تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

عن خالد يوسف وفيلمه الاخير..

ما الذي اشتراه المشاهد من دكان شحاته؟

سمير خليل

دأبت السينما المصرية ومنذ نشأتها أن تتلبس رداء خاصا تحاول فيه ان تلامس العالمية وفي نفس الوقت أن تتميز على نظيراتها الاقليمية فخلقت لها جوا خاصا يضم حيثيات العمل السينمائي  وسط هالة اعلامية واسعة تروج للمنتوج الفيلمي وترفع من شأنه حتى قبل ولادته على شاشة العرض، لكن الوسط الاعلامي والنقدي خاصة ظل نشطا محافظا على مصداقيته في تناول الانشطة الفنية في مصر بعيدا عن الهالات الترويجية لافلام السينما.

ويأتي فيلم دكان شحاته وسط هذا السياق اذ سبقته هالة اعلامية كبيرة لاحتوائه (حسب صناعه) على عناصر القوة والاثارة وخطف الابصار، فمخرج الفيلم هو خالد يوسف التلميذ والابن البار لعميد السينما المصرية يوسف شاهين، الذي حمل على اكتافه امانة استاذه بتواصل نهج شاهين الابداعي في تقديم سينما واقعية رمزية تعتمد على سيناريوهات خاصة اساسها الحبكة المتينة والحوار المحكم وكذلك تناولها موضوعات  مثيرة للجدل فبعد ان عمل خالد يوسف مساعدا لشاهين في عدة افلام، اختط لنفسه طريقا خاصة مستمدا من ذهنية استاذه وساعده في ذلك عمله مع شاهين كسيناريست ومساعدا للاخراج حيث كان مساعدا للمخرج في فيلمين ليوسف شاهين هما الاخر (1999) والمصير(1997) كما اشترك مع شاهين في اخراج فيلم (هي فوضى) عام 2007 وهو اخر افلام شاهين، اما الافلام التي قام خالد يوسف باخراجها فهي: العاصفة (2001)، (ويجا) و(انت عمري) (2005)، خيانة مشروعة (2006)، حين ميسرة (2007)، والريس عمر حرب (2008) واخيرا دكان شحاته (2009) ورفضت له الرقابة فيلما بعنوان (لحظة ضعف)، وغالبا ما استفزت افلام خالد يوسف الرقابة اذا يعتبر واحدا من المخرجين الباحثين عن الاثارة والجدل.

يتناول فيلم دكان شحاته الذي كتب قصته وأعد له السيناريو والحوار ناصر عبدالرحمن حياة عائلة صعيدية مكونة من الاب حجاج واولاده الاربعة طلب وسالم والابنة الوحيدة نجاح والابن الرابع شحاته ابن الزوجة الثانية والاخير هو محور الاحداث وثيمة الفيلم، فقد احتل شحاتة منزلة اثيرة في قلب والده جعل اخويه طلب وسالم يكنون الكراهية لشحاته، ويعمل حجاج عند دكتور متقاعد اسمه مؤنس الذي يملك فيلا ضخمة وحديقة ملحقة ليقرر الدكتور اهداء الحديقة لحجاج وعائلته ليرتزقوا منها ومن خيراتها فيقرر حجاج فتح دكان في الجنينة يروج فيه مايخرج منها من ثمار فسمى الاب الدكان باسم شحاته ليزيد نقمة الاخوين على شحاته.

 المحور الثاني في الفيلم هو محور الفتاة الجميلة بيسة واخوها كرم، حيث ترتبط بيسة بعلاقة حب مع شحاته وتصل هذه العلاقة حد اعلان خطبتهما وسط اعتراض  سالم شقيق شحاتة الذي يطلب هو الاخر الارتباط ببيسة، كذلك فان كرم شقيق بيسه وولي امرها، كان متحفظا على ارتباط اخته بشحاته الذي يرى فيه ضعفا لايستطيع معه تحقيق عيشة طيبة لبيسة.

