تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

عندما يسقط الكبار

قيس قاسم

أفلام كارثية عن كوارث وهمية

ليس عصيا على المشاهد فهم تباين مستوى الممثلين الكبار بين عمل وآخر. العصي هو تكرار سقوطهم في فخ إغواء المال والقبول بأدوار هابطة لا ترتقي بأي شكل من الأشكال الى مستوى أعمالهم المهمة السابقة. والصعب قبوله ان ترى فنانين كباراً ومخرجين وممثلين بامكانات إنتاجية ضخمة كلها تذهب هباء. انها كارثة سينمائية، هكذا يمكن تسميتها إذا أردتم الصراحة.

ان يعود توم هانكس، بعد اخفاقه في فيلم «دافنشي كود» الى العمل مع المخرج نفسه في فيلم جديد قصته مقتبسة من رواية ثانية لدان براون، بعنوان «ملائكة وشياطين»، وأن يقبل بتجسيد الشخصية السابقة نفسها، روبرت لانغدون، الخبير والبروفسور المختص في الرموز الدينية، أمر يثير الحيرة. ولو جاء الفيلم الجديد في مستوى جيد لأسكتنا وبدد استغرابنا، لكن أن يأتي في مستوى أقل من سابقه، فأمر أقل ما يقال فيه انه اسفاف فني غير مبرر لممثل كبير. يبدأ دور البروفسور روبرت لانغدون في «ملائكة وشياطين» عندما تتصل به شرطة الفاتيكان وتطلب منه البحث عن أربعة رهبان كانوا مرشحين لرئاسة الفاتيكان بعد وفاة البابا. ولأنه خبير في فك الرموز الدينية تطلب الشرطة منه التعاون معها لمعرفة الصلة بين اختطاف الرهبان والمنظمة الدينية «أيلومناتي» التي أعادت نشاطها من جديد، مستغلة فرصة موت البابا وامكانية الوصول بالقوة والتهديد الى قيادة الفاتيكان، للانتقام من الكنيسة الكاثوليكية التي نكلت بقادتها الأوائل حين طالبوا، قبل قرون، بربط العلم بالدين، الأمر الذي رفضته الكنيسة حينها واعتبرت دعاته خارجين عليها. إذن البحث سيجري عن أفراد من المجموعة التي يشك في انها سيطرت حديثا على سلاح ذري متطور يسهل الوصول الى صناعة قنبلة شديدة الانفجار، شبيهة بالقنبلة النووية. على هذا الخط تدخل عالمة الفيزياء النووية فيتوريا فيترا (الممثلة أيلت زورر) بعدما شهدت مقتل مدير المفاعل الذي كانت تعمل فيه وبعدما عرفت بوقوع القنبلة في يد رجال خطرين على المقر البابوي. وما ان يباشر الثنائي عمله حتى يتحول الفيلم الى سلسلة من عمليات فك رموز تاريخية كل منها يؤدي الى آخر وفي اتجاه الوصول الى المجرم الذي يحتجز الرهائن في كنيسة ما في روما ويهدد بقتلهم تباعا، حتى دنو لحظة نسف المركز البابوي بمن فيه.. والمثير للسخرية ان عملية البحث كانت تجري وكأنما المجرم قد وضع بنفسه دلالات تساعد الخبير للوصول الى مكانه. كل حركة اصبع في تمثال تقود البروفسور لانغدون في اتجاه، وكل بالوعة كنيسة تفضي الى أخرى، وهكذا وعلى مدى ساعتين تقريبا، دخلنا عبر تحليلاته الفنتازية، معظم كنائس روما الشهيرة وتعرفنا الى تاريخها وألممنا بكل رمز وطقس ديني فيها. ومع ذلك ظل كل شيء على حاله تقريبا. فكل الجهود المبذولة لتصعيد الفعل الدرامي، من اشراك كبار الممثلين، وتقنية الصوت والمؤثرات العالية الجودة، والموسيقى الخاصة لم تساعد في شيء. لقد وضعنا المخرج وسط دوامة من الحركة وتحليل للاشارات لا خروج منها... والمشكلة ان السيناريو لم يوفق في صنع لغز محير محكم، لذلك لم يأت ربط الحكاية بتاريخ الكنيسة بأي فائدة، وظلت القصة في حدود بحث تقليدي عن قاتل يريد تفجير المركز البابوي ويلحق الأذى بآلاف الناس الأبرياء الذين كانوا يتابعون صعود الدخان الأبيض ليعلن لهم عن انتخاب بابا جديد لكنيستهم. أي انه لم يخرج عن كونه شريط مغامرة عادية، حبكته ملفقة مبنية على سمعة روائي ذاع صيته. كما لم يساعد، حضور توم هانكس الجذاب والمحبب، في رفع مستوى الفيلم، بل انه بدا هو نفسه وفي مشاهد كثيرة مضحكا، وصارت اكتشافاته وفك طلاسم الغامض من رموز الكنيسة مدعاة للسخرية منه أكثر من وسيلة ابهار لمتابعها. لقد سقط هانكس في فخ السطحية وحصد ما فعل، وجاء فيلمه ضعيفا منفراً، لأنه ببساطة أراد الاستهزاء بذكاء المشاهد، وليته لم يفعل. لأنه قد يحصل على واردات كبيرة مثل «دافينشي كود» بسبب سمعة الرواية، لكن الجمهور لن يضيف الى سجله كممثل جيد، أي علامة ايجابية، وسيذكره بالسوء كلما جاء أحد على ذكر اسم فيلمه الأخير «ملائكة وشياطين».

