تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الإعلان التجاري: يثري جيوب الفنانين ويستثمر مجدهم الفني بلا حساب!

'أبو شهاب' آخر ضحاياه. وأم كلثوم قدمته ذات يوم. والأخوان رحباني كتبا ولحنا له:

دمشق - 'القدس العربي' من محمد منصور

استبعاد المخرج بسام الملا للفنان سامر المصري من مسلسل (باب الحارة) بسبب قيام هذا الأخير باستخدام شخصية العكيد (أبو شهاب) التي كان يجسدها، والظهور فيها عبر إعلان تلفزيوني لشركة اتصالات... يطرح قضية قديمة - جديدة في تاريخ الفن... ألا وهي ظهور الفنانين في إعلانات تجارية، غالباً ما يقبل بها الفنانون من أجل العائد المادي الكبير لا أكثر ولا أقل... فماذا عن علاقة الفنانين بالإعلانات... وخصوصاً أن هناك قمماً في تاريخ الفن العربي والسوري ظهرت في إعلانات تجارية؟!

أم كلثوم في إعلان صابون!

برزت ظاهرة اشتراك الفنانين في الإعلانات بقوة في الآونة الأخيرة... بسبب انتشار البث الفضائي الذي ألغى الحدود وحطم الحواجز التي كانت تقيمها التلفزيونات المحلية... فالشركات الكبرى صارت تدفع للفنانين مبالغ خيالية لأن انتشار الإعلان في الفضائيات الكبرى سوف يعيد لها ما أنفقته على الإعلان أضعافاً مضاعفة، لكن قبل عصر الفضائيات لم يكن اشتراك الفنانين في الإعلانات أمراً نادراً... وربما لا يعرف كثيرون أن سيدة الغناء العربي ظهرت في إعلان عن ماركة صابون في ثلاثينيات القرن العشرين، وكان عبارة عن إعلان صحافي نشرت فيه صورة لـ (أم كلثوم إبراهيم) وهو الاسم التي كانت توقع به أم كلثوم آنذاك... وأرفقت صورتها بالنص التالي: (الآنسة أم كلثوم تقول: أحببت نابلسي فاروق لأنه يحمل اسماً عالياً كريماً، والمليك لا يمنح اسمه إلا لمن يستحق هذا الشرف.. ثم جربت نابلسي فاروق فزادتني التجربة إيمانا بتفوقه ونقائه، بل زادتني ثقة في حاضر الصناعة المصرية ومستقبلها. إن من لا يستعمل هذا الصابون مقصر في حق نفسه لأنه لا يستفيد من زيت الزيتون في صفاء بشرته ونور عينيه... التوقيع: أم كلثوم إبراهيم). ولا يخفى هنا أن أم كلثوم لم تتبنَّ لغة الإعلانات وخطابها الترويجي وحسب، بل تبنت نبرة التزلف للعهد الملكي، حين اعتبرت أن اسم الملك فاروق الذي وضع على الصابون... هو لوحده شهادة على جودة هذا المنتَج!

الأخوان رحباني وإعلان برادات!

ومن أم كلثوم إلى الأخوين رحباني... المبدعان الكبيران اللذان طبعا ذاكرتنا المعاصرة بأرقى الأغنيات والألحان والأشعار... فقد عمل الأخوان رحباني في تلحين وكتابة إعلانات تجارية في خمسينيات القرن العشرين، وهي الفترة التي بدآ يُعرفان ويشتهران فيها... لكن عمل الأخوين رحباني لم يكن عبر إعلان صحافي كما السيدة أم كلثوم بل إعلان إذاعي في إذاعة الشرق الأدنى... ويروي الراحل منصور الرحباني في مذكراته:

(كانت فترة إذاعة الشرق الأدنى غنية جداً ومثمرة جداً، وهي أول إذاعة دخل إليها الإعلان التجاري، وكنا أنا وعاصي أول من صنع الإعلان عن فتح الدائرة التجارية، وهو يقول:

فيه مشروع جديد منربح فيه ع الهينة

ومنحط بجيبتنا 100 جنيه استرليني!

