مسعود أوتشاقان سينما الأخلاق في تركيا العلمانية سعد عبد المجيد** |
لا تكمن أهمية المخرج السينمائي التركي مسعود أوتشاقان من كونه واحدا من أشهر وأبرز مخرجي السينما التركية فحسب، وإنما تأتي أيضا من تفرد تجربته السينمائية التي تبنّى فيها اتجاها أخلاقيا ودينيا في بلد انفتحت فيه السينما مبكرا على كل اتجاهات الإثارة، وتبنّت اتجاها يصادم أخلاقيات المجتمع وقيمه الدينية. من تاريخ السينما التركية خلال عمرها الذي جاوز القرن من الزمان مرت السينما التركية بعدة مراحل أو موجات، كانت في بعضها انعكاسا لأوضاع المجتمع، وفي أغلبها تقليدا وسيرا على نهج المدرسة السينمائية الغربية، وفي الأغلب الأعم كانت تعتمد على الأسوأ: تشويق وإثارة.. تركيز على الجنس والمادة.. حكايات العصابات والجريمة.. صوت الرصاص والرقص والخمور.. الخيال الممزوج بالقوة والعشق.. البعد عن المنطق والعقل. كانت المرحلة الأولى للسينما التركية ما بين 1897 حتى عام 1916 بمثابة إرهاصات الدخول في فن السينما. أما الفترة ما بين 1916 و1943 فتميزت بأعمال أخرجها وأنتجها الأجانب، وركزت على الجوانب المادية والرقص الشرقي العاري، وما يدور في الحمامات النسائية العامة. ومن أبرز أعمال هذه الفترة فيلم "جاسوس" عام 1918، و"مُربيّة" عام 1919.. كما ركزت على تقديم ممثلات فزن بمسابقات جمال النساء التي بدأت تعرفها تركيا عام 1924 مثل "فريحة توفيق" و"كريمان خالص أجه". ولأنها كانت سينما التقليد فقد أنتجت فيلما بعنوان "ضحية الشهوة" (Sehvet Kurbani) كتقليد لفيلم "الملك الأزرق" للممثلة مارلين ديتريش المنتج عام 1930 الذي اعتمد على قصة الحب التي صارت تقليدا حتى للسينما العربية، والتي يقع فيها مدرس في حب فتاة تعمل في ملهى ليلي فتدمر حياته. ظهور السينما الوطنية أما مرحلة ما بين عام 1943 و1970 فهي مرحلة أعمال السينما الوطنية بتركيا المواكبة للتطور السياسي من تعددية سياسية وانتخاب أول رئيس للحكومة من الشعب مباشرة: عدنان مندريس (1951-1961). وتبلورت السينما الوطنية من خلال تأسيس أول نادٍ للسينما بتركيا عام 1964، حمل عنوان "نادي سينما الجامعة" الذي ساعد على ظهور المخرج "يوجل شاقمقلى" الذي أخرج أول فيلم له في سلسلة الأفلام الوطنية الواقعية تحت عنوان "الطرق المتلاقية" (Birlesen Yollar) لعام 1971، كما أنشأ أول شركة سينمائية لإنتاج أفلام تركز على المضامين والقيم الأخلاقية، بدأت بفيلم "في الطريق للكعبة" (Kabe Yollarinda) عام 1969، وهو نفس النادي الذي انضم إليه مخرجنا مسعود أوتشاقان عام 1974 ليصبح صاحب أكبر مجموعة من الأفلام الهادفة والأخلاقية في تاريخ السينما التركية. وعلى التوازي من ذلك شهدت السينما التركية في الفترة ما بين 1950 و1960 موجة أخرى من أفلام الجنس والغراميات المحرمة، كان من أشهر أفلامها: "بنات إستانبول"، و"عشيقة هارون الرشيد"، و"امرأة لا ترحم"، و"شهرزاد"، و"أنا امرأة الشوارع".. وهي أفلام ظهرت في نفس الفترة تقريبا التي ظهرت فيها سلسلة أفلام دينية وتاريخية مهمة في السينما التركية بدأتها بفيلم "إبراهيم عليه السلام" عام 1964، وهي السلسلة التي تأثرت في ظهورها بنجاح السينما الدينية والتاريخية في مصر والتي كان من أبرز أعمالها أفلام مثل "الشيماء"، و"رابعة العدوية". ومن أشهر الأفلام الدينية والتاريخية