القاهرة - “الخليج”: عانت السينما كثيرا في العقد الأخير من
القرن الماضي وباستثناء تجارب تعد على أصابع اليد، خلت من أعمال تعبر عن
واقع المجتمع المصري، ويرجع العديد من المتخصصين السبب إلى افتقادها للنصوص
الجيدة، والكتاب الجادين المخلصين.مؤخرا قدمت لنا السينما كاتبا يحاول أن
يسبح ضد التيار السائد، والبحث عن هويتها التي ضاعت بين الاقتباس بل
التقليد الأعمى وأفلام التهريج. ناصر عبد الرحمن، كاتب نحت ملامحه منذ
أكثر من ثماني سنوات حتى تشكلت من خلال أعمال جادة تعبر عن واقعنا وتغوص
فيه، كتب منذ أكثر من ثماني سنوات فيلم “المدينة” إخراج يسرى نصر الله، ثم
عاد بقوة بأربعة أفلام هي: “هي فوضى” للمخرج يوسف شاهين، و”حين ميسرة”
لخالد يوسف، وله في العلب “جنينة الأسماك” مع يسرى نصر الله و”الغابة” مع
المخرج الشاب أحمد عاطف. التقتينا به لنتعرف الى ملامحه، وفكره واهتمامه
بقضايا العشوائيات.
·
بين “المدينة” و”هي فوضى” أكثر من 8 سنوات،
أين كنت خلال هذه الفترة؟
منذ تقديم “المدينة” وحتى الآن لم يمر عام من دون أن أكتب
سيناريو أو اثنين، بل أكثر من ذلك فمنذ تخرجي عام 1995 لم أنقطع عن
الكتابة، ولا أستطيع أن أدور بأفلامي على شركات الإنتاج، خاصة أن طبيعة
الموضوعات التي كتبتها تمنعني ولا يمكن أن يتبناها منتجو الأفلام السائدة..
وكان لدي سيناريو “جنينة الأسماك” وتحمس له أيضا المخرج يسري نصر الله الذي
تعاون معي في أول أعمالي، وبسببه أيضا تحمس لي يوسف شاهين.
·
كيف جاء اللقاء مع شاهين؟
- السبب سيناريو “جنينة الأسماك” الذي أشاد به كل من يعملون في
مكتب يوسف شاهين، وبعدها اتصل بي المنتج جابي خوري وقال لي شاهين يريد أن
يراك في أقرب وقت، لم أصدق نفسي، وعندما التقيته بادرني بسؤال “عندك
سيناريو جديد.. وعايز تقول إيه؟” أجبته سأتحدث عن الفوضى، ولم أنهِ كلامي
في سرد الخطوط العريضة للنص حتى وجدته يقول لي: “اذهب إلى جابي خوري لتوقيع
العقد وقتها لم يستوعب جابي وسأل شاهين أين السيناريو الذي سنوقعه فقال له:
“في دماغه”.
وبعد الكتابة الأولى عدلت النص 22 مرة وبعدها أصبح شاهين
راضياً تماما عنه، ثم اختار المحاولة الأولى.
·
هل تصريحك بأن “حاتم” الشرطي البطل في “هي
فوضى” حالة فردية كما جاء بالتنويه الذي فرضته الرقابة، يأتي لتخلي
مسؤوليتك أمام الأمن؟ وهل ورطك يوسف شاهين؟
لا أرى أي تناقض، فعلا الفيلم يعبر عن واقع مصر السياسي
والاقتصادي، وشخصية “حاتم” واضحة وبسيطة ولكن أبعادها هي التي أعطت لها كل
هذا الثقل والذي جعلها شخصية مؤثرة، وفى نفس الوقت مثيرة للشفقة وتفسيرها
يحتاج لأكثر من قراءة، وحين كتبت لم أكن اقصد أى إسقاط ولكن هذا وارد من
قراءات النقاد والمشاهدين كل حسب رؤيته وتفسيره، أنا قدمت رؤيتي ومسؤول
عنها.. وبصراحة لولا أن هذا الفيلم يحمل اسم يوسف شاهين ما كان خرج للنور.
·
ولكن لماذا كتبت السيناريو 22 مرة؟
لو لم يرني يوسف شاهين “سيناريست” له عالمه الخاص لما اقتنع
بي ومنحني ثقته، فكان المدخل الأساسي لي أن اكتب بدون حسابات وبدون رهبة
منه لهذا أنجزت هذا النص، فالنسخة الأولى هي النسخة رقم 22 من حيث “العظم
والهيكل” والشخصيات الرئيسية والأحداث، وهذه النسخة الأولى هي التي جعلت
“الأستاذ” يقول لي بالحرف الواحد: “لأول مرة منذ 40 عاما أضع اسم كاتب
منفردا بدوني على فيلم لي”.
·
السيناريو.. الإخراج.. الإنتاج.. النجم،
عناصر أساسية لصناعة أى فيلم، كيف ترتب هذه العناصر حسب أهميتها؟
أوافق على هذا الترتيب مع مراعاة أن يكون هناك راعٍ لهذه
العناصر وبالتالي للفيلم، وأرى أنه واحد من اثنين إما المخرج كما في “هي
فوضى” وإما المنتج.
·
ماذا تقصد براعٍ؟
أقصد أن يكون هناك مسؤول يدافع عنه سواء من تدخل الرقابة أو
تدخل النجم، في النهاية يخرج الفيلم بقوته كما كتبه السيناريست واستقر عليه
المخرج.
