تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

ما هي حقيقة السيدة سيمبسون ولماذا تنازل إدوارد الثامن عن العرش؟

قصة غرام رومانسية أم إنقاذ بريطانيا من براثن النازية؟

لندن - إبراهيم العريس@

هل كان القرن العشرون عصر حب حقيقي أم أن الحكايات الكثيرة التي أثارت التأوهات وأسالت الدموع فيه، لم تكن من حكايات سينمائية أو أخرى صاغها الإعلام؟ سؤال يطرح نفسه بقوة بعد نهاية هذا القرن الذي يشتهر، على أية حال، بكونه زمن الحب. ومع هذا تألقت فيه حكايات الرسامة المكسيكيه فريدا كاهلو وغرامها بالفنان دييغو ريف - برا، وهنا نأتي إلى حكاية ثانية لعلها الأشهر، لأن أحد العاشقين فيها اضطر إلى التنازل عن عرشه «في سبيل قلبه». أو هكذا تقول الأسطورة فما هي الحقيقة؟ أم - في الأصل - هل هناك حقيقة على الإطلاق؟ لنر...

للوهلة الأولى هي واحدة من أجمل قصص الحب في القرن العشرين. وهل هناك أجمل من قصص الحب التي تنتهي نهايات سعيدة، وتبنى أصلا على التضحية. ولكن أية تضحية! فالحبيب هنا ضحى بأرفع شيء يمكن لكائن أن يضحي به: السلطة العليا، عرشه. القرن العشرون عاش، خلال عقود طويلة منه على إيقاع ذلك الإعجاب الخفي والمدهش بدوق وندسور، ادوارد الثامن، الذي كان سيقيض له أن يحكم امبراطورية كانت الشمس بالكاد تغيب عنها في تلك الأزمان: بريطانيا العظمى، لولا أنه تخلى عن العرش، هكذا بكل بساطة، سعيدا فرحا وإكراما لعيني مطلقة أميركية، الأدهى من هذا أن الصحافة كانت تلوك سمعتها في ذلك الحين.

من ناحية الشكلية لم تكن التقاليد لتسمح لملكة بريطانيا أن تكون مطلقة و... وأجنبية من طبقة العامة. لذلك حين وقع أمير ويلز في هوى تلك السيدة التي تكبره سنا، إضافة إلى ذلك كله كان عليه أن يختار: إما العرش وإما القلب. تعرف أنه اختار القلب. وصار اختياره ذاك انشودة ينغنى بها ملايين البشر بإكبار وإعجاب. أما هو فلم يخف طوال العقود التي عاشها بعد ذلك، سعادته بما فعل، معلنا أنه لم يندم على ذلك ولو لحظة.

ولكن... ما إن انقضى زمن يسير على عيش العالم كله أسطورة الحب والتضحية تلك، حتى بدأت التساؤلات تتكاثر وبدأ الكشف عن حقائق، أقل ما يقال عنها إنها لا علاقة لها بالحب أو بالتضحية. وحتى يومنا هذا، لايزال الأمر كله يشغل بال المؤرخين والصحافة. وعلى الأقل في بريطانيا (موطن العاشق) وفي الولايات المتحدة (مسقط رأس عاشقته)، حيث لا يمضي عام إلا ويصدر كتاب أو «نكشف» حقيقة تعيد طرح السؤال من جديد، السؤال الذي لم يكف أن يقض مضاجع عدد كبير من البريطانيين، هل حقا كان في الأمر غرام وتضحية بالعرش. أم أن الأمر كان له علاقة بمنطق الدولة، وبالظروف السياسية التي كانت سائدة في ذلك الحين؟

بدأت تلك الحكاية تتخذ طابعها الرومانسي العنيف في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1936، حين أذاع الملك ادوارد الثامن، ملك المملكة المتحدة وبريطانيا العظمى و»الدومنيون» البريطانية وامبراطور الهند، خطبة صدمت البريطانيين وأثارت مخيلات العالم، أعلن فيها أنه يتنازل عن العرش لصالح أخيه الدوق اوف يورط، الذي سيحمل منذ تلك اللحظة اسم جورج السادس.

