حين يفتح
الهواء لـ«شلومو» وأصدقائه، وتُستخدم مصطلحات إسرائيلية لنقل أخبار غزة،
وتُصوَّر القدس على أنها مدينة عبرية، ويتزامن كلّ ذلك مع زيارة بوش
للمنطقة... تنميط الملف الفلسطيني في الفضائيات العربية يثير القلق، وخطره
يتنامى يوماً بعد الآخر لعلّ التحول الأهم الذي طرأ على صورة الإسرائيلي في
العقد الأخير، هو مِن صُنع الفضائيات العربية والسياسات التي تحرّكها...
صار «شلومو» يطلّ على المشاهدين العرب كأنّه من أهل البيت. «شلومو ما رأيك
في كذا وكذا؟»، فيردّ بثقة. «شكراً لشلومو، أعزائي المشاهدين»!
حتى إن «شلومو»
صغير من «وزارة الخارجية الإسرائيلية» ردّد أمس على «الجزيرة» أن على أهل
غزة تحمّل نتيجة تصويتهم لحركة حماس في الانتخابات. وإن كان التساؤل عن
ظهور الإسرائيلي معلِّقاً على الفضائيات العربية أخذ حيزاً من الجدل، فإن
تقديم «الرواية» الإسرائيلية على هذه الفضائيات بلسان عربي، وبمواد دعائية
مدبلجة إلى العربية مغفلة المصدر، يستدعي وقفة تحليلية. إذ نلحظ ضخّاً
مستمرّاً لمواد وثائقية دعائية، منها ما هو منتهي الصلاحية في بلاده مثل
الدعاية الأميركية ضد المعسكر الشرقي، أو الوثائقيات التاريخية التي تروي
تاريخ المنطقة العربية برؤية استشراقية متصهينة... إلى أفلام تسجيلية
تتناول «الصراع العربي الإسرائيلي» بشكل مباشر أو عبر «قصص إنسانية». وهي
موادّ لا تختلف كثيراً عمّا يمكن أن تبثه «القناة الثانية» الإسرائيلية! في
الخلاصة، وبعيداً من جدل كون هذه الوثائقيات مبرمجة وفق سياسة أو أنّها جهل
إعلامي، فأمامنا بروباغندا تضخّها بعض الفضائيات العربية، أقلّ ما يقال
فيها إنها منحازة للرواية الإسرائيلية وتستغفل وعي المشاهد العربي.
والطريف
في تعامل الفضائيات العربية المهيمنة مع القضية الفلسطينية، هو استعمالها
لمصطلحات سياسية إسرائيلية (من نوعية «الأراضي الفلسطينية»، وهي ترجمة
أوسلوية لمصطلح «المناطق» الذي كان الاحتلال يطلقه على الضفة الغربية
وغزة). كما أنّها تستخدم شعارات فلسطينية وبهارات لغوية حماسية في الوقت
ذاته. اللغة الإسرائيلية/ الشرق أوسطية الجديدة، ممزوجة مع ديماغوجية
وشعارتية يتيحها مستوى ثقافي متدنٍّ لمقدمي برامج ومراسلين تدرّبوا على
عجل. حتى حين تُغطّى جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، فإن ذلك يتم في نمطية
شعبوية ضعيفة مهنياً، ويتكئ على قوة البث المباشر فقط. ولعل ضعف أدوات
التغطية الإعلامية أسهم في «تعويد» «المشاهدين» على الجرائم أكثر مما
استطاع استفزاز الوعي.
ولعل
تغطية زيارة بوش الأسبوع الماضي على الفضائيات العربية يمكن أن تعبّر عن
حالة تنميط الموضوع الفلسطيني في الفضائيات العربية. بين البرامج التي
واكبت زيارة بوش إلى «الأراضي الفلسطينية»، «مشاهد وآراء» الذي قدم على
«العربية» مساء 10 من الشهر الحالي. في البرنامج، عُرض شريط وثائقي بعنوان
«القدس ذكريات الأجيال»، من دون ذكر مصدره أو جهة إنتاجه! وهي ظاهرة صارت
مألوفة في بعض الفضائيات العربية، إذ يتم الاكتفاء بذكر الجهة المدبلِجة
للعربية وإغفال الجهة المنتجة للمادة الوثائقية.
