تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

السينما و كرة القدم وجهان لعملة ليست واحدة 'العالمي'.. فيلم يلعب في دوري الناشئين

القاهرة - من كمال القاضي

يختلف جمهور كرة القدم إختلافا جذريا عن جمهور السينما، وبالتالي فإن أي محاولة لإستثمار الشعبية الكروية سينمائيا مقضيا عليها بالفشل لأن الثقافة السينمائية شيء والواقع الكروي شيء آخر يصعب نقله الى الشاشة كما هو حتى وإن كان هناك فضول من جانب المشجعين لمعرفة ما يدور في كواليس الأندية وحياة اللاعبين الخاصة، و كثير عن التجارب التي أقبلت عليها السينما كان نجاحها محدودا جدا، ربما ابرزها فيلم (غريب في بيتي) الذي قدمه الثنائي سعاد حسني ونور الشريف في بداية الثمانينيات و لم يلق الصدى المرجو برغم نجومية البطلين الطاغية آنذاك ووجود ممثلين كبار مثل هياتم و حسن مصطفى، لا سيما الأولى التي قدمت دور إغراء غازلت به جمهور الترسو ومع ذلك لم تفلح الحيلة وبقى الفيلم فيلما تليفزيونيا عائليا تستمتع به الأسرة في العرض المنزلي، و ليست تجربة نور وسعاد هي الاستثناء وإنما تلاها تجارب أخرى واجهت نفس المصير منها فيلم 4-2-4 لعادل إمام وسمير غانم ويونس شلبي وفيلم فريد شوقي وسهير رمزي، وهو أحد الأفلام التي تناولت حياة نجم من نجوم الكرة كنموذج لما يحيط به من أضواء وشهرة و قصص حب وغرام وهيام الى آخره..

ولا يمكن ان ننسى في معرض كلامنا عن التجارب الكروية السينمائية فيلم الدرجة الثالثة لأحمد زكي وسعاد حسني بإعتباره الفيلم المعني بقضية التشجيع وجمهور المتعصبين للكرة و النوادي، الشغوفين بتفاصيل الحياة الرياضية.. هذا الفيلم مر مرور الكرام على جمهور السينما وجمهور الكرة كأنه لم يكن، وقد سبب أزمة كبرى لسعاد حسني لم تتخلص منها إلا بعد قيامها ببطولة فيلم 'الراعي والنساء'، فهكذا فشلت كل المراهنات التي علقها المنتجون لإستقطاب جماهير كرة القدم الى دور السينما، وبالقياس جاءت التجربة الأخيرة المتمثلة في فيلم 'العالمي' لتجدد القضية مرة أخرى وتذكرنا بإخفاق الفن السابع في مواجهة الرياضة الكروية ذات الشعبية الكاسحة فالبطل الذي ترتكز عليه الرؤية التراجيدية لاعب كرة في سن التألق والمجد ينجح في الوصول الى العالمية بعد رحلة شاقة قطعها في نوادي الدرجة الثانية ومعارك مضنية مع والده الرافض تماما لفكرة إحترافه لكرة القدم، فعلاوة على وجوده في المطبعة التي يمتلكها ويخشى عليها من الإفلاس و التوقف.. هذا التضاد بين رغبة الإبــــــن يوسف الشريف ورفض الأب صلاح عبد الله كان الإشكالية الأساسية للبناء الدرامي والتي وصلت ذروتها الى مأساة مقتل الإبنة الوحيدة 'رحمة' أو 'ملك' وايضا اصابة الشريف في حادث سيارة مروع أدى به الى اعتزاله الملاعب لفـــترة طويلة قبل ان يتماثل للشفاء ويعــــود للمستطيل الاخضر محرزا هدف الفوز في واحدة من البطولات الدولية فيأتي بالكـــأس الى الفريق القومي المصري، حينئذ يعترف به الأب القاسي السكير فتنفك العقدة و تحدث المواءمة وينسى كل طرف من الأطراف أحزانه..

