"الحرية توّحدنا … والوحدة تحرّرنا " تشكل كلمات ابن عربي هذه
الأساس الذي يقوم عليه مشروع (أرشيف المرصد) حيث التوق والبحث الدائم عن
العدالة الاجتماعية والحرية الغائبة، يوحد الأعمال التي يجمعها المرصد في
أرشيفه من جميع بقاع العالم لأفراد متنوعين ومختلفين في هويّاتهم، وهذه
الوحدة هي التي ستقودهم في النهاية الى التحرر المرجو… الى أحلامهم.
(أرشيف المرصد) مشروع مستقل يقوم عليه مرصد الفيديو غير المحدد
الهوية في إسبانيا، والمدعوم من قبل عدة هيئات ثقافية إسبانية، وشركات
إعلامية، فنية، أو تجارية، ويتخذ المرصد طابع أممي؛ فهو وطن لجميع الأصوات
الإنسانية المتعبة من مختلف بقاع العالم حيث تتوحد على منبره الحر وهي ترنو
الى التغيير، أنشئ هذا المشروع حول ثيمات مستقلة تمتلك هدفا واضحا؛ هو
اعادة اكتشاف عالمنا ونقد الثقافة المعاصرة فيه من خلال رصد ملامح تلك
الثقافة عبر استخدام المواد السمعية البصرية المختلفة؛ سواء أكانت فيديو
آرت، أو أفلام روائية ووثائقية، طويلة وقصيرة - والتي غالبا ما تكون ذات
إنتاج مستقل - أو ما يسمى بوسائل الإعلام (الاركيولوجية) المتعلقة بمواد أو
أفلام مصورة قديما وأعيد اكتشافها.
وكان عام 1993 نقطة انطلاق المشروع والبدء بجمع عدد من الأعمال
والأفلام المتنوعة الهويّات في (أرشيف المرصد)، الى أن أصبحت مكتبة الأرشيف
تضم الآن طيف واسع من الأعمال يصل عددها الى 1400 عمل من مختلف دول وقارات
العالم، تختلف في مواضيعها لكنها تتشارك في حرية التعبير وفي عكس مخاوف
وأحلام الإنسان؛ على مستوى الفرد أو الجماعة، فيمنح (أرشيف المرصد) بذلك
منبرا لبعض الأعمال التي لم يكن لها الفرصة لتصل من قبل الى الناس، ولكي
يكون هذا الأرشيف متاحا للجميع يُنظم المرصد كل سنة ونصف في مقره في
برشلونة عروض جماهيرية، كما قد يتنقل بعروضه هذه الى أماكن أخرى من العالم
بالتعاون مع هيئات مستقلة ذات صلة في بلدان مختلفة تشترك مع المرصد بذات
الهم والرؤيا، بالإضافة الى أنه يقدم خدماته للمهتمين في الاطلاع على هذا
الأرشيف إما بتواصلهم معه عبر النت أو من خلال زيارتهم لمقره الدائم في
برشلونه.
العروض بمجملها هي حوار بين مشروعين أو أرشيفين (أرشيف المرصد)
و(أرشيف بابل) حيث يهتم الأول بجمع الأفلام الفنية الإبداعية، أما الثاني
فبجمع وتصنيف الوثائق السمعية البصرية المرتبطة بذات الثيمة، ويشتركان
بهاجس الكشف عن الجوانب المظلمة في حياتنا - بالأخص بما يتعلق بنفوذ السلطة
الإمبراطورية أو الاستعمارية ومظاهرها المختلفة وكيف تؤثر فينا كالجوانب
العسكرية، الطبية، الصناعة الرقمية، والحملات الترويجية المنظمة لخدمة تلك
المصالح، المواد الوثائقية التي يجمعها (أرشيف بابل ) أنتجت بالأصل لا كي
تعرض إنما لغايات خاصة لتؤدي مهمة في وقت محدد وتنتهي بعدها، ولكن عندما
ألتقط (أرشيف بابل) هذه المواد وتم عرضها من خلال المرصد خارج سياقها
الزمني أو الوظيفي ظهر بجلاء الغايات السيئة والمرعبة التي تقف خلفها
والآليات المتبعة لتحقيق تلك الغايات. ولم يأت استخدام كلمة بابل عبثا؛ فهي
علاوة على أهميتها كدلالة لحضارة ومدينة تاريخية أيضا لها دلالة لغوية
بمعنى المدينة الكبيرة المنغمسة في الترف والاثم، الأمر الذي ينسحب على دول
عظمى رأسمالية بترفها وبأحلامها الاستعمارية والتدميرية الآثمة، ومثال ذلك
يعرض المرصد وبابل بعض المواد من مواقع إلكترونية عسكرية أمريكية تفضح بعض
أعمالهم العدوانية اتجاه بعض الدول، أو بعض الألعاب الإلكترونية التي
توظفها في تدريب عناصر الجيش للحرب في العراق - فتصمم اللعبة على شكل مدن
عراقية والمهمة الموكلة القضاء على فصائل عراقية - ومن ثم بعد انتهاء
المهمة المحددة والمنتظرة من هذا التدريب يتم تسويقها عبر النت الى
المراهقين والشباب كمادة للتسلية (كألعاب) فتبني شيئا فشيئا شعورا
بالعدائية لدى هذه الفئة اتجاه هذه الدولة وتشكيل اتجاه عام لدى الأفراد
يدعم الفكرة المبتغى ترويجها.
