بانوراما

يوخنا دانيال

البحث عن الجمال الداخلي في السينما

سيد الخواتم على شاشات التلفزيون

سيد الخواتم على شاشات التلفزيون

عصر جديد في صناعة السينما!

الدخول الى عالم الـ ماتريكس!

الحاجة الى الكوميديا والضحك

 يوخنا دانيال

بعد موجة قنوات الأغاني والفيديو كليب، وقنوات الأفلام – غير المشفّرة – من روتانا وميلودي. ظهرت منذ أشهر قلائل قناة فضائية جديدة تبثّ تجريبياً تحت اسم "فنون". ومن مراقبة بثها التجريبي لمسرحيات ومسلسلات كوميدية كويتية عرفنا جنسية هذه الفضائية. وبالنظر لغلبة المواد التي يقوم ببطولتها نجم الكوميديا الكويتية، الفنان عبد الحسين عبد الرضا، خمّنا انه على صلة وثيقة بهذه القناة. وبالفعل، فقد وجّه العديد من الفنانين الكويتيين والعرب التحية والتهنئة لاحقاً للفنان القدير عبد الحسين عبد الرضا، بمناسبة افتتاح هذه القناة الأولى من نوعها في العالم العربي، المتخصصة بالكوميديا الخليجية والعربية عموماً من مسلسلات ومسرحيات وأفلام. هذه القناة جاءت لتسدّ فراغاً كبيراً في حياتنا "التلفزيونية"، وخصوصاً انها مجانية ومفتوحة على الهواء.

ويلاحظ في حياتنا العربية اليومية سيادة العبوس والتجهّم والكآبة، كأننا أمة خُلقت للأحزان والنكد الأزلي ... وهذا أمر له تاريخ قديم عندنا، حزناً وغمّاً على قتل الأنبياء والأئمة والمتصوفين والمعارضين السياسيين والمفكرين الأحرار ... إرجعوا الى "الكتاب" لأدونيس – بجزأيه – للمزيد من الإطّلاع والتوثّق.

ان الضحك كما يقول أنسي الحاج – ربما نقلاً عن أمبرتو إيكو – شكّل نوعاً من التحدي الأولي للقدر والآلهة، صيحة انسانية ضد القيود والإملاءات الغيبية. وربما اعتبر المتطرّفون الاسلاميون – في العالم العربي – الضحك عورة او فاحشة ... وينهون الناس عن ارتكابه – كما حصل في أوروبا في القرون الوسطى المظلمة!

أبو نوّاس – وغيره من الشعراء "الخليعين" – كان يعجبهم ان يسخروا من الجدّية والرصانة العربية المتوارثة من أيام الجاهلية، والمتمثلة في الوقوف والبكاء على الأطلال والدمن المندرسة .... هذه الرصانة – لاحقاً – تمّ تكريسها دينياً وسلطوياً كسلوك حياتي وأخلاقي يومي. لكنْ، هل نتصور بلاط خليفة او حاكم او أمير كان يخلو من اللهو والشعر والرقص والغناء والمنادمة ... كلا، بالتأكيد. وربما كانت هذه الأشياء ممنوعة على عامة الناس، وعلى الفقراء الذين كُتب عليهم ان يعيشوا حياتهم هذه كمحطة ترانزيت للعبور الى العالم الآخر. وربما هذا ما يريدونه منا الآن؛ القادة والسياسيون ورجال الدين والارهابيون والمتطرفون .... ان نعيش "ترانزيت" لحين الرحيل الى العالم الآخر ... عالم القبور الأبدي.

واحدة من المشاكل الكبرى والمهمة في حياتنا الفنية و"الابداعية" ... هي تراجع الانتاج الكوميدي في المحطات التلفزيونية العربية، أما في السينما فان الكوميديا سمجة وثقيلة ومهينة ومليئة بالاسقاطات السياسية السخيفة والغبية. كما يطلق عندنا على المسرح الكوميدي تسمية "المسرح التجاري" بشكل عام ... وان كان سياسياً أيضا يطلق عليه اسم "الكباريه السياسي" ... في تكريس واضح لنظرة استعلائية وتحقيرية للكوميديا بشكل عام. وربما يعود أصل المشكلة الى الماضي العتيق، إذ عرف العرب الكثير من فنون وآداب وعلوم الاغريق ... لكنهم تجاهلوا عمداً الكوميديا لأنها تزيل الوقار ... وبالتالي هي رجس من عمل الشيطان.

