تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

شيكاغو منذ تلك الأزمة لم تعد شيكاغو

من هم «أعداء الشعب» السلطة أم العصابة؟!

الوسط - نبيل عبدالكريم

من هم «أعداء الشعب»؟ هذا السؤال حاول الفيلم الذي يحمل العنوان نفسه ويعرض حاليا في سينما السيف أن يجيب عنه. هل الأعداء تلك العصابات التي تسرق المصارف وتدير الأندية والملاهي وتمارس مخالفات ضد القانون وتنظم عمليات التهريب وتروج المخدرات وتعتمد سياسة الرشوة لشراء سكوت المسئولين وغيرها من شبكات تمتهن حرفة التجاوزات، أم أن «الأعداء» تلك الشرائح التي تستخدم السلطة ذريعة لكم الافواه ومراقبة الناس والتدخل في شئونهم وحياتهم الخاصة تحت غطاء حماية القانون وضمان العدالة وصيانة المصلحة ومطاردة العصابات؟

فيلم «أعداء الشعب» ذكي للغاية. فهو لا يدعي السياسة ولا يتحدث عنها ولا يتطرق إلى موضوع فكري أو فلسفي. السيناريو المحبك تأسس على حوادث حصلت في ثلاثينات القرن الماضي في مدينة شيكاغو وينطلق منها ليؤشر إلى مجموعة نقاط راهنة يعاد إنتاجها تحت عناوين مختلفة ولكنها تعطي النتائج نفسها وهي تسلط السلطة على الناس والتدخل في خصوصياتهم.

بدأ الفيلم من العام 1933 في شيكاغو وهو العام الذي شهد فيه العالم استمرار تداعيات أزمة النقد الدولية وإفلاس الشركات وانهيار البورصة وتراجع قيمة الأسهم. البداية تشكل إشارة ذكية تحاكي الأزمة النقدية العالمية الحالية التي بدأت قبل عام ويرجح أن تستمر ويمكن أن تثير اضطرابات اجتماعية تدفع العاطلين إلى البحث عن مصادر أخرى للرزق.

اختيار مخرج الفيلم تلك الفترة جاء موفقا من حيث التوقيت لأنه حاول أن يربط بين الأزمة المالية ونمو أنشطة العصابات وتطور شبكات التهريب لتعويض الخسائر الناجمة عن الانهيارات النقدية. واختيار شيكاغو مسرحا للحوادث المتسارعة كان ضربة معلم في اعتبار أن الرئيس الحالي باراك أوباما جاء من تلك الولاية. وهذه النقطة تحاكي فترة الثلاثينات حين واجه الرئيس روزفلت الأزمة النقدية متبعا سلسلة إجراءات صارمة للحد من تداعياتها الاجتماعية.

آنذاك كانت شيكاغو مشهورة عالميا بأنها تشكل بؤرة دولية لعصابات التهريب وتلك الشبكات والخلايا العائلية التي ترابطت مصلحيا للقيام بمهمات خارج القانون بسبب دخولها الطارئ على المجتمع وضعفها في التكيف مع شروط الواقع.

وساهمت تلك العوامل على تشجيع تلك المافيات الأسرية على تكوين عصابات مستفيدة من الفوضى المعطوفة على حاجتها للمال لسد متطلبات الحياة اليومية الضاغطة على الشرائح الدنيا من المجتمع.

في تلك الفترة احترفت المافيات التهريب بغطاء من رجال السلطة. كذلك احترفت عصابات سرقة المصارف أو القطارات واستخدام المال للرفاهية وتلبية الرغبات من جهة ولتأمين حاجات عائلات محتاجة من جهة أخرى.

مرقبة الناس

الفيلم يتحدث عن عصابة واحدة يقودها شاب مغامر وطموح ويحب الحياة. فالشاب الثلاثيني (جوني ديب) أسس شبكة لا وظيفة لها سوى تكرار الهجمات على المصارف وسلب أموالها واقتسامها وانفاقها في سوق الملاهي وتوزيع فائضها على العائلات المحتاجة.

إلى هذه العصابة المحترفة كانت هناك عشرات من الشبكات تعمل في قطاعات أخرى وهي أيضا تحترف هواية التهريب ومخادعة القانون. وبسبب توزع الوظائف كانت العصابات تتلاقى وتفترق ولكنها كانت تساهم في تحريك السوق وتنشيطه، في مجالات مختلفة منها الرشوة والفساد. اعتقل الشاب ونجح في الفرار. ثم اعتقل وكرر نجاحه في تأمين الهروب من السجن ليعاود نشاطه كما كان حاله في السابق.

عملية التجاذب كانت موفقة أيضا لأنها أعطت فكرة زمنية عن تطور أساليب السلطة في المطاردة والقمع وابتكار الوسائل اللاشرعية تحت غطاء حماية العدالة من العصابات. هذه النقطة تشكل إشارة ممتازة للكشف عن قانون السلطة واستخدام الأموال العامة للرقابة والتنصت على هواتف الناس والتدخل في جزئيات حياتهم.

هذا الجانب يشكل مقاربة ذكية بين ما حصل في ثلاثينات القرن الماضي وبطلب مباشر من الرئيس رزوفلت وبين ما حصل في عهد جورج بوش الذي استغل موضوع مكافحة الإرهاب لتشريع الرقابة على خصوصيات الناس بذريعة حمايتهم من الأعداء.

إعلان روزفلت «الحرب على العصابات» يحاكي من بعيد إعلان بوش «الحرب على الإرهاب».