كل عرض من عروض المرصد يقوم على ثيمة ما توحد مواضيع الأفلام
التي تعرض ( كالهوية ووسائل الاتصال الجماهيري، العولمة، مقاومة، الحلم
الاستعماري ومناطق الحكم الذاتي…) ويُنتخب للعرض عدد من الأفلام والوثائق
السمعية والبصرية التي أضيفت الى (أرشيف المرصد) في فترة ما بعد آخر عرض،
وتتعلق بأكثر المواضيع أهمية في وقتنا، بأحلام وكوابيس عصرنا؛ كسيادة
النظام العالمي الجديد، العولمة والمقاومة التي تولدها، ما بعد أحداث 11
أيلول، أو الصراعات في مختلف مناطق العالم ؛ كالصراع الأرجنتيني أو الصراع
العربي والفلسطيني ضد إسرائيل والذي يأخذ حيزا كبيرا من اهتمام المرصد
فخلال عروض عام 2003 تم تخصيص مساحة لخمسة أفلام فلسطينية لتقديم هذا
الصراع من زوايا مختلفة؛ " غباش "، و " توتر " لرشيد مشهراوي، " هاي مش
عيشه "لعلياء أرصغلي يتناول حياة ثمان نساء فلسطينيات من خلفيات دينية
واجتماعية مختلفة وكيف يعشن في الحرب، "يوم من حياتنا" وهو نتاج ورشات عمل
مع أطفال في فلسطين، " أُسود " لناهد عواد يتحدث عن الاجتياح الإسرائيلي
لرام لله في 2002، كذلك الفيلم اللبناني " فانتوم بيروت " لجلال توفيق عن
الهجوم الإسرائيلي على لبنان عام 2000، أما في عروض عام 2005 والتي تحمل
ثيمة (مقاومة) تم تناول أشكال مختلفة للصراع والمقاومة فعُرضت عدة أفلام
تقدم المقاومة الفلسطينية الشعبية (الانتفاضة) من جهة، ومقاومة حزب الله من
جهة أخرى ضد العدو الإسرائيلي، كذلك المقاومة العراقية ضد الاحتلال
الأمريكي، كأحد أشكال الصراع والمقاومة التي تقف جنبا الى جنب مع باقي
الأشكال الأخرى في مختلف مناطق العالم كالصراع والمقاومة لانتزاع حقوق
الإنسان، أو الصراع ضد العولمة ومقاومتها…
كما ان القضايا العربية الأخرى لا تغيب عن شاشة المرصد ففي
مطلع العام 2006 وضمن شبكة تجمع المرصد في إسبانيا، بالملتقى التربوي
العربي في الاردن، وفيديو كرافان في المغرب، وبشرى خليلي المقيمة في باريس،
تم تخصيص أسبوع لعرض أفلام من؛ الاردن، لبنان، المغرب، سوريا، وفلسطين حيث
تشكل مواضيع وقضايا العالم العربي الثيمة الرئيسية في العرض وتنويعات
عليها، فننتقل معها من العالم الشعري الى السياسي، ومن اليومي المعاش الى
الروحي، ومن الصراعات الى السلام…، العرض القادم للمرصد سيكون في كانون
ثاني العام 2008 .