ووضعنا نحن أول إعلان كلاماً ولحناً، وكان لبراد (كروسلي) جاء فيه:

كروسلي كروسلي... براد كروسلي

واقف بالدار..... واقف يرقصلي

وباعتراف صاحب الشركة أنه باع نحو خمسمئة براد بفضل ذلك الإعلان الذي راج على ألسنة الناس).

إلا أن الأخوين رحباني نأيا في كل الأحوال بصوت السيدة فيروز أو صورتها عن الاستثمار الإعلاني التجاري... فقد أيقنا حجم التراث الفني الكبير الذي كانا يصنعانه، كما أدركا خصوصية الرمز الفني والاجتماعي الذي كانت تمثله السيدة فيروز عبر أعمالهم الفنية... ولهذا لم ينزلقا في العمل الإعلاني أكثر مما يجب.

مصر: من عمر الشريف إلى عمرو دياب!

وما دمنا في الحديث عن تاريخ الفنانين الكبار مع الإعلانات لا بد أن نذكر الفنان المصري - العالمي (عمر الشريف) الذي كانت له تجربة متعددة في عالم الإعلان التجاري... فقد سبق له أن ظهر في إحدى الإعلانات وهو يروج لنوع من السكائر الأجنبية، كما كان له إعلان عن مسابقات البريدج العالمية التي يشارك فيها باللعب، باعتبارها من رياضات النخبة وفنادق الخمس نجوم... فضلا عن أنه كان أول ممثل عربي يظهر في إعلان منتَج يحمل اسمه من خلال إحدى أنواع عطور التي أطلق عليها اسم (عمر الشريف)، وكان مصنوعاً من أخشاب الصندل التي يفضل عمر الشريف رائحتها! ولم يكن عمر الشريف وحيداً بين الفنانين المصريين الذي قدموا إعلانات... فقد قدمت يسرا إعلاناً، وظهر حسين فهمي في إعلان للسجاد باعتباره خبيراً فنياً يوثق برأيه وذوقه واختياره... وقدمت منى زكي إعلاناً عن شامبو للشعر، ثم مع زوجها الممثل أحمد حلمي إعلاناً آخر عن إحدى ماركات السيارات الشهيرة، وظهر المغني عمرو دياب في حملة إعلانية كبرى لشركة مياه غازية أمريكية، سبق أن اعتذر عن العمل عنها أثناء هجوم إسرائيل على لبنان في تموز (يوليو) 2006 ووقوف أمريكا كالعادة في صف تبرير العدوان... فقد خشى دياب على جماهيريته من الملايين الغاضبين من كل ما هو أمريكي... لكن ذلك بالطبع لم يكن سوى رغبة بالتأجيل وليس الاستغناء عن العرض كلياً!

سورية: طفولة أصالة... وبدايات نجدت أنزور!

وفي تاريخ الفن السوري الكثير من الأسماء التي كانت لها تجارب إعلانية، يتقدمها الفنان دريد لحام، في إعلان قديم عن احد أنواع العطور. وفي طفولتها غنت المطربة أصالة نصري العديد من أغاني الإعلانات ومنها أغنية لإعلان يانصيب تقول كلماتها:

يا دواليب الحظ دوري وهدّي ع النمرة

وخلي حلمي يتــــــحقق اليوم مو بكرا

المستقبل صار بإيدي ويا فرحة زيدي

واللي بيصبر بدو ينول لا بد شي مرة!