ووسط هذه التجاذبات يمرض الاب ثم يتوفى ليلعب الاخوان طلب وسالم دورا قذرا بالايقاع بشحاته وادخاله السجن ثم الاستيلاء على الجنينة والدكان وبيعهما بمساعدة  المغترب محمود ابن الدكتور مؤنس، الى سفير دولة اجنبية مقابل مليون دولار، ليخرج شحاته من السجن بعد سنوات ويفاجأ ببيع حلم حياته (الدكان) وزواج حبيبته بيسة من اخيه سالم وانجابه ولدا منه.

لقد كانت شخصية شحاته في الفيلم نموذجا للسلبية اذ تمادت في طيبتها الى الحد الذي دمرت فيه حياة البطل ونهايتها بالموت على يد شقيقه سالم وفي الوقت الذي يتوقع فيه المشاهد ان تشكل مكيدة السجن صدمة لشحاته يعيد على اثرها حساباته ويتحول الى ايجابية تساعده باسترداد حقوقه من اخويه لكنه ظل على طيبته وسلبيته حتى حين علم بزواج حبيبته من اخيه لتقوده هذه الطبية الى الموت في مشهد ميلودرامي سوداوي.

قد يكون موضوع الفيلم مألوفا وواضح المعنى والدلالات، لكنه شاهد النور على يد مخرج مبدع كخالد يوسف الذي اعطاه نكهة خاصة وانقذه من فشل ذريع. وعند تناول سيناريو الفيلم بعين فاحصة تكشف مآخذ عديدة اولها حجر الاساس في اي فيلم واقعي وهو الدراما وعناصر الصراع فيها، وهذه العناصر بلاشك هي شخوص الفيلم وما يدور حولها من متغيرات ومواقف درامية.

الفيلم اولا مال بكفة الدراما نحو الشخصيات السلبية التي تفوقت على نظيراتها الايجابية واكدت هذا التفوق طيلة دوران شريط الفيلم، فباحصائية بسيطة نجد ان عناصر السلب هي الشقيقين طلب وسالم وشقيق بيسة كرم غباوة وزوجته والمنافق وزوج شقيقة شحاته ومحمود ابن الدكتور مؤنس في مقابل عناصر الايجاب وهي شحاته وشقيقته نجاح وبيسة والاب حجاج والدكتور مؤنس والاخيران خرجا من دائرة الصراع بالموت والسفر. اما بطل الفيلم شحاته فلم يثر التعاطف بعد انصهار شخصيته في بوتقة التطهير مع المشاهد، اذا كانت طيبته التي طبعت شخصيته قريبة من الغباء والسذاجة الامر الذي لم يثر عاطفة المشاهد نحوه.

اما نقطة الضعف الكبيرة في سيناريو الفيلم فهي فبركة قضية اعتقال شحاته بتهمة التزوير عن طريق الختم الخاص بوالده وبقائه في السجن سنين عديدة.

وفي بحثنا عن نقاط ضعف اخرى، يستوقفنا مشهد عقد قران شقيق شحاته على بيسه وهي على فراش المستشفى بعد محاولتها الانتحار، ثم ثورة اخوي شحاته وشقيق بيسة على رفضها الانصياع لزواج الاكراه واتهامها بعذريتها والجميع يعلم سبب رفضها لهذا الزواج، وفض بكارتها بمساعدة شقيقها كرم، كذلك اصرار سالم على الارتباط ببيسة رغم علمه بمدى كراهيتها له ومشهد زيارتها للسجن متخفية بعد زواجها في حين انها ارتمت في احضانه عند خروجه من السجن.

ولا ننسى مشاهد المعارك في الشوارع التي كانت مقحمة ودون مغزى واخيرا مشهد هجوم شحاتة على الجنينة بعد خروجة من السجن رغم معرفته بنوايا شقيقيه لبيعها.