(أرشيف المرصد) بوصلة الى وجع الإنسان أنّى كان، يفضح الجوانب
المظلمة للقوى الاستعمارية المتجددة بأشكالها… يرصد الظلم، الألم، الواقع،
الحلم، ولا يستكين أبدا في دعوته الدائمة لعقل الإنسان مهما اختلفت هويته
كي يفكر من أجل المساهمة في بناء عالم مغاير، فيقدم المرصد زوايا مختلفة
لرؤية العالم لا كأجزاء منفصلة، إنما كوحدة مترابطة فما يحدث في مكان ما من
العالم غير منفصل عما يحدث في أي مكان آخر.
موقع "ديوان العرب" في 30
ديسمبر 2007
مشاهد
مختارة من أفلام
فتاة بقرط لؤلؤي
بقلم:
رانية عقلة حداد
مقدمة الشيء أي كان ومنها الفيلم، هي التمهيد له ولاحداثه
تقديم للشخصيات الرئيسية الزمان والمكان او البيئة التي تجري فيها الاحداث،
تتباين الافلام في مستوى الاهتمام بالمقدمة، وافلام قليلة منها التي توليها
اهتماما كافيا، ومخرجي تلك الافلام يعتنون بالمقدمة لربما اكثر من الفيلم
ككل لاكثر من سبب منها ما ذكرناه سابقا وكذلك لان الدقائق الاولى من الفيلم
تحدد خيار المشاهد فاما ان تجذبه فيستمر في المتابعة او لا تسرق اهتمامه
ولا تركيزه فمن الممكن حينها ان يمضي الى فيلم اخر، هذه الدقائق القليلة في
البداية هي ايضا التي تحدد اسلوب وايقاع كامل الفيلم، وساتناول من حين الى
اخر في هذه الزاوية بعض مشاهد مختارة قد تكون مقدمات او نهايات او مشاهد
مميزة من بعض الافلام.
ساتناول هنا مقدمة الفيلم البريطاني " فتاة ذات قرط لؤلؤي" انتاج عام 2003،
وهو الفيلم الروائي الاول لمخرجه بيتر ويبر، اسم الفيلم هو موضوع احدى
اللوحات التي رسمها الفنان الهولندي يوهان فيرمير (كولن فيرث) في العام
1665، والفيلم يروي القصة التي تقف خلف رسمه لهذه اللوحة، وهي قصة متخيلة
فلم يرد لاي ذكر انها مبنية على احداث حقيقية، فتلك الفتاة موضوع اللوحة
التي تدعى جريت (سكارلت جوهانسون) ساءت احوال اسرتها المادية مما اضطرها ان
تكون الخادمة الجديدة لاسرة الفنان فيرمير، بعدعا تصبح احدى النماذج التي
سيرسمها، وسيوليها اهتماما خاصا يثير غيرة وغضب زوجته، فتطردها من المنزل
بعد ان تصل الامور الى الذروة حين يلبس زوجها فيرمر تلك الخادمة قرطها
اللؤلؤي قبل ان يبدأ برسمها.
بما يتسع لي من مجال ساتحدث هنا عن اللغة السينمائية في اول
دقيقة ونصف من المقدمة، حيث اختار المخرج ان يعرفنا على عالم البطلة البائس
لا بشكل تقليدي باستعراض مكان يوحي بالفقر باثاثه وملابس البطلة رثة، ولكن
ببناء مشهدي محكم ومختزل، وبصورة موحية تتظافر بها عدة عناصر لايصال
الفكرة.
تبدأ المقدمة بظهور تدريجي من السواد على لقطة قريبة جدا ليد
تقطع البصل، وتنتهي بعد سبع دقائق وربع باختفاء تدريجي الى السواد على لقطة
متوسطة لجريت وهي ترقد في سريرها في القبو بمنزل مستخدمها، المقدمة التي
تحتوي عدة مشاهد تقدم بنصفها الاول بطلة الفيلم جريت وتوحي بالبؤس الذي
تعيش فيه، والاسباب التي قادتها الى العمل كخادمة، والنصف الاخر يقدم
رحيلها والبيئة الجديدة التي ستعمل بها.
