السينمائيون في تونس يشكون من الموزعين الذين يتعاملون مع
الافلام الثقافية على انها بضاعة مربحة.
تونس –
يقف المطّلع على واقع التّوزيع السينمائي في تونس على مدى مسؤولية
الموزعين السينمائيين الثقافية في التردي الحاصل في مجال انحصار حضور
السينما
الثقافية الجادة.
ويتعامل
الموزعون مع الأفلام كمجرد بضاعة مربحة دون الوعي بدورهم الخطير في
صياغة الذوق الثقافي العام، إلى جانب السلبية التي يتعاملون بها في كثير من
الأحيان
في توزيع الإنتاج السينمائي الوطني.
ويجد
الشريط التونسي صعوبات كثيرة في وصوله للقاعات، بالرغم من أن الأفلام
التونسية قد برهن البعض منها على قدرته في جر الجماهير السينمائية إلى
قاعات
السينما كأفلام النوري بوزيد على سبيل المثال، في حين يتمتع
الشريط المصري التجاري
الهابط بعناية فائقة من طرف الموزع التونسي بما في ذلك دعوة "نجوم" هذه
الأفلام
لحضور حصص الافتتاح.
وفي هذا
الجو الثقافي العام يتنزل مشروع قاعة "أفريكا" السينمائية التي دأب على
بعثها المنتج المسرحي المحك الحبيب بالهادي الذي ساهم طوال
أكثر من خمسة عشر عاما
على مستوى الإنتاج المسرحي إلى جانب كل من جليلة بكار وفاضل الجعايبي في
إعطاء
المسرح التونسي والعربي أجمل أعماله المسرحية.
إن قاعة
"أفريكا" الشهيرة التي أسست عام 1972تعتبر أول قاعة تبعث بعد الاستقلال
إلى جانب القاعات الأخرى الموروثة من العهد الاستعماري وقد
حظيت بمكانة خاصة عند
الجمهور التونسي المحب للسينما كونها القاعة العصرية والفاخرة التابعة لأهم
فندق
دولي في قلب الشارع الرئيسي.
وتكتسب
القاعة اهميتها كونها أيضا القاعة السينمائية الأهم على مستوى جدية
الأفلام التي تعرضها والتي كانت تؤمنها مؤسسة "الساتباك" المملوكة للدولة.
غير أن
هذه القاعة تعرضت بعد عقدين من نشاطها إلى التعطل بعد انقراض المؤسسة
المذكورة وإغلاق الفندق للترميم، وحين أعيد فتح الفندق للعموم كانت القاعة
معطلة
طوال سبع سنوات، ظلت هدفا للمضاربات والمساومات إلى أن تبلورت
فكرة إنقاذ هذه
القاعة وإعادة الاعتبار إليها كقاعة جديرة بالحراك السينمائي التي تشهده
العاصمة
لتصبح قاعة "سينما أفريكا آرت"، ويعتبر الحبيب بالهادي باعث هذا المشروع أن
دلالة
هذه التسمية الجديدة تعنى بالأساس بعث قاعة تعبر عن مفهوم
أساسي، هو تحقيق قاعة
سينمائية للاكتشاف وللبحث و معاضدة السينماءات الهامشية والوطنية وكذلك
التعريف
بالإنتاج السينمائي العالمي الجاد، ذلك أن هذا التعريف والبحث سيخضع إلى
برمجة
دقيقة تكون بمثابة المرصد الدائم والملتزم لسينماءات الجنوب
والاختبار الذكي
لسينماءات الشمال.
وإلى جانب
كل ذلك، يعتبر الحبيب بالهادي أن القاعة أيضا ستفتح فضاءها لتحتضن كل
ما
يمكن ان يمس عالم الصورة، أي كل العالم الأيقونوغرافي الذي يتجاوز عرض
أفلام
الخمس وثلاثين ملليمتر ليحتضن أفلام الفيديو وأفلام الفيديوآرت
وفن التّنصيبات
والتألقات الأدائية وأنواع الفرجة المركبة خاصة تلك المتعلقة بالمسرح
المصور او
المسجل إلى جانب التركيز على تنظيم جلسات نقاش وحوار يشرف عليها مختصون في
النقد
السينمائي والمسرحي والتنشيط التواصلي.