·
في هذا السياق كيف ترى مكانة كتاب السيناريو
بوجه عام، وكيف ترى ظاهرة تفصيل السيناريوهات على النجوم؟
من الحساسية أن أقول رأيي ولكن عن نفسي أرى الموضوع في أفلامي
هو النجم الذي يسانده المخرج فهي سينما المخرج، وكل أبطال أفلامي فنانون
ملامحهم مصرية مثل باسم سمرة، خالد صالح وعمرو سعد وهم ليسوا نجوما، أنا
صبرت 8 سنوات حتى أثبت نفسي ولم أستسلم.. واليوم لن أذهب لنجم مهما كان،
فأنا لي ملامحي المميزة التي صبرت سنوات أنحت فيها.
·
قلت قبل ذلك “لا أفضل العمل مع مخرجين يحبون
ركوب المراجيح” ماذا تقصد بهذه المقولة؟
نعم قلت هذا، فهناك نوع من المخرجين يتعاملون مع السينما من
منطق إعلاني فقط، ألوان واستعراضات وأشياء هشة ليس لها ثقل، حتى الدعاية
التي يعتمدونها تأخذ نفس الصيغة، وهذا النوع لا أثق فيه، وهم بالمناسبة
مخرجون كبار ولكن لا يمتلكون مشروعا أو هدفا.
·
قمت بإعادة تصليح السيناريوهات لكتاب آخرين
وكانت تنتمي لنوعية الأفلام الكوميدية والخفيفة.. هل كان هذا العمل بدافع
اليأس أم للكسب؟
للأسف حدث هذا ولكنني لم يكن لدي أي دافع مما ذكرت وربما كان
للتسلية، وكانت مرحلة “مقرفة” وأسقطتها من حساباتي تماما.
·
في فيلم “الغابة” طرحت عددا من القضايا
الملحة في إطار مستعرض.. ولكن مع الأسف لم يستطع المخرج ترجمتها في صورة
سينمائية تصل لفيلم “هي فوضى” فهل من الممكن أن يهدم الإخراج سيناريو جيدا؟
وارد هذا بكل تأكيد، وهذا ما تم بالفعل في “الغابة”، وأرى أنه
من الضروري أن يعيد المخرج صياغة ومونتاج الفيلم مرة ثانية، لأنه مملوء
بالأخطاء، مشكلة الفيلم أيضا الفلوس لأن السينما صناعة بها عناصر أساسية،
موسيقا ومونتاج وتصوير، كل هذا يهدم أى فيلم إذا لم ينفق عليه جيدا، وعن
قناعتي بأن الفيلم مخرج، ولكن إذا لم يكن مساويا للسيناريست الجيد يهدم
الفيلم.
·
هل تشترك في اختيار أبطال الفيلم؟ وهل تسمح
بتدخل النجم؟ وما الصيغة التي تتعامل بها مع المخرج؟
حدودي تنتهي بخروج نسختي من الرقابة وهذا مبدأ اكتسبته من
أستاذي محسن زايد رحمه الله والصيغة التي أتعامل بها مع المخرج أن يكون
مؤمنا بي وبمشروعي.
·
دائم التحدث عن فكرك ومشروعك.. هل لنا أن
نتعرف الى مصادرك الثقافية؟
الشارع مصدري الأساسى ومعيني الثقافي الذي أنهل منه، فأنا لا
أقبل على السينما ومشاهدة الأفلام، ولكن حياتي مع الناس، أتعايش معهم
وأحبهم، ولا أتفرج عليهم كما يقال أحيانا على لسان بعض الفنانين والكتاب،
فأنا أرفض هذا التعبير بشدة، فالفرجة شيء غير جيد وتنتج شيئا لا معنى له،
فالإنسان نتفاعل معه لا نتأمله، هذا الإنسان هو بطل أي سيناريو ونحن نعيش
وسط ملايين الأبطال.
·
ما جديدك أو مشاريعك المقبلة؟
جديدي فيلم “الغريق” مع خالد يوسف وعمرو سعد وهو استكمال
لمشروعي مع خالد لأنني أخيرا وجدت مخرجا مقتنعا بي وبالرؤى التي اختزنها
ومستعدا لأن يكمل معي “الخرافات التي أكتبها”، فقد أذهلتني موافقته على
“حين ميسرة” والآن “الغريق”، طموحي أن نشكل معا ثنائيا مثل عاطف الطيب
وبشير الديك، وأن نقدم معا سينما طبيعية تقدم تفاصيل معتادة بصياغة محددة
تثير الدهشة وتتجاوز الواقعية التي قدمها الطيب والديك وتم استنفادها في
أفلامهما، أتمنى أن نشكل معا مدرسة طبيعية، أما عن مشاريعي فالأستاذ يوسف
شاهين كلفني بإنجاز مشروعه المقبل بالإضافة إلى “الغريق” و”كف القمر”
والأخير كان مقررا إنجازه على يد الراحل رضوان الكاشف ولكن لم يمهله القدر.
·
هل يمكن أن نرى لك تواجدا في الدراما
التلفزيونية أو المسرحية؟
أنا سينمائي تخرجت في معهد السينما ودرست السيناريو عن حب
وقناعة لأننى أحب التكثيف ولكن إذا ابتعد عني السينمائيون سوف أبحث عن وسيط
آخر كالتلفزيون أو المسرح.
الخليج الإماراتية في 25
يناير 2008
|