إذن بلقطة قريبة جدا ليد تقطّع البصل يختار المخرج ان يبدأ
المقدمة، تليها لقطة بعيدة تتحرك فيها الكاميرا بهدوء باتجاه باب مفتوح
داخل منزل، ثم يبدأ التناوب بين مجموعة لقطات قريبة جدا لذات اليد تقطع كل
مرة خضار مختلفة، وبين اللقطة البعيدة للكاميرا وهي ما زالت تتحرك بهدوء
نحو الباب، وطرف فتاة يبدأ بالظهور وهي تُقطّع، ثم من جديد مجموعة لقطات
قريبة لليد تقطع مجموعة اخرى من الخضار، تليها استمرارية لذات اللقطة التي
تتحرك فيها الكاميرا وقد اصبحت امام الباب وعلى مسافة اقرب من الفتاة في
المطبخ وهي ترتب الخضروات في الاطباق.
فعندما يختار المخرج ان يبدأ بحجم لقطة كبيرة جدا، هذا يعطي
اهمية للفعل الذي يحدث داخلها الذي هو التقطيع، ويجعلنا قريبين جدا منه،
وبالتالي قريبين من الشعور بقسوته مؤكدا بحدة الصوت الذي يصدر عنه، وحين
يتبعها بلقطة متحركة يشعرنا معها بالاقتحام والكشف، من ثم يناوب بين
الفعلين باللقطات اللاحقة ويجعلهما مترابطين؛ يحيلنا هذا البناء الى مستوى
اخر من الدلالة، الى ابعد من مجرد تقديم البطلة كفتاة تعد طعام، بل الى
اكتشاف عالم جريت وتقديمه، كأنها هي تلك البصلة واي خضار لاحقة تفرمها
الحياة بقوة وبأس كالسكين التي تقطّع بها.
بعد ان قدم البناء المشهدي القسوة التي تحيط بجريت انتقل الى
تقديم انسانيتها، من خلال مجموعة لقطات قريبة تبدأ بلقطة ترتفع من يدي جريت
وهي ترتب الخضارالى وجهها، فنشاهد هنا ملامحها للمرة الاولى عن قرب وندخل
الى اعماقها من خلال تعابير وجهها الحزين والشارد، ثم تتناوب لقطات قريبة
بين وجه جريت الصامت وبين يديها المنهمكة بترتيب الخضروات، فنكتشف انها
الاطباق التي تستعيض بها الاسرة عن اللحم والسمك، فتؤكد حالة الفقر والبؤس
التي تم الايحاء بها سابقا، تتخللها لقطة متوسطة والام تنزل الدرج تنذر بما
سيعيد جريت الى واقعها … فتغادر جريت المطبخ تاركة السكين خلفها على
الطاولة لتحتل الكادر … فتحيلنا مرة اخرى للمستوى الثاني من الدلالة.
يوظف المخرج عناصر سينمائية اخرى تتظافر لتعطي الاحساس بالحزن
وقسوة الحياة والبؤس الذي تعيشه البطلة؛ منها لون الفيلم المائل الى الزرقة
والذي يطغى على الصورة موحيا بالكآبة، بالاضافة الى الاضاءة الخافتة
القادمة من نافذه خارج الكادر تستر المكان اكثر مما تكشفه تعطي الاحساس
بالثقل والقتامة، كذلك الموسيقى حيث تعطي الة وترية ايقاعا هادئا رتيبا
يشبه حياة جريت، كما تعطي الة نفخية اللحن الاساسي الحزين والمرتبط بعالم
جريت الذي تخرجها منه امها حين تناديها، فتتوقف الموسيقى وكأن جريت عادت من
عالمها وشرودها الى عالم الواقع القاسي.
واخيرا الايقاع والذي يحدده زمن كل لقطة، بدأ متساويا بين فعل
التقطيع في اللقطة الاولى، وبين الدخول الى عالم الشخصية في اللقطة الثانية
كل منها ست ثواني، ثم اخذ الايقاع بالتناوب بين السريع في الثلاث لقطات
القريبة لليد تقطع الخضار، من ثم البطيء في اللقطة البعيدة المتحركة التي
تأخذ نفس زمن الثلاث اللقطات السابقة مجتمعة، ثم بالجزء الذي نبدأ بالتعرف
على جريت عن قرب يصبح الايقاع هادئا ما يلبث ان يتسارع في مجموعة اللقطات
القريبة بين يديها ووجهها.
