يقول
الشاعر اللبناني الجميل "جبران خليل جبران" إن الغناء هو سر الوجود، وهو
التأمل الرسمي لأسمى المشاعر الإنسانية التي تتسم بالرومانسية والشجن على
مدار التاريخ الإنساني، والغناء في حياة النجوم يظل منطقة محببة، ومحرك
للخيال ومنجز الثورة في الوجدان، وسواء كان هؤلاء النجوم من أهل الفن
ممثلين أم مخرجين أم كتاب سيناريو وغيرهم، فتبقى دائمًا في دفاترهم القديمة
ذكريات محببة عن الغناء، ومن هؤلاء الفنان الكبير كمال الشناوي الذي برع في
تجسيد العديد من الأدوار الرومانسية في زمن الفن الجميل .
ولأن حرفة
الغناء قد أدركته في سنوات عمره الأولى في مجال الفن ، ومست قلبه قليلاً
لكنه تراجع أمام أساطير الطرب في زمن الرومانسية ، فقد قررنا الحوار معه
على وتيرة لحن واحد من حياته المفعمة بالإثارة والذكريات الجميلة ، وهو هنا
لا يتذكر فقط ، بل يعزف على أوتار مشاعره الدافئة مقطوعات يصحبها قدر من
الشجن ، والتندر - أحيانًا- على زمن كانت لوحة الفن فيه أشبه بعمل سيمفونية
متكاملة الأركان والزوايا ، ولم يقتصر الفن الرومانسي في ذلك الزمان على
الغناء وحده - على حد قوله - بل انسحب على كافة الفنون التي شكلت في
النهاية علامات بارزة في حياة الأمة العربية إلى وقتنا هذا ، بدليل كما
يؤكد الشناوى : ما زالت أغاني الكبار تنافس غناء الشباب الحالي، على الرغم
من اختلاف التقنيات وفروق السرعة والحضارة .
·
بدايةً هل تقدم لنا لقطة مضيئة أو صورة سريعة
عن العصر الذي عشته في ظل الأفلام الغنائية والاستعراضية التى كانت تعرف
بعصر الرومانسية؟
والله يا
صديقي أعدتني بالذاكرة إلى وقت كان الفن ونجومه رمزًا للجمال، حتى في
هوليود الأميركية ذاتها كان نجومها ونجماتها تعبيرًا واقعيًا عن ذلك، وقتها
كان يتم التركيز من قبل المنتجين على التيمات الاجتماعية والموضوعات
الحقيقية التي برعت في التعبير عن الرومانسية، والدليل على هذا أن تلك
الأعمال ما زالت تعيش في وجداننا حتى اليوم .
كانت
الحياة جميلة فعلاً، وعبر الفيلم الرومانسى كانت تزدهر صناعة الحب من خلال
أغانى ترسخ وتؤكد معانيه السامية ، وربما نلاحظ أن عبد الوهاب ، وأم كلثوم
وفريد الأطرش على سبيل المثال لا الحصر ، كانوا يغنون للحب بصدق ، وكانت
كلمات الأغانى تتحدث عن الجمال عند المرأة فى الشفاه والخدود الوردية ، لكن
بشكل لا يجرح حياء المرأة ولا يقلل من قيمتها ، ومن بعدهم جاء عبد الحليم
ليغني للشعر الحرير ، ولأن الجمال كان مسيطرًا على لوحة الغناء كان لا بد
أن تكون الشاشة أجمل ، من خلال قصص الحب الساخنة التى كتبها إحسان عبد
القدوس ، ويوسف السباعى ، ومحمد عبد الحليم عبد الله ، وغيرهم من كتاب
الزمن الرومانسى الجميل .
·
هل تقصد في كلامك أن الرومانسية لم يعد لها
دور في أفلام أو أغاني الزمن الحالي ؟
لقد انحدر
المستوى للأسف ، فلم نعد نسمع كلمة "حب" إلا وترتبط بالابتذال أو
"بالشتيمة" مثل بحبك يا بنت الإيه، و "بحبك ياحمار" .. ( بالذمة ده كلام !)
، بصراحة أرفض أن أسمع أغاني الحب من " شوية عيال" ليس لعيب في الحب في هذا
الزمن ، ولكن لأن كلماتهم وألحانهم وأدائهم تخلو تماماً من الإحساس
والمشاعر الدافئة ورنين الصدق الذى يخطف القلوب العاشقة .