وفي خطابه ذاك قال ادوارد الثامن - سابقا - مخاطبا الريطانيي: «أخيرا بات في إمكاني أن أقول بضع كلمات تخصني. أنا لم أشأ أبدا أن أسكت عن شيء قبل الآن، ولكن لم يكن في إمكاني أن أتكلم، تبعا لما ينص عليه الدستور. منذ ساعات قليلة تخليت عن مهمتي وواجبي كملك وامبراطور والآن إذ خلفني - على العرش - أخي الدوق اوف يورك، ستكون أولى كلماتي إعلان الولاء له, وهو شيء سأفعله من كل قلبي.

إنكم جميعا تعرفون السبب الذي جعلني أتخلى عن العرش، لكنني أريدكم ان تعرفوا أنني إذ اتخذت قراري لم أنسَ أبدا البلد والامبراطورية اللذين حاولت أن أخدمهما طوال 25 سنة، أولا بوصفي اميرولز ثم بوصفي ملكا.

ولكن عليكم أن تصدقوني حين أقول لكم إنني وجدت من المستحيل أن اقوم بواجبي الثقيل وأن أتخلى عن مسئولياتي كملك لولا العون والدعم الذي قدمته إلى المرأة التي أحب...».

والحقيقة أن هذه العبارة الأخيرة هي التي فتنت، البريطانيين والناس أجمعين. ذلك الاعتراف بالحب، في أقصى درجات دراميته ورومانسيته. والحقيقة أيضا، إن هذه العبارة هي نفسها التي شغلت دائما بال المؤرخين وجعلتهم يمليون إلى تفحص المسائل عن قرب.

من ناحية مبدئية، ليس ثمة أدنى شك في أن العاشقين كانا متينين ببعضهما بعضا. وليس ثمة من مجال للاشتباه بأن التنازل عن العرش كان يتماشى، حقا، مع دستور البلاد. والحقيقة تقول لنا أيضا إن حياة العاشقين الزوجين، طوال سنوات بعد ذلك أكدت حبهما، وسعادتهما. ولئن كان العاشق قد أسر لعاشقته، بعد أن سمع أول خطاب ألقاه أخوه الملك الجديد، قائلا: «إن عليك ألا تندمي أبدا... فأنا لست نادما» فإن ثمة ظلالا كثيرة. ولعل أبسط تلك الظلال ان أدوارد الثامن، منذ اعتلائه العرش، عاش خلافات كثيرة وأساطين القصر الملكي كما مع الكنيسة والبرلمان.

كان رجلا عصريا تحديثيا رافضا لما هو جامد من التقاليد، وكان لا يتوقف عن التعبير عن ذلك. غير أن الدستور والقوانين كانت تحول من دون تنفيذه لما يتطلع إليه. وكان ذلك كله قبل أن تنفجر قضية رغبته في الزواج من الفاتنة الأميركية المطلقة قبل تعرفه عليها مرتين.

من هذا فإن السؤال الذي لم يتوقف المؤرخون عن طرحه هو: هل كان التنازل عن العرش، نتيجة لاسباب أخرى تماما؟

- إن من يقرأ سيرة دوق وندسور (الاسم الذي بات ادوارد الثامن يحمله منذ تنازله عن العرش) سيدهشه واقع بسيط، يمر به عادة مرور الكرام، وهو أن ذلك الشخص المليء بالشباب والحسن لم يكن، أصلا، من النوع الرومانسي. لقد عرف دائما بمغامراته الغرامية، ودائما مع نساء يكبرنه سنا. وهو منذ كان يافعا كانت مغامراته حديث الناس في بريطانيا. وفي هذا الإطار قد يكون من المفيد ذكر «آخر فضيحة» من فضائح ذلك الشاب الخارج لتوه من المراهقة قبل ثمانين عاما، وهي فضيحة تتعلق، كما ذكرت صحيفة «صانداي تايمز» (11 يوليو/ تموز 1999) بإدوينا التي تتساءل الصحيفة عما إذا لم تكن «الابنة غير الشرعية» لادوارد الثامن. وملخص الحكاية التي ترويها الصحيفة أن أمير ويلز، في سنوات العشرين كان اعتاد زيارة منطقة بيتسفورد للصيد، وكان له صديق يمتلك عربة هناك هو الكابتن جورج دراموند. وهذا الصديق كانت له زوجة حسناء تدعي كاتلين. واليوم يقول المعمرون من أهل تلك القرية إن الأمير الشاب أغرم بكاتلين، التي سرعان ما حملت وأنجبت طفلة، شديدة الشبه بالأمير، أطلق عليها اسم ادوينا (مؤنث ادوارد). وهذه الطفلة كانت حين ترعرعت، مدللة من جانب القصر الملكي، وربما كانت تعرف، هي انتماءها إليه عن طريق تلك العلاقة غير الشرعية. صحيح أن تلك الحكاية كلها تدخل في باب التخمين وليس ثمة ما، أو من، يؤيدها، حقا. لكن دلالتها لا تخفى على أحد: «إن الأمير الشاب لم يكن ذلك الملاك، الذي يمكن أن يقع فجأة في غرام رومانسي، يقوده إلى التنازل عن العرش، وخصوصا مع سيدة (وليس سيمبسون، دوقة وندسور فيما بعد)، كانت كما أشرنا تكبره سنا، ولا تعتبر شديدة الحسن، بالمقارنة مع عشيقات كان الأمير الوسيم الشاب على علاقة، أو معرفة بهن، فما الحكاية إذن؟