التي أنتجتها السينما التركية في هذه الفترة أفلام مثل: "صبر أيوب"، و"النبي يحيى في طريق الحق"، و"حياة يوسف عليه السلام"، و"عويس القرني"، و"عائشة أم المؤمنين"، و"أبو مسلم الخراساني"، و"عشاق الحق"، و"حاجى بكتاش الولي"، و"رابعة". وقد جاء ظهورها في الفترة نفسها التي بدأ فيها ظهور الأحزاب الإسلامية، وبزوغ نجم الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان عقب الانقلاب العسكري الثاني (1971). وهي الفترة التي يعتبرها المخرج السينمائي صالح ديريكليك الفترة الذهبية للسينما التركية التي شهدت نضوج السينما الوطنية. وابتداء من عام 1975 دخلت السينما التركية في مرحلة جديدة عادت فيها لموجة الأفلام ذات الطابع الغربي والفكر الأيديولوجي الداعي لعلمنة أركان المجتمع والحياة التركية، وهي موجة لم يخفف منها إلا عودة الحياة السياسية المدنية في عام 1983، وتراجع العسكر لثكناتهم، وبداية حكم الرئيس تورجوت أوزال الانفتاحي، وتأسيس حزب الرفاه الإسلامي، وهي الفترة التي شهدت بداية جديدة لموجة أفلام هادفة بدأها المخرج السينمائي مسعود أوتشاقان الذي أخرج عام 1984 فيلمه "الانتقام". وعلى الرغم من الحركة النشطة لإخراج أفلام سينمائية واقعية تعبر إلى حد كبير عن المجتمع التركي بجذوره الإسلامية وتركيتة الشرقية فإن الأزمة الاقتصادية التي وقعت بتركيا عام 1994 إبان حكومة طانسو شيلار الائتلافية ومن بعدها التدخل العسكري العلني يوم 28 فبراير 1997 أحدث مجددا هزة عنيفة بالحياة السياسية التركية انعكست على أوضاع السينما بالركود، خصوصا في ظل الانفجار التلفزيوني بتركيا (350 محطة). وبفوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات العامة المبكرة عام 2002 تشجع المخرج السينمائي مسعود أوتشاقان المتمسك بالجذور الإسلامية لتركيا بالإعلان عن بدء مساعي إخراج فيلم جديد بعنوان "طائر العنقاء.. لا حقيقة له". مأساة الواقع من الخيال عن فيلمه الجديد "طائر العنقاء" الذي لم ينته تصويره بعد تحدث المخرج السينمائي مسعود أوتشاقان لإسلام أون لاين.نت فقال: "الفيلم يتناول واقع اليوم عبر حكاية مأساوية لها طابع فلسفي وفني تناقش أزمتنا الحالية، وإن لم يكن لها علاقة بواقعة محددة أو اسم شخص.. إن عالم اليوم يعيش في ظل قلق ميتافيزيقي، وبما أن السينما وسيلة اتصال واسعة؛ فإنها ستكون الأكثر تعبيرا عن هذا الواقع.. إنسان اليوم يبحث عن نفسه بين الترفيه والتسلية المهووسة وأعمال العنف. ولأن العالم أصبح قرية صغيرة فإن أفلام الهوس والجنون والخرافات تصل لمجتمعنا، ويأخذ الإنسان نصيبه منها". ويضيف مسعود: "طائر العنقاء عبارة عن مشروع يخرج من أجواء القلق هذه، وله بعد عالمي، ولكنه سيكون مختلفا عن موجة تلك الأفلام؛ فحكاية سلمان (بطل الفيلم) الذي انحصر بين أزمة نفسية وروحية ترجع لصدمته في الواقع التركي حين راح يبحث عن حقائق وأدلة تتعلق باغتيال أستاذ جامع.. والقصة سيتم عرضها على العالم بلغة سينمائية جديدة، وبدون إهمال عوامل الجذب السينمائي وعناصر التشويق بحيث يظل المشاهد مشدوداً. ولأن الإنسان يريد الأشياء المختلفة فإن فيلم طائر العنقاء يأتي ليحتضن المشاهد ويهزه ويدفعه للتفكير، وفي أحيان أخرى يدخله في صدمة". فيلم طائر العنقاء فيلم طويل مدته 110 دقيقة، ويؤكد مسعود حرصه على أن يعرض