موقع "ديوان العرب" في 16
ديسمبر 2007
قصة الضفة
الغربية
دعوة للتطبيع وتزيف الحقائق
بقلم:
رانية عقلة حداد
تخرج جوليت الى الشرفة بينما روميو من اسفل يغني لها اغنية حب،
ويصعد السلم اليها فيلتقيان متحديان بذلك كل العقبات التي تعيق حبهما
وتمنعه من ان يرى النور، بالنهاية الحب والتعايش هما ما يجب ان ينتصرا،
وهنا تكمن خطورة الطرح عندما توضع هذه العلاقة في سياق اخر، فمن هما روميو
وجوليت فيلم "قصة الضفة الغربية" المنتج عام 2005، انهما ديفيد (بن نيومارك)
الجندي الاسرائيلي، وفاطمة (نورين دي ولف) الفلسطينية امينة الصندوق في
مطعم العائلة، الذين هم في منافسة وصراع دائم مع المطعم الاسرائيلي المقابل
لهم، فينسج كاتب السيناريو والمخرج الامريكي الاسرائيلي(آري سانديل) قصة
الحب هذه، بالتوازي مع قصة الصراع بين المطعمين، او بالاحرى الفريقين
الفلسطيني والاسرائيلي، ويطرح قصة الحب والتعايش كحل بديل يجب ان تؤول اليه
الامور ما ان اردنا السلام، فعلينا ان نغني غزلا مع فاطمة ببدلة ديفيد
العسكرية الاسرائيلية … هذا يعطينا مفتاحا لفهم لماذا حاز هذا الفيلم
تحديدا على جائزة الاوسكار لاحسن فيلم حركة قصير في مطلع 2007.
يبسط سانديل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ويختزله بصراع بين
مطعمين؛ الاول (حمص هت) الفلسطيني، والثاني (كوشر كنج) الاسرائيلي، ويتخذ
ديكور وزي عمال كل منهما الوان العلم الخاصة بكل طرف، يقع محل كل منهما
مقابل الاخر، ويتنافسان على عمل وبيع الحمص والفلافل، يتعدى اصحاب المطعم
الاسرائيلي على جزء من ارض المطعم الفلسطيني، ويضعون الالة الجديدة عليها،
فيقوم احد افراد الطرف الفلسطيني حسدا برمي حجرا في هذه الالة لتتعطل، يغضب
اصحاب المطعم الاسرائيلي، فيقرروا بناء جدار عازل يفصلهم عن الفلسطينيين،
فيقوم عندها اصحاب المطعم الفلسطيني بالتحضير لحرق المطعم الاسرائيلي
وتفجير الجدار، لكن بالخطأ عندما حاول احد افرادهم طرد ديفيد القادم مع
فاطمة ليعلنا حبهما يسقِط الكاز على النار ويشتعل المحل، وما ان يُسر اصحاب
المطعم الاسرائيلي لذلك حتى ينتقل جزء من النار ويحرق محلهم، فيتأزم
الفريقان ويتحفزان للاشتباك الا ان فاطمة تثني الفريق الفلسطيني، وكذلك
ديفيد يفعل مع فريقه الاسرئيلي ثم يمسك بالمطرقة، ويضرب الجدار العازل،
لينهار دفعة واحدة ما كان يفصل الحبيبين، فيصبحان وجها لوجه معا دون حواجز
ومعيقات، ويتابعان ترسيخ رسالتهما (الحب والتعايش)، عندما يقنع كل منهما
طرفه بالسلام والتعايش مع الاخر، عندها يشترك الفريقان بطاولة اعداد طعام
واحدة، يمتزج امامها في الطابور كل من الزبائن الفلسطينيبن والاسرائيليين
في حالة توحد وتناغم.
