عاد
''محمود ياسين'' إلى السينما في فيلم ''الجزيرة'' بعد غياب دام 7 سنوات حيث
كان آخر ظهور سينمائي له في فيلم ''كوكب الشرق''. والحقيقة أن ''محمود
ياسين'' غائب عن السينما منذ 12 عاماً لأن فيلم ''كوكب الشرق'' عرض في صمت
وغادر دور العرض أيضاً في صمت، وكان مشروعاً خاصاً لمنتجه ومخرجه ''محمد
فاضل''، ولم يجد من يرحب بالوقوف معه في معركته لتقديم حياة كوكب الشرق
''أم كلثوم'' سوى ''محمود ياسين''.
غاب
''محمود ياسين'' منذ عام 1995 حيث قدم في ذلك العام ثلاثة أفلام محدودة
المستوى الفني وهي: ''أيام الشر''، ''قشر البندق'' و ''اغتيال فاتن
توفيق''. شاهدت فيلم ''الجزيرة'' وكنت أنتظر أن أرى دوراً يليق بموهبة
وإبداع وتاريخ ''محمود ياسين''.. أنا لا أتحدث عن حجم الدور ولا عدد
المشاهد.. هذه العوامل ليست هي المؤثرة وكلنا نتذكر مثلاً ''مارلون
براندو'' النجم الأسطوري في فيلم ''سفر الرؤيا الآن'' لكوبولا.. رغم أن
مشاهده لم تزد عن 20 دقيقة في عمل فني تجاوز الساعات الثلاث لكنها مشاهد لا
تنسى وتظل عالقة في التاريخ السينمائي العالمي.
نعم النجم
الكبير قد لا يجد أمامه أدوار البطولة المطلقة تنهال عليه مثلما كان في
شبابه.. ''محمود ياسين'' أحد أهم النجوم في التاريخ السينمائي العربي الذين
قدموا عشرات من الأفلام بطولة مطلقة، ووصل برصيده إلى 170 فيلماً متفوقاً
على كل زملائه أمثال ''نور الشريف'' و ''حسين فهمي'' و'عزت العلايلي'' بل
كان في مرحلة السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات فتى الشاشة، ولو أعدت
قراءة إنتاجه لاكتشفت أنه كان يقدم أحياناً في العام الواحد 12 فيلماً
روائياً.. ولكن تغير الزمن و''محمود'' لم يقاوم هذا التغيير. أعلن أكثر من
مرة أن السينما للشباب وأنه يعلم جيداً أن الجمهور الذي يقطع تذكرة الدخول
للسينما يريد أن يرى شاباً مثله على الشاشة ولن يرضى بأن يرى الكبار يحتلون
المساحة الدرامية الكبرى. كل ذلك بالطبع أدركه ولكنني عندما شاهدت فيلم
''الجزيرة'' لشريف عرفة كنت أنتظر دوراً مميزاً لمحمود ياسين، دوراً لا
يؤديه سوى ''محمود ياسين''.. ولكني وجدته يلعب دور والد ''أحمد السقا''
ويؤدي دوره باللهجة الصعيدية حيث تدور أغلب أحداث الفيلم.. في الربع الأول
من أحداث في الفيلم نرى ''محمود ياسين'' وبعدها يرحل ليبدأ مشوار ''أحمد
السقا'' باعتباره هو البطل الخارج على القانون الذي يحير رجال الشرطة.
الفيلم
يقع في إطار سينما الأكشن والهدف الأساسي منه هو أن يستعرض ''أحمد السقا''
قدرته على تقديم مثل هذه المشاهد بما يتمتع به من لياقة بدنية فائقة،
وأيضاً بما لديه من رصيد عند جمهور الشباب يتيح له القدرة على الجذب
الجماهيري لدى قطاع عريض، ولهذا فإن الجمهور ذهب لكي يشاهد فيلم
''الجزيرة'' من أجل نجمه المحبوب ''أحمد السقا''.. فهل شاهد هذا الجمهور
أيضاً ''محمود ياسين''؟
لا أقصد
بالطبع الدلالة المباشرة لكلمة شاهد ولكني أسأل هل شعر الجمهور بأن ''محمود
ياسين'' في ظل سينما الشباب استطاع أن يجد له مكاناً مميزاً؟ مكاناً لا
يشغله سوى ''محمود ياسين'' الإجابة هي بالطبع: لا.. اختار ''محمود ياسين''
نوعا من الأفلام وهي أفلام الأكشن - الحركة - وهو بالطبع غير مؤهل لتنفيذها
حيث تتضاءل في مثل هذه الأفلام مساحات التعبير بالمشاعر، أقول تتضاءل
ولكنها لا تختفي تماماً.. ولم يتح السيناريو الكثير لمحمود لكي يعبر
درامياً عن تلك المشاعر.. أنا أعلم أن كل جيل ''محمود ياسين'' يعاني
باستثناء ''عادل إمام'' الذي وجد لنفسه مساحة مغايرة له ولا يزال نجماً
للشباك، وأفلامه حتى الآن إذا لم تحظ بالمرتبة الأولى في دنيا الإيرادات
فإنها لا تتنازل عن المركز الثاني.. ''عادل'' يقدم أفلاماً هو بطلها
ومحورها حتى ولو كان معه عدد من النجوم الجدد أو الوجود الجديدة.. ''عادل''
في المقدمة ولهذا فإن الحماية التي يحققها له شباك التذاكر تتيح له الكثير
من الاختيارات غير متاحة لأحد غيره من جيله.
على
الجانب الآخر نرى ''نور الشريف''.. ''نور'' قرر أن يتواجد على الساحة
بقانون هذا الزمن، ولهذا نجد ''نور'' في فيلم ''دم الغزال'' مثلاً قدم دور
رئيسياً مؤثراً على المستوى الدرامي.. وأيضاً في ''عمارة يعقوبيان'' ''عادل
إمام'' هو البطل الذي يتحمل العبء الجماهيري لكن هناك دور مواز يلعبه ''نور
الشريف''.. أنا أرى أن السينما لا يمكن أن تستغني عن هذا الجيل لأنها تقدم
صورة من الحياة.. وهذه الحياة نرى فيها كل الأعمار.. ولكن على الفنان
الكبير أن يحسن اختيار الدور الذي يضيف له ويحسب له لا عليه.. وبعد غياب
قسري عن السينما امتد نحو 12 عاماً لو أسقطنا فيلم ''كوكب الشرق'' من خريطة
''محمود ياسين'' نكتشف أنه كان بحاجة إلى دور يفجر مساحات الإبداع التي
تراكمت في أعماقه لكن مع الأسف لم أعثر على تلك اللمسات ولا أزال في انتظار
عودة ''محمود ياسين'' بعد الجزيرة!
tarekelshinnawi@yahoo.com
الإتحاد الإماراتية في 20
يناير 2008
|