وبالنسبة للفنانين السوريين الآخرين، فقد كان الإعلان على الدوام مرتبطا بفترة سطوع نجوميتهم الشديدة... وفي هذا السياق يذكر المشاهد السوري أن الفنانة (صباح الجزائري) ظهرت في سبعينات القرن العشرين في إعلان عن مشروبات غازية... وأن الفنانة (نادين) ظهرت في الثمانينيات في إعلان تلفزيوني عن احد أنواع السمن، والفنان جمال سليمان ظهر في التسعينيات في إعلان عن معجون حلاقة، وظهر الفنانان باسم ياخور وأيمن رضا في سلسلة إعلانات عن إحدى أنواع ملمّعات الأحذية (البويا) والفنانة مرح جبر ظهرت في التسعينيات أيضاً وكانت في أوج شهرتها كنجمة جديدة - في إعلان عن الصابون، أخرجه المخرج الشهير نجدت أنزور... وأذكر أنني سألت مرح جبر في حوار لي معها عام 1995 عن سر قبولها بالإعلان وما إذا كانت قد تسرعت أم لا فبررت الأمر بالقول: (عندما وجدت مخرج الإعلان هو نجدت أنزور، وهو مخرج متميز، وعندما علمت بالإمكانات المرصودة لهذا الإعلان وكأنها مرصودة لسهرة تلفزيونية أي أنني أمام عمل فني بكل معنى الكلمة قبلت)!

وعلى ذكر المخرج نجدت أنزور فمن المعروف أنه بدأ حياته كمخرج إعلانات في الأردن قبل أن يتحول إلى الإخراج الدرامي، ويجد الفرصة المناسبة لتقديم مسلسلات ذات صورة (مبهرة) أثارت الكثير من الاهتمام والسجال بعد أن عاد إلى وطنه سورية... إلا أن الوسط الفني لم يغفر لنجدت غالباً عمله في مجال الإعلانات، وكثيراً ما عيره خصومه بذلك، فكتب المخرج هيثم حقي في كتابه بين السينما والتلفزيون يقول: (إن تأليه الصورة على حساب المضمون يجعل نجدت أنزور مستعداً لإخراج أي شيء حتى إعلانات الصابون)!

أبو شهاب.. إعلان على حساب الدراما!

وبالعودة إلى مشكلة الفنان سامر المصري... فقد أثار اشتراكه في إعلان تلفزيوني استهجان الكثير من زملائه في الوسط الفني، ليس لأنه أول من عمل إعلان في الوسط الفني السوري، بل لأنه أول فنان يقدم إعلانا بثياب شخصية فنية في مسلسل أجزاء ما زال يعرض على الشاشة... وقد شكل بذلك سابقة لفنان باع شخصيته الدرامية التي أعطته الكثير من الشهرة للمعلن، حتى قبل أن ينتهي تصوير أجزاء المسلسل!

وإذا كان الإعلان يرضي غرور الفنانين عموماً، لأنه يدر عليهم مالاً وفيراً في أيام قليلة من التصوير، قد يعادل ما يتقاضونه على أكثر من عمل فني يستغرق تصويرها أشهراً أو سنوات.. وإذا كان العرض الإعلاني الذي يقدم، يؤكد لهم أنهم أصبحوا قوة ترويج وتسويق واستثمار استهلاكي حتى خارج الفن... وإذا كانت هذه العروض الإعلانية تقدم للفنانين وهم في ذروة النجومية كما رأينا لدى الإعلانات التي نفذها كاظم الساهر لشركة اتصالات، والمطربة اللبنانية أليسا لشركة مجوهرات، ونانسي عجرم لمشروب مياه غازية شهير، وهيفاء وهبي التي بدأت حياتها الفنية بداية متواضعة في إعلان عن (معكرونة)، والنجمة السورية سلاف فواخرجي في إعلانها الشهير عن احد أنواع الشامبو... فإنه لا يخفى على أحد أن - وهذا ليس اكتشافاً - أن الهدف الأول لاشتراك الفنانين في إعلانات تجارية هو المال ثم المال ثم المال... وكل ما يقال عن الشروط الفنية التي يضعونها على شكل الإعلان وسويته الفنية ما هي إلا تحصيل حاصل، لأن وظيفة هذه الشروط تحسين شكل وجاذبية ظهورهم وليس رفع سوية الإعلان نفسه... أما التبريرات الأخرى التي اعتاد بعض الفنانين أن يتفذلكوا بها، كقضية ترويج المنتجات الوطنية إذا كان المنتَج محلياً، فهي لا تحتاج لأي مناقشة أو تفنيد... لأنها لا تقنع حتى طلاب المدارس الابتدائية ونزلاء رياض الأطفال!

القدس العربي في

13/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)