تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

إبراهيم الأبيض .. والأحمر .. والأسود

ماجدة موريس

لا يوحي اسم (إبراهيم الأبيض) بأي معني من الممكن أن يتطرق إلينا فيما يخص مسألة البياض وما تعنيه من نقاء أو براءة ووضوح.

فالاسم هنا منفصل عن الفعل، وإن كان منسجما مع الفوضي السائدة في كل شيء في حياتنا، ولهذا كان يمكن لصناعه أن يسموه (إبراهيم الأسود) مثلا، أما «إبراهيم الأحمر» فهو أفضل كثيرا، لأن الدماء فيه للركب.. وبلا مواربة، تتفجر وتتناثر علي مدي الساعتين، وتبدو وكأنها فعل اعتيادي طبيعي وليست استثناء ولتصبح الألوان الثلاثة متجاورة ومتجانسة في هذا العمل السينمائي الجديد بكل ما تحمله من دلالات، أي الأبيض والأحمر والأسود، فهي الوان تحاصرنا منذ الميلاد وحتي الممات، نجدها متوافرة في المناسبات، ونستخدمها حين نعيش «لحظات درامية» مثل مباريات الفريق القومي الآن، لأنها ألوان العلم المصري!.. لكنها هنا تبتعد عن كل هذه الرموز والمناطق، لتصبح مباشرة وفجة، وينسحب منها الأبيض حين تصبع حياة ملايين من الناس في العشوائيات والمناطق المغلقة علي ذاتها مثل الاباجية التي تدور فيها أحداث الفيلم، والتي تشعر كمشاهد أنها منطقة منفصلة وربما مفصولة عن الدولة والمجتمع خارجها، يقتات الناس فيها علي بعضهم البعض بفعل قانون القوة.. ولا يستطيع غريب أن يتدخل حتي يمكنك أن تظن أن بلد ابراهيم الأبيض هذه دولة مستقلة بذاتها، أو بلد مجاور مستقل يملؤه الظلام، المادي والمعنوي، ويتحول سفك الدماء فيه إلي جزء من المعاملات اليومية كالطعام والشراب.. وفي هذا العالم المغلق يقتل والد ابراهيم الطفل أمام عينيه وعيني أمه (حنان ترك) بيد صبيان صاحب محل قوي وزوجته (سوسن بدر)، ولايتغير شيء بعد مقتل الأب سوي أن القاتل أخذ الصبي ليعمل عنده في المحل بحجة رعايته واعالته وأمه، واحتفظ إبراهيم بأسمه (الأبيض) برغم السواد الذي أنبثق بداخله لحظة موت أبيه لينهيه، ويفتح مجري للأحمر وجاءت اللحظة الملائمة لافلاته حين هرب من عقاب الرجل (القاتل) الذي لمحه وهو يستريح بجانب ابنته حورية (هند صبري) ويقفز الطفل ليصير شاباً في اللقطة التالية دلالة علي مرور الزمن، وليستمر هاربا وقافزا من حائط لآخر بسرعة حركة وذكاء لا مثيل لهما مع خفة وبراعة في استخدام السلاح الأبيض لإسالة دماء الآخرين كجزء من السلوك المعتاد، ومع صديقه عشري (عمرو واكد) النحيل ذو الشعر المشعث والسلوك العصبي بفعل تناول المخدر المستمر.. يظل ابراهيم وعشري يطيحان في العالم ويتلقيان نصيبهما من الطعنات إلي النهاية.. أنها دراما المكان الذي يفرض شروطه علينا وعلي الصورة ويفرض تحدياته علي الجميع، بداية من فنان الديكور انسي أبوسيف الذي صمم هذا الحي المغلق ليضع المشاهد في أزمة البطل منذ البداية، وأزمة كل ما حوله من بشر محكوم عليهم بالموت المادي والمعنوي والإنساني، ولقد استطاع المصور الفنان سامح سليم أن يستوعب ملامح المكان بصعوبته ليقدم لنا لقطات ومشاهد متقنة وصل بها أحيانا الي مستوي جمالي عال كما بدت قدرة المونتير خالد مرعي واضحة في هذا السرد البصري الذي جمع بين نوعي المشاهد اللذين تقلب الفيلم بينهما، أي الثابتة والمطاردات، واستطاع فنان الموسيقي هشام نزيه أن يكون موفقا ومؤثرا في لقطات وفقد تأثيره في أوقات أخري حين كان عليه أن يترك لنا فرصة لالتقاط الانفاس ومحاولة استخلاص أي خبرة من هذا الصخب المستمر الذي فرضته دراما تقدم «بورتريه» للعنف بدون أي محاولة لتحليله، أو للتوقف امام الشخصيات المؤثرة في الدراما والتعامل معها بقدر من الجدية والاحترافية، وحتي ولو كان (إبراهيم الابيض) هو أول افلام المؤلف عباس أبوالحسن فإنه بالقطع ليس أول الأفلام التي رأها كمشاهد، لأنه لا يمكن بناء فيلم يبدو كما لو كان أشبه بفيلم تسجيلي أو وثائقي عن واحد من الناس في منطقة لا تدخلها الحكومة أو البوليس أو الكائنات الأخري من أبناء نفس المجتمع، ورحلته مع البلطجة منذ قتل أبيه التي تبدو هنا مجردة من أي بناء إنساني واجتماعي، لا هو ولا عشري صديقه ولا أمه ولا «زرزور» المعلم الكبير وحورية التي أحبت إبراهيم وأحبها ثم تزوجت زرزور لتنتقم من إبراهيم وماتا معا علي يد زوجها مثل روميو وجوليت، لا يوجد في الفيلم وسط احتفائه بالحركة والمطاردات و«لغة السلاح» أي ملامح درامية وإنسانية لها قيمة، ولا يترك لمشاهده أي مساحة للتأمل، وأيضا يضلله حين يوحي له أن هذه المناطق التي يعيش فيها إبراهيم وأمثاله فتلك مسيرة سيده وليست خطيئة اقترفتها الحكومات المتعاقبة وسياساتها الفاشلة العاجزة عن رعاية مواطنيها، وبرغم أن كل هذه الدماء تسيل علي الشاشة، فإننا لن نجد شرطيا واحدا في الفيلم إلا ساعة القبض علي «الأبيض» بتهمة ملفقة ليقضي ثلاث سنوات سجن يخرج منها سريعا ليكتشف أن حبيبته «حورية» قد تزوجت معلمه ورئيسه زرزور الذي ضمه إليه إعجابا بشجاعته في ضرب وقتل جدعان منطقة كاملة، وكان إبراهيم قد ذهب إلي المكان ليسترد مخدرات سرقت منه فحدثت «المجزرة» التي لم يسبق لها مثيل علي شاشة السينما المصرية.. والتي ينتهي الفيلم بمجزرة أخري مقاربة لها التي يموت فيها البطل والبطلة وتخرج دماؤهما في جو قاتم.. لا يمكن إغفال قدرات المخرج مروان حامد في اختيار فريقه، في تقديم دراما تعتمد علي الحركة والمطاردة وفي قيادة فريق من الممثلين إلي الإبداع، ولكن لا يمكننا أيضا إلا أن نذكره - أي مروان حامد - بأنه فقد ميزة مهمة تميز فيلمه الأول «عمارة يعقوبيان» وهي القصة والسيناريو والبناء الدرامي القوي الذي لا تعوضه هنا حالة «إبراهيم» وحالة المكان وحالة البشر والمعارك التي تقشعر لها الأبدان من باب لسقف، ومن سطح لسطح ومن عشة لجدار.. أن عرض الحياة اللا آدمية للبشر لابد أن يحافظ علي إنسانيتهم، لأنهم ضحايا ولم يختاروا هذه الحياة البائسة.. ولأن الإنسان مهما ساءت حالته المادية لديه مشاعر وأفكار وجمال داخلي يقاوم القبح.. لكنه هنا مجرد من كل شيء.. إلا غريزة العنف!.

