اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

رحيل العملاق يوسف شاهين

 

وداعاً شاهين

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

يوسف شاهين‏..‏ وعائلة أعظمهم باشا‏!‏

صلاح عيسي

 
     
  

كالعاشق الذي يعود‏-‏ عند رحيل حبيبه‏-‏ إلي ذكريات الماضي‏,‏ تدافعت إلي ذهني‏,‏ وأنا أتابع نعش يوسف شاهين‏,‏ وهو يغادر دنيانا إلي غير عودة‏,‏ مشاهد من أفلامه مختلطة بانفعالاتي حين رأيتها أول مرة‏,‏ فضحكت وبكيت وغضبت‏,‏ وفي كل الأحوال كنت أفكر‏.‏

وبطريقة الفوتو مونتاج تتالت بسرعة خاطفة‏,‏ مشاهد لم تغادر الذاكرة من أفلامه‏,‏ التي رأيت معظمها عشرات المرات‏,‏ صبيا وشابا وشيخا‏,‏ علي مقعد خشبي في إحدي دور سينما الدرجة الثالثة‏,‏ أو في حالة عرض مكيفة الهواء‏,‏ أو في عرض خاص يزدحم بنجوم السينما والصحافة والسياسة‏,‏ فاجتذبتني عن كل ما حولي‏:‏

مشهد النهاية من فيلم الأرض حين يرفض محمد أبوسويلم الاستجابة لأمر مأمور مركز الشرطة‏,‏ بأن يغادر أرضه‏,‏ فيضربه من فوق حصانه بكعب البندقية‏,‏ ويأمر بربطه من أقدامه بحبل ليسحله الحصان علي أرضه التي أبي أن يغادرها‏,‏ ليموت فوقها‏,‏ وتختلط دماؤه بترابها‏,‏ بينما يتصاعد صوت الكورس وهو ينشد أرضا العطشانة‏..‏ نرويها بدمانا‏.‏

مشهد النهاية من فيلم باب الحديد‏,‏ حيث يستجيب قناوي‏,‏ الشاب الأعرج الوحيد الذي لا يعرف له أحد أصلا أو فصلا المحروم بسبب عاهته من كل متعة‏-‏ لإغراء صاحب كشك توزيع الصحف الذي حن عليه وتبناه وألحقه بالعمل معه‏-‏ بأن يرفع عنق الفتاة التي عشقها ورفضت حبه‏,‏ مع وعد منه بأن يزوجها له‏,‏ وفي ذروة الحلم يجد نفسه مقيدا إلي قميص المجانين‏,‏ فيزوم كالحيوان الجريح‏,‏ احتجاجا علي قسوة الدنيا وبلادة البشر‏.‏

الدويتو الغنائي الساخر في فيلم انت حبيبي الذي تتبادل فيه شادية وفريد الأطرش ابنا العم اللذان أكرههما أبواهما علي الزواج تنفيذا لوصية الجد وإلا حرما من الميراث‏,‏ مع أن كلا منهما يحب آخر عبارة وحياة حبي وحبك‏..‏ مابنامش الليل من حبك‏,‏ ليوهما أفراد الأسرة الذين كانوا يتلصصون عليهما من وراء ستار‏,‏ بأنهما في حالة وجد عاطفي شديدة‏,‏ فينفجر التناقض بين كلمات الأغنية وبين ملامح الحبيبين التي تفح بالكراهية‏,‏ الضحكات من قلبي‏.‏

وكان ذلك أحد الأسباب التي جعلتني أفتتن بسينما يوسف شاهين‏,‏ الذي كان يملك تلك الموهبة الفذة‏,‏ وذلك الحرص البالغ علي الاتقان‏,‏ الذي مكنه دائما من أن يقدم أفلاما تنتمي إلي نفس الأنواع التي كانت ولاتزال شائعة في السينما التجارية‏,‏ بشكل يبدو مختلفا وراقيا‏,‏ وسواء كان الفيلم تراجيديا أم ميلودراميا أم كوميديا أم استعراضيا‏,‏ أم أحد أفلام الحركة‏,‏ أم مزيجا من هذا كله‏,‏ فسوف تشعر بأن يوسف شاهين قادر علي أن يضيف لمسته الخاصة‏,‏ حتي لو كانت القصة والسيناريو والحوار‏,‏ من تأليف أبوالسعود الإبياري‏,‏ كما هي الحال في قصة فيلم أنت حبيبي أو كانت كقصة هذا الفيلم ذاته من النوع الذي قدمته السينما المصرية في عشرات الأفلام‏!‏

