثلى للزمن الذي نحيا فيه. ومن غير الممكن إطلاقاً، أن يبلغ الجميع تلك الغايات بيسر. إن بلوغها أو محاولة الإقتراب منها، يستدعي من الإنسان أن ينضج ويتنور روحياً في الأقل. الذاكرة " عوضاً عن إستخدام المنطق الذاتي " الخاص ". إنني أبحث عن شكل كهذا، ينطلق من الحالة المطابقة للواقع والوضع الروحي للأنسان. بمعنى، ينطلق من تلك العوامل التي يظهر تأثيرها على الإنسان. وهذه هي الشروط الأولى للتعبير عن الحقيقة السيكولوجية.

·         باخمان : هل إن منطق الذات، هو ذاته، الحدث، في الفيلم ؟

تاركوفسكي: ثمة سؤال يُطرح عليّ بإستمرار وهو، ماذا تعني " الأشياء الشخصية، المواد التي يستخدمها الإنسان، لوازمه الصغيرة، وغيرها " تلك التي أستخدمها في أفلامي ؟

إن هذا السؤال يثير فزعي حقاً. الفنان غير ملزم إطلاقاً في الإجابة عن مقاصده، وأفلامي لاتتمخض عن إدراكات أو معان ما.. أنا لاأعرف كيف يفسرون رموزي.
الشيء الوحيد الذي أريده، هو إيقاظ المشاعر والأفكار إزاء الحياة التي نحياها، أياً كانت، ومحاولة دفعها نحو الحنان في عالمكم الداخلي. في أفلامي، هناك على الدوام، محاولة للعثور على أسرار للفكرة. من الصعب تصوير فيلم ومحاولة إخفاء فكرته. أفلامي لاتعني أي شيء سوى الشيء الذي تحتويه. لكن، في بعض الأحيان، يستحيل سبر أغوار ما إستطعنا أن نعّبر عنه، والكشف عن إبعاده البسيطة.

·     باخمان : في أفلامك، غالباً ما تستخدم »الرحلة« كمجاز. وهذا مايمكن أن نجده متجلياً في فيلم »الحنين« أكثر من أي فيلم آخر من أفلامك. هل تأملت نفسك كرحّال؟

تاركوفسكي : يوجد نوع واحد فقط من الرحلات.. الرحلة الى العالم الداخلي.
أنا لست من أولئك الذين يؤمنون بأن كل رحلة تنتهي دائماً بالعودة. لايمكن للإنسان على الإطلاق، أن يعود الى نقطة الإنطلاق، ذلك أنه في غضون هذه الفترة، يكون قد تغيّر هو نفسه. وطبيعي، أن من المستحيل الهرب من النفس ذاتها. إنه ذلك الشيء الذي نحمله في ذواتنا، منزلنا الروحي الذي هو مثل السلحفاة وصدفتها. الرحلات عبر العالم كله، ماهي سوى أسفار رمزية. وأينما وجدت نفسك، فإنك سوف تستأنف رحلة البحث عن روحك.

·     باخمان : من أجل البحث عن الروح، ينبغي على الإنسان أن يمتلك إيماناً قوياً بروحه. يبدو لي بأن الجميع اليوم، مرهونون بشروط خارجة عنهم، بتلك الأفكار التي تظهر في الخارج.

تاركوفسكي: نعم، أنا أيضاً لدي هذا الإحساس. إن البشرية قد كفّت عن الإيمان بنفسها.

أريد القول، ليس البشرية نفسها، بل كل فرد على حدة. حين أتأمل إنساننا المعاصر، أجده مثل منشد في جوقة، يفتح فمه ويغلقه على إيقاع الأغنية، لكنه، هو نفسه، لايطلق صوتاً. الآخرون كلهم يغنّون، أما هو فإنه يحاكي الأغنية، مؤمناً فحسب، أن الآخرين يغنّون !. في حالة كهذه، لم يعد هو ذاته، مؤمناً بمغزى أفعاله.

إن الإنسان المعاصر اليوم، يحيا دون أمل تماماً، دون إيمان في أنه يستطيع، عبر أفعاله، التأثير على المجتمع الذي يعيش فيه.