فالماضي لايزال ينتج قصصه في الحاضر تحت مسميات مختلفة.

من هم «أعداء الشعب»؟ السيناريو لا يتدخل ولا يعطي أجوبة جاهزة بل يترك المسألة مفتوحة للنقاش. فالفيلم أساسا يخاطب جمهورا ليس بالضرورة يكترث بالسياسة ولكنه بالتأكيد يحرص على سلامته العامة ويرفض في الآن مراقبته ورصد هاتفه والتدخل في شئونه.

المسألة صعبة ولا يمكن الحكم عليها بقرار نهائي يقطع الشك باليقين لأن الناس عادة تبحث عن سلامتها وتعادي من يهدد أمنها واستقرارها ولكنها أيضا ترفض التنازل عن حقوقها وحريتها وخصوصياتها. ومثل هذه الازدواجية كانت منذ ثلاثينات القرن الماضي ومازالت مصدر تساؤل لأنها تربط بين الخوف والحق.

السيناريو الذكي نسج دراما عاطفية بين زعيم العصابة الشاب والمغامر والطائش وصديقته التعيسة التي اختارها بين الناس لتكون زوجته ورفيقة عمره.

وفي إطار قصة غرامية تراكضت المشاهد لتروي حكاية مدينة وتاريخ دولة. قبل هذه الفترة كانت كل ولاية أميركية تتمتع باستقلال قانوني، وتعتمد إجراءات تختلف بين ولاية وأخرى. وجاء إعلان «الحرب على العصابات» ليعطي ذريعة للقوى المركزية (العاصمة) في التدخل وتحويل قوانين الولايات إلى أدوات طيعة وتابعة للفيديرالية.

كذلك أعطت «الحرب» المركزية قوة دفع للشرطة الفيديرالية للتدخل ولنزوح من ولايات مجاورة لتقديم الخدمات أو المشاركة في المطاردات والقمع والقتل. فالحرب أصبحت مفتوحة وبسبب إصرار الرئيس القضاء على العصابات مهما كان الثمن أخذت الأجهزة تبتكر وسائل للرقابة ومتابعة المحادثات الهاتفية ما أضفى شرعية قانونية على مصادرة الحريات والخصوصيات.

ولان الحرب مفتوحة انكشفت كل خيوط اللعبة وباتت مراكز القوى المحلية مهددة ما أعطى فرصة للمباحث المركزية في التدخل وإلقاء القبض على المشتبه فيهم واستخدام وسائل التعذيب لنزع الاعترافات بالقوة. وهذه النقطة أيضا تشكل إشارة تحاكي ما حصل في المعهد القريب من تعذيب في السجون بذريعة أخذ المعلومات لحماية الناس من شبكات الإرهاب.

كل هذه الملفات تطرق إليها سيناريو الفيلم من دون افتعال. فهي جاءت في سياق تتابع المشاهد بعفوية ومن دون تصنع لأن المخرج لا يتحدث عن السياسة وإنما عن اختراق خصوصيات الناس والتلصلص على حياتهم. حتى موضوع الجنسية والتجنيس والإقامة وابتزاز العمال وتهديدهم بالإبعاد عن البلاد باسم القانون. كلها عناوين فرعية جاءت في سياق الكلام عن مدينة وعصابة سطو وقصة غرام بين مغامر وشابة مغمورة انتهى بها المطاف إلى السجن وهو إلى القتل بعد وشاية أجبرت امرأة تقيم من دون غطاء قانوني على تقديم معلومات. فالمرأة تم ابتزازها وتهديدها بالطرد إذا لم تقدم اخباريات وهذا ما دفعها إلى التعاون مكرهة لحماية نفسها من الإبعاد.

أخيرا يبقى السؤال من هم «أعداء الشعب»؟ العصابة أم السلطة. الناس في النهاية هم الضحية لأن المطاردة تحت سقف العدالة والقانون تعطي الذريعة للمخالفات والتدخل والعبث بالخصوصية والإفراط في ممارسة العنف تحت ستار الحماية والأمن والاستقرار ومنع الفوضى وبقصد تركيز القوة في دائرة ضيقة.

سيناريو الفيلم ذكي في لغة الإشارات كذلك مشاهده التصويرية وتلك اللقطات التي رسمت شيكاغو في الليل والنهار (أحياء، أزقة، سينما، ملاهي، موسيقى، أغنيات) كما كان حالها حين احتلت مكانة اقتصادية مرموقة في عالم المافيات. آنذاك عاشت أجمل فتراتها قبل أن تنتقل الولاية من ساحة مفتوحة على المتخيل إلى حلقة مشدودة إلى سلسلة تتحكم في إدارتها من بعيد القوانين الفيدرالية. شيكاغو منذ تلك الأزمنة لم تعد شيكاغو.

معلومات عن الفيلم

المخرج: مايكل مان

سيناريو: رونان بينيت

الكاتب: بريان

بطولة: جوني ديب

كريستيان بال

ماريون

بيلي

ستيفن

ليلى تايلور

تشانينغ تاتوم

اميلي دي

الموسيقى: اليوت

استوديوهات يونيفرسال بيكتشرز

التوزيع: يونيفرسال بيكتشرز

تاريخ الإصدار:1 يوليو/ تموز الجاري2009

موازنة الفيلم: 100 مليون دولار

إجمالي الإيرادات في أميركا: 109.784.619

الوسط البحرينية في

30/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)