هذا
وستعطي البرمجة الأولوية للسينما الوثائقية بكل أطيافها ومشاربها، كما أن
القاعة ستعاضد بالتوازي مجمل الحركية السينمائية التنشيطية ومجمل التظاهرات
السينمائية من خلال التنسيق الدائم مع المواعيد السينمائية
الكبرى كمهرجان أيام
قرطاج السينمائية ومهرجان أيام السينما الأوروبية والمهرجان الدولي لسينما
الطفل
بسوسة والمهرجان الدولي للسينما الوثائقية بتونس العاصمة وأيام السينما
التونسية
الذي تنظمها جمعية النقاد السينمائيين التونسيين وغيرها من
المواعيد.
ولإعطاء
فكرة عن برمجة قاعة "افريكا آرت" فقد عرضت الشهر الماضي سلسلة من
الأشرطة الروائية كشريط "سكر بنات" للمخرجة اللبنانية نادين لبكي الذي
يتواصل عرضه
إلى الآن
في أسبوعه الخامس، ومن قبله شريط "عرس الذيب" في عرضه الأول لمخرجه
التونسي الجيلاني السعدي إلى جانب الشريط الوثائقي "ظل الغياب" للمخرج
الفلسطيني
نصري حجاج إلى جانب شريط المخرج الألماني برينو مول "رحلة إلى
تونس" وهو شريط
وثائقي يتعرض لرحلة الرسام السويسري بول كلي إلى تونس في عشرينات القرن
الماضي وما
اختزلته هذه الرحلة من دلالات روحية وتشكيلية جمالية.
هذا وقد
تم ضبط برنامج الأشهر الثلاث الأولى (جانفي، فيفري، مارس2008) والذي
سيخصص لسينما و مسرح فرقة فاميليا حيث سيتم عرض شريط "جنون" للفاضل
الجعايبي
والشريط الوثائقي "تكلم" للمخرجة البلجيكية آن غلوسيه وكذلك
الشريط الوثائقي "مسرح
الحرية" للمخرج التونسي محمود بن محمود وكذلك تسجيلين للمونودراما الشهيرة
"البحث
عن عائدة" ولمسرحية "فاميليا".
كما سيتم
تنظيم ضمن هذه البرمجة سلسلة من أهم أعمال المخرج السينمائي الكبير جون
لوك غودار وكذلك التعريف بالمخرج التونسي المهاجر عبد اللطيف كشيش الحاصل
على جائزة
الأسد الذهبي في مهرجان البندقية عام2002 عن شريطه الروائي
"الخطأ سببه موليار"
والمتوج مؤخرا في نفس المهرجان بالجائزة الخاصة للجنة التحكيم عن شريطه
الأخير
"كسكسي
بسمك البوري".
هذا وتطمح
قاعة "سينما أفريكا آرت" من خلال جهدها في إعادة تكوين جمهور سينمائي
بديل ومختلف إلى جعل هذه البرمجة السينمائية في قلب اهتمامات
العناصر الحيوية
الفاعلة في مجال "السيني فيليا" (حب السينما) كجمهور نوادي السينما، و
نشطاء النقد
والمعرفة السينمائية.
كما تسعى
إدارة هذه القاعة الى وضع خطة دقيقة تربط بين البرمجة السينمائية و
اهتمامات جمهور آخر خفي وممكن وهو جمهور الجمعيات والوداديات وبقية
المؤسسات بما في
ذلك المهنية والتربوية، وهي تجربة قائمة على تحسيس الأخر
بأهمية السينما في النهوض
بذوقه الجمالي ووعيه بالحياة ومفهوم المواطنة، وهي تجربة كان قد خبرها
الحبيب
بالهادي في خلق جمهور مسرحي عريض ومتنوع حول تجربة مسرح "فاميليا" كمسرح
نخبوي
للجميع.
ولعل بعث
وتأسيس مثل هذه القاعة السينمائية التي تتجاوز من خلال برنامجها الفريد
والمتنوع ودورها الملتزم في الدفاع عن ثقافة جدية للصورة سيسجل مستقبلا في
تاريخ
الحراك الثقافي في تونس.
ميدل إيست أنلاين في 16
يناير 2008
|