يتحدث
«القدس ذكريات الأجيال» عن القدس من خلال ثلاثة أجيال من المصوّرين الأرمن.
الجد ايليا قهوجيان جاء إلى القدس عام 1920 يتيماً ناجياً من المذابح
العثمانية واحترف التصوير والتقط آلاف الصور للقدس في النصف الأول من القرن
العشرين. بينما يواصل ابنه وحفيده اليوم إدارة محل تصوير في القدس القديمة.
هذه هي قصة الفيلم الذي يبدو نموذجاً لوثائقيات تقدّم القدس وفق رؤية
إسرائيلية. فالقدس لا تظهر محتلّةً، بل تبدو كأنّها مدينة إسرائيلية تعيش
فيها قوميات مختلفة، بينها بعض الصراعات! يقول الابن جورج: «لدي أصدقاء
مسلمون ويهود وسريان وكاثوليك، القدس مدينة عالمية»! أمّا الحفيد روبين،
فيقول: «أصدقائي الإسرائيليون يرون أنني محايد لأنني لا أرى الأمور من وجهة
نظرهم أو من وجهة نظر الفلسطينيين». خطاب انعزالي بامتياز يتحدث عن القدس
باعتبارها «وطناً» منفصلاً لبعض السكان كأنّ القدس تجريد جغرافي طوباوي،
وليست جزءاً من بلاد محتلة تُدعى فلسطين. الفيلم يجرّد القدس من هويتها
العربية، وبمقدار ما يهمّش أهل المدينة الفلسطينيين، فهو يسيء إلى أبنائها
الأرمن الذين يرى المجتمع الفلسطيني أنّهم جزء من مكوّناته، مثلما رأت
المجتمعات العربية لبلاد الشام أنّهم أبناء لها. يبدو خطاب الأسرلة سائداً
في الشريط. فالأسرلة سعت دوماً إلى استغلال الأقليات الدينية والعرقية
وشقّها عن مجتمع فلسطين وقضاياه، في امتداد للخطاب الكولونيالي الذي عاد
إلى المنطقة بقوة بعد احتلال العراق وأخذ يظهر في المواد الإعلامية.
والنموذج الذي قدّمه الفيلم إلى الأرمن يجرّد الشخصية من عمقها الإنساني
والقيمي ويجعلها مجرد حالة إنسانية في مهب زمن استعماري، بل يجعلها متواطئة
معه. نرى الأرمني ينظر إلى نفسه في مرآة الزمن الإسرائيلي، غاضّاً الطرف
أنّه زمن احتلال. نرى ألبرت أغازريان «المنظّر» الأرمني المحلي في القدس،
الذي كان عضواً في الوفد الفلسطيني المفاوض في مدريد، يشير إلى صعوبة
الاندماج الأرمني في المجتمع الفلسطيني! إذن كيف استطاع السيد أغازريان أن
يفاوض يوماً باسم قضية، نكتشف الآن أنه لم «يندمج» فيها!
إن اختيار
«القدس ذكريات الأجيال» لتقديمه باعتباره فيلماً عن القدس أو مناقشة
«العربية» له، يذكّر المشاهد بأساليب الإعلام الموّجه في إقحام موضوع معين
عبر مادة فنية، كأنّ الأمر مناقشة لتلك المادة. ابتداءً بإقحام المذيعة
لزيارة بوش في أسئلتها لضيوفها واستعراضها لطروحات ميتة عملياً كتدويل
القدس كأنها طروحات الـ48 ساعة الأخيرة، ما يظهر أن مقدمة البرنامج ميسون
عزّام تحاول أن تقول أي شيء لتمرّ الحلقة!
أما
الضيوف، فمنهم من انسجم مع الفيلم ومذيعته مثل مهدي عبد الهادي من القدس.