مترجما بالإنجليزية ليسهل الفهم للمشاهد غير التركي، وهو من إنتاج شركة وكالة السينما المحدودة (Sinema Ajans) بإستانبول. التفرقة تؤثر على التمويل حدثنا مسعود عن أهم المصاعب التي تواجه السينما الهادفة في تركيا فقال: "يعد تصنيف الناس من أبرز المشاكل التي أواجهها كفنان تركي.. فكثير من وسائل الإعلام تصنفني باعتباري المخرج السياسي أو المخرج الديني، خاصة بعدما أخرجت فيلم: لست وحدك الذي تناول منع طالبة محجبة من دخول المدرسة أو فيلم: رئيس بك الذي تناول واقعة شنق مدرس لإصراره على ارتداء الطربوش العثماني زمن كمال أتاتورك.. وأنا لم أكن أتحرك بمنطق أيديولوجي مطلقا، وإنما من منطلق إنساني.. والحقيقة أنني لم أعد أبالي كثيرا بالحملات السلبية التي تشنها بعض وسائل الإعلام التركية على شخصي وأفلامي؛ لأن شعبنا يثبت في كل مرة أنه يحتضنني ويصفق لأفلامي، وهذا يكفيني. ولكن هذا الهجوم امتد ليخص مخرجين آخرين مثل زكي دمير قوبوظ ونورى بيلجه بسبب الجدية والتعبير عن الواقع بإخلاص. وبما أنني مخرج لأفلام تسعى للتعبير بصدق عن المجتمع التركي، وأخاطب بها كل الفئات دون تمييز؛ فأنا لا أستطيع أن أذهب لشركات البيرة والخمور لكي أطلب الدعم والتمويل المالي". ويضرب مسعود مثالا فيقول: "الفيلم الذي أستعد لتصويره حاليا (طائر العنقاء) تكلفته مليون و350 ألف دولار، وقد وجد القبول من شركة فنية، ومع هذا فما زلنا بحاجة للدعم والتمويل.. وقد كانت مسألة توقفي عن الإخراج طوال السنوات العشر الماضية متأثرة بما مرت به تركيا من أزمة اقتصادية في عام 1994، وما بعدها من الأزمة السياسية المعروفة بواقعة 28 فبراير 1997، حين أجبرت حكومة حزب الرفاه الائتلافية برئاسة أربكان على تقديم استقالتها في يونيو 1997.. إضافة إلى أن البحث عن الممثل أو الممثلة المناسبة أمر ليس بالسهل". من هو مسعود أوتشاقان؟ ومسعود أوتشاقان من مواليد عام 1953 بمحافظة "قيريك قلعه" بوسط تركيا. تخرج عام 1978 في قسم السينما والتلفزيون بالمعهد العالي للصحافة والعلاقات العامة (جامعة إستانبول)، بدأ حياته الفنية بالعمل كمساعد مخرج لفيلم "لا تنسني" (Unutma beni) الذي أنتج عام 1974 وقت أن كان طالبا بالجامعة. أخرج مسعود أول فيلم سينمائي له في عام 1978 بعنوان "اللعنة"، وبعد فترة قصيرة من تخرجه الجامعي أصدر عدة مجلات فنية سينمائية ونقدية بالتركية؛ من بينها مجلة بعنوان "الفكر الطلق والسينما" عام 1997، وقد استمرت في النشر لمدة 6 أشهر فقط. قبلها -أي في عام 1996- كتب بحثا بعنوان "الأيديولوجية في السينما التركية". وقد بلغ عدد ما أخرجه مسعود أوتشاقان 14 فيلما سينمائيا، إضافة إلى مجموعة من الأفلام التسجيلية وأفلام الفيديو، وكتب ديوانا شعريا بعنوان "أمسك يدي بقوة". وفي عام 1993 صدر عن أفلامه وتوجهه السينمائي كتاب بعنوان "مفاهيم السينما لدى مسعود أوتشاقان" للناقد السينمائي التركي نجيب طوسون. وقد حصل هو وأفلامه على مجموعة من جوائز اتحاد الكتاب الأتراك ووزارة الثقافة التركية، ولا تتوقف أفلامه عن إثارة النقاش والجدل في المجتمع التركي لواقعيتها وما تتضمنه من نقد شديد للذات؛ حتى إن البعض اعتبر فيلمه "رئيس بك" أو فيلم "زهور القرنفل لا تموت" ضد الجمهورية العلمانية وأتاتورك. حصل فيلمه "زهور القرنفل لا تموت" عن جائزة أحسن عمل سينمائي يدافع عن حقوق الإنسان من مهرجان طشقند السينمائي. يستعد حاليا لتصوير فيلم جديد بعنوان "Anka Kusu" (طائر العنقاء.. لا حقيقة له) بعد توقف دام قرابة 10 سنوات على إخراج أفلام السينما. يترأس حاليا تحرير مجلة سينمائية فنية تصدر شهريا منذ عامين في إستانبول بعنوان "مُربعات بلا نهاية" (Sonsuzkare). **مراسل إسلام أون لاين.نت في تركيا. موقع "إسلام أنلاين" في 9 مارس 2005 |
