لم يكن مفهوم «النجومية» معروفا في السنوات الاولى لظهور السينما الاميركية منذ أكثر من مائة عام. بل ان الاشخاص الذين كانوا يظهرون في الأفلام السينمائية الاولى لم يكونوا يعتبرون انفسهم ممثلين بمعنى الكلمة، وبالتالي فإن فكرة «النجومية» لم تكن واردة على الاطلاق، وكان هؤلاء الاشخاص ينظرون الى أنفسهم باعتبارهم حرفيين يقومون بدور معين في عملية انتاج الفيلم وليسوا ممثلين في عمل فني، وكانوا عند الحديث عن مهنتهم يقولون انهم «يظهرون» امام الكاميرا. وكان «الفن» الذي مارسه هؤلاء «الممثلون» نوعا من البانتومايم او التمثيل الايحائي الذي كان يفرضه عليهم مخرجون كان يطلق عليهم في بعض الاحيان لقب «مدراء» يصرون على الاداء المسرحي والمبالغة في حركة الممثلين ليعوضوا بذلك عن عدم التفوه بالكلمات في الافلام الصامتة، ولم يكن ذلك تمثيلا فعليا كالذي اعتادوا عليه في المسرح او السيرك اللذين جاء معظمهم منهما. وكان معظم هؤلاء «الممثلين» من افراد الفرق المتجولة الذين وجدوا في العمل السينمائي مصدرا ثابتا للدخل وعملا مريحا مقارنة بعمل الفرق المتجولة الذي اقترن بالتشرد وعدم الاستقرار والأمان. وكان كل ما يتمناه هؤلاء الممثلون في اوائل القرن الماضي هو ان يطول امد «حمى السينما» التي ظن كثيرون آنذاك انها مجرد صيحة عابرة لن تدوم طويلا. وكان كل همهم ان توفر لهم مصدر رزق مستقرا قدر المستطاع. ولكن رغم مستوى الاداء الضعيف الذي اقترنت به معظم الافلام السينمائية الاميركية الاولى، فان الجمهور أخذ يميز بين الممثلين ويفضل بعضهم على بعضهم الآخر، ولم يكن هذا التفضيل مبنيا على الأداء الفني للممثل بقدر ما كان مبنيا على الخصائص الشخصية للممثلين. ولم يكن في الأيام الاولى للسينما الاميركية نقاد محترفون او وكلاء للدعاية او مؤسسات علاقات عامة او مجلات سينمائية، بل كان الجمهور هو الحكم الاول والاخير، وهو اول من اختار نجوم السينما الاوائل. ومن المفارقات ان رواد المنتجين السينمائيين كانوا أشد المعارضين لظاهرة «النجومية» لأنهم كانوا يعتبرون الممثلين عنصرا واحدا من عناصر صناعة الفيلم، وارادوا ان يحافظوا على انخفاض تكاليف العناصر المختلفة لأفلامهم قدر المستطاع، وكان اي تغيير في تلك المعادلة، بما في ذلك ظهور نجوم في الافلام، من شأنه ان يرفع التكاليف، اي ان الدوافع التجارية قصيرة النظر هي التي جعلتهم يقاومون «النجومية». ولم يدرك المنتجون التقليديون كما ادرك المنتجون المجددون ان التكاليف الاضافية للنجم السينمائي تؤدي الى زيادة ايرادات الفيلم على شباك التذاكر وترفع الارباح، بل ان بعض المنتجين السينمائيين كان ينظر نظرة ازدراء الى جموع الناس الذين كانوا يتدفقون من احياء المدن الفقيرة والمناطق الريفية على أماكن العرض ليشاهدوا الافلام الجديدة التي كادت تكون مصدر الترفيه الوحيد لهم لقاء مبلغ خمسة سنتات، اي «نيكل» باللهجة الاميركية الدارجة، ومن هنا جاء اسم «نيكولوديون» او المسرح النيكلي الذي كانت تعرض فيه الافلام