فيما قدّم المطران عطا الله حنا كعادته خطاباً وطنياً واعياً، وقدم صخر أبو
فخر من بيروت نقداً «لبقاً»... من دون رد كاف على مضمون الشريط.
تجيء في
البال «الفم الكرزي» إحدى روايات الكاتب حنّا مينا التي خصّصها للأخوّة
العربية الأرمنية، والنضال المشترك ضد الاستعمار الفرنسي لسوريا ولبنان
وتواشجه مع النضال الأرمني لاستقلال أرمينيا... بتلك اللغة التبشيرية
المتفائلة التي تمتاز بها واقعية مينا الاشتراكية، قدّم صورة مشرقة للحضور
الأرمني في الحياة الكفاحية للمنطقة العربية، ولعلها الصورة الأقرب للواقع.
أمّا في «القدس ذاكرة الأجيال»، فليس هناك سوى أفواه انعزالية لا علاقة لها
بـ «الفم الكرزي»... بينما ينساب الزمن الإسرائيلي على شاشة «العربية»
وفضائيات «عربية» أخرى!
الأخبار اللبنانية في 22
يناير 2008
«الأصولــــــيّ الأخيــــــر»!
حوراء
حوماني
«الموت
لإسرائيل»، «الموت للأميركيين»،«الموت للصهيونية»، «بالروح بالدم نفديك يا
فلسطين»... هتافٌ يجمع الناس في مسجد، حول رجل أشيب يضع «الحطّة»
الفلسطينية، وهم يرددون بحماسة ما يقول. هو «رجل ألهب خيال الملايين...
اتبعوه حتّى في الخطر... وكانوا يتمنّون الموت من دونه»، حسب صوت المعلّق
باللغة الإنكليزية. «من أجل بلادي ومن أجل أولادي»، يأتي صوت المقاوم،
ملقياً وصيته الأخيرة، أمام الكاميرا، قبل الانطلاق إلى الميدان. تظنُّ
لوهلة أنه فيلم عربي يحكي رحلة الصمود الفلسطيني.
تابع
المشاهدة، فالمقطع الترويجي مجرد دقيقة و29 ثانية، على موقع «يوتيوب»
الإلكتروني.
«من أجل الأمة الأسـ...»، ويتوقف المقاوم عن المتابعة. يخلع حطته الخاصة،
يضع سلاحه على الطاولة أمامه، ويرحل. ويتابع التعليق بصوت هوليوودي أجش،
رسم مشهد الهزيمة على طريقته: الرجل الأشيب يهتف وحيداً في قلب المسجد،
والناس قد انفضّوا من حوله: «حتى جاء يوم... انطفأت فيه الشعلة... حين
اكتشف تابعوه شيئاً جديداً... رجل واحد بشّر بحقيقة واحدة... بقي وحيداً».
إذاً هو
فيلم درامي ناطق باللغة العربية. من هم الممثلون، المخرج، المنتج؟ تأتي
الإجابة عن بعض هذه الأسئلة من موقع «المبادرة الإسرائيلية» (israelinitiative.com)
الذي يشير في نهاية المقتطف الدعائي إلى أن عضو الكنيست الإسرائيلي بيني
ألون هو الذي يسوق للفيلم، ضمن «المبادرة الإسرائيلية» ـــــ الخيار الأفضل
للسلام. وألون يدعو «إلى محو السلطة الفلسطينية واستبدالها بالمملكة
الأردنية الهاشمية». ويضيف موقع
news.com
تعليق يوفال بورات، مستشار في حملة التسويق لـ»المبادرة»، أنهم أرادوا دعم
استراتيجيتهم من خلال عمل سينمائي، يستقطب العرب والشباب بدءاً من
الإنترنت.
هو
«الأصولي الأخير» (The
Last Fanatic)،
عنوان الفيلم الذي ينتهي ترويجه بالإشارة الى أنه يصل قريباً إلى الشرق
الاوسط. لكن عبر أي قناة، وأي أفكار قد يحمل؟ سؤال لن تطول الإجابة عنه،
فلننتظر...
الأخبار اللبنانية في 22
يناير 2008
|