المحطات الاعلامية الاخبارية مثل الجزيرة والعربية والمحطات الحكومية وحتى الأهلية تزيد من كآبة وحزن الواقع أضعافاً مضاعفة .... أين هو المتنفّس الكوميدي إذن؟ يجب ان نبحث عنه، أن نخلقه، يجب ان نواصل الضحك، يجب ان نواصل السخرية من أولياء الأمور والمربين والمتحكمين برقابنا .... وإلا متنا غيظاً ... هذا كان سلاحنا الوحيد أيام الطاغية المنصور .... النكات وفقط النكات ... حتى وصلت الى أذنيه الدكتاتوريتين. اليوم يقولون ان العراق حرّ ... لكنه خالي من النكتة والسخرية وكل أشكال الكوميديا ... ربما نحتاج الى دكتاتور!

في هذه القناة نتذكر ونستعيد أبطال الكوميديا الذين تربينا على نتاجاتهم منذ الصغر ... اسماعيل ياسين، عبد السلام النابلسي، فؤاد المهندس، ثريا حلمي، زينات صدقي، ثلاثي أضواء المسرح، شكوكو، عبد المنعم مدبولي، أمين الهنيدي، أبو بكر عزت، عادل إمام، شوشو، فيلمون وهبي، دريد لحام، نهاد قلعي، سليم البصري، حمودي الحارثي، أمل طه، خليل الرفاعي، محمد حسين عبد الرحيم، سعاد عبدالله، عبد الحسين عبد الرضا، داود حسين، خالد النفيسي وآخرين .... وخصوصاً، ان أغلب نجوم الكوميديا الحاليين، في السينما او المسرح ... مقرفون!  

واحدة من الأشياء التي تؤرقني حول محطة فنون هي عبارة "بثّ تجريبي" التي تحملها المحطة منذ بدء عملها قبل حوالي ثلاثة اشهر. ترى ما الذي ينتظره القائمون عليها، ماهي المفاجأة التي يخبؤنهاللمشاهدين الذين أحبوها وتعلّقوا بها طوال هذه الأشهر؟

أخشى ان تنضم المحطة الى شبكة من الشبكات التلفزيونية المدفوعة الثمن مثل الأوربت او الأرت او حتى الشوتايم، وخصوصا ان الأخيرة تابعة لشركة شوتايم أرابيا الكويتية/الأمريكية. وبالفعل هناك تساؤلات حول كيفية تمويل المحطة لنفسها، كيف تسدد رسوم المواد التي تعرضها من أفلام ومسلسلات عربية؟ أتمنى ان لا يكون المشاهد الفقير او البسيط ضحية لهذه الحسابات المعقدة ... هل تدعمها إحدى الجهات "الانسانية" خدمة للسلامة النفسية للمواطن العربي "المشدود الأعصاب" دوماً ... على العراق وفلسطين وأفغانستان وكشمير والشيشان وايران وعموم الأمة الإسلامية! 

نحن في العراق نشعر بالحنين الى الكثير من الانتاجات الكوميدية العراقية القديمة، التي لا نعرف أين نشاهدها بعد ان تكاثرت المحطات التلفزيونية العراقية، الأرضية والفضائية منها، بشكل سرطاني مدهش. نحنّ الى أعمال عادل إمام القديمة مع سمير غانم وسعيد صالح وحسن يوسف وآخرين ... تلك التي أطلق عليها النقّاد العرب "الكئيبون" في السبعينات تسمية أفلام المقاولات وجعلونا نحتقرها. اليوم عندما نشاهدها "نموت" من الضحك، عليها وعلى أنفسنا ايضا ... لأننا تصورنا اننا نسير الى الأمام، نحو الأفضل، والغد سيكون أفضل من الأمس على حدّ قول الأغنية الشعبية العراقية التي كان الشيوعيون في العراق يرددونها دوماً ... حتى انهار كل شيء، ولم تبقَ إلا الأحلام وصدى الضحكات القديمة وسذاجة الأيام الخوالي.

 

ناقد عراقي، بغداد

leoman572001@yahoo.com

 

موقع "كيكا" في 3 مايو 2006

 

 

التالي

 

السابق