القصيرة لقاء رسم دخول قدره خمسة سنتات قبل 100 عام. ولكن مع مرور الوقت اخذ تفضيل الجمهور لممثلين معينين ينعكس في ايرادات افلامهم التي لم يكن الشريط السينمائي يحمل اسماء ابطالها، واصبح الجمهور يشير الى ممثليه المفضلين بأوصاف معينة كـ«الفتاة ذات الجدائل الشقراء» و «الرجل السمين الطيب» و «الشابة الطويلة ذات الشعر الاسود» و «الشاب ذو القبعة البيضاء» وبدأت رسائل المعجبين تتدفق على استديوهات السينما مستفسرة عن تلك الشخصيات السينمائية المجهولة وعن حالاتهم الزوجية ومكان ولاداتهم وعن أفلامهم المقبلة. الا ان المنتجين التقليديين استمروا في تجاهل تلك الرسائل خشية ان يدرك الممثلون مدى اهميتهم ويطالبوا بزيادة اجورهم، واصر المنتجون على عدم كشف اسماء ممثلي افلامهم، والشيء الغريب انهم نجحوا في ذلك لعدة سنوات. الا ان المنتج السينمائي كارل ليميل خرج عن تلك القاعدة في العام 1910 عندما استغل انتقال الممثلة فلورنس لورنس، وهي واحدة من اكثر ممثلات تلك الفترة شعبية، من استديو «بيوجراف» الى استديو «أيمب» الذي كان يملكه، وارفق ذلك بأول حملة دعائية في السينما الاميركية، بما في ذلك نشر اسم تلك الممثلة مع معلومات مثيرة عن حياتها الخاصة. ومنذ ذلك الحين تغير كل شيء في السينما الاميركية واصبح للممثلين والممثلات اسماء وجمهور، واصبح للجمهور صوت في عملية صناعة الافلام، اذ اصبح بمقدوره ان يسلط الاضواء على ممثليه المفضلين الى اجل غير مسمى او ان يتخلص منهم بين عشية وضحاها. وهكذا اصبحت السينما ونجومها حديث المجتمع، وخلال عامين، اي في العام 1912، ظهرت مجموعة من المجلات الفنية المتخصصة بأخبار السينما والنجوم ووجدت سوقا رائجة، وما زال بعض هذه المجلات يصدر حتى هذه الأيام. ولعبت هذه المجلات دورا كبيرا في تغذية حمى السينما الملتهبة بأن اسهمت في تعريف الجمهور على نجوم السينما بنشر صورهم واخبارهم ونشر المقابلات معهم والاجابة عن الاسئلة المتعلقة بحياتهم الخاصة، ولم يعد الممثل مجرد شخصية مجهولة يراها المشاهد على الشاشة، بل اصبح نجما سينمائيا وانسانا له شخصيته الخاصة. وسرعان ما تحقق ما كان يخشاه المنتجون السينمائيون، فقد ارتفعت اجور نجوم السينما ارتفاعا صاروخيا، كالممثلة جير الدين فارار التي دفع لها المخرج والمنتج السينمائي سيسيل بي ديميل 000ر10 دولار في الاسبوع عن القيام ببطولة فيلم «كارمين» في العام 1915، وبعد عامين، اي في العام 1917، بلغت اجور نجوم السينما ذروتها حين وقع كل من النجم الكوميدي تشارلي تشابلين والممثلة ماري بيكفورد اشهر نجمات السينما الصامتة عقدا قيمته مليون دولار سنويا، وهو مبلغ مذهب بجميع المقاييس بالنسبة لتلك المرحلة التاريخية، ويزيد من حيث القيمة الفعلية على الأجور التي يتقاضاها بعض نجوم هوليوود في هذه الأيام وهي 25 مليون دولار عن الفيلم، إذا أخذ عامل التضخم بالاعتبار. الرأي الأردنية في 23 يوليو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
محمود الزواوي |
|