العالمي رؤية متعددة الأبعاد و الجوانب اراد صاحبها السيناريست ياسين كامل ان يطرح أكثر من قضية فإذا به يصل في كل قضية الى المنتصف فقــد وضعنا أمام جبروت الأب و كراهية الأبناء وضعف الأم 'دلال عبد العزيز' في إيحاء بأن ما تم معالجته دراميا ينتمي الى النوع الاجتماعي، وبعد مرور الســــاعة الأولى من الأحـــداث و بتداعي الفلاش باك و المشاهد المأساوية تحولت نظــــرتنا فرأينا ذلك البعد التراجيدي متجليا في أزمة مركبة ثلاثية الأبعاد، بعد منها يتصل بإعــــاقة البطل نفسه وعجزه عن تحقيق حلمه وبعد يتمثل في موت الإبنة، صديقة البطل و شقيقته وبعد آخر ينطوي على مأساة الأم المأزومة التي أدت دورها بإقتدار دلال عبد العزيز، غير ان هناك العلاقة العاطفية الفاشلة بين يوسف الشريف 'مالك' وحبيبته رحمة أو 'ملك'.. أي ان الحالة الرومانسية المبهجة أغتيلت ايضا ليحدث التجانس النوعي بين كل الأبعاد فتتكشف الحالة الدرامية تماما ولا يبق فيها ظل لإحتمال ورود اي معنى مختلف، حتى التماثل بين دور البطل ودور محمد الشقنقيري ربطه السيناريست كذلك بالقعود والعجز فالاثنان لاعبا كرة قدم وكلاهما أصيب في الملاعب ويقيم في المستشفى رهن الرعاية والعلاج، وهي الحالة التي استهوت المخرج أحمد مدحت فتمادى في تأكيدها عبر عدة مشاهد رأينا فيها ألوانا من الأداء والانفعال والهستيريا أحيانا لكون المريض يمر بمنعطفات نفسية حادة ومتباينة تتراوح بين القسوة و الطيبة أو القوة و الضعف وهو المنقوص الذي شكل خللا ما في الشخصية وجعلها تبدو مشوشة وغير متزنة برغم ما قدمه السيناريو من تبريرات!

كذلك اتسم سلوك 'مالك' (يوسف الشريف) في أغلب الأحيان بالعنف حتى بعد ان تجاوز محنته وتصالح مع والده ظل حاد الملامح متشنج العضلات غليظ القسمات كما لو كان النسيان لا يعرف الطريق الى ذاكرته بإعتبار انه دواء لكل داء وكفيل بأن يهون عليه مصيبته ويساعده على طرح مشكلاته جانبا، وهذا بالطبع ما لم يتحقق.. الشخصية الوحيدة المتسقة مع ذاتها في تجربة ياسين ومدحت التراجيدية الأولى، تلك التي قدمها لنا محمد لطفي متخليا فيها عن أدائه الكوميدي المعهود ليقنعنا بأنه كابتن شيكو مكتشف المواهب في ملاعب الكرة (الشراب) والمدرب المخلص للاعب الأسطورة.. لقد أدى لطفي الشخصية الهامشية بكل خصالها الطيبة وانكساراتها مبينا ما بها من إحباطات وما تجده من عزاء في تحقق الأشبال وخروجهم الى آفاق العالمية والبطولات الدولية فهذا النموذج المثالي المتفاني في خدمة الغير موجود بالفعل في النوادي الكبرى ولكنه كالجندي المجهول يعيش دائما في منطقة الظل يكتفي بما يصيبه من نجاح عبر الآخرين..

صلاح عبد الله أيضا لم تقف موهبته الكبرى عند حدود الأدوار الثانوية فقد رأيناه في فيلم 'العالمي' بطلا مطلقا يجاوز في أدائه وتمكنه القامات الرئيسية من نجوم الشباك وبعيدا عن الأداء التمثيلي للأبطال فإن هناك بطولة أكثر رسوخا تمثلت في الأدوات الفنية والمفردات الجمالية كالتصوير والإضاءة والموسيقى والديكور والإكسسوار والمكساج و المونتاج فكلها خلقت الحالة وأكملت المعنى ورسمت الإطار النهائي للأحداث كلوحة تشكيلية توافرت فيها كل الخامات وافتقرت الى الرتوش ولمسات الرسام الذي ابتدعها من العدم ولكنه لم يهبها الروح!

حمل الفيلم بعض أخطاء التجربة الأولى، بينما ظل رقم البداية في سجل مبدعيه وعلامة دالة على اجتهادهم.

القدس العربي في

29/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)