وفي النهاية لابد أن نتوقف عند الأداء التمثيلي المحترف والرائع للنجم محمود عبدالعزيز في أول أفلامه مع جيل النجوم الجدد، وهو هنا في دور عبدالملك زرزور يؤكد براعته في أداء الكاراكترات والشخصيات المميزة مثل «الهجان» ومثل «الشيخ حسني» في «الكيت كات» وغيرهما، أما «أحمد السقا» أحد أهم نجوم جيله من أبطال السينما الآن، فإن مقدرته التمثيلية توازيها هنا مقدرته كود للمعارك والمطاردات التي تكشف عن لياقة بدنية عالية برغم زيادة وزنه في دور يتطلب العكس، وأيضا يكتسب عمرو واكد في دور «عشري» المدمن أرضا جديدة كممثل ويبرع في إضافة كل ملامح الشخصية ومقوماتها، ومن النساء تقدم هند صبري أداء أفضل كثيرا تتخطي فيه الملامح الشكلية لحورية في الملابس والماكياج والشعر التي جعلتها غجرية «مودرن»، وتؤكد حنان ترك في مشهد أن موهبتها ومقدرتها العالية، أما سوسن بدر فلم تختبر.. لأن الدورأقل من قدراتها وكذلك باسم سمرة.

الأهالي المصرية في

09/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)