·         باخمان : إذاً، في وضع كهذا وفي عالم كهذا، أي مغزى يمكن أن يقدمه الفيلم ؟

تاركوفسكي: المغزى الحقيقي للحياة ينحصر، في السعي المطلوب من أجل إغناء أنفسنا روحياً، في أن نتغير ونصبح أناساً آخرين غير الذي كنا عليه بعد ولادتنا.

إذا إستطعنا بلوغ هذا في الزمن الفاصل بين الموت والميلاد، مع إن هذا صعب وفرص النجاح فيه ضئيلة، نكون حينها قد قدمنا فائدة ما الى الإنسانية.

·         باخمان : هل تعتقد أن مفهوم »الزمن« اليوم، هو آلة قياس للتعبيرعن إدراك الوجود ؟

تاركوفسكي: أنا مقتنع أن الزمن لايعتبر مقولة موضوعية. لاوجود للزمن بدون إدراك الإنسان له. نحن لانعيش اللحظة، وهذه اللحظة قصيرة وقريبة من الصفر، ولكن لايمكن إعتبارها صفراً، لسبب واحد هو، أنه لاتوجد لدينا، ببساطة، إمكانية لإدراك هذا.

الأسلوب الحقيقي لإجتياز هذه اللحظة، هو حين نسقط في الهاوية. نحن نحتل موقعاً كهذايقع بين اللحظة، الحياة، المستقبل، النهاية. لذا فإن الحنين هو ليس إشتياقاً الى زمن ماض. الحنين، هو إحساس بالشوق الى حيز من الزمن ولىّ عبثاً، بسبب أننا لم نستطع الإعتماد على قوانا الروحية، وبسبب أننا لم نسعى الى تنظيم هذه القوى، لكي تنجز واجبها. 

* أجرى هذه المقابلة، الصحفي السويدي جيديون باخمان، ونشرتها المجلة السينمائية السويدية »شابلن«كانت بداية لقاء باخمان بتاركوفسكي قد جرى عام ٢٦٩١ وهو العام الذي تسلّم فيه تاركوفسكي جائزة »السعفة الذهبية« عن فيلمه »طفولة إيفان«وقد تابع هذا الصحفي مسيرة العشرين عاماً من عمل المخرج، تلك التي شكلت رحلة تاركوفسكي الإبداعية، من خلال مشاهدة أفلامه ولقاءاته معه في المهرجانات السينمائية. سافر باخمان عام ٢٨٩١ الى روما، في الوقت الذي كان تاركوفسكي هناك يقوم بالتهيئة والتحضيرات لفيلمه »الحنين«، وقد لازمه باخمان طوال فترة التصوير، وهناك أجرى معه هذا اللقاء.


** تونيو غويرا، هو أحد أهم كتاب السيناريو في السينما الإيطالية، ومن أهم أفلامه التي كتب سيناريوهاتها:


»المغامرة »و »الليل«و »إنفجار«وكلها من إخراج مايكل أنجلو إنطونيوني


»قضية ماتي «وهو من إخراج فرانشيسكو روزي


»أماركود «الذي أخرجه فيليني. وفيلم »ليلة سان لورنزو «للأخوين تافياني.

شارك غويرا تاركوفسكي في كتابة سيناريو »الحنين«


*** ستيفن سبيلبيرغ، مخرج سينمائي أمريكي، إشتهر بأفلام الخيال العلمي والفنتازيا. أخرج فيلم »الفك «عام ٥٧٩١ المقتبس عن رواية ميلفل »موبي دك«، وفيلم آخر بعنوان


»المنطقة المعتمة- السينما «عام ٣٨٩١، و»إمبراطور الشمس«عام٧٨٩١، وفيلمه الشهير »المنتزه الجوراسي ٣٩٩١ الخيالي العلمي، الذي يتمحور موضوعه حول إثارة الرعب من خلال الغوص في عالم الديناصورات، وقد حقق الفيلم أرباحاً خيالية وقياسية، ٠٠٢ »مليون دولار في ثلاث أسابيع عرض« ! الخ. الجدير بالملاحظة أن تاركوفسكي كان يتحدث عن سبيلبيرغ قبل فترة صعوده السريع سلالم هوليود الذهبية...