هنا، جوابا على هذا السؤال، تأتي الفرضية التي كان الحديث يجري عنها همسا، ثم صارت موضع بحث، لم ينته حتى اليوم. وأهم ما فيها أنها فرضية تنسف «حكاية الحب الرومانسي» من أساسها.

وخلاصة تلك الإشاعات ترتبط، من ناحية بماضي السيدة سيمبسون، ومن ناحية ثانية بالأسباب السياسية «الحقيقية» التي أملت على ادوارد الثامن ضرورة التنازل عن العرش، والأمران، في النهاية، مترابطان، بحسب أصحاب هذه النظرية. فالحقيقة أن الرأي العام البريطاني لم يسمع باسم السيدة سيمبسون إلا عند نهاية العام 1936، حين بدأت أزمة التنازل عن العرش بالتراكم. وعلى الفور أصبحت تلك السيدة الأميركية، المرأة التي يكرهها البريطانيون أكثر من أية امرأة أخرى. وراح الكثيرون ينقبون عن ماضيها، وتراكمت الحكايات: سنوات غامضة في الصين (وربما في بيوت الهوى في شانغهاي، بحسب رأي البعض)، ارتباط بالنازيين (يصل إلى حد القول إن السيدة كانت عشيقة لوزير الخارجية النازي ريبنتروب)، ماض تعيش في الولايات المتحدة، وحكايات احتيال مالي. ومن ناحية ثانية راحت الاقلام تصورها: أنانية، صاحبة مؤامرات ومناورات، ولامبالية بمصير الآخرين. ومن هنا حتى اعتبارها، من قبل البعض جاسوسة تعمل لحساب الألمان النازيين خطوة أخذ البعض يجرؤ على قطعها. وكان هنا بيت القصيدة وجوهر المسألة، كما كان يمكن لغراهام غرين أن يقول.

وخلاصة هذا كله، يمكن وصفها على الشكل التالي - وهو أمر لا يعدو طبعا كونه قائما على فرضيات جاء بها بعض المؤرخين، الذين استندوا إلى القليل من المعلومات، ولكن إلى ما اعتبروه، هم، تحليلا منطقيا لحكاية وظروف لا تكف أن تنم عن غرابتها. فعلا كانت المطلقة واليس سيمبسون على علاقة بالألمان، وتحديدا بوزير الخارجية فون ريبنتروب، وبعدد من أعوان هلتر من قادة الحزب النازي. وهي قبل وصولها إلى لندن أمضت أكثر من عام في برلين فور استلام النازيين للحكم فيها.

وحين تعرفت على أمير ويلز، الذي سيصبح بعد ذلك ملكا باسم ادوارد الثامن، لمدة 11 شهرا لا غير، تعرفت عليه عن طريق مجموعة من النبلاء الانجليز الذين كانوا في ذلك الحين متعاطفين مع النازية. والحال أن بريطانيا كانت، في تلك السنوات الصاخبة والمحيرة تعج بالنازيين، ولا سيما في أوساط أكثر النبلاء ليبرالية، ومن أصحاب النزعة الاشتراكية.

