اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

رحيل العملاق يوسف شاهين

 

وداعاً شاهين

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

مقعد بين شاشتين

شاهين.. الإنسان والإبداع

بقلم : ماجدة موريس

 
     
  

مات يوسف شاهين.. لكن.. من الذي يقول إن المبدعين يموتون؟ لقد مات المشاغب دائما. والصادم دائما. الذي أخذ علي نفسه عهدا أن يسير وفق دماغه.. وفقط.. رغم كل الأدمغة الأخري وهو يصنع معزوفاته السينمائية.. وكانت هذه الدماغ. مليئة بالحكايات والصور بعضها واقعي. وبعضها يقفز فوق الواقع ويتعداه ليستشرف ما هو قادم.. وبعضها عبثي. دماغ يوسف شاهين كلفته الكثير من الجهد والعرق والمثابرة والصراع من أجل إخراج ما بها علي شرائط سينمائية تحمل توقيعه.

أما دماغنا نحن. الجمهور. فقد استجابت له بدرجات. وفقا لقدراتنا علي التذوق. وصبرنا أحيانا. وعلاقتنا بالسينما وحبنا لها.. صنع شاهين بينه وبين المواطن المصري جسرا من الثقة بناه طوبة طوبة. فمن لم يفهمه ترسب لديه يقين أنه "راجل كويس.. وبيعمل أفلام مهمة".. رغم أنها "مش مفهومة قوي" ومن فهمه أحبه سواء اتفق معه أو عارضه. ستون عاما من الكفاح أمضاها في مهنته منذ عاد من دراسة السينما بأمريكا. وحصل علي فرصة إخراج أول أفلامه "بابا أمين" عام 1950. وحتي رحل وترك لنا تركته لكي ترافقنا طوال حياتنا الباقية وأولادنا من بعدنا. 43 فيلماً منها أربعة قصيرة ينتقل فيها من رصد طقوس مقدسة في الكنيسة الأرثوذكسية في فيلم "عيد الميرون" إلي وصف الناس وما تغير فيهم عام 1990 في "القاهرة منورة بأهلها".. تماما كما انتقل من تمجيد نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي في "جميلة بوحريد" عام 1958 إلي فتح ملف الاستعمار نفسه في مصر بنظرة أخري عام 1985 في "وداعا بونابرت".. عندما نراجع سجله الحافل نكتشف أننا لا يمكننا تصنيفه بأنه مخرج هذا النوع من السينما أو ذاك فهو المخرج الذي لم يكف عن مفاجأتنا طوال حياته. ومفاجآت من كل نوع. سواء المفاجآت الفنية التي بدأها بأول أعماله ثم ثانيه "ابن النيل" الذي وثق حكاية مصر مع الفيضان السنوي العاتي الذي فرمله إنشاء السد العالي وحفظ المياه المهدرة. ثم رؤيته المبكرة لأشكال الإقطاع والاحتكار المختلفة في "صراع في الوادي" و"صراع في المينا" ورؤيته لصورة القائد المنتصر المتسامح في "الناصر صلاح الدين" وتحيته للصداقة المصرية - السوفيتية في "الناس والنيل" وإدراكه لمعني التمسك بالأرض ورفض التفريط فيها في "الأرض" وغضبه من الهزيمة عام 1967 "العصفور" الذي انتهي بالناس تخرج لتطالب بالمقاومة والحرب. وتفسيره للعجز عن النهوض الداخلي بعد الانتصار "عودة الابن الضال" ثم سلسلة مراجعاته لما يحدث في المجتمع المصري والعربي من ترد عكس ما كان متوقعا وعلاقتنا بالحضارات والثقافات الأخري في "المهاجر" و"المصير" و"بونابرت" و"الآخر" و"اسكندرية نيويورك" آخر هذه الأعمال التي انتقل بعدها إلي الهجوم المباشر علي تجاوزات الحاضر في فيلمه الأخير "هي فوضي" في العام الماضي.. كان شاهين يلهث دائما ليقول ما يريده. ومع أنه قال الكثير جدا عبر هذه الأعمال بكل شموخها الفني والفكري. إلا أنه لم يكتف بصنع الأفلام وإنما انضم مرارا إلي مظاهرات ومجموعات من المصريين الناشطين في حركة المجتمع المدني. فكان أحد قيادات الاحتجاج علي قانون النقابات الفنية سييء السمعة في بداية التسعينات واعتصم مع الجميع في النقابة. وفي سنوات حصار العراق وموت أطفاله ذهب هناك ليعلن غضبه من الحصار الجائر. ثم شارك طلاب الجامعات مظاهراتهم ضد غزو العراق عام 2003 وفي 2007 ذهب ليتضامن مع أهالي "جزيرة الذهب" وسط النيل الرافضين لتحويل بيوتهم إلي منتجع سياحي للأغنياء. ولو كان في صحته التي تدهورت منذ بداية هذا العام لذهب يتضامن مع أهالي دمياط ضد تلويث حياتهم بمخلفات مصنع أجريوم.. هكذا كان هذا الفنان الكبير الذي امتلك فضول العالم كله وقلبا محبا للحياة والناس بلا حدود. وعرف كيف يصنع انسجاما وتزاوجا بين سيطرته التامة علي اللغة السينمائية وبين حساسيته كرجل ينتمي للعالم الثالث بكل الأوصاف.