الأيام البحرينية في 21 سبتمبر 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

تاركوفسكي

لاأؤمن بوجود شكل فني لفيلم يفهـمه الجميع

أجرى المقابلة جيديون باخمان*

ترجمة- علي كامل (خاص ملحق سينما)

بيرغمان وصفه بالمعجزه .. ولا أحد يختلف في عبقريته

راهب السينما الروسيــة.. تلمس موته من خلال أفلامه  

* ولـد أندريه أرسينوفج تاركوفسـكي في ٤ نيسان من العام ٢٣٩١ في قرية »زفراشيا« قرب مدينة »ايفانوفا«شمال شرقي موسـكو. واله هو الشاعر والمترجم المعروف ارسينيا

* تاركوفسـكي. والدته مايا ايفانوفنا فيشيناكفا. لكن بعد إنفصال والديه، عاش اندريه واخته عند امهما التي اخذت تعمل كمصححة في إحدى المطابع.

            * في العام ٩٣٩١ بدأ التعليم في المدرسة الإبتدائية بموسكو، ولكن عند بداية الحرب قطع

دراسته ورجع الى قريته عند امـه، ولكن خلال فترة الحرب كانت العائـلة مضطرة لإخلاء المكان، فعاشوا عند أقرباء لهم لفترة من الوقت. وفي العام ١٥٩١ بدأ الدراسة في معهـد موسكوللدراسات الشرقية، لكن بسبب إصابته بإرتجاج في الدماغ قطع دراسته قبل إنهائها، ثم أصبح عاملا في حلقة للبحث العلمي في معهد الذهب بجمهورية قرغيزيان حيث عمل ما يقارب السنة عند نهر »كوريكا« في إقليم توروخان.

* في العام ٤٥٩١ بدأ دراسته بمعهد السنما لعموم الإتحاد السوفيتي بموسكو »فـكـيـك«، وتتلمذ على يد المخرج والمنظر السينمائي الكبير»ميخائيل روم« الذي يُعد أهم معلميه. كما يبدأ في تلك الفترة بتحليل أفلام المخرج الأسباني السوريالي »لويس بونـويل« والسويدي

»إنغمـار بيـرغمـان«، ويبدا صداقته الأبداعية مع »اندريه ميخائيلكوف-كونجلوفسكي« الذي هجر التحاد السوفيتي الى أميركا فيما بعد، لكنه عاد بعد سقوط النظام السوفيتي لاحقا،

فكتبا معا سيناريوهات سينمائية مشتركة منه:»ملعب التزحلق والكمان« و»اندريه روبلوف«.

وفي العام ٩٥٩١ حقق مع »الكسندر كوردون« فلما تلفزيونيا هو »اليوم لن تكون إستقالة«.

* في العام ٠٦٩١ ينهي دراسته بمعهد السنما ومعه دبلوم في الإخراج، وكان فلم تخرجـه هو »ملعب التزحلق والكمان«، والذي فاز بالجائزة الأولى في مهرجان الأفلام الطلابية الذي أُقيم في نيويورك عام ١٦٩١ .

* وفي العام ٢٦٩١ ياخذ على عاتقه مواصلة لإخراج فيلم »طفـولـة إيفــان« الذي كانت قد بدأته مؤسسة السينما »موسفيلم« عن قصة للكـاتب »فلاديمير بكومولوف«، وكانت المؤسسة قد أوقفت عمل المخرج »أبالوف« فيه. فأعـد تاركتوفسكي سيناريو جديد للفيلم، وبعدما أنهاه، شترك به في مهرجان البندقـية السينمائي لعام ٢٦٩١ ففاز بالجائزة الأولى. وكذلك فاز بجائزة النقاد البولونية وفي العام ٣٦٩١ فاز الفيلم باربعة جوائز عالمية أخرى.