كل الذين
يغنون حالياً أو غالبيتهم¬ - حتى لا أتجنى - لا يشبعون ذائقتى التى اعتادت
الفن الجميل ، وصعب جداً أن تجد من بينهم واحدا أو واحدة تحدث حالة من
التطريب ، فالغالبية العظمى من نجوم هذا الزمان لا يغنون بصدق أويتمتعون
بصوت عذب أو يملكون القدرة على تحريك المشاعر حتى تهتف له وتقول "الله ..
الله" ، كما كان يحدث في زماننا من سلاطين الطرب .
·
أنت إذا تتهم بشكل واضح مطربي الشباب بعدم
الإحساس وفقدان المشاعر إذًا؟
أعيد
وأؤكد .. يا جماعة الفن الجيد والغناء الجيد هو ذلك الذي يخاطب الإحساس
ويحرك المشاعر ، قبل أن يرتدي المطرب بدلة شيك ، أو ملابس كجوال غربية
مثيرة ، وحذاء لامع من تحته جورب يتماشى مع لون الكرافتة ، وعلى فكرة
الظاهرة لا تنطبق – نعم اسمها ظاهرة – فقط على المطربين بل أيضًا تنسحب على
باقي الفنون الأخرى جميعًا وللأسف الشديد لا أملك إلا أن أقول : كان الله
فى عون الجيل الحالى ، فهو جيل يعبر عن واقع محبط من حوله ، ولا يمكن أن
يخلق هو بنفسه واقعاً أو مناخاً خاصاً به ، وبالتالى أنا أعذرهم فهم في
النهاية مظلومون .
·
فى بعض أفلامك كانت لك محاولات غنائية لم
تكتمل .. ترى لماذا ؟
في فترة
صباى المبكر التحقت بمعهد الموسيقى العربية ، لكني تركته بعد فترة لأن
تعليمي الجامعي حال دون إتمام دراستي للموسيقي، فقد تضاربت المواعيد ، وكنت
أتأخر دائمًا عن دروس الموسيقي، واضطررت للاعتذار عن الدراسة ، لكني ندمت
فيما بعد لأني كنت وما زلت متذوق للموسيقى وبداخلي مطرب .
وأذكر أن
الراحل العظيم فريد الأطرش لمس حسى الموسيقى والغنائى ، وعرض على احتراف
الغناء وكانت لى محاولات فى بعض الأفلام كما ذكرت لكنى خشيت أن أقف أمام
الميكروفون وأغنى في وجود العمالقة "عبد الوهاب ، أم كلثوم ، فريد الأطرش ،
عبد الحليم حافظ وغيرهم ، كانت هناك رهبة للغناء ، ولا يجرؤ على الاقتراب
منه سوى من كانت لديه موهبة بحجم هؤلاء الكبار ، وبقيت محاولتى الغنائية فى
الأفلام نظراً لأنى كنت متأثراً بالمطرب العالمى الرائع ( فرانك سيناترا )
.
·
من أهم المطربات اللاتى شاركتهن بطولة أفلامك
؟
كثيرات من
رواد الطرب الرومانسى اللذيذ ، أذكر منهم "ليلى مراد – نور الهدى – رجاء
عبده – أحلام – شهرزاد – صباح – شادية – هدى سلطان – مها صبرى – سميرة
توفيق – نزهة وهيام يونس" طبعاً بالإضافة إلى مشاركتى لعبد الحليم فى فيلم
"البنات والصيف" ومحمد فوزى فى فيلم "الروح والجسد" .