حوار مع الممثلة الايرانية الشابة أفروز نيكزاد بطلة أول فيلم أفغاني لما بعد الحرب على عكس ما يدل اليه اسمها فهي فرنسية الجنسية بحكم اقامتها الطويلة في فرنسا في منطقة بروتاني. لكن انتماءها الآسيوي لا مراء فيه. يدل الى ذلك جمالها الطلق وعيناها الواسعتان وبسمتها التي يمتزج فيها الحياء الشرقي الفطري والطلاقة الأنثوية الحية. وطبعاً اسمها الذي يحيل إلى حكايا غارقة في الزمن القديم البهيج لفارس الشعراء والمتصوفة. التقيناها في المغرب في إطار مهرجان شاشات المرأة الذي شهدته مدينة سلا في الصيف الماضي. وقد جاءت لتقدم الفيلم الأفغاني «نيلوفار تحت المطر» برفقة مخرجه هومايون كريم بور. الشريط هو أول عمل سينمائي ينجزه مخرج أفغاني بعد سنوات المنع والحروب المختلفة. وهو يقدم بعض صور البلد من بين ثنايا رؤية افغانية. وتلعب نيكزاد دور البطولة فيه من خلال تقمصها لشخصية امرأة أفغانية في ريعان الشباب تحاول ان تتخلص من تسلط عائلتها التقليدية المحافظة لتهاجر الى فرنسا، فتتزوج رجلاً، وحالما تحقق حلمها تتنكر له وتهرب. فيما يلي حوار سريع معها: · بداية ماذا يعني اسمك افروز نيكزاد؟ - لقبي له علاقة بفعل اشعال النار، وأيضاً بالنور، أما نيكزاد فيدل الى الولادة الطيبة. · حدثينا قليلاً عن تجربتك السينمائية؟ - بدأت التمثيل في سن الثامنة عشرة. وبموازاة دراستي لفنون العرض في شعبة السينما اشتغلت كعارضة أزيـاء. ومارســت كذلك التصــوير الفوتوغرافي. كنت دائماً اهتم بعالم الفن. وحدث ان التقيت المخرج هومايون كريم بور الذي كان يبحث عن ممثلة متمكنة وقريبة من شخصية نيلوفار. تكلمنا وتناقشنا، قرأت السيناريو وقبلت العرض. من هنا كانت البداية. · دور نيلوفار الذي لعبتيه هو دور امرأة لعوب. كيف حصل التوافق وكيف تفسرينه؟ - فعلاً. هي امرأة لعوب لكن يجب مراعاة الوسط الذي تعيش فيه عائلتها الأفغانية في باكستان لقد قامت بما قامت به لتنقذ نفسها. فهي لا تحب زوجها، ولقد ضحت ووضعت كل عواطفها التي يمكن ان تشعر بها تجاه انسان تحبه حقيقة جانباً، وذلك حتى تتمكن من الذهاب الى فرنسا وتدبير حياتها في شكل آخر. · بصفتك ذات أصل ايراني، هل تجدين نفسك في صورة المرأة بالحجاب التي تقدمها الأفلام الايرانية للمخرجين المعروفين؟ - لا أعرف كيف هي الأمور هناك فقد خرجنا من ايران منذ قرابة العشرين سنة. لكن يجب القول ان النساء في ايران لا يشبهن النساء في باكستان أو أفغانستان. وفي الحقيقة هذه الصورة المقدمة سينمائياً لا تزعجني البتة لأنني أعرف أن الايرانيات يتمتعن بشجاعة كبيرة. لا، لا تزعجني الصورة لكني انا لن أضع الحجاب. · وماذا لو اقترح عليك مثلاً عباس كياروستامي دوراً في ظروف مشابهة؟ - اذا راق لي الدور وأعجبني سأقبل، ففي هذه الحالة المهم ليس اللعب بالحجاب أو لا، بل جودة السيناريو هو المحدد... الحياة اللبنانية 11 مارس 2005 |