ومن بين الأفلام التي أخرجها يوسف شاهين‏,‏ فيلمان علي الأقل‏,‏ لم يتنبه النقاد الذين أرخوا لمسيرته الفنية إلي أهميتهما‏,‏ مع أنهما في تقديري من أهم ما قدمه‏,‏ والمشترك الأولي بين الفيلمين هو أنهما عرضا في عام واحد‏,‏ هو عام‏1960,‏ إذ عرض أولهما وهو بين إيديك في يناير من ذلك العام‏,‏ بينما عرض الثاني وهو نداء العشاق الذي قامت ببطولته برلنتي عبدالحميد وشكري سرحان في أكتوبر من العام نفسه‏,‏ والمشترك الثاني بينهما‏,‏ هو السيناريست وجيه نجيب‏,‏ الذي انفرد بكتابة قصة وسيناريو وحوار الفيلم الأول‏,‏ واشترك مع عبدالحي أديب وعبدالرحمن الشرقاوي في كتابة نداء العشاق‏.‏

وكما ضاع هذان الفيلمان من ذاكرة مؤرخي ونقاد يوسف شاهين‏,‏ فقد ضاع كذلك اسم كاتبهما وجيه نجيب‏,‏ الذي لا أعرف أين اختفي‏,‏ ولم أجد له مسيرة ذاتية في أية موسوعة من موسوعات السينما‏,‏ مع أنه سيناريست متميز ومجدد‏,‏ كتب خلال الفترة بين الأعوام‏1958‏ و‏1984‏ أحد عشر فيلما‏,‏ بينها خمسة أخرجها يوسف شاهين‏,‏ شملت‏-‏ غير هذين الفيلمين‏-‏ كتابة أو الاشتراك في كتابة سيناريو وحوار جميلة‏1958,‏ وحب إلي الأبد‏1959,‏ ورجل في حياتي‏1961,‏ ومن الأفلام المتميزة التي كتبها لغيره‏,‏ أفلام اللهب الذي قامت ببطلوته سميرة أحمد أمام شكري سرحان عام‏1964‏ وأخرجه عبدالرحمن شريف‏,‏ والعمر لحظة الذي أخرجه محمد راضي عام‏1978,‏ والبرنس وقد قام ببطولته محمد صبحي‏,‏ وأخرجه فاضل صالح عام‏.1984‏

بين إيديك كوميديا سينمائية متميزة‏,‏ وتكاد تكون نسيجا وحدها في تاريخ الكوميديا السينمائية‏,‏ فهي لا تعتمد علي النكت اللفظية‏,‏ ولا علي الحركة المبالغ فيها‏,‏ ولا حتي علي كوميديا الموقف‏,‏ وقد لا يقهته المشاهد‏-‏ علي امتداد زمن عرض الفيلم‏-‏ علي جملة حوار أو حتي يضحك بصوت خافت‏,‏ لكن سيظل طوال العرض يبتسم ساخرا مما يراه‏.‏

وأحداث الفيلم تدور في فيلا المرحوم سافو أعظمهم باشا التي تقطنها أسرته‏,‏ وتضم أرملته برلنتي هانم‏,‏ علوية جميل‏,‏ وابنتيها العانسين وابنها العاطل‏,‏ وحفيدين‏:‏ فتاة عانس كعماتها‏..‏ وشاب عاطل كعمه‏.‏ والأسرة كلها تعيش عالة علي نفقة المعلم مدبولي أبوعضمة‏,‏ عبدالفتاح القصري‏,‏ الذي خصص لها مائة جنيه شهريا مقابل أن ترعي ابنة شقيقه المتوفي آمال أبوعضمة‏,‏ التي تزوج والدها من إحدي بنات أعظمهم باشا‏,‏ فقاطعتها الأسرة‏,‏ لزواجها من رجل ينتمي إلي أسرة من الجزارين‏,‏ ثم ما لبثت بعد أن رحل الباشا الكبير‏,‏ واستغرقت الديون تركته‏,‏ أن اضطرت للجوء إلي الجزائر المليونير‏,‏ الذي أنفت من مصاهرته‏,‏ لكي ينفق علي ابنة شقيقه‏,‏ فيخصص لها نفقة تكفي الجميع‏,‏ إكراما لها‏.‏

