تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

ضوء

أفلام عن السينما

عدنان مدانات

تعرف السينما العالمية تجارب فيلمية متنوعة تسعى جميعها نحو هدف واضح هو تحطيم أو الخروج عن الأنماط السردية التقليدية المتعارف عليها، من ناحية، وبالتالي، من ناحية ثانية، التوصل إلى كسر أو إفشال التوقعات التي تدور في ذهن المتفرج المتعلقة بتطور الحبكة القصصية وصولا إلى نهاية مبتغاة، غالباً ما تكون سعيدة. وليس المقصود هنا التجارب الإبداعية التي تسعى للتميز واكتشاف وسائل تعبير وأساليب جديدة، ولكن مع الحفاظ على البنى الدرامية والمواصفات السردية التقليدية، وكذلك ليس المقصود الأفلام التي تنطلق من غايات أكثر بساطة وتقوم على إعادة استخدام أو إنتاج نمط أو نوع فيلمي محدد، مثل نوع الفيلم البوليسي أو فيلم الرعب وغيره، بحيث يكون موضوع الفيلم مكرساً لهذا النوع من الأفلام، ويغلب على مثل هذه التجارب، بشكل عام، أسلوب الفيلم الكوميدي أو الفيلم الساخر، ولكن، الذي يسخر من نفسه. هذا النمط من استخدام النوع والتلاعب به يميز مثلاً، أفلام المخرج والممثل الأمريكي الكوميدي ميل بروكس والذي تقوم أفلامه على السخرية من نوع سينمائي شائع عن طريق تحويله إلى كوميديا، من أبرز أفلامه في هذا المجال فيلم “الأسرجة المتوهجة” وهو فيلم رعاة بقر يسخر من أفلام رعاة البقر، وفيلم “فرانكشتاين الصغير” وهو فيلم رعب يسخر ليس فقط من سلسلة أفلام فرانكشتاين، بل من الأخطاء التقنية التي ترتكب في بعض الأفلام، وفيلم “سينما صامتة” وهو فيلم صامت يسخر من السينما الصامتة، وفيلم “تاريخ العالم” وهو فيلم من جزأين يسخر من الأفلام التاريخية.

المقصود هنا هو تلك التجارب التي تبنى وفق نوع فني متداول، ولكن بهدف التمرد عليه كخطاب وكشكل سردي وبنية درامية وذلك ضمن أسلوب يهدف إلى التأثير وإعادة توجيه نوعية استقبال الفيلم من قبل المتفرجين، تحقيقاً لغاية مسبقة ذات طبيعة إبداعية مغايرة أحياناً، أو ذات توجه منهجي جمالي، أو حتى ذات موقف ايديولوجي أو سياسي. هذا النوع من التمرد على النوع هو ما ميز المحاولات السريالية في السينما وما ميز الأفلام التي تأثرت بمسرح العبث أو بأفكار الكاتب والمنظر المسرحي الألماني “برتولت بريخت” التي كانت تهدف إلى التغريب وتحطيم البنى السردية الكلاسيكية للدراما، وذلك بهدف خلق علاقة من نوعية جديدة ومختلفة بين الفيلم السينمائي كخطاب وبين المتفرج كمستقبل للخطاب، علاقة تقوم تغليب العقل على العاطفة وتغليب التحليل على الانفعال، ومن أبرز المخرجين العالميين الذين ارتبطت أفلامهم بهذا التوجه المخرج الفرنسي الشهير “جان لوك غودار”، أحد رواد الموجة الجديدة في السينما الفرنسية زمن الستينات وصاحب الموقف السياسي اليساري المتطرف والذي صنع أفلاماً “متطرفة” سينمائياً، كان يهدف من خلالها الى زعزعة علاقة المتفرج العاطفية بالفيلم عن طريق تحطيم البناء السردي المنطقي التقليدي وحتى تحطيم قواعد الإخراج والتصوير والمونتاج المتعارف عليها، ومن أفلامه الأولى الشهيرة في هذا المجال فيلم “بيرو المجنون” وفيلم “الصينيون” وفيلم “عطلة الأسبوع” وغيرها من أفلام أثارت في حينه الكثير من الجدل وأثّرت بالمقابل في توجهات العديد من السينمائيين الشباب في بلدان العالم المختلفة.

من البديهي أن هذا النوع من الأفلام هو نوع صادم للمتفرج العادي الباحث عن عناصر التشويق والترفيه في الفيلم، ويحتاج إلى ثقافة وخبرة خاصتين من قبل المثقفين وهواة السينما من أجل التعامل معه واستيعابه واستقباله كما يجب، ومن البديهي أيضاً أن هذا النوع من الأفلام غير جماهيري.

عادة، يتولى إخراج هذا النوع من الأفلام الذي يفتح آفاقا جديدة أمام الفن السينمائي مخرجون مبدعون، يعتمدون ليس فقط على خبراتهم أو على مواهبهم، بل بشكل خاص، على وضوح الفكرة في أذهانهم، بحيث أن الأفلام التي يبدعونها، ومهما كانت صعبة على التلقي التقليدي، أو حتى المتخصص أحياناً، تظل متماسكة في أسلوبيتها وقادرة على شد انتباه المتفرج وإثارة فضوله وإشعاره بالمتعة الجمالية، حتى لو غمض المعنى عليه واضطرب تيار السرد أمام عينيه.

حال هذا النوع من الأفلام بالنسبة للمتفرجين مثل حال الشعر الموهوب بالنسبة لعشاق الشعر، فقد يكون المنتج الإبداعي، فيلماً كان أم شعراً، منتجاً صعباً على الإدراك المباشر، لكن له في اللحظة نفسها مفعول السحر، بالمقابل، فإن مشكلة هذا النوع، في السينما كما في الشعر أيضاً، أنه يفتح المجال أمام تبريرات واهية تغطي على العجز الإبداعي والتشوش الفكري عند بعض المخرجين الذين يصنعون أفلاما ينقصها الكثير من النضج وحتى الصدق الفني.

الخليج الإماراتية في

25/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)