بقبلة بين روميو وجوليت ينتهي الفيلم، ولكن ايضا بقلق من قبل
فاطمة، فماذا لو لم يستمر هذا السلام، عندها يأتيها ديفيد بالحل " نرحل الى
مكان حيث يمكن ان يعيش فيه المسلمون واليهود بتناغم …الى بفرلي هلز"، وهل
هناك غير الحضن الامريكي يستطيع ان يقدم هذه الوصفة؟! على مدار الفيلم يتخذ
سانديل من الرقص والغناء اسلوبا لتقديم القضية، حيث انه الاسلوب الاقرب الى
القلب، ويسهل من خلاله الاندماج بفكرة الفيلم على حد تعبير المخرج، وكما ان
هناك تبسيطا للصراع، كذلك تم تسخيفه من خلال تقديمه بقالب كوميدي، بالاضافة
- وهذا الاهم- الى تحريف المعطيات، فيزهو سانديل بانه قدم لنا كل من طرفي
الصراع بشكل متوازن، كما حرص على تقديم الشخصية العربية بطريقة لائقة وعلى
التساوي مع الاسرائيلي؛ فاذا سخر الاسرئيلي مثلا من العربي يجعل العربي
ايضا يسخر منه في المقابل، وكأن سانديل يستخف بعقولنا حين يضعهما في حالة
تساوي؛ اسرائيل بقوتها ماديا وعسكريا على التساوي مع الحجر الفلسطيني،
تحريف واستخفاف اخر حين يجعل سبب الصراع بينهما التنافس، وليس بدافع
الاحتلال الطرف الاسرئيلي لاراضي الطرف الفلسطيني كما هو واقع الحال، كذلك
يطرح سانديل الاسرئيلي كصاحب حق في الارض كما الفلسطيني، وعليه ما يقف خلف
الصراع هي امور تافه ناتجة عن ضيق افق وغيرة ابناء الكار.
يقول سانديل انه يوازن بين الاطراف لكنه في الواقع ينحاز؛
فالمشهد الاول يفتتح على الطرف الفلسطيني وهو يتأهب لمنازلة الطرف
الاسرائيلي، الذي يستعد بدوره للدفاع عن نفسه، فيقدم الفلسطيني على انه
المبادر بالهجوم والاذى، في حين التصرف الاسرائيلي هو دائما ردة فعل
دفاعية، فيعاود الطرف الفلسطيني الهجوم عندما يلقي بالحجر في الالة، فلا
يرد الاسرائيلي بالمثل انما يكتفي باتقاء شرهم ببناء جدار عازل يفصله عن
الفلسطيني، وعندها نرى الطرف الاسرائيلي يحتفي بفكرة البناء، بينما
الفلسطيني يحتفي بفكرة الهدم، وعندما يُحضِر الطرف الفلسطيني لتفجير الجدار
فيعود بالاذى على نفسه، يكتفي الاسرائيلي بالضحك عليه، كذلك ينحاز حين
يختار التاج كرمز للفريق الاسرائيلي ويرصده في احدى اللقطات بزاوية منخفضة
تظهره مهيمن، بينما في احدى اللقطات يجعل فاطمة تزغرد وتطلق رصاص من
البارودة، كجزء من ثقافتها عندما يتقدم احد الزبائن بطلب الطعام … لا
يتجاوز فيلم " قصة الضفة الغربية " العشرون دقيقة، لكنها حافلة بالرسائل
والاشارات والرموز التي تدعو للتطبيع والتعايش بدءا من عنوان الفيلم
المكتوب على البوستر باللغة الانجليزية؛ حيث الكلمة الاولى تتخذ لون العلم
الاسرائيلي واحد احرفها عبري، والكلمة الثانية تتخذ لون العلم الفلسطيني
واحد احرفها عربي لكنهما ملتصقتان الاولى فوق الثانية.
واذا ما علمنا ان عدد المهرجانات التي شارك فيها الفيلم تتجاوز
المئة، منها مهرجان دبي الثالث، وعدد الجوائز التي حاز عليها اكثر من عشرين
جائزة، يقودنا هذا الى عدد المؤيدين والمحتفيين برسالة الفيلم، كذلك القوة
التي من الممكن لفيلم ان يؤثر فيها بالرأي العام العالمي، حتى وان كان
قصيرا.
واذ يتساءل سانديل ان كان ديفيد وفاطمة سيستطيعان بحبهما ان
يتجاوزا صراعا طويلا عمره الفي عام، أتساءل هل يمكن لعلاقة حب ان تجمع
المغتصِب بالمغتصَبة؟ ام انه النموذج المرسوم للجيل الجديد كي يُحتذى به؟!
موقع "ديوان العرب" في 11
ديسمبر 2007
|