وهو أمر نجده يشكل جزءا من أدبيات تلك المرحلة الاستقراطية. وهنا لا بد من التركيز على مسألة في غاية الأهمية، ويمكنها في حد ذاتها أن تفتح الباب واسعا أمام إعادة النظر في حكاية الغرام الرومانسي كلها. وهي أن أمير ويلز، وقبل ارتقائه العرش كان معروفا بميوله النازية. وهو نفسه، وصراحته التي لم يتخل عنها أبدا، لم يخف إعجابه بالتجربة النازية في ألمانيا. وأقام اتصالات عدة مع القيادات النازية، في برلين، كما في لندن. ومن المؤكد اليوم أن التقاءه بالمطلقة الأميركية، أتى ضمن إطار تلك اللقاءات. وهنا لابد أن ذكر أن النازية، في أواسط سنوات الثلاثينيات كانت مبهرة لليبراليين وأصحاب النزعة المشاكسة الغاضبين على طبقاتهم الارستقراطية والميالين إلى نوع غامض من الاشتراكية، إن لم يكونوا راغبين في التحول إلى الشيوعية التي كانت هي الأخرى موضة في أوساط المثقفين. وبريطانيا ذات التقاليد الصراعية الفكرية العريقة، كانت مسرحا لتنافس شديد بين الايديولوجيا الشيوعية والآيديولوجيا النازية.

ولنتذكرها هنا أن حكاية تجنيد المخابرات البريطانية لبعض كبار المثقفين وعليه القوم (حلقة كامبردج، فيلبي، بلنت، بارغس...!) تعود إلى تلك السنوات. ولكن أن تكون لأمير ويلز ميول نازية فكرية، وأن يحمل معه حين ارتقائه العرش بعض بقايا تلك الميول أمر أيضا، أما أن يأتي معه إلى العرش بالمرأة التي كان أساطين النظام يرون انها هي صلة الوصل بينه وبين النازيين، أمر آخر تماما، أو لا يمكن القبول به.

فهل انطلاقا منا كان ذلك الترتيب؟

في قصة شهيرة له عنوانها «الخائن والبطل» يروي الكاتب الارجنتيني بورخيس، حكاية مهاجر ايرلندي إلى الولايات المتحدة. يلاحظ في الحكاية المروية عن جده، بطل الثورة الايرلندية، غرائب ومصادفات تتعلق باغتياله، على الطريقة نفسها التي تم بها اغتيال ابراهام لنكولن قبله بسنوات قليلة، فتستفزه هذه الغرائب، ويقرر تحري الأمر، ويسافر إلى ايرلندا حيث تفاجئه الحقيقة: لقد اكتشف قادة الثورة في تلك الأزمان الغابرة أن بينهم خائنا، ثم اكتشفوا أن الخائن ليس سوى الزعيم نفسه، فيقررون محاكمته وإعدامه. عند ذلك يقول لهم: طالما أنني سأقتل على أيديكم، أود أن أقدم لكن آخر خجمة: اقتلوني ولكن اغتيالا ومن دون فضحي. وهكذا تصبيون عصفورين بحجر: تتخلصون مني، ولا يؤدي ذلك إلى هبوط معنويات شعبنا حين يخبرونه بخيانتي. لماذا نروي هنا هذه الحكاية؟

حسنا: نرويها لأنها تسهل فهم الفرضية القديمة - الجديدة التي بدأت تحوم حول حكاية غرام الدوق وندسور بحسنائه الاميركية.

تقول هذه الفرضية، إنه في تلك السنوات الصاخبة، كان من المستحيل على بريطانيا أن يحكمها ملك ذو ميول نازية واضحة، حتى ولو كان الملك يملك ولا يحكم.

وفي الوقت نفسه كان من المستحيل خلع الملك وإعلان نازيته على الملأ. لذلك كان من الضروري اللجوء إلى حكاية - ويا حبذا لو كانت رومانسية - تخلص العرش من ملك نازي، وتبقيه نقيا طاهرا في أعين الشعب.

صحيح أن الغرام الطويل والمثالي الذي عاشه الدوق سنوات طويلة بعد ذلك، لا يعطي لمثل هذه الفرضية كل صدقيتها، ولكن في المقابل، هل يمكن لعقل أن يقبل تلك الحكاية الأخرى، عن شاب وسيم متعهدد العلاقات، ستكشف الصحافة أن له طفلة غير شرعية، رضي يوما أن يتخلى عن عرشه الامبراطوري من أجل عيني امرأة تكبره سنا، وتقل عنه وسامة، وكانت حكايات ماضيها معروفة له حتى وإن كانت مخفية عن الناس أجمعين؟ تلك هي المسألة، كما يقول شكسبير.

@مأخوذ من كتاب «حكايات صيفية»

الوسط البحرينية في

30/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)