وبعد هذا الفيلم كتب النقاد الغربيون عن تاركوفسكي بأنه أهم مخرج سينمائي روسي، كما كتب »جان بول سارتر« عن هذا الفيلم دراسة طويلة.

* في العام ٤٦٩١ يبدأ تاركوفسكي في تصوير فيلم عن حياة رسـام الأيقونـات »اندريـه روبلـوف« ، والذي ستطاع إنهائه بعد جهد في نهاية العام ٦٦٩١ وتجهيزه للعرض، لكن الفيلم تعرض للنقـد الحاد من قبل اللجنة الرسمية لمؤسسة السينما والتي تضم عادة عددا من المسؤولين الشيوعيين الحزبيين من السينمائيين، حيث تم الإعتراض على عرض تاركوفسكي لمسار الأحداث التاريخية، وكذلك على مشاهد العنف فيه، فتقرر حذف مشاهد عديدة منـه، وكرد فعل يقوم تاركوفسكي بالحذف ويبالغ فيه. ورغم ذلك تعطل عرض الفيلم، فلم يجـد

طريقه للعرض الجماهيري إلا بعد سنوات، فاحتجاجا على الموقف السوفيتي الرسمي مـن فيلم »اندريه روبلـوف«يعرض في العام ٩٦٩١ خارج المسابقة الرسمية بمهرجان »كان« ويحصل على جائزة التقاد العالمية. وفي العام ١٧٩١ فقط يعرض الفيلم في دور العـرض السوفيتية، وبعد عامين، أي بعد سبع سنوات من إنجازه، تُقرر الجهات الرسمية إدراجـه ضمن أفلامها للبيع خارج البلاد.!!

* منذ بداية العام ٨٦٩١ ينشغل تاركوفسكي بالإعداد والتخطيط لفيلم مغامـرات علميـة بالإستناد للرواية العلمية الخيالية » سولاريس« للكاتب البولوني » ستانيسلاف ليـم«.

وفي العام ١٧٩١ يبدأ بتصوير فيلم »سولاريس«، كما يبدأ بكتابة يومياته ومذكراته والتي نشرت بالألمانية قبل الروسية بعد موته!! وفي مذكراته، التي إعتمدنا عليها ايضا عند كتابة هـذه السيرة الإبداعية، يكتب تاركوفسكي عن هموم العمل ومعاناته من البيروقراطية السوفيتية، خاصة داخل مؤسسة السينما. وبالرغم من ان المذكرات جاءت متوترة في بعض صفحاتها وغير منصفة بحق البعض أحيانا، لكنها رغم ذلك تبقى شهادة قوية ومؤثرة ضد كل هؤلاء عديمي الموهبة وأشباه المثقفين الذين يحتلون مراكز، ومواقع إدارية وحزبية كبيرة، هؤلاء الذين يحاولون ان يؤطروا عمل الفنان المبدع ضمن ايديولوجيتهم المادية!..

وحينما ينتهي من العمل في فيلم »سولاريس« يعرض في مهرجان »كان« بصفة رسمية باعتباره الفيلم السوفيتي الرسمين فيحصل على جائزة النقاد، وكذلك يحصل على جائزة مهرجان لندن، وجوائز أخرى.

* في العام ٤٧٩١ ينتهي من فيلم »المــرآة«، وهـو سـيرة ذاتيـة شـديدة التعقيـد.

وقد قُوبل الفيلم بالبرود والسلبية لذاتيته الكثيفة ذات الطابع الفرويدي، وكذلك لإلغائه الجوانب الدرامية التقليدية، ولغموض الحبكة وغرابة طريق السرد السينمائي، مما أدى لسوء فهـم كبير ولتفسيرات متشنجة، رغم ان الفيلم نال جائزتين، ولكن في وقت متاخر.

وقد كتب تاركوفسكي في مذكراته بأن المخرج الايطالي »ميخائيل أنجلو أنتونيوني« كان في موسكو عام ٥٧٩١ وانه طلب شخصيا مشاهدة فيلم»المـرآة«، فلم يستجيبوا لطلبه إلا بعد أن هدد بمغادرة المهرجان!!..وقد أعجب الفيلم »أنتونيوني« جدا فطلب مقابلة تاركوفسكي مباشرة، لكن المسؤولين في المهرجان وفي مؤسسة السينما عطلوا حصول مثل هذا اللقاء، متحججين بتعذر الآتصال بتاركوفسكي، لأنه ذهب الى بيته الصيفي ولا يمكن الاتصال به، حتى ولو تليفونيا.

