في عرضه
الأول في مهرجان دبي السينمائي الدولي الأخير (9 - 16 كانون الاول/ ديسمبر
الماضي) استطاع الفيلم الاردني «كابتن أبو رائد» إخراج أمين طوالقة أن يضع
اسم الأردن على خريطة البلدان التي تصنع الأفلام الروائية الطويلة، وأهمية
هذا في كون هذه النوعية من الأفلام هي الأكثر إقبالاً من جانب جمهور
السينما في العالم حتى اليوم، بل أن غالبية هذا الجمهور لا يعرف غيرها
للأسف.
وفضلاً عن
كونه عملاً سينمائياً جذاباً، فإن «كابتن أبو رائد» يطرح على مشاهده أموراً
عدة من خلال بنائه الدرامي، أولها القصة الاجتماعية والإنسانية التي تأخذ
من الواقع بعض ملامح صادقة، خصوصاً في صورة المجتمع الذي يعيش بطلا الفيلم
ضمنه في حي فقير بملامحه الإنسانية وناسه وأطفاله الذين لا يجدون ما
يفعلونه بعد المدرسة سوى اللعب في الشارع، وأيضاً الملامح الاقتصادية لهذا
العالم الذي يتحرك فيه البطل العجوز، عامل النظافة في المطار، وجاره الذي
يضرب زوجته وأبناءه باستمرار وتدفعه أزمته كبائع جوال للملابس الى إفراغ
غضبه على الزوجة.
تتحرك
الدراما في الفيلم على محورين: أبو رائد العجوز الوحيد بعد موت زوجته وسفر
ولده يتخذ من الكتب رفيقاً، ومن ملاحظة الآخرين والحياة متنفساً وهو ما
يدخله الى رصد حال أطفال الشارع وإدراك أزماتهم، وهنا تتصاعد أزمة الرجل
حين يتأزم المراهق (مراد) ابن جاره الذي حاول في البداية أن يخرج من مشاعر
المهانة بفعل سلوك والده تجاهه وشقيقه وأمه بالهجوم على أبو رائد الذي حظي
حب واهتمام بقية الأولاد والبنات، وهو يحكي لهم في الأمسيات قصصاً مذهلة
تأخذ بألبابهم حول الطيران. يسفه مراد هذه العلاقة بين العجوز والأطفال
ويعلن لهم ان ساحرهم ليس طياراً وإنما هو عامل نظافة (بما يعني تحقيره).
وتتوتر
العلاقة قليلاً بعد ان يدرك الأولاد أن أبو رائد ليس طياراً على رغم قبعة
الكابتن التي يضعها على رأسه، بينما ينغمس هو في شؤونه من خلال علاقة اخرى
مع شابة من عائلة ثرية تذهلها ثقافته مع موقعه البسيط، فتسعى إليه، وتقترب
منه بإرادتها، إذ وجدت فيه نموذجاً للجمال الإنساني على بساطته، ما يؤهلها
لمساعدته، قبل نهاية الفيلم، في الدفاع عن جارته المعذبة أم مراد وولديها
من الأب المتوحش، وإنقاذ هذه الأسرة بإبعادها عن مخالبه، وبغض النظر عن
خيالية هذا الجزء من الفيلم الذي لا ينتمي الى عالمنا العربي في كل أرجائه،
وكذلك تلك العلاقة المثالية بين أبو رائد ورنا والتي تبدو فكرة افتراضية
اكثر منها درامية. فإننا أمام عمل فني ويحمل أفكاراً نبيلة وتنساب مشاهده
بسلاسة من خلال مونتاج سلس. وكذلك أمام تصوير معبّر قادر على إضافة عمق
المكان كجزء أساسي في المشهد وهو ما يحسب المخرج أمين طوالقة في أول أعماله
الروائية الطويلة. كما يحسب له تلك الاختيارات الجيدة للممثلين والممثلات،
مهما صغرت الأدوار، وفي الأساس الممثل القدير نديم صوالحة في دور أبو رائد
الذي أعطى الشخصية كل الملامح التي أضافت هذا الرونق للشخصية باستثناء انه
- اي صوالحة - كان يبدو أحياناً أقرب الى فيلسوف مفكر منه الى عامل مطار
مثقف ولديه خبرة عريضة بالحياة.
