اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

ملفات خاصة

رحيل العملاق يوسف شاهين

وداعاً شاهين

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

يوسف شاهين "الابن الضال".. عاد إلي الارض

سمير فريد

 
     
  

رغم توقع الخبر بعد الغيبوبة الطويلة لأكثر من شهر. زلزل موت يوسف شاهين كياني عندما علمت يوم الأحد الماضي ان ابن السينما المصرية الضال عاد بجسده إلي الأرض.. التي عشقها وعبر عنها في فيلمه كما لم يعبر أحد. وعادت روحه إلي خالقها تحلق في الكون الواسع.. فلم تكن العلاقة بيني وبينه علاقة ناقد ومخرج. وانما تجاوزت ذلك إلي ماهو أرحب وأعمق. إلي صداقة حقيقية امتدت عقوداً وكنا سنحتفل العام المقبل بمرور 40 سنة كاملة علي اللقاء الاول بيننا عام .1969

واجه يوسف شاهين الموت لأول مرة قبل أن يتم الستين عندما التقي بالصدفة في مطعم مطار روما عام 1980 مع طبيب القلب المصري العالمي الدكتور مجدي يعقوب. واثناء تناول الطعام قال له الطبيب النابغة لون عينيك لا يعجبني.. أريد أن أفحصه في لندن اليوم قبل الغد. وربما تجري عملية لتغيير بعض الشرايين. أو عملية "القلب المفتوح".

ذهل يوسف شاهين. ولكنه لم يتردد.. غير مسار الرحلة وذهب مع مجدي يعقوب إلي لندن وقبل دخول غرفة العمليات. وكإجراء روتيني. سأله الموظف المختص إذا فشلت العملية هل تطلب سيخاً أم قسيسا أم حاخاما وكان رده كما روي بعد عودته إلي القاهرة انت تريد أن تعرف ديانتي.. لن أقول لك.. وضحك ساخرا وقال له التعبير المصري العامي يحموك في كنكه واعترف: كنت مرعوبا وشعرت انني لو طلبت القسيس سوف يتم تخديري ولن أعود.

خرج يوسف شاهين من غرفة العمليات ليصنع من التجربة فيلمه .. حدوتة مصرية.. قام بتحويل أول أزمة صحية كبيرة مر بها الي فيلم. فالسينما عنده هي الحياة. والحياة هي السينما. حتي يبدو وكأنه قرر أن يموت عندما أدرك انه لن يقف وراء الكاميرا.. مرة أخري وقد احدثت هذه العملية الجراحية الاولي الكبيرة في حياته تغيرا جذريا في نظرته الي الحياة.

كان يوسف شاهين. وهو مسيحي من طائفة الروم الكاثوليك. مسيحيا حقيقيا من حيث تسامحه مع الآخرين رغم غضبه الجامح الذي يبدو لمن يعرفه وكأنه لن يغفر أبداً. ولكنه كان يسامح قبل ان يقام عملا يقول السيد المسيح عليه السلام وما الفضل لك إذا احببت من يحبك.. وكان فقيد مصر الكبير مسلما من حيث ايمانه بالعمل واتقان العمل. وينفر من كلمة "عبقري" ويقول الناس مابين مهمل في عمله ومتقن له. ومن تعبير "ثروة قومية" قائلا ماهو المقصود ثروة أم ثورة! وكان يوسف شاهين يهوديا من حيث ايمانه بوجود الله. ويري أن علاقته مع خالقه أن يخصه وحده ولن يبوح به لمخلوق.

وبعد عملية "القلب المفتوح" الاولي أصبح لدي يوسف شاهين هاجس جديد لم يعرفه من قبل. وهو أن الزمن يمر. وانه أشبه من يعيش في "الوقت الضائع" وقال لي بعد عودته من لندن عدوي الآن هو كل من يعطلني.

الكلمة بالضبط كانت يكعبلني" ويشغلني بكلام فارغ ويضيع وقتي. وليس لي عدو غيره.. ولكن فنان السينما الذي ترك بموته فراغا حقيقيا وظل يصنع الافلام حتي العام الماضي بمساعدة تلميذه خالد يوسف. بفضل أرادة الحياة ورغبته العارمة في صنع المزيد من الافلام جعل الوقت الضائع يمتد نحو ثلاثين سنة.

ولذلك كان بعض المصريين. وبالذات ابنة اخته ماريان. تري انه سوف يفيق مهما طالت مدة الغيبوبة. ولم يكن ذلك من فراغ وقبل يومين من وفاته قال لي جابي شقيق ماريان الذي يدير شركة مصر العالمية التي يمتلكها خاله وشركاه يبدو أن ماريان علي حق في تفاؤلها لقد اقتربت من وجهه وهتفت كالعادة باسمه لعله يفيق ففتح عينيه.. كدت أفقد عقلي من المفاجأة وقلت له تريد أن تتكلم فهز رأسه بالايجاب ضحك وقلت ولكن لا تشتم فلاحت علي وجهه ابتسامة عريضة.

وكنت قد أوصيت جابي إذا أفاق ولو لحظات أن يطبع علي جبينه قبلة مني. ففعل وعندما فارقت الروح الجسد فجر الاحد. أدركت انها كانت صحوة الموت ولأول مرة ذهبت الي المكتب بعد أن فارقه صاحبه. وربما لأول مرة ايضا كانت الكهرباء مقطوعة في ذلك المكتب الذي دخلته مئات المرات. وكأنما كان ذلك ليحل الصمت من دون راديوهات ولا تليفزيونات ولا حتي اصوات أجهزة التكييف.. ففي البدء كان الصمت داخل الرحم. وفي النهاية هو الصمت داخل المقبرة.

ألقيت نظرة الي ركن معين من المكتب هو الذي جري فيه أول حوار شخصي طويل معه حين كانت الشقة من غرفة للنوم وصالة لكل شيء اخر قبل ان يشتري الشقة المجاورة ويتوسع وينتقل للاقامة في شقته الخاصة بالزمالك وفوقها مباشرة شقة شقيقته الوحيدة ايريس وزوجها جان خوري رحمهما الله العزاء لمصر كلها من نيويورك الي باريس وتونس وبيروت لقد فقدت السينما المصرية علمها الكبير الذي لن يرفرف مرة اخري ولكن ترك افلاما تعيش دائما.

الجمهورية المصرية في 30 يوليو 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)