·
ماذا عن لقاءك بالفنانة القديرة شادية ؟
أولاً أنا
أعتبر لقائى بالفنانة العظيمة شادية أهم وأحب مطربة شاركتنى بطولة بعض
أفلامى المميزة طوق النجاة بالنسبة لي ، فبعد أن أسند لى دور الفتى الأول
فوجئت بأن الممثلات المطربات اللائى يقفن أمامى أكبر من أني أتظاهر بالوقوع
فى حبهن ، وكنت أبدو للمتفرج وقتها بأنى شاب طامع فى أموالهن ، كما تبدو
البطلة أمامى راغبة فقط فى شبابى ، لهذا كان لقائى بشادية من أهم الأشياء
التى حدثت لي فى السينما ، واستطاع المنتج والمخرج حلمى رفلة أن يصنع منى
ومنها ثنائيًا جديداً خفيف الروح لمنافسة أنور وجدى وليلى مراد ، و كان
أجرنا فى ذلك الزمان ضعيف جداً فقدمنا أفلاماً خفيفة وجميلة غاية فى
الرومانسية مثل "حمامة السلام – عدل السماء – ساعة لقلبك – فى الهوا سوا –
بشرة خير – أيام شبابى – قلوب العذارى – المرأة المجهولة" وغيرهم من أفلام
أخرى لا أذكرها الآن .
·
ما هى أجمل الأغنيات التى مازالت عالقة فى
ذاكرتك من كل تلك الأفلام الرومانسية ؟
يضع يده
على جبينه ويرجع بظهره للوراء من فوق كرسى عتيق تصحبه تنهيده طويلة ، قائلا
: ( أقولك إيه ولا إيه ) إنها كثيرة وجميلة شوف مثلاً "البوسطجية اشتكوا من
كتر مراسيلى" لرجاء عبده فى فيلم "حبايبى كتير" ، وعندك " القلب يحب مرة ..
مايحبش مرتين" لشادية فى فيلم "إرحم حبى" وفيه "متع شبابك بالأمل .. الدنيا
إيه من غير أمل" لهدى سلطان فى فيلم "لمين هواك" ، كما ذكرت لك فإن الكلمات
رومانسية فى ثوب اجتماعى ونقدى فى ذات الوقت وتمتع الزائقة جداً ، وكانت
هناك ألوان من الطرب الرومانسى الخفيف مثل "زى العسل" لصباح ، و "سوق على
مهلك ودور عليه" لشادية ، وغيرها لا حصر لها من الأغنيات الجميلة التى كانت
تتميز بالبساطة وخفة الدم بالإضافة إلى ألحان عذبة وتبعث على الشجن.
·
هل تذكر لنا ظروف غنائك فى بعض الأفلام ..
إحكى لنا بعض من تلك الذكريات المحببة لنفسك وقلبك ؟
غنائى فى
الأفلام جاء بمحض الصدفة ، وأذكر فى أحد الأفلام التى جمعتنى بالفنانة
الشقية وقتها " شقاوة محببة ولذيذة " شادية وجدتنى أقف أمامها وهى تغنى ،
وانتهت كل الحركات التى أقوم بها ، فطلب منى المخرج حلمي رفله أن أغني معها
أغنية "سوق على مهلك"تلحين منير مراد وجلس معى منير وحفظني اللحن،وأثناء
الحفظ طلبت منه أن يضمن اللحن جملة موسيقية خاصة بى ، وحدث ذلك فعلاً وغنيت
، وبعد عرض الفيلم فوجئت بنجاح الأغنية "الدويتو" وفتحت لى باب الغناء فى
الأفلام بعد ذلك .
·
من أحب المطربين إلى قلب الفنان العظيم
والقدير كمال الشناوى ؟
مازلت
أستمتع بغناء أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ، ليس لأنهم تعبير عن زمنى
فقط ، ولكنهم جميعًا تعبير صادق عن الأغنية العذبة والرومانسية بعظمتها
وكبريائها ، وأحرص دائمًا على سماعهم من خلال الألبومات التى أحتفظ بها أو
عبر قناتى الطرب فى روتانا و
art
.
·
ماذا عن مطربات الشباب الآن ؟
أحياناً
أقلب بالريموت على قنوات الأغانى ، وألاحظ حالة من الصحب والضجيج الذى لا
تحتمله آذانى ، لكن أرى أن هيفاء وهبى ونانسى عجرم وإليسا لذيذات ويصلحن
للسينما الغنائية ، وأخص منهم "هيفاء" التى تتمتع بمواصفات جيدة جداً للعب
أدوار الحب ، والإغراء بشكل عصرى يلفت النظر أكثر من الغناء ، ويمكن توظيف
نانسي فى الأفلام التى تتطلب شقاوة وخفة دم وبراءة ، أما إليسا فتأخذ
الأدوار التى تعتمد على الرومانسية الشديدة .
*ايلاف
موقع "دنيا الوطن" في 18
يناير 2008
|