أب من أصل لبناني وأم من أصل يوناني. مصري عاشق للإسكندرية مسقط رأسه. والعالم العربي بحيرته من لبنان التي أقام فيها فترة وقدم فيلمه "بياع الخواتم" بطولة فيروز إلي الجزائر التي أسهم في بزوغ السينما بها وأنتجت له فيلمين. والبحر المتوسط الذي يمثل له حدوده الجغرافية ومزاجيته الإنسانية.. كل هذه "المساحات" اعتبرها شاهين أرضه الأثيرة ولذلك أحبته شعوبها وتأثرت به أجيال السينمائيين فيها من تونس والجزائر والمغرب إلي لبنان وسوريا.. تأثر برجل أحيا بمشروعه الفني الكثير من المشروعات الأخري. سواء سينما المؤلف. أو سينما السياسة أو السيرة الذاتية التي قدم من خلالها معزوفة من أربعة أفلام اختلط فيها الذاتي بالعام. والوثائقي بالدرامي بداية من اسكندرية ليه" عام 1979. ثم "حدوتة مصرية" بعد ثلاثة أعوام. وانتظر ثمانية أعوام أخري ليقدم الجزء الثالث "اسكندرية كمان وكمان" عام 1990. وبعد عقد ونصف تقريبا. عاد ليقدم ختام مسيرته مع الحياة في "اسكندرية نيويورك" الذي يكاد يكون الجزء الثاني - وفق الترتيب الكلاسيكي - لفيلمه الأول عن حياته وأحلامه "اسكندرية ليه".. هل كان شاهين يدرك أن أيامه معدودة وهو يخرج "اسكندرية ليه" عام 2004 ليقدم فيها وجها آخر لأمريكا يؤكد وجهها الأول حين استقبلته وهو شاب في بداية حياته. لقد اعترف شاهين بأمريكا الفن. والسينما التي عشقها. لكنه كرهها سياسيا وأعلن غضبه مرارا منها في الأفلام. وفي الحياة. وفضل عليها أوروبا. وفرنسا تحديدا التي أحبته كما أحبها وعاملته بما يليق بكبار المبدعين من كل العالم.. ان شاهين تركيبة استثنائية لفنان شديد الانتماء لوطنه وفنه ونفسه.. حاول طوال حياته أن يوفق بين هذه الانتماءات الثلاثة. فمال أحيانا في أعماله تجاه قضايا وأحداث المرحلة السياسية. ومال كثيرا تجاه الفن ولغته. ومال غالبا تجاه نفسه القلقة التي تطرح الأسئلة دائما وتبحث بنفسها عن إجابات. ومال دائما تجاه الوطن بانحيازه المطلق لكل جميل فيه.. وأوله الناس.

magdamourice1@yahoo.com

الجمهورية المصرية في 31 يوليو 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)