كيف جسد خالد يوسف رؤيته للفيلم:

لا يختلف اثنان على قدرة المخرج خالد يوسف الفنية فهو كما يعرف الجميع تشرب بحرفة السينما على يد ابيه الروحي يوسف شاهين لذلك جاءت مشاهد الفيلم لوحات جميلة ساعدت في رسمها كاميرا مدير التصوير ايمن ابو المكارم واضاءة حسن السيد والموسيقى التصويرية لاحمد سعد ويحيى الموجي، فكانت تلك المشاهد مليئة بالايحاءات ومنها مشهد قراءة الفاتحة لخطبة شحاته وبيسة خلف القضبان الحديدية ومشهد رقصة بيسة بين شحاته وشقيقها اللذين كان يتبارزان بالعصي، اضافة لمشاهد الجموع الجائعة والتظاهرات التي نجح خالد يوسف في قيادة مجاميعها ومشهد خروج شحاته من قاعة المحكمة وسط جموع المتظاهرين ومشهد استحمام شحاته وربطه بذكرى الماضي عندما كان ابوه يساعده بالاستحمام.

اما الرمزية التي استخدمها خالد يوسف فهي التي كانت تلازم استاذه في اغلب افلامه لكن رمزية خالد يوسف كانت فقيرة اذا كان يعتبر الدكان رمزا للانتماء يجب التمسك به وعدم التفريط ببيعه فهذا الدكان كان هدية من الدكتور مؤنس الذي تعطف على العائلة ومنحها اياه حتى ان الاب حجاج كان يردد بانهم شحتوا الدكان اي تسولوه وبالتالي لا يمكن اعتباره رمزا للاصالة والانتماء كذلك جاء طلب الاب بأن تغطى الشقوق في جدران الدكان بصورة جمال عبدالناصر غير مقنعا وان دل على تمسك الاب بوطنيته من خلال احتفاظه بصورة هذا القائد.

اما اشارات السينما لاحداث سياسية مرت بمصر كتظاهرات الخبز واضراب القضاة وغرق العبارة المصرية وحريق مسرح بني سويف والانتخابات فجاءت غير مقنعة ايضا لكن خالد يوسف عالجها بحرفته العالية في حركة المجاميع. اما لماذا اختار الفيلم ان يفرج عن بطله في زمن افتراضي هو العام 2013 ثم رجوع الاحداث بشكل ارشيفي تدريجي عاما بعد عام حتى يصل العام 1980 سنة ولادة شحاته ومقتل السادات فيجيب عليها خالد يوسف بانه يحذر من وقوع احداث مؤلمة في المستقبل.

التمثيل وتوزيع الادوار:

قد يكون اختيار خالد يوسف للنجمة اللبنانية هيفا وهبي كولادة وجه جديد يحسب له اكتشافه، لكن هذا الاختيار اوضح العكس تماما اذا كان وجود هيفا وهبي فرصة لرسم مشاهد اثارة، فهذه الشخصية كان يمكن لممثلات عديدات تجسيدها ورغم ان هيفا اظهرت في هذا الفيلم قدرة تمثيلية لافتة لكنها عمدت الى اظهار مفاتنها في اغلب مشاهدها، ورغم انها جسدت دور فتاة فقيرة الا ان الاثارة في ملابسها كانت واضحة حتى في مشهد الارجوحة الذي يمكن ان نعتبره حالة طفولية لبطلي الفيلم فقد جعلت هيفا ثيابها تتطاير لتجلب انتباه جميع من كان في مكان الالعاب، كذلك كان مشهد الحلم توظيفا لهذه الاثارة ولم يعط معنى آخر. العلامة المميزة في هذا الفيلم هي قدرة الفنانة غادة عبدالرازق على تجسيد كافة الادوار حيث ادت في الفيلم دور الابنة نجاح رغم ان هذا  الدور جديد عليها تماما لكنها اعلنت فيه قدرتها كممثلة  مقتدرة. كما اعتمد خالد يوسف على وجوه من الصف الثاني كعمرو عبدالجليل ومحمد كريم وطارق عبدالعزيز واحمد وفيق وصبري فواز والفنانة العراقية فاتن فتحي، لكنه استعان بامكانات قديرة كمحمود حميدة وعبدالعزيز مخيون ونجم الفيلم الواعد عمرو سعد.

الإتحاد العراقية في

19/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)