صوالحة
حصل على جائزة افضل ممثل في مهرجان دبي عن هذا الدور الذي تزداد أهميته،
لندرة الأفلام خصوصاً العربية التي يكون بطلها في مثل وضعه: عجوز ومتواضع
اجتماعياً. فغالبية أبطال السينما العربية شباب، والأقلية من كبار السن لا
بد من ان يكونوا ميلونيرات. ومن هنا يستحق المطالقة التحية لاختياره هذا
النموذج بطلاً، ولأنه من خلال الفيلم يطرح على مشاهده فكرة بالغة الأهمية
والقيمة وهي انه بإمكان الإنسان، مهما كان وضعه الاجتماعي، ان يعلو بشأنه،
وان يساعد غيره، وان يكون فاعلاً في المكان المحيط به وهكذا كان أبو رائد.
يذكر هنا
أخيراً ان هذا الفيلم لم يكن الوحيد للأردن في مهرجان دبي الرابع، وإنما
كان هناك أيضاً فيلمان آخران في مسابقة الأفلام الوثائقية، الأول من إخراج
محمود المساو وعنوانه «إعادة خلق» ويدور حول مجاهد سابق في أفغانستان
وعالمه والثاني «قمر 14» من إخراج ساندرا ماضي، ويدور حول بطل ملاكمة حرم
التدريب مع المنتخب الأردني لأنه رفض منازلة ملاكم إسرائيلي في دورة بتركيا
وكلا الفيلمين يستحق حديثاً منفصل فيه.
الحياة اللندنية في 18
يناير 2008
بعيداً عن
التقييم الفني الحقيقي...
«حين ميسرة» و
«هي فوضى»: هل يسيئان الى سمعة مصر؟
القاهرة/
الحياة: من شاهد الأفلام المصرية التي عرضت في عيد الأضحى ويستمر عرضها حتى
موسم إجازة منتصف العام، سيجد نفسه أمام مجموعة من التساؤلات، والتي يجب
مناقشتها بدءاً من نوعية هذه الأفلام، وما تطرحه من قضايا شائكة وصولاً إلى
الشكل الفني، إذ تنتمي معظم الأفلام المعروضة إلى نوعية «الأكشن» والإثارة،
فهل الأمر مجرد موضة بعد تراجع الكوميديا؟ أم أن السينما وبقليل من التفاؤل
أصبحت قريبة من القضايا المجتمعية؟ تحديداً لا بد من القول أن فيلم «هي
فوضى» لم يكن الأول في نوعية الأفلام التي ناقشت أموراً (كان يصفها البعض
وصفاً بالشائكة والمثيرة لجدل)، وتحديداً في ما يتعلق بعلاقة المواطن
بوزارة الداخلية، إلا أن حال الشحن التي حملها الفيلم خصوصاً بعد انتشار
أخبار عمليات التعذيب في الصحف ووسائل الإعلام المرئية، وتحديداً القضية
المعروفة بعماد الكبير والتي حُكم فيها لمصلحته وتم حبس ضابط الشرطة الذي
قام بتعذيبه، هو ما ضمن للفيلم تحقيق إيرادات عالية، وسار فيلم «حين ميسرة»
في الاتجاه نفسه مع تضمين الفيلم قضايا أكثر سخونة تتعلق بالعشوائيات التي
تحيط القاهرة من كل جانب والتي قد تتحول بين ليلة وضحاها إلى حزام ناسف
يحرق كل من حوله. لقد رصد هذا الفيلم حياة البسطاء الذين يعيشون داخل
العشش، ولا يملكون سوى البحث عن قوت يومهم، وتحدث عما تولده هذه العشوائية
من فوضى وظواهر سلبية بدءاً من الزنا وصولاً إلى العلاقات المحرمة بين
أطفال الشوارع، والمثلية الجنسية بين البطلة سمية الخشاب وغادة عبدالرازق.