* في العام ٧٧٩١-٦٧ يبدأ تاركوفسكي إخراج فيلم »ستالكـر« المأخوذ عن قصة »نزهة على الطـريق الجانبي« للكاتبين الأخوين »أركاديا وبوريس سـتروكاتصي«، وهو آخـر فيلم له في الاتحاد السوفيتي. وكان قد صوره بمكان قريب من »تشرنوبل« التي اشـتهرت في العام ٦٨٩١ بعد إنفجار احد المفاعل النووية في محطتها.

يعتبر فيلم »سـتالكـر« إنعطـافة مهمـة وكبيـرة في مسيرة تاركوفسـكي الإبداعيـة.

فهو يكتب في يومياته: هذا الفيلم جديد نوعا ما بالنسبة لي لأنه بسيط من ناحية الشكل، وكذلك تقليدي من ناحية ربط الوظائف الفيلميـة. إنه فيلـم عن تجسيد الإلهي في الإنسان، عن إنهيار الروحانية بسبب سيطرة العلوم المزيفة، أنا خائف
من المستقبل، من الصينيين، من الطوفان.. من قيامة الشؤم والدنس..ياآلهي أمنحني القوة على الإيمان بالمستقبل،(ويكتب ايضا: ياآلهي..إنني أشعر بقربك مني..أشعر بيدك الرحيمة تمس رأسي، إنني أريد اأن أرى عالمك مثلما خلقته أنت.. والناس مثلما إبتدعتهم أنت بقدرتك..إنني أُحبك ياآلهـي،.. أحبك بلا طمع في شيء، غير ان رذائل غضبي وآثامي، وعتمة روحي الدنيئة، هي التي تعيقني من أن اكون خادمك الجدير والمقتدر..ياآلهي ساعدني، وأعف عني ياآلهي.، وفي مكان آخر يكتب:ولكن ما هـو الاختلاف بين توماس مان ودستويفسكي؟ الإلحـاد؟ ربمـا لأن توماس مان »يفـهـم« تقريبا الكثير عن »اللـه« بيما دستويفسـكي يريد ذلك لكنه لا يستطيع أن يؤمن باللـه. بهـذا الهاجـس أخـرج تاركوفسكي فيلم »ستالكـر«.

* فـي هذا العام نفسه يسافر الى ايطالياللإتفاق على إخراج فيلم »رحلة الى ايطاليا«، والذي غير أسمه الى »الحنيـن - نوستالجيا«. وهناك يلتقي أنتـونيوني، فليـني، وروزي.

وهناك يبدأ تصوير المشاهد الخارجية من الفيلم. يكتب في يومياته بتاريخ في عام ٩٧٩١: أشعر أنني وحيـد، وهذا الشعور يكون مرعبا حينما تعـي بأنك وحيد، وأن هذه الوحدة تعني المـوت..إن الجميع خانوني أو يخونونني، إنني وحيد كليا..لا أود أن أعيش.إنني خـائف.. أصبحت الحياة بالنسبة لي لا تطـاق«!

تاركوفسكي في منفاه الإختياري، إذ قرر عدم العودة الى الاتحاد السوفيتي. وكان إتخـاذ مثل هذا القرار منطقيا، لا سيما حينما يتعرف المرء على طبيعة الحياة القاسية التي كان يعيشهـا مع عائلته، سواء من الناحية المادية، أو بسبب المضايقات التي كان يتلقاها من قبل المسؤولين الذين كانوا يسعون دائما الى إعاقة عمله الإبداعـي. وقـد دون فـي يومياته تفاصيل مؤثرة عن حياته وهمومه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحوار في جزئه الثاني

على موقع "إيلاف"

https://elaph.com/ElaphWeb/ElaphScreen/2005/7/77942.html