ومع أن برلنتي هانم تشكل مجلسا لإدارة الأسرة‏,‏ يجتمع بناء علي طلبها‏,‏ ويدون محاضر لجلساته‏,‏ إلا أنه يدار بطريقة ديكتاتورية محضة‏,‏ فليس من حق أحد أن يناقش أرملة أعظمهم باشا في مشروع أي قرار تريد استصداره من المجلس بهدف الحفاظ علي كرامة‏-‏ أو بمعني أدق عنجهية أسرة أعظمهم باشا‏-‏ التي تفاجأ مفاجأة مذهلة‏,‏ حين ينذرها المعلم مدبولي أبوعضمة بأن يقطع النفقة عنها إذا لم تجد زوجا لابنة أخيه آمال ماجدة خلال‏48‏ ساعة قبل سفره في مهمة عمل‏.‏

ويرسب جميع الشبان المنتمين إلي بقايا الأسرة الأرستقراطية ذات الصلة التاريخية بعائلة أعظمهم باشا‏,‏ في كشف الهيئة الذي يعقده لهم المعلم أبوعضمة‏,‏ فهم‏-‏ كما يقول‏-‏ عاطلون بالوراثة‏,‏ يحتقرون العمل‏,‏ ويأنفون منه‏,‏ ويعيشون علي عرق الآخرين‏,‏ ويتفاخرون بماض لم يحققوا شيئا من أمجاده‏,‏ إلي أن تتنبه آمال إلي أن صاحب ورشة النجارة التي تطل عليها غرفة نومها معجب بها‏,‏ فتقوده إلي عمها‏,‏ الذي يعجب به‏,‏ لعصاميته واحترامه للعمل اليدوي‏,‏ فيوافق علي زواجه منها‏,‏ وتوافق أسرة أعظمهم باشا مضطرة علي أن يتزوج الأسطي رجب المتجوز‏-‏ وهذا هو اسمه‏-‏ من آمال أبوعضمة‏,‏ التي استردت اسم عائلتها‏,‏ وسارت علي درب أمها‏,‏ فتزوجت نجارا‏,‏ كما تزوجت أمها جزارا‏.‏

وتدور أحداث الفيلم بعد ذلك حول الصراع بين أسرة أعظمهم باشا التي لا تكف عن التحايل لتحويل زواج آمال إلي زواج صوري مع إيقاف التنفيذ‏,‏ وبين المعلم مدبولي الذي يعود من سفره فيكتشف أن رجب المتجوز شكري سرحان لايزال أعزب‏,‏ وأن آل أعظمهم ضحكوا عليه‏,‏ وأدخلوه مدرسة داخلية ليتعلم الإتيكيت‏,‏ بينما برلنتي هانم تخطط لتزويج آمال‏-‏ التي كانت عواطفها تتجه إلي رجب‏-‏ من شاب أرستقراطي‏,‏ تكتشف الهانم في النهاية أنه يحترف النصب علي الأسر الأرستقراطية المفلسة‏,‏ فتضطر للرضوخ‏,‏ وتقبل بالزواج‏,‏ ويلتحق كل أفراد الأسرة للعمل في أحد محلات الجزارة التي يمتلكها المعلم مدبولي‏.‏

والفيلم يصور بشكل ساخر وكاريكاتوري وأقرب إلي الفانتازيا الصراع بين الأرستقراطية الإقطاعية التي قضت عليها ثورة يوليو‏,‏ وبين الرأسمالية الصاعدة التي أزالت الثورة سدود الهرم الطبقي التي كانت تحول بينها وبين ارتقائه إلي القمة وينحاز إلي العمل اليدوي كقيمة تؤهل صاحبها للصعود بين طبقاته ولاكتساب المكانة الاجتماعية‏.‏

وهي رؤية ثاقبة‏,‏ للرجل الذي أسهم في تخليق السينما كما ينبغي أن تكون‏:‏ متعة للحواس وتحريكا للعقل‏.‏

الأهرام العربي في 2 أغسطس 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)