كذلك يرصد
فيلم «الجزيرة» (للمخرج شريف عرفة وبطولة أحمد السقا ومحمود ياسين وهند
صبري) المستند إلى واقعة حقيقية تلك العلاقة الشائكة التي ربطت بين قيادات
من وزارة الداخلية وواحد من أكبر تجار المخدرات والسلاح في الصعيد عزت
حنفي، فيما عرف بقضية النخيلة والتي انتهت نهاية مأسوية لبطلها. إلا أن
دراما الفيلم ساقت تبريراً لتلك العلاقة الشائكة بين حنفي وأجهزة الأمن، إذ
تم التأكيد على الدعم الذي ناله واحد من أكبر تجار المخدرات والسلاح مقابل
أن يساعد الداخلية في القبض على الإرهابيين ورصد الفيلم التطورات التي لحقت
بشخصية البطل، الذي أيقن في لحظة ما أنه يملك كل مفاتيح اللعبة في يده إلى
درجة أنه حول الجزيرة إلى ثكنة عسكرية وأخذ أهاليها كمجموعة من الرهائن.
وعلى رغم عدم انتهاء البطل إلى ما انتهى إليه حنفي في الحقيقة، اذ تم إعدام
الاخير إلا أن بطل «الجزيرة» اختفى من أمام قاعة المحكمة، وتواصل إطلاق
النار بين أهله من جانب والأمن، وجهة أخرى غير معلومة من جانب آخر، في
تأكيد من صناع العمل على تغلغل الفساد وتداخل أطرافه، وعلى رغم ردود الفعل
الغاضبة التي جابهت الفيلم من جانب عائلة حنفي في الصعيد، إذ هددوا باللجوء
إلى القضاء ومقاضاة مخرج العمل، وبطله ومنتجه، إلا أن البعض رأى أن الفيلم
على رغم دخوله في تلك المنطقة الشائكة إلا أنه حمل تبريراً لسياسات الأمن
في تلك الفترة، وأرجع البعض موافقة الرقابة على سيناريو الفيلم، إلى ذلك
السبب، والفيلم يحتل مقدمة الإيرادات في شباك التذاكر حالياً.
تلك
الهجمة من الأفلام السينمائية والتي تتناول قضايا مهمة وتطرح تساؤلات عن
أمور ما زال بعض منها يناقش على صفحات الجرائد وفي الفضائيات مثل قضايا
العشوائيات والتعذيب داخل أقسام الشرطة، ومساحة الحرية التي أتاحتها
الرقابة لصناع هذه الأفلام جعل البعض يتساءل: هل تكيل الرقابة المصرية
بمكيالين خصوصاً أنها سبق ان رفضت عنوان فيلم، فقط لأنه يحمل اسم «ضابط
وأربع قطط» وتم تغييره إلى «أسد وأربع قطط»؟ خوفاً من أن يضايق الاسم أحداً
على رغم أن البطل داخل أحداث الفيلم يجسد دور ضابط فما بالك بأفلام تناقش
مثل هذه القضايا؟
كما أن
فيلم «هي فوضى» تم حذف بعض اللقطات المهمة منه والتي تضم حواراً بين وكيل
النيابة يوسف الشريف، وأمين الشرطة خالد صالح، ولقطة أخرى تتعلق بشخص
المأمور وسلطاته، ما يؤكد أنه لا تزال هناك خطوط حمر لا يمكن تخطيها، ولا
سيما أن هناك العديد من السيناريوات التي يتم تحويلها إلى جهات أمنية
لإبداء الموافقة عليها قبل إعطائها تصريح الرقابة.
الحياة اللندنية في 18
يناير 2008
|