«معرفة» نيكولاس

مثل توم هانكس تورط الممثل المتميز نيكولاس كيج في دور لم يضف الى رصيده شيئا، ولم تسعف قوة تعابير وجهه في اقناع المشاهد بأهمية فيلمه الأخير «معرفة»، الذي أخرجه الكس بروياس. وبدلا من الدخول التدريجي في عمق الاثارة التي يفترض ان المخرج يريد شدنا اليها في فيلم موضوعه يدور حول كارثة يتعرض لها كوكب الأرض، فان سرعة كبيرة تقودنا الى استنتاج مبكر بأننا أمام فيلم كارثة، لا امام كارثة. فالشريط مثل غيره من أفلام الكوارث التي تتحدث عن رجل أخذ يوما على عاتقه انقاذ الكوكب الأزرق من الدمار. ما يميزه عن سواه رتابته التي فرضها علينا نيكولاس كيج نفسه. ومع ان الفيلم يحكي حكاية خيالية تقترب من حكايات الخيال العلمي فقد ظل كيج محتفظا بأسلوبه نفسه: رجل صامت، حزين، يعاني من قلق وجودي دائم، تعبر عينيه عن حيرة في تفسير الظواهر الاجتماعية التي تجري من حوله، بمواصفات هذه الشخصية الثابتة نفسها سيلبس كيج الزي الدرامي لعالم في مجال الفيزياء الكونية، أسمه جون كوستلر، يحلل واحدة من رسائل كتبها طلاب مدرسة متوسطة، في العام 1959 ووضعتها ادارتها داخل اسطوانة دفنت تحت الأرض على أمل فتحها بعد نصف قرن. الورقة، أو الرسالة وقعت في يده، بعدما قررت ادارة المدرسة التي يدرس فيها ولده كاليب (الممثل تشاندر كانتربورغ) فتح الاسطوانة في احتفال رسمي وتوزيع أوراقها على الطلبة للذكرى، فكانت تلك الرسالة المشؤومة وبمحض المصادفة من حصة ولده. لقد كان العالم جون كوستلر من المؤمنين بنظرية ان كل أحداث الكون، من كوارث وحوادث مريعة مسيرة، وانها تجري وفقا لنظام حددها مسبقا. هذه النظرية ستقوده الى معرفة ما تحتويه الرسالة التي جاء بها ابنه الى المنزل. لقد وجد فيها تواريخ معاصرة تشير الى كوارث وفواجع بعينها وقعت بالفعل، مثل سقوط طائرات وغرق سفن وغيرها. المهم انه سيعرف من خلالها بموعد اصطدام الأرض بنيزك عملاق يدمره ويفني وجودنا البشري بأكمله. ولهذا السبب سيقبل كوستلر، عندما يأتي رجال من الفضاء، لأخذ ولده وصديقته معهم، في محاولة منهم لادامة النسل البشري. أي انهم سيرعيان نواة خلق الكوكب الأرضي الجديد. وهذه القصة قدمت بطريقة مفتعلة وبأداء فني أقل ما يقال فيه أنه ضعيف وغير مقنع. ضعف كامل في كل البناء الدرامي بدءا من التمثيل حتى أصغر التفاصيل. انه كارثة فنية حقيقية تسبب بها نيكولاس كيج ولن يستطيع تبريرها مطلقا. حين يسقط الكبار يسمع صوت دوي سقطاتهم من بعيد، ويظل صداها يتردد في آذان من يتابعون أعمالهم لزمن